التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مجلسا النواب والدولة في ليبيا يستغربان تدخل الخارجية الليبية في لقائهم في المغرب    الرجاء يحقق فوزًا ثمينًا على شباب المحمدية بثلاثية نظيفة    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبد السلام بلاجي أستاذ القانون الدستوري والاقتصاد الإسلامي وخطيب جمعة في حوار مع التجديد
نشر في التجديد يوم 11 - 08 - 2002

الدكتور عبدالسلام بلاجي ليس خطيبا خفيف الوزن في العلم والمعرفة والخبرة فوق المنابر. فهو خطيب آتاه الله علما شرعيا معتبرا شهدت له أبحاثه الجليلة في العلوم الإسلامية، وهو أيضا أستاذ في الاقتصاد الإسلامي والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس، وعرفته منابر العاصمة الإدارية الرباط لمدة طويل من الخطابة. ولهذه المواصفات فالرجل مؤهل علميا وقانونيا ودستوريا ليحدث القراء عن موضوع ملأ الدنيا وشغل الناس في زمن الأدعياء المزيفين. في هذا الاستجواب الذي خص به "التجديد" يتوسع الدكتورعبد السلام بلاجي في فضح الحملة المغرضة ضد خطباء المنبر وفرسان الكلمة الشجاعة، ويكشف عن "عصابات الكذب والتشويه"، كا ينعرج الحوار على قضية الجمع بين المنبروالمسؤولية السياسية في البرلمان أو الجماعة الحضرية والقروية. وهذه تفاصيل الحوار:
إذا رشح الخطيب للانتخابات عليه أن يتوقف عن ممارسة الخطابة قبيل الحملة وأثناءها
وإذا فاز في الانتخابات عليه أن لا يخلط بين المنبر والبرلمان أو الجماعة المحلية
كان الإعلام والقوى السياسية في المغرب عموما توجه انتقادا للخطباء، تميزت بالحدة أحيانا، في كونهم لا يهتمون بهموم الناس و شؤونهم وحصر خطبهم ومواعظهم في أحكام الحيض والنفاس، وعندما بدأ الخطباء في الوعي بالمهمة المنوطة بهم بشمولية و توعية الناس بحقوقهم واستنكار ما في الحياة السياسية من اعوجاج، بدأت الحملة إعلاميا عليهم وانتهت بتوقيف البعض وعزل آخرين.
أنتم كخطيب ، لماذا هذا التحول في التعامل؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مع الأسف، بعض الأحزاب السياسية لا تنظر لعدد من القضايا إلا من زاوية انتخابية أو حزبية فقط، ولا أقول سياسية بالمعنى الواسع... فإذا كانت تحقق لها مكاسب ظرفية وانتخابية أو حزبية تبنتها، وإلا أهملتها أو حاربتها حسب الظروف... ولذلك فنحن لا نتحدث عن التحول كما سميتموه، بل نتحدث عن التقلبات العديدة والمتناقضة التي عرفتها مواقف بعض الأحزاب وتعاملهما مع شريحة خطباء الجمعة، فعلى سبيل المثال: في بداية سنة 1991، إبان حرب الخليج الثانية، تبنت الأحزاب وصحفها المختلفة قضايا الخطباء وخطب الجمعة جملة وتفصيلا، ونشرت أخبارهم وأظهرت تضامنا مع خطبهم المناصرة للعراق، وناصرت الموقوفين منهم إلى غير ذلك... وفي نهاية نفس السنة تقريبا، قامت بعض الجمعيات النسائية اليسارية بتقديم مطالبها -التي تتضمن بعض المطالب المخالفة للشريعة الإسلامية ؛المساواة في الإرث مثلا بين مختلف الورثة- فتصدى لها الخطباء قياما بواجبهم الأساسي، إلا أن الأحزاب اليسارية على الخصوص لم يعجبها هذا الموقف ، فقامت بمحاربتهم وطالبت بمصادرة حقهم في التعبير، فضلا عن التشهير بعدد منهم والمطالبة بتوقيفهم ومحاكمتهم... ونفس التقلب عرفناه في مناسبات عدة
أخرى، وخصوصا من طرف الأحزاب اليسارية التي لا تشكل المرجعية الإسلامية في برامجها ومواقفها إلا حضورا باهتا جدا.. فالمقياس عندهم هو المصلحة الحزبية أو المناسبة الانتخابية فقط، وليس المرجعية الإسلامية أو الوظيفة التربوية للخطيب وخطبة الجمعة.. وهذا هو مصدر هذا التقلب وليس التحول، لأن التحول إذا بني على أسس علمية وموضوعية قد يكون إيجابيا، على عكس التقلب الذي لا يستند إلا لأسباب ذاتية وظرفية، فإذا وافق الخطيب هواهم ومصالحهم ناصروه، وإذا خالفها حاربوه وشوهوه.
هناك مجموعة من الخطباء زاوجوا بين العمل السياسي والمنبر، هذه المزاوجة هل كانت قبل التحاق مجموعة من الإسلاميين بالعمل السياسي (وخصوصا البرلمان) أم فقط مع الإسلاميين في حزب (العدالة والتنمية)؟ وفي إطار هذه الحملة هل على الخطباء عدم الترشيح في الانتخابات المقبلة؟
أولا :يجب أن نعلم بأننا في بلد مسلم، المفروض أن تحكمه شريعة الإسلام وتسوده قيمه، وحينها لا يطرح أي إشكال من هذا القبيل. فالإسلام إيمان وصلاة وصوم وحج ، وزواج، وعقود، وعلاقات اجتماعية وأخرى تجارية و دولية... إلى غير ذلك، فالشأن الديني الخاص حسب المفهوم الغربي أو المسيحي المحرف أو العلماني، مرتبط بالشأن الديني العام في الإسلام.. وكل ذلك عبادة لله وفق تصور وشروط منضبطة وليس هناك انفصال بين الشأن الديني الخاص والشأن العام حسب التصور الإسلامي. لذلك فما سميتموه المزاوجة بين العمل السياسي والمنبر، يطرح إشكالا في المصطلح وفي المضمون، وهذا الإشكال نابع من التصور الغربي العلماني لدور الدين في الحياة والمجتمع، وبما أن الإسلام لا يفصل بين الشأنين، كما ذكرنا، أو قيام الخطيب أو غيره بالشأن العام سياسيا واجتماعيا أمر عادي جدا مثله مثل قيام أحد المصلين للإمامة بالناس في حالة غياب الإمام.
وفي تاريخ المغرب الحديث قام العلماء والخطباء بدورهم الاجتماعي دون أي اعتراض ،فكان منهم بعض الزعماء وقادة الأحزاب السياسية مثل: علال الفاسي ،زعيم حزب الاستقلال، والشيخ العربي العلوي أحد قادة الاتحاد الاشتراكي (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سابقا) ،فقد كان يلقب بشيخ الإسلام، وكان منهم نواب برلمانيون من مختلف الأحزاب السياسية من أمثال الفقيه :محمد البودراوي في بداية السبعينات، ومولاي علي العلوي من الحركة الشعبية في الثمانينات والفقيه البصري في التجمع الوطني للأحرار في نهاية السبعينات ونهاية الثمانينات... كما ترشح تحت لواء الاتحاد الاشتراكي عدد من الخطباء والعلماء إلى غاية الانتخابات التشريعية الأخيرة لسنة 1997، من أمثال الأستاذ عبد الحي العمراني في فاس، والشيخ العلامة عبد العزيز بن الصديق رحمه الله من طنجة ومن أمثلة ذلك كثير..والخلاصة أن ما سميتموه بمزاوجة حسب اصطلاحهم، أو ما نسميه بالمشاركة الطبيعية حسب التصور الإسلامي، مسألة قديمة قدم الإسلام سواء في هذه البلاد الطيبة وغيرها من بلاد الإسلام، وليس الأمر قاصرا على حزب العدالة والتنمية وحده.
أما بخصوص ترشح الخطباء في الانتخابات فلا نجد في الإسلام -وهو مرجعيتنا العليا- ما يمنعهم ، ولا نجد في الدستور والقوانين الانتخابية أو مواقف الدولة المعبر عنها من طرف وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية مرارا ما يحجر عليهم، فلماذا نحجر واسعا؟! بل دعنا نذهب بعيدا مع من يريدون التحجير-من منطلقات مختلفة :فنسأل: هل تمنع قوانين البلدان الحداثية في أوروبا وأمريكا: رجال الدين والرهبان من الترشيح؟!
والجواب بطبيعة الحال بالنفي، ونقول هذا لمن يستندون في مرجعيتهم على الغرب وفكره ويتخذونه مقياسا، ولكن هذه المرجعية خاضعة للعوامل الظرفية والأهواء والانتقاء الحزبوي والانتخابوي.
فمن حق الخطباء إذن المشاركة في الحياة العامة بأوسع معانيها، وليست الانتخابات والترشيح لها إلا جزءا بسيطا من هذه المشاركة والمخالطة اليومية، بل إن كثيرا من الناس يرون أن الخطباء أولى الناس بالترشيح إذا توفرت فيهم الكفاءة المطلوبة ،نظرا لما يتحلون به من الأخلاق الحميدة ،وروح المسؤولية في زمن قلت فيه هذه الضوابط في كثير من الناس وعلى رأسهم كثير من أحزاب الانتخابات.
والذي يترجح لدي هو :إن على الخطيب إذا رشح للانتخابات أن يتوقف عن ممارسة الخطابة قبيل وأثناء الحملة الانتخابية، حتى تتساوى حظوظه مع الناخبين مع بقية المرشحين حتى إذا انتهت الحملة الانتخابية عاد إلى منبره ،وإذا فاز في الانتخابات عليه أن لا يخلط بين وظيفة المنبر وبين وظيفة البرلمان أو الجماعة المحلية، فللمنبر وظيفة تربوية اجتماعية لا يجب أن تختلط بالوظيفة البرلمانية أو الجماعية، فيصبح المنبرمنطلقا للمطالب و المسيرات المطلبية أو الاحتجاجية أو غيرها من الوظائف التي ينبغي أن يتساوى فيها الخطيب مع بقية المنتخبين ويجعل قاعدتها ومنطلقها من قبة البرلمان أو من مقر الجماعة أو على صفحات الجرائد أو عبر وسائل الإعلام المختلفة.
ولكن ،لماذا هذا التخوف (العلماني /الحداثي) من الخطباء عموما؟
هذا التخوف نابع كما قلنا سابقا من معطيات ظرفية فقط، ففي أجواء الصحوة الدينية المباركة لا شك أنه إذا توفرت للانتخابات الشفافية والنزاهة اللازمة، فإن الناخبين المسلمين سيقومون في الغالب الأعم باختيار الأكثر نزاهة وخلقا وتدينا من مختلف الهيئات والأحزاب، ومن هؤلاء خطباء الجمعة، فلو كان -لمن أسميتهم- أصحاب التوجه الحداثي العلماني مرشحون معظمهم من هذا الصنف لما أعربوا عن هذا التخوف والتبرم ، ولكن هذا النوع نادر لديهم، وهوموجود عندهم ويتمثل في رجال أفاضل ونساء فضليات مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والغيرة على الإسلام، ولكنهم للأسف قلة... ولذلك فإن أولئك الذين لا ينتمون إلى هذه النوعية ،وهم الكثرة التي تسلقت وسيطرت على بعض هذه التوجهات يخشون من المنافسة والمنازلة في ميدان لا يمتلكون عدته، فعملوا بمقتضى شعارهم المعروف "علي وعلى أعدائي"، حتى يحرموا منافسيهم من سلاح أو امتياز لا يتوفرون عليه ولا يؤمنون به ولا يتوجهون إليه.
أما إذا قصدت بالتوجيه الإسلامي للانتخابات وتوعية المواطنين بأهمية المشاركة واختيار الأصلح للبلاد فهذا واجب من صميم واجبات كل مؤمن، فضلا عن خطيب الجمعة المطوق بمسؤولية الدعوة والتربية والتبليغ.
أما إذا كان المقصود به توجيه المصلين والناخبين من خلال خطبة الجمعة للتصويت لمرشح أو لحزب بعينه فلا ينبغي للخطيب أن يقوم بذلك، ولا أظنك تقصد هذا المفهوم.
وعلى الخطيب في فترة الحملة الانتخابية، إذا لم يرشح ويعتزل الخطبة أن يلتزم الحياد إزاء جميع المرشحين والهيآت والآحزاب، وأن يكتفي بالتوجيهات العامة التي تحث الناس على اختيار الأصلح للبلاد والعباد وصلاح الدنيا والدين، وعدم تزوير أو الارتشاء أو إفساد العمل الانتخابي الذي هو شهادة يسأل عنها المؤمن يوم القيامة ، ويتحمل نتائجها السلبية أو الإيجابية في الدنيا قبل الآخرة، وأظن أن مثل هذه التوجيهات لا تغضب إلا المرتشين والمفسدين والمزورين.
ولكننا نجد بعض الأحزاب ترفع شعار حرية الفكر والتعبير، فإلى حد يصدق هذا الشعار واقعا؟
حرية الفكر والتعبير عند كثير من الناس الذين يسوقونها ليست إلا شعارا ذاتيا وظرفيا، وهذا الشعار عندهم هو حلال عليهم حرام على غيرهم ممن يخالفونهم، فمن كان يؤمن بالديكتاتورية البرورليتارية وسحق الأعداء الإيديولوجيين وقتل وتصفية أعداء التوجه الثوري.. وغير ذلك من المقولات، كيف له أن يؤمن بحرية التعبير والفكر لغيره من أصحاب التوجهات الأخرى خصوصا المخالفة، وبالأخص ما يسمونهم بهتانا وزورا ب>الظلامية والرجعية والأصولية والإسلاموية<... وغيرها من المصطلحات المغرضة المطحونة والمعجونة عجنا لا يستقيم مع لغة سليمة أو فهم أو ذوق سليمين ،فالحرية التي يؤمنون بها هؤلاء والتي نجدها في كثير من صحفهم وأقوالهم هي حرية في المعتقدات الدينية ونشر الإباحية والتحلل بين صفوف الشباب... أما من يخالفهم توجههم هذا ،فهو في منظورهم رجعي لا يستحق الحرية ولا يجوز له التعبير عن آرائه >الظلامية< في زعمهم.
بعض المفكرين الإسلاميين كالبوطي والغنوشي بالإضافة إلى الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري يذهبون إلى الابتعاد عن السياسة والاكتفاء بالدعوة والتربية. ومبررهم في ذلك هو تنزيه الدين عن سقطات السياسة وأوساخها، وعدم جعل الإسلام قسيما للأحزاب. ما مدى صواب هذا الرأي ؟
للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ظروفه الخاصة، أما الآخرون الذين ذكرتهم ، فبخصوص وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية د. عبد الكبير المدغري، فما فتئ في عدة مناسبات يدافع عن حق الجميع خصوصا الخطباء في مناقشة القضايا السياسية دون إثارة النعرات الحزبية أو الطائفية، فقد كان في عدة مناسبات، كان آخرها خطة إدماج المرأة في التنمية، مدافعا عن الخطباء وحقهم المشروع في التعبيرعن آرائهم المستمدة من الشرع الإسلامي الحنيف لدرجة اتهمه البعض بالتواطئ .. وهو ما استبعده من خلال تجربتي التي فاقت عقدا من الزمن، حيث لم أتلق أي توجيه لخطبي، لا من وزارة الأوقاف ولا من المجالس العلمية، اللهم إلا من بعض الخطب المتعلقة بالمناسبات الوطنية أو القضايا الاجتماعية كالدخول المدرسي والوقاية الصحية، أو مناسبات عالمية كاليوم العالمي لمحاربة التدخين والسيدا وغيرها...
أماتنزيه الدين عن سقطات السياسة فعن أي سياسة تتحدثون؟ إذا كنتم تتحدثون عن السياسة الميكيافيلية التي يتخلق أصحابها بمكر الثعالب ودهاء الذئاب وبطش الأسود، فهذه ليست منا ولسنا منها، أما السياسة الشرعية التي قوامها صلاح أمور الدين والدنيا وعدم الإفساد، فلا أظن أن هناك سقطات، اللهم إذا تعلق الأمر بشخص الخطيب وعلمه وتمكنه، وهنا على الجهات المعنية أن تحسن اختيار الخطباء وأصلحهم لتجنب الكثير من المشاكل والعثرات.
هل لهذه الحملة علاقة خارجية بما تتزعمه الولايات المتحدة من حملة لمكافحة ما تسميه بالإرهاب؟
أولا يجب التأكيد أن هذه الحملة انطلقت قبل المواقف الأمريكية المعلن عنها مؤخرا ، بعد أحداث نيويورك وواشنطن في 11 شتنبر 2001، ولكن هذا لا يمنع أن بعض التيارات المعادية للأصالة والتوجه الإسلامي ركبت هذه الموجة ، وتجلى استغلالها لذلك في عدة مظاهر و مواقف سياسية، مثل اتهام بعض المعتقلين المسلمين قبل صدور أية أحكام قضائية بشأنهم، وأيضا محاولة تلغيم العلاقات بين الحاملين للمشروع الإسلامي من جهة والأنظمة الحاكمة والمجتمعات الإسلامية من جهة أخرى، وذلك بركوب اتهام التوجهات الإسلامية بالإرهاب والتطرف، و كذا استغلال بعض الحوادث المعزولة والتصرفات الفردية لوصم الاتجاه الإسلامي بكل تشكلاته بالإرهاب، وتخويف المواطنين والمنتخبين من " الاكتساح الإسلامي الارهابي" وغير ذلك من المسميات في نطاق حملة انتخابوية ونظرة سلبية تسبق الاستحقاقات الانتخابية التي يعتقد هؤلاء أنها كل شيء في مواقفهم المتقلبة، غير مدركين أن أصحاب التوجه الإسلامي، ومن بينهم خطباء الجمعة والفقهاء والعلماء هم حملة عقيدة وأصحاب دعوة لا تتأثر بالتغيرات الظرفية والمواقف المستمدة من الأهواء. وبطبيعة الحال فإن الغرب وعلى رأسه أمريكا لا يحتاج
إلى دعم هؤلاء، بل هم الذين يتزلفون إلي فتات موائده، وهم يدركون في قرارة أنفسهم نظافة ونزاهة أصحاب التوجه الإسلامي ومن بينهم الخطباء والفقهاء والعلماء.
هناك من الفقهاء والخطباء من يتهيبون الخوض في الشأن العام في مختلف مناحيه. كيف تفسرون هذا الموقف؟ وما هي توجيهاتكم كخطيب لهؤلاء الخطباء؟
أعتقد إن كان هؤلاء موجودين فهم قلة، ربما يرجع وجود بعضهم -إن صح ذلك - إلى ثلاثة أسباب حسب ما أعتقده:
إما إلى نقص دراية وعلم بمكونات الإسلام و منظومته العقدية والحضارية والعقدية.
وإما إلى تهيبهم وتخوفهم من أوهام لا وجود لها نتيجة الحملة المسعورة المسلطة على الفقهاء، والتي تجعل بعضهم يتخوف على مورد رزقه أو مكانته الاجتماعية، وهو تهيب وتخوف لا مبرر له في ظل دولة إسلامية كالمغرب ينص دستورها على إسلاميتها، ويترأسها ملك يحمل لقب أمير المؤمنين.
والثالث يعود إلى فئة متأثرة بنظرة حزبية أو انتماء حزبي ضيق، أو عدم مواكبة المستجدات الطارئة وعدم الوعي بالتحديات التي تواجه الإسلام والمسلمين.
حاوره:خليل بن الشهبة
بطاقة تعريفية:
الدكتور عبد السلام بلاجي من مواليد الدار البيضاء سنة 1953.
أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق السويسي الرباط (1994 1998).
أستاذ الاقتصاد الإسلامي بكلية الآداب الرباط منذ 1994 إلى 2001).
خطيب وإمام مسجد بالرباط
متزوج وأب لسبعة أبناء، ثلاث بنات وأربعة ذكور.
شغل عدة مناصب بمصالح المجلس التشريعي لمدة 22 سنة.
مؤسس جريدة العصر ومدير تحريرها: 1997 1999.
عضو سابق في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية.
ألف عدة مؤلفات في الاقتصاد الإسلامي منها: "دور الزكاة في التنمية وإدخالها في النظام المالي للدولة" منشورات كلية الاداب 1989، وأخرى في الفقه والأصول والتشريع الإسلامي، وحصل مؤخرا على دكتوراه في أصول الفقه الإسلامي، ويحضر حاليا دكتوراه أخرى في العلوم السياسية بكلية الآداب بالرباط.إضافة إلى عدة مقالات سياسية ومشاركات في ندوات داخل الوطن وخارجه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.