دعت نعيمة دريدري إلى ضرورة إنشاء مؤسسة مختصة بتدبير الإنفاق العمومي لصالح الفقراء، وأضافت المستشارة الأسرية إلى أن هذه المؤسسة ستسهل عملية جمع الأموال من المحسنين واستثمارها من جهة وتنظيم توزيعها على المحتاجين بشكل معاصر منضبط بالأحكام الشرعية من جهة ثانية. كيف يمكن مضاعفة عمليات الإحسان إلى الفقراء والمساكين وتوفير شروط العيش لهم؟ إن الإحسان إلى الفقراء والمساكين ينبغي ألا ينحصر في تقديم لقمة عيش تشبع جائعا، وثوب يكسي عاريا، دون الاهتمام بشؤونهم، وبناء قدرات القادرين منهم على العمل من أجل تأهيلهم وزيادة إنتاجهم، للإشباع احتياجاتهم، وتمكينهم من التعرف على مشاكلهم، والتعبير عن طموحاتهم، وتحسين مستواهم الصحي والتعليمي، وتوفير سكن مناسب لهم وحماية اجتماعية، وهذا لا يتحقق إلا بتضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. كيف كفل الإسلام هذا الحق للفقراء والمحتاجين وكل الفئات الهشة؟ اعتنى الإسلام برعاية الفقراء والمحتاجين، فأوجب لهم حقوقا وحرص على حفظها، صيانة للمجتمع والأسرة، وأوجد آليات لتنفيذ هذه الرعاية، ففرض الزكاة، وهي حق معلوم في أموال الأغنياء، وجعل أدائها ثالث أركان الإسلام وأهم قواعد الدين قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)، وسن الصدقات التطوعية ورغب فيها تحقيقا للتكافل الاجتماعي، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن في المال لحقا سوى الزكاة». ودعا ذوي القربى إلى التضامن والتكافل، يحمل القوي الضعيف، ويكفل الغني الفقير قال الله تعالى: (أتي ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا). شرع الإسلام حقوقا أخرى كالوقف الخيري والنذور والكفارات وحقوق الجيران ورعاية الأيتام وحق السائلين، إضافة إلى الحقوق المقررة للفقراء والمحتاجين من الموارد المالية العامة للدولة. كيف يمكن مأسسة جميع آليات الإنفاق (الهبات، الصدقات، الزكوات، الأوقاف..) على الفقراء والمساكين حتى يكون لها دور فعال في تحقيق مقصد "الإغناء" الذي جاء به الإسلام؟ إن وجود مؤسسة مختصة بتدبير الإنفاق العمومي لصالح الفقراء، أصبحت ضرورة ملحة لتنظيم أفضل لعمليتي جمع الأموال من المحسنين واستثمارها من جهة وتنظيم توزيعها على المحتاجين بشكل معاصر منضبط بالأحكام الشرعية من جهة ثانية. وتقع على عاتق الحكومة مسؤولية إحداث مؤسسة عمومية لهذا الغرض، وتحديد مهامها، وتوفير الموارد البشرية واللوجستيكية، لتقوم بدور فعال في تحصيل الزكوات والصدقات والهبات والأوقاف، وتنمية هذه المداخل من خلال الاستثمار في مشاريع مختلفة. إن نجاح مؤسسة الإنفاق تحتاج إلى تنسيق مع مؤسسات حكومية أخرى لعملها، (كوزارة الداخلية ) لتكوين قاعدة بيانات للمزكي، وضبط لوائح الفئات الاجتماعية، المرشحة للاستفادة من هذه المساعدات، طبقا لما ينص عليه الشرع الحكيم.