تنص القاعدة القانونية على أن إخطار الإدارة بالإضراب عن العمل يندرج في سياق ترتيب الأوضاع الإدارية والقانونية لتفادي عرقلة سير المرفق، ولئن كان حق الإضراب مضمونا دستوريا، فمن حق الإدارة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان استمرارية نشاط المرفق العام، وفرض ضوابط قانونية وإجرائية تضمن عدم إساءة استعمال حق الإضراب و انسجامه مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق الإدارية والقوانين المرعية، بما فيها حق اللجوء إلى الاقتطاع من الأجر طبقا لقاعدة :"الأجر مقابل العمل"التي أقرها الاجتهاد القضائي في العديد من قراراته، ويعمل بها في العديد من الأنظمة القانونية المقارنة، اعتبارا لكون الأجر يؤدى مقابل قيام الموظف بالوظيفة المسندة إليه بصرف النظر عن طبيعة العلاقة التي تربطه بالإدارة وفق ما يستشف من الفصلين 26 و42 من قانون الوظيفة العمومية، ما لم يكن المعني مستفيدا من رخصة قانونية وفق الحالات المقررة قانونا، فالإضراب باعتباره انقطاعا عن العمل يعد تغيبا لا يندرج ضمن حالات التغيب المرخص به قانونا بصرف النظر عن مشروعيته، دون أن يشكل ذلك الإجراء عقوبة إدارية أو مصادرة لحق الإضراب المضمون دستوريا، ما دام أنه لا يمنع حق الموظف وحريته في ممارسة الاضراب، غير أن تصرف الإدارة وتفعيلها لقرار الاقتطاع من الأجر، يظل خاضعا لرقابة المشروعية من طرف قاضي الإلغاء. لا اقتطاع في غياب احترام الإجراءات الشكلية عالجت المحكمة الإدارية بالرباط "قسم الإلغاء"يوم 27/11/2013، الملف عدد 262/5/2013، القاضي بالحكم بإلغاء قرار الاقتطاع من الأجر إثر التغيب بسبب الإضراب، وإرجاع المبلغ المقتطع مع النفاذ المعجل. المحكمة أقرت بأن الاقتطاع من الأجر يستلزم توجيه استفسار كتابي للموظف حول أسباب تغيبه عن العمل لذلك قضت بقبول الدعوى في الشق المتعلق بإلغاء قرار الاقتطاع من الأجر وعدم قبولها في الشق المتعلق بطلب التعويض، أما في الموضوع فحكمت بإلغاء القرار المطعون فما هو تعليل المحكمة؟ أسس المدعي الدعوى على عدم مشروعية قرار الاقتطاع من الأجر، لكون التغيب كان مشروعا وتم من أجل ممارسة حق الإضراب المضمون دستوريا، فضلا عن خرق الادارة للمسطرة الواجبة قبل الاقتطاع بعدم توجيه إنذار بهذا الاقتطاع قبل مباشرته. ودافعت الإدارة المطلوبة عن الطعن في مشروعية قرار الاقتطاع لأن حق الإضراب وإن كان حقا دستوريا فهو لا يمارس بشكل تعسفي، وأن المعني تغيب مدة أربعة أيام دون مبرر مشروع، بينما الأجر يكون مقابل العمل، وأن الادارة احترمت المسطرة القانونية ووجهت استفسارا حول أسباب التغيب، لكن في ظل غياب النص التنظيمي لممارسة حق الإضراب، فإن القاضي الإداري انطلاقا من دوره الإنشائي للقواعد القانونية يكون ملزما باعتماد ضوابط ومعايير من شأنها أن تضمن الموازنة بين الحماية القانونية لممارسة حق الإضراب باعتباره حقا دستوريا(الفصل 29 من الدستور)، والمصالح المعتبرة قانونا التي يقتضيها ضمان السير المنتظم للمرفق العام لرفع الضرر اللاحق به وبالمرتفقين على السواء، وفق ما تم تأصيله من طرف قضاء مجلس الدولة الفرنسي عندما أعطى الاختصاص للقاضي الإداري في خلق الموازنة بين مبدأ استمرارية المرفق العام والحق في ممارسة الحرية. نظم المشرع مسألة الاقتطاع من أجر الموظف بنصوص قانونية منها القانون رقم 81.12 بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة، والمرسوم الملكي رقم 330.66 بمثابة النظام العام للمحاسبة العمومية، والمرسوم رقم 2.99.1216 المؤرخ في 10/05/2000 بتحديد شروط وكيفيات تطبيق القانون رقم 81.12، وهي المقتضيات التي تضمنت وجوب احترام إجراءات شكلية قبل مباشرة أي اقتطاع من الأجر، إلا أن مراقبة شرعية قرار الاقتطاع من الأجر تستوجب التحقق من احترام هذا الاجراء القانوني للمقتضيات المسطرية المنظمة له، وفق الغاية التي أقرها المشرع من وجوب احترام هذه الشكليات. وحيث إنه في نازلة الحال، فإن الإدارة المطلوبة في الطعن طبقت المقتضيات القانونية، غير أنها ولئن دفعت باحترام المسطرة القانونية وتوجيه استفسار في الموضوع، فإنها لم تدل بما يفيد توجيه هذا الاستفسار قبل مباشرة الاقتطاع احتراما للنص القانوني المستند إليه، وللضمانات التي يوفرها للمخاطبين بأحكامه، ما دامت هذه الشكلية مقررة لصالح الموظف لتفادي عنصر المفاجأة في الاقتطاع وتخويل المعني به فرصة التحضير لنتائج النقص الذي تتعرض له أجرته الشهرية تبعا للالتزامات المالية المترتبة عليه، فتكون شكلية جوهرية تمس بشرعية القرار المخالف لها. وفي ظل نفي الطاعن سبق توجيه أي استفسار إليه قبل مباشرة الاقتطاع، مع منازعته الجدية في الإخلال بهذا الإجراء الشكلي الجوهري المستمد من حق الدفاع المكرس دستوريا، فإن الإدارة لم تدل بما يفيد احترام المسطرة القانونية المقررة في حالة اللجوء الى الاقتطاع من أجر الموظف..ألغت المحكمة قرار الاقتطاع. الإضراب ليس حقا مطلقا التنصيص على الحق في الإضراب في إطار القانون الذي ينظمه قصد به المشرع القيام بالتوفيق الضروري بين الدفاع عن المصالح المهنية الذي يمثل الإضراب أحد وسائله، وتأمين المصلحة العامة التي قد يترتب على الإضراب المساس بها، وإن كان الإضراب يعبر عن ضرورة سياسية واجتماعية عميقة وتتم ممارسته في إطار نمط مؤسساتي منضبط بعيدا عن المساومات السياسية، فهو محدد في الزمان وله عدة قيود. ألغت المحكمة الإدارية بمكناس(الحكم عدد 63/2001.ع) قرار وزير التربية الوطنية بشأن توجيه عقوبة الإنذار في حق معلم أضرب عن العمل رغم أن العارض كان قد شارك كباقي المعلمين في الإضراب ليوم 12 يوليوز 2002 تبعا لقرار النقابة التي ينتمي إليها، حيث عزز مقاله الافتتاحي بصورة شمسية لبرقية الإخبار بالإنذار وثلاثة عرائض وبطاقة العضوية للنقابة. مبدئيا، الإضراب حق دستوري، إلا أن الدستور نص على أن تكون ممارسة هذا الحق طبقا للقوانين التي تصدر بتنظيمه، وعدم صدور تشريع تنظيمي بهذا الخصوص، لا يعني إطلاق هذا الحق بلا حدود ولا قيود، بل لا بد من ممارسته في إطار ضوابط تمنع من إساءة استعماله، وتضمن انسجامه مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق العمومية على نحو لا يمس سيرها المنتظم بشكل مؤثر، فإذا انطوت ممارسة هذا الحق على إخلال خطير بسير أحد المرافق العامة، أو تعريض النظام العام للخطر، كان للإدارة، بل من واجبها توقيع الجزاء على من خرج من الموظفين على هذه المقتضيات، فالدستور عندما نص على الحق في الإضراب في إطار القانون الذي سينظمه قصد بذلك دعوة المشرع إلى القيام بالتوفيق الضروري بين الدفاع عن المصالح المهنية الذي يمثل الإضراب أحد وسائله، وتأمين المصلحة العامة التي قد يترتب على الإضراب المساس بها. واعتبارا لذلك، فإن الإضراب ليس حقا مطلقا بل يخضع كغيره من الحقوق لقيود تضمن ممارسته بشكل سليم وتحفظ السير العادي للمرفق مع ضمان حرية التعبير عن المطالب المهنية. وهكذا فإن الاجتهاد القضائي المقارن مستقر على تقييد ممارسة حق الإضراب باحترام ضوابط معينة، من جملة ذلك وجوب إخبار السلطات المعنية بالإضراب المراد القيام به وتوقيته، وذلك حتى تتحسب الإدارة لما يمكن أن يحدثه هذا التوقف من تأثير سير المرفق، وعليه فإن الإضراب المباغت أو الطارئ يعتبر غير مشروع، (قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 31 أكتوبر 1984 في قضية الفدرالية الوطنية للنقابات الحرة للبريد والمواصلات).كما أنه يجب أن يستهدف الإضراب تحقيق مكاسب مهنية أو الدفاع عنها، وبمفهوم المخالفة فإن الإضراب السياسي لا يندرج ضمن الإضراب المشروع (قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 18 فبراير 1951 في قضية BERNOT)، إضافة إلى ذلك فإن ممارسة الإضراب يجب أن يكون بناء على توجيه من نقابة ذات تمثيلية ومشكلة تشكيلا قانونيا (قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 21/07/1972 في قضية الفدرالية النقابية المسيحية للعاملين بالبريد والمواصلات)، كما أنه يجب أن يكون الإضراب محددا في الزمان، أما الإضراب المفتوح فلا يكتسي طابعا شرعيا لما له من تأثير خطير على سير المرفق العمومي، وعموما فإن الإضراب لا ينبغي أن يمارس بشكل تعسفي أو يستغل في إطار المساومات السياسية. المادة الخامسة من مرسوم 15 رجب موافق 05 فبراير 1958 المتعلق بممارسة العمل النقابي من طرف الموظفين، تنص على:"أن كل توقف مدبر عن العمل، بالنسبة لكل الموظفين، وكل عمل جماعي يؤدي إلى عدم الانقياد بكيفية بينية يمكن المعاقبة عليه خارج الضمانات التأديبية"، فإن مقتضيات هذا المرسوم والتي تتضمن معنى مطلقا لحق الإضراب، تعتبر غير منسجمة مع المقتضى الدستوري الوارد لاحقا، والذي أكدته الدساتير المغربية المتعاقبة، لذلك فإن هذا المنع المطلق يسقط لعدم انسجامه مع مقتضيات الدستور. وتأسيسا على ما ذكر، وبالرجوع إلى معطيات النازلة يتبين أن الإضراب الذي قام به المدعى رفقة باقي المعلمين بتاريخ 01/03/2000 قد احترمت بشأنه مسطرة الإشعار كما هو ثابت من نسخة البرقية (صورة شمسية)الموجهة إلى النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بالراشيدية، كما جاء في مقال الطعن، وهو شيء لم تنفه الجهة المدعي عليها، وإن هذا الإضراب كان ليوم واحد، ولم يكتس طابعا سياسيا، ولم تدل الجهة المدعى عليها بما يناقض ذلك، لذلك تكون واقعة الإضراب المعتمدة من قبل الإدارة للقول بتقصير الطاعن في ممارسته واجباته المهنية غير صالحة لبناء عقوبة الإنذار على أساسها، مما حاصله أن القرار المطعون فيه يعتبر موسوما بعدم الشرعية لعدم تأسيسه على سبب مشروع، ومن ثم يتعين الحكم بإلغائه. العمل مقابل الأجر نفذت وزارة العدل و الحريات قرارا يتعلق باقتطاع أجرة أيام الإضراب ل 2771 كاتب ضبط سنة 2012، الوزارة أكدت على أن هذا كلف الدولة أزيد من 10 ملايين و877 ألف درهم. فيما فاقت عدد ساعات العمل الضائعة 472 ألف ساعة. دراسة سابقة لوزارة العدل و الحريات أوضحت أن موقف التشريعات الأجنبية، فيما يخص تقنين حق الإضراب وشروط ممارسته، والقيود المفروضة عليه، يختلف من دولة إلى أخرى. وفي هذا الإطار، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن عددا من الدول التي صادقت على الاتفاقية رقم 87 المتعلقة بالحريات النقابية، لا تعترف بحق الإضراب في الوظيفة العمومية (بما في ذلك الموظفين الذين لا يمارسون السلطة باسم الدولة)، كما أن عددا آخر من هذه الدول بفرص قيودا على هذا الحق بكيفية تجعل ممارسته شبه مستحيلة، في حين جعلته دول أخرى ممنوعا في قطاعات محددة أو تفرض اللجوء الإلزامي إلى التحكيم في حالة إعلان الإضرار ولو من جانب واحد، أو تفرض ضرورة الحصول على موافقة نسبة معينة من العمال من أجل اتخاذ قرار اللجوء إلى إعلان الإضراب، تصل في بعض الدول إلى أغلبية ثلثي هؤلاء العمال. وعن الأسس القانونية التي يمكن اعتمادها لإجراء الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل في انتظار صدور القانون التنظيمي المنصوص عليه في الفصل 29 من الدستور، والذي يجب أن يحدد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، تفرض المقتضيات القانونية الجارية حاليا، التمييز بين حالة التغيب لأسباب غير مشروعة، وحالة عدم أداء العمل لأسباب أخرى. لقد اعتبر المشرع، بكيفية صريحة، كل تغيب عن العمل دون ترخيص من الإدارة، تغيبا غير مشروع يستوجب الاقتطاع من الأجر، وذلك بموجب القانون رقم 81-12 الصادر بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة. من بين المبادئ الأساسية التي أقرها المشرع في مجال المحاسبة العمومية، مبدأ أداء الأجرة مقابل أداء العمل، وهو المبدأ الذي نص عليه الفصل (41)من المرسوم الملكي رقم 60-330 الصادر في 21 أبريل 1967 بسن نظام عام للمحاسبة العمومية، حيث لا يتم أداء الأجرة إلا بعد تنفيذ العمل. وينطبق هذا المبدأ على الحالات التي يتم فيها الانقطاع عن العمل لأسباب أخرى غير حالة التغيب لأسباب غير مشروعة، بما فيها حالة اللجوء إلى الإضراب، ويترتب عن ذلك أن للإدارة الحق في أن تقتطع مدة التغيب من الأجرة لكل موظف لم يقم فعليا بمزاولة عمله وانقطع عنه بكيفية إرادية، كما ينطبق هذا المبدأ، بصفة خاصة، على حالات الموظفين الذين يلجؤون إلى ممارسة حق الإضراب بكيفية تعسفية، دون مراعاة المبادئ الدستورية المشار إليها سلفا، وفي مقدمتها مراعاة حقوق المواطنات والمواطنين في الحصول على الخدمات العمومية، ومبدأ استمرارية المرافق العمومية، ومبدأ رعاية المصلحة العامة وحمايتها، ومبدأ التلازم بين ممارسة الحق والقيام بالواجب، ومبدأ ممارسة الحقوق بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة. وتجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن المادة 32 من مدونة الشغل قد أدرجت "مدة الإضراب"ضمن الحالات التي يتوقف فيها عقد الشغل مؤقتا.