نقطة حسنة تنضاف لسجل القضاء الإداري بالمغرب الذي قضى بعدم مشروعية الاقتطاع من أجر المضربين دون اتباع المسطرة القانونية الواجبة، وهي الاقتطاعات التي طالت في عهد حكومة بنكيران الآلاف من الموظفين المضربين بقطاعات العدل والصحة والتعليم و الجماعات المحلية . في هذا الصدد قضت المحكمة الإدارية بالرباط من خلال حكم لها حمل رقم 3772 بإلغاء قرار الاقتطاع من أجر موظف ينتمي لسلك وزارة العدل والحريات بعد تنفيذه لقرار الإضراب كانت قد دعت إليه النقابة الديمقراطية لموظفي العدل المنضوية تحت لواء الفيدرالية الديمقراطية للشغل، والذي سبق لذات الوزارة أن اقتطعت من أجره 700 درهم نهاية شهر فبراير دون إشعاره ، مما أثر سلبا على التزاماته الأسرية والاجتماعية. المعني بالأمر وبعد أن تقدم لوزير العدل والحريات بطلب استرجاع المبالغ المالية المقتطعة لم يتلق أي جواب ، مما اضطره إلى رفع دعوى قضائية بالمحكمة الإدارية بالرباط ملف عدد 262 / 5/ 2013 من أجل استرجاع المبالغ المقتطعة والتعويض عن الضرر الحاصل له وعزز طلبه بنسخة من رسالة تظلم مرفوعة إلى الوزير ونسخة من شهادة الأجرة ومقتطف من الحساب البنكي .. الوكيل القضائي للمملكة بصفته نائبا عن رئيس الحكومة ووزير العدل والحريات ووزير الاقتصاد والمالية والخازن العام للمملكة اعتبر أن حق الإضراب، وإن كان دستوريا فهو لا يمارس بشكل تعسفي، معتبرا أن المعني بالأمر تغيب مدة أربعة أيام بدون مبرر وأن الأجر يكون مقابل العمل .. المحكمة الإدارية وفي ظل غياب النص التنظيمي لممارسة الإضراب اعتبرت أن القاضي الإداري انطلاقا من دوره في إنشاء القواعد القانونية، يكون ملزما باعتماد ضوابط ومعايير من شأنها أن تضمن الموازنة بين الحماية القانونية لممارسة حق الإضراب باعتباره حقا دستوريا (الفصل 29 من الدستور ) ، والمصالح المعتبرة قانونا التي يقتضيها ضمان السير المنتظم للمرفق العام لرفع الضرر اللاحق به وبالمرتفقين على السواء ، وفق ما تم تأصيله من طرف قضاء مجلس الدولة الفرنسي عندما أعطى الاختصاص للقاضي الإداري في خلق الموازنة بين مبدأ استمرار المرفق العام والحق في ممارسة الحرية. المحكمة ذكرت ضمن تعليلها بأن المشرع نظم مسألة الاقتطاع من أجر الموظف بنصوص قانونية، وهي المقتضيات التي تضمنت وجوب احترام إجراءات شكلية قبل مباشرة أي اقتطاع من الأجر . المحكمة وإن اعتبرت الإضراب تغيبا عن العمل لا يندرج ضمن حالة التغيب المرخص به قانونا، بصرف النظر عن مشروعيته دون أن يشكل ذلك الإجراء عقوبة إدارية أو مصادرة الحق الإضراب المضمون دستوريا ما ام انه لا يمنع حق الموظف وحريته في ممارسة الإضراب ، اعتبرت تصرف الإدارة وتفعيلها لقرار الاقتطاع من الأجر ، يظل خاضعا لرقابة المشروعية من طرف قاضي الإلغاء . وحيث أن مراقبة شرعية قرار الاقتطاع من الأجر تستوجب التحقق من احترام هذا الإجراء القانوني من المقتضيات المسطرة له وفق الغاية التي أقرها المشرع من وجوب احترام هذه الشكليات المقررة لصالح الموظف، لتفادي عنصر المفاجأة في الاقتطاع وتخويل المعني بالأمر فرصة التحضير لنتائج النقص الذي تتعرض له أجرته الشهرية تبعا لالتزامات مالية مترتبة عليه ، فقد اعتبر قاضي الإلغاء أنه في ظل نفي الطاعن توصله بأي استفسار من قبل الإدارة قبل مباشرة الاقتطاع مع منازعته الجدية في الإخلال بهذا الإجراء الجوهري المستمد من حق الدفاع المكرس دستوريا، فإن الإدارة لم تدل بما يفيد احترام المسطرة القانونية المقررة في حالة اللجوء الى الاقتطاع من أجر الموظف طبقا للمقتضيات القانونية الموجبة، علما بأن الاقتطاع المذكور يتم بعد توجيه استفسار للمعني بالأمر حول أسباب التغيب عن العمل واعتبرت أن ما أثاره الطاعن بخصوص مخالفة الإدارة لعيب الشكل، صحيح من الناحية القانونية وبالتالي يتعين إلغاء قرار الاقتطاع المطعون فيه لهذه العلة مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك .