فخ علم الاستشراق تزعم الغالبية الساحقة من المستشرقين الغربيين أن الاستشراق "علم" يدرس حضارات الشرق عموماً وحضارة الإسلام على الخصوص. وأول بوادره تعود إلى عهد الراهب الفرنسي " جربرت"، الذي انتُخِب بابا للكنيسة سنة 999م، والذي تعلم وغيره في الأندلس علوم العرب وثقافة الإسلام. وعادوا لنشرها من خلال معاهد خاصة باللسان العربي وثقافته. لكن ازدهار الاستشراق الإسلامي لم يحدث إلا في القرن 18م. وعقد أول مؤتمر له سنة 1873م. وتوسع نطاقه مع قيام المعسكر الاشتراكي بغرض تسهيل إدماج المجتمعات المسلمة في العقيدة الشيوعية. والاستشراق ليس علماً، بل إيديولوجية ماكرة وظفت قناع العلم والبحث العلمي والموضوعية في دراسة الدين الإسلامي والتاريخ الإسلامي وحضارته. وقناع العلم والموضوعية فخ ذكي للغاية مكن المستشرقين، إلى اليوم، من اعتقال99% من عقول النخبة المثقفة العلمانية من أبناء دار الإسلام والتغرير بهم ثقافياً وحضارياً، بما فيهم كبار المثقفين من أمثال طه حسين وسلامة موسى في المشرق العربي، ومحمد أركُون وعبد الله العروي في المغرب العربي. إذ تمكن الاستشراق تحت سلطة "علم"مزعوم، وما هي إلا أيديولوجية ماكرة، من زرع غاياته في عقولهم وقلوبهم، فأصبحوا المروجين لها بامتياز، حتى وإن لم يوافقوا على كل أدواتهم في البحث لغيرتهم الوطنية. إذ ظلت وطنيتهم في المضمون علمانية خالصة موالية لدوافعهم ومناهضة للهوية الإسلامية. فهي غيرة في سبيل الطين لا في سبيل الله خالق الطين. لقد ظلوا مخلصين للحداثة والتغريب حتى في لحظات نقدهم لأطروحات الاستشراق. لا يمكن إدراك خطورة فخ الاستشراق عند المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي على نهضة الأمة الإسلامية وعلى دور المثقفين من أبنائها في هذه النهضة إلا بالكشف عن دوافعه ووسائله الفكرية ومجالات نشاطه بين ظهرانينا: إن الدوافع الكبرى لمنشأ هذا العلم/الإيديولوجية : الرغبة في تنصير المسلمين و احتلال دار الإسلام. فكان معظم الباحثين من علماء الاستشراق من رجال الكهنوت المسيحي الكاثوليكي البروتستانتي . الرغبة في إخراج المسلمين من عقيدتهم . وهو هدف مشترك بين مدرسة الاستشراق اليهودية والشيوعية والمدرسة النصرانية بعد فشل هذه في تنصير المسلمين. لقد توافقت المدارس الثلاث لصعوبة التنصير أو التهويد إلى دفع المسلمين نحو اعتناق النزعات المادية الإلحادية. والعودة إلى النعرات القومية والعرقية لما قبل الإسلام لتمزيق وحدة الدار وتفكيك هوية الأمة الرغبة المشتركة عندهم في بث مثلث الدونية والمغلوبية والوهن في روع المسلم، كمدخل للتمكين للعقل الغربي الغازي في دار العروبة والإسلام. وتحقيق مثل هذا الأمر الجلل ألزمهم توظيف مناهج بحث مدمرة، مدعومة بسلطة "العلم"و"الموضوعية"و"النزاهة الفكرية"المزعومة كما سنرى إن شاء الله. امحمد الطلابي