وسعت الولاياتالمتحدة حربها العدوانية ضد العراق، وقامت بقصف مكتب قناة الجزيرة وقناة أبو ظبي بالعاصمة العراقية المحاصرة. والتحق مراسل الجزيرة طارق أيوب بالرفيق الأعلى بعد غارة غاشمة. كما قامت قوات البغي والعدوان بقصف فندق فلسطين الذي تجمع فيه الصحافيون الدوليون وأصيب مراسلو وكالة "رويتز" إصابات بليغة. وكانت قناة الجزيرة قد تعرضت للاعتداء المسلح في الحرب الأمركية العدوانية عل أفغانستان في السنة الماضية، ونجا مراسله الصحافي الوحيد يومئذ من موت محقق. ومن دون شك، فإن الولاياتالمتحدة الإرهابية لا تريد أن يفتضح أمرها وجرائمها الكثيرة في الحرب الظالمة على العرب والمسلمين. ورغم القيود المتعددة على الصحافيين في القنوات العربية المعنية، فإن قناة الجزيرة وقناة أبو ظبي تشكلان معا شوكة في الحلق الأمريكي المعتدي. الولاياتالمتحدة المكشوفة المنهزمة إعلاميا وسياسيا وأخلاقيا لم تجد مرة أخرى غير سلاح الاغتيال والقتل لإسكات صوت الحقيقة المدوية بظلمها وجبروتها وتواطؤ المهزومين معها. لم يعلم طارق أيوب أن رحلته من عمان إلى بغداد ستكون آخر رحلاته، فالمراسل الذي قدم لتغطية تطورات الحرب الأميركية على العراق سيعود في نعش إلى عائلته، التي ستتلقى على الأرجح اعتذارا أمريكيا حارا لأن صاروخين "ذكيين" ضلا طريقهما وحطا فوق رؤوس العاملين بمكتب الجزيرة في بغداد. "الحرب النظيفة" التي وعد الرئيس الأمريكي جورج بوش ووزير دفاعه وأركان حربه أنها ستكون نظيفة لم تكن نظيفة تماما، ويعتقد كثيرون أن قصف مكاتب صحفية وإطلاق النار على سيارات الطواقم الصحفية لم تكن مجرد أخطاء غير مقصودة. ويعزز هذا الاعتقاد سلسلة انتقادات طويلة طالما رددها المتحدثون العسكريون والسياسيون الأمريكيون والبريطانيون في مؤتمراتهم الصحفية وأحاديثهم بحق الجزيرة وطواقمها الميدانية العاملة. صور قتلى العدوان وأسرى القوات الأنجلوأمريكية كانت أول الغيث الذي انهمر انتقادات بتجاوز المواثيق الدولية والإساءة لأسرى حرب بعرض صورهم، ثم ضغوطا مكثفة لمنع القنوات التلفزيونية من بث الصور. والضغوط الأمريكية طالت موقع الجزيرة على شبكة الأنترنت وحجبته أياما، بينما رفضت شركات أمريكية لدوافع "وطنية" استضافة الموقع وإتاحة الدخول إليه. وكانت الطائرات الأمريكية قصفت مكتب الجزيرة في كابل في الثاني عشر من نونبر الماضي، بعد أن انهارت قوات طالبان وغادرت المدينة في الحرب الأمريكية على أفغانستان بحجة اقتلاع تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وتنصيب قيادة بديلة. ويقول مراقبون إن القوات العسكرية سعت بقوة للسيطرة على وسائط الصوت والصورة في هذه الحرب، ويشير كثيرون إلى أن معظم وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية اقتنعت مع أول رصاصة أطلقت باتجاه العراق أن الحرب على العراق واجب قومي يتوجب دعمه بالصوت والصورة حتى لو غضت الطرف عن أجزاء واسعة من المشهد. ويعتقد مراسلون في بغداد أن قصف مكتبي الجزيرة وأبو ظبي بالصواريخ يرمي لكتم أصوات الشهود على "جريمة" ترتكب، ولا يراد لأحد أن يعرف عنها شيئا. وكانت الغارات المتواصلة على المدن العراقية منذ عشرين يوما قد أفضت إلى مقتل المئات وجرح الآلاف، وقال فني في مكتب الجزيرة رافق الشهيد طارق أيوب إلى المستشفى بعد قصف مكتب الجزيرة إن المستشفيات تغص بالجثث والجرحى وأن الغرف وبرادات حفظ الموتى غصت بضحايا القصف مما اضطر العاملين في المستشفى لوضع الجثث في الممرات والشوارع المحيطة بالمستشفى، بينما يعاني الجرحى من نقص شديد في الدواء. ويتوقع مراقبون أن تؤدي محاولات احتلال بغداد حيث يعيش أكثر من خمسة ملايين عراقي إلى سقوط المزيد من القتلى والجرحى. ويقول مراسلون للجزيرة في بغداد إن استشهاد الزميل طارق أيوب بعد يوم واحد من إطلاق النار على سيارة لطاقم صحفي من قناة الجزيرة قرب مطار بغداد نشر الفزع في صفوف الصحفيين الذين تعرض مقرهم الأساسي في فندق فلسطين للقصف أيضا. وكان الصحافيون قد غادروا فندق الرشيد بعد أن تلقى الصحفيون الأمريكيون تحذيرات من أن الفندق مستهدف من قوات الغزو، وغادر الصحفيون مقرهم البديل في المنصور لقربه من وزارة الإعلام العراقية، غير أن فندق فلسطين آخر ملاجئ الصحافة في بغداد لم يعد حصنا آمنا لنقل ما يجري من تطورات. "تحرير العراقيين" رافقته محاولات لمنع أي صوت قد يزعج "جنود الحرية" ومقاتليها، وبانتظار صدور اعتذار ووعد بالتحقيق، سيظل الخوف من الحقيقة وعليها سيد الموقف في الإعلام وصفوف الإعلاميين.