مطالب الاتحاد المغربي للشغل    من احتلال الأرصفة إلى غزو الشوارع.. فوضى الملك العمومي تتوسع بطنجة    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    ندوة علمية حول موضوع العرائش والدفاع عن السيادة المغربية عبر التاريخ: نماذج ومحطات    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على نظيره الناميبي (8-1)    "‪الأحرار" يفوز بالانتخابات الجزئية بتزنيت    انطلاق جولة الحوار الاجتماعي    جلالة الملك يواسي أسرة المرحوم محسن جمال    الفلاحة المغربية تحظى بإشادة دولية.. ورغبة فرنسية في "تعاون مكثف"    صحيفة دانماركية تروي القصة الكاملة لسفن "ميرسك" المُحملة بالأسلحة لإسرائيل.. كيف مُنعت في إسبانيا واستُقبلت في طنجة    دونالد ترامب يزور الشرق الأوسط ما بين 13 و16 ماي المقبل    بنيس: الرواية أبرزت هوية الفلسطيني.. بلقزيز: المشروع الصهيوني همجي    الحسيمة تتربع على عرش قائمة المدن الأكثر غلاء في المعيشة وارتفاع الأسعار    لبؤات الفوتسال يحققن فوزا عريضا على ناميبيا في افتتاح المشوار بكأس أمم إفريقيا    تحلية مياه البحر في المغرب: رهان استراتيجي لمواجهة ندرة المياه وتأمين المستقبل المائي    توقيف تونسي مبحوث عنه دوليًا في قضايا سرقة وقتل وهروب من حكم ب30 سنة سجنا    بتعليمات ملكية سامية.. الفريق أول محمد بريظ يقوم بزيارة عمل لدولة قطر    الفاتيكان يكشف تفاصيل جنازة البابا فرنسيس    جمعية سمايل تعزز التماسك الأسري عبر دورة تكوينية نوعية بفضاء جسر الأسرة بالناظور    جامعة عبد المالك السعدي تشارك في الملتقى الإقليمي للتوجيه بالحسيمة    السعدي يعلن إعداد قانون إطار للاقتصاد الاجتماعي والتضامني خلال الولاية الحالية    المغرب تطلق صفقة لتشييد محطة للغاز الطبيعي المسال بالناظور    انهيار صخري جديد يعرقل حركة السير بالطريق الساحلية بين تطوان والحسيمة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    أخبار الساحة    من تداعيات شد الحبل بينها وبين الوزارة الوصية .. جامعة كرة السلة توقف البطولة الوطنية بكل فئاتها بسبب العوز المالي    الجولة 27 من الدوري الاحترافي الأول .. الوداد ينتظر هدية من السوالم وأندية الأسفل تمر إلى السرعة القصوى    تكريم الدراسات الأمازيغية في شخص عبد الله بونفور    تأييد الحكم الابتدائي وتغليظ التهم رغم التنازلات في حق الرابور «طوطو»    الدولار يتراجع لأدنى مستوى في سنوات مقابل اليورو والفرنك السويسري    اعمارة يحث على "الإبقاء على حق الأفراد والمجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام"    الكرملين: بوتين لا يخطط لحضور جنازة البابا فرنسيس    بسبب تكريم باسم والدته.. نجل نعيمة سميح يهدد باللجوء إلى القضاء    من السماء إلى العالم .. المغرب يحلق بأحلامه نحو 2030 بمطار ثوري في قلب الدار البيضاء    فوزي برهوم الناطق باسم حركة حماس ضيفا في المؤتمر 9 لحزب العدالة والتنمية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    "أفريكوم" تؤكد مشاركة الجيش الإسرائيلي في مناورات الأسد الإفريقي    طلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة يطالبون وزير الصحة بالوفاء بالتزاماته ويستغربون تأخر تنفيذ الاتفاق    إسرائيل تمنع تطعيمات شلل الأطفال عن غزة.. 600 ألف طفل في خطر    تفاصيل انعقاد المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالقنيطرة    "البيجيدي": نخشى أن يتحول مشروع الغاز بالناظور لفرصة "استفادة شخصية" لأخنوش    عبد الكريم جويطي يكتب: أحمد اليبوري.. آخر العظماء الذين أنجزوا ما كان عليهم أن ينجزوه بحس أخلاقي رفيع    باحثون: الحليب بدون دسم أفضل لمرضى الصداع النصفي    الصفريوي: لا مفاوضات ولا نية للاستثمار في شيفيلد وينزداي الإنجليزي    فان دايك: جماهير ليفربول ستتذكر أرنولد في حال قرر الرحيل    الصين وأندونيسيا يعقدان حوارهما المشترك الأول حول الدفاع والخارجية    معهد الدراسات الإستراتيجية يغوص في العلاقات المتينة بين المغرب والإمارات    مندوبية الصحة بتنغير تطمئن المواطنين بخصوص انتشار داء السل    المغرب يخلد الأسبوع العالمي للتلقيح    نحو سدس الأراضي الزراعية في العالم ملوثة بمعادن سامة (دراسة)    دراسة: تقنيات الاسترخاء تسمح بخفض ضغط الدم المرتفع    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديدر كومز خبيرة أمريكية في مجال فك النزاعات: الذين يرغبون في بقاء التحكم لا يريدون نجاح الحوار بالجامعة
نشر في التجديد يوم 19 - 05 - 2014

في محاولة للمشاركة في الحوار الجاري بالمغرب حاليا حول ظاهرة العنف الجامعي وفهم أبعاده والعوامل الدافعة له، وكذلك تقديم أفكار تستقي من تجارب ناجعة لمقاربة المشكل في دول أخرى يأتي هذا الحوار مع الخبيرة الأمريكية في مجال فك النزاعات ديدر كومز الذي أكدت فيه على ضرورة تهييء بيئة صالحة وفعالة للحوار بين مختلف الأطراف لتقريب وجهات النظر والتوصل لحلول مجدية للمشكل، مؤكدة أن ذلك لا يعني التخلي عن القيم الأساسية لكل طرف. كما حذرت الخبيرة الأمريكية من الانسياق وراء الدعوات لجامعة خالية من السياسة، مؤكدة على أن التأطير السياسي للطلبة داخل الحرم الجامعي أساسي ومهم في تطوير الفكر النقدي لدى أولائك الطلبة ولتسليحهم بمهارات حياتية تتجاوز سور الجامعة.
ديدر كومز هي خبيرة أمريكية ووسيطة مرخصة في مجال فك النزاعات، لها ثلاث كتب حول المقاربات العابرة للثقافات لحل النزاعات وتخطي التحديات. وهي الموجه والمدرب الأساسي في برنامج الزمالة للتدريب القيادي بجامعة مونتانا الأمريكية منذ سنة 2007 كما درست بنفس الجامعة لأكثر من عقد من الزمن مواد خاصة بالتدريب القيادي والتفكير النقدي. وقدمت كومز التدريب في المجال القيادي وحل النزاعات لآلاف من الطلبة والأساتذة عبر العالم كمدربة معتمدة من وزارة الخارجية الأمريكية ومن شبكة "الحرم الجامعي للحوار المستمر". كما تقدم كومز عبر شركتها الخاصة استشارات للشركات والمؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية في كل من الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية كالمكسيك وبورتو ريكو منذ سنة 1992.
1- يعتقد البعض في المغرب أن العنف الجامعي هو ظاهرة خاصة بالمغرب فقط، فهل هذا صحيح في اعتقادك؟ وهل يمكنك أن تحدثينا عن بعض الدول التي تواجه نفس الظاهرة والعوامل الدافعة والمتحكمة فيها؟
** لنتفق في البداية على أن العنف الجامعي ليس بالتأكيد ظاهرة مغربية فقط، فالعديد من الدول تواجه نفس المشكل. فالولايات المتحدة مثلا لها تاريخ من العنف خلال الفترات الأكثر اضطرابا من تاريخها وما زلنا نعاني منه في القضايا المرتبطة بضبط ومراقبة استخدام الأسلحة من طرف المواطنين وكذلك في القضايا المرتبطة بالصحة العقلية. حيث تدل حادثة جامعة "كنت" الشهيرة بالولايات المتحدة على ما أتحدث عنه، حينما أطلق النار من طرف متطرفين بشكل مباشر وعشوائي على طلبة مسالمين داخل الحرم الجامعي ليس لأي سبب إلا لأنهم قاموا بتنظيم وقفة احتجاجية ضد اجتياح كمبوديا. وقد أسفر ذلك الهجوم الذي أطلق فيه المعتدون أزيد من 60 رصاصة عن وفاة أربعة من الطلبة المحتجين وجرح تسعة آخرين، أصيب واحد منهم بالشلل بعد أن أصيب بطلق ناري في عموده الفقري.
ما زلنا نعاني كذلك في نفس الإطار وفي مختلف أنحاء الولايات المتحدة من الاعتداءات الجنسية داخل الجامعات، وهو الأمر الذي ما زالت الحكومة الأمريكية تعمل على مواجهته ومكافحته لحد الآن، حيث يمكنك وبسهولة إيجاد مقالات صحفية تتحدث عن دعوات لخلق جامعات أكثر أمنا وأمانا.
أعتقد شخصيا وبحكم التجربة أنه كلما اشتد واحتقن الوضع السياسي في بلد ما إلا وانعكس ذلك على الوضع داخل الجامعات حيث تنمو أحداث العنف والاحتكاكات داخل الحرم الجامعي بذلك البلد. فإذا نظرنا إلى حالة فنزويلا مثلا والتي مرت بأحداث عنف شديدة بداية السنة الجارية سنجد أن الأمر يصب في نفس الاتجاه الذي نتحدث عنه. حيث كشفت تقارير إخبارية عن اندلاع أحداث العنف التي انتشرت في البلاد بداية هذه السنة من داخل الجامعات، فقد انطلقت الشرارة الأولى لأحداث العنف تلك من مدينة "سان كريستوبال" التي كانت أكثر المدن تضررا من الأحداث. فسان كريستوبال مدينة جامعية تقطنها 650 ألف نسمة وتضم ثلاث جامعات كبرى. وقد عرفت المدينة ولسنة كاملة تصاعد الدعوات لحكومة المدينة بتحسين شروط ومعايير الأمن داخل الجامعات لمواجهة الجريمة المتفشية داخل الحرم الجامعي بالمدينة والحد منها، وهي دعوات لم تلق آذانا صاغية لدى المسؤولين بالمدينة. وبعد وقوع حالة جديدة من الاعتداء الجنسي على إحدى الطالبات، انطلقت موجة من الاحتجاجات والمظاهرات من طرف الطلبة وهيئات المجتمع المدني بالمدينة للمطالبة بتحقيق العدالة. موجة ما لبثت أن تضاعفت وانتشرت داخل وخارج المدينة بعد 18 يوما فقط من اندلاعها، وذلك بعد القمع الذي ووجهت به من طرف السلطات، ليتحول الأمر إلى تلك الأزمة والفوضى التي شهدناها بداية هذه السنة في فنزويلا بكاملها.
إن هذه الحالة وغيرها من الحالات تدل على أن الجامعات والحرم الجامعي تمثل "الميكروسكوم" أو العالم الصغير ل"الماكروسكوم" أو العالم الكبير، فكل ما يجري خارج الجامعة ينعكس داخلها.
2- أشرت إلى أنواع مختلفة من العنف الجامعي، من الاعتداءات الجنسية إلى الأخرى التي تحركها دوافع سياسية... هذه الأخيرة هي أكثر ما تشهده الجامعات المغربية، فهل يمكن إيجاد هذا المعطى و لمسه في أحداث العنف الجامعي بالولايات المتحدة اليوم؟
** هذا صحيح، فالبعد السياسي في النشاط السياسي للطلبة أو في بعض الاحتكاكات والنزاعات فيما بينهم بذلك الخصوص أصبح أقل ظهورا وحِدة عما كان عليه من قبل في الساحة الجامعية بالولايات المتحدة. ويظهر ذلك جليا في قضية مثل ما سمي في الإعلام الأمريكي ب"الوقفة من أجل الإندماج" والتي وقعت في جامعة "ألاباما" في شهر شتنبر من السنة الماضية، حيث قام الطلبة بتنظيم وقفات واحتجاجات داخل كافة أنحاء الحرم الجامعي للمطالبة بالإندماج العرقي في مختلف المنظمات الطلابية بالجامعة والتي يسيطر عليها البيض فقط. حادثة أخرى من هذا القبيل حصلت في جامعة "ميسيسيبي" بداية هذه السنة، حيث قامت إحدى المنظمات الطلابية بإغلاق فرعها بالجامعة بعد اتهام ثلاثة من أعضائها من طرف الشرطة الفيديرالية بالتورط في جريمة كراهية عنصرية تتمثل في ربط عنق تمثال جيمز ميريديث، أول طالب أسود بالجامعة (لم يكن يسمح إلا للبيض بارتياد الجامعة) بحبل وتغطيته قبل ذلك بأيام بعلم ولاية جورجيا السابق (تم تغيير علم ولاية جورجيا سنة 2003 لاحتوائه على شعار الولايات الكونفيدرالة السبع لأمريكا وهي ولايات كانت متمسكة بنظام العبودية بها)، وذلك للإشارة إلى زمن العبودية بالولايات المتحدة. لكن يجب أن أعترف بأن حوادث مشابهة لهذه كانت مرتبطة في السابق بالعنف، خاصة في تلك الفترة من تاريخنا حينما كنا نعمل على حل وتجاوز القضايا العرقية بالولايات المتحدة.
3- ارتباط كثير من أحداث العنف في الجامعات المغربية بالسياق والاختلافات السياسية والإيديولوجية، دفع الكثيرين إلى المناداة بإخراج السياسة من المعادلة وخلق جامعات خالية من التأطير السياسي لتصبح فضاء للتحصيل العلمي والتأطير الأكاديمي فقط. هل تتفقين مع هذا وهل تعتقدين بأن تحقيق هذا الأمر يمكن أن يكون الحل الأمثل لظاهرة العنف الجامعي بالمغرب؟
** أنا لا أتفق مع هذا الطرح، فنحن كبشر قادرون على تعلم مهارات الخطاب والحوار المدني. أقول كبشر عن قصد، لأن هذه كما قلت في البداية ليست قضية مغربية أو فنزويلية أو أمريكية، إنها قضية مرتبطة أساسا بتطوير مهاراتنا كبشر. فنحن نتوصل إلى أفضل الحلول عندما نستمع ونتعلم من خصومنا. نحن نصبح دولا أفضل وأناسا أفضل عندما عندما نتمكن من أن ننظر ونقارب أي قضية من زوايا متعددة وننظر لخصومنا على أنهم مهمون وقيمون ومساوون لنا. وهذا ليس بالمهمة السهلة خاصة حينما يسعى خصومنا لإيذائنا وتدميرنا والقضاء علينا، لكن اكتشاف السبب الذي يدفعهم إلى اعتبارنا خطرا عليهم في الأساس هو الخطوة الأولى. فالحل ليس في كبح وإيقاف الحوار بل في تعلم آليات ضبط الحوار في خطاباتنا كناضجين.
4- أرى بأنك تتفقين مع من يرى بأن التأطير السياسي والإيديولوجي يجب أن يبقى دائما جزءا من دور الجامعة، في هذه الحالة ما هي برأيك أهمية هذا التأطير في الحياة الجامعية بالنسبة لنمو وتطور الطلبة كمواطنين وكقادة مستقبليين للرأي والمجتمع؟
** إن الجامعة هي الإطار الذي يسمح لنا بتطوير أنفسنا ومهاراتنا الفكرية والنقدية كأشخاص بالغين وناضجين. وللوصول إلى هذا النضج لابد للشباب من تطوير مهارات مرتبطة بالتعرف على الذات واستيعابها ومهارات التواصل والحوار، إلى جانب المهارات المرتبطة بالذكاء العاطفي. فنحن في الحقيقة لا نقدم أي خدمة لطلبتنا بتدريسهم الكيمياء فقط في حين نغفل تعليمهم وتزويدهم بمهارات العيش والتعامل بشكل فعال في مجتمع متنوع و معولم. فأنا شخصيا ملتزمة بتدريس مهارات القيادة وحل النزاعات لهذا السبب بالتحديد. فإن لم نكن قادرين على الإنصات وباحترام للآراء المخالفة لنا فسنكون قادة وكيميائيين ومخترعين سيئيين للغاية أو في أحسن تقدير غير ناجحين ولا فاعلين. إن إنجازاتنا في ميادين العلوم والهندسة والأعمال ينطلق أساسا من مقاربة الإشكاليات من زوايا مختلفة قدر المستطاع، فأنا عندما أتصلب في موقفي من أي قضية فإنما أقوم بذلك بإضعاف عملي ومجتمعي وبلدي.
5- أشرت في حديثك إلى المهارات المرتبطة بالذكاء العاطفي، ما الذي تقصدينه بذلك؟ هل يمكنك شرح هذا المفهوم بشكل أكبر؟
** إن مفهوم الذكاء العاطفي هو مفهوم مرتبط بحزمة من المهارات القيادية التي كان أفضل من فصلها وجعلها أكثر شهرة الكاتب "دانييل غولمان"، حيث تضم هذه الحزمة؛ القدرة أولا على الوعي بمشاعرنا الخاصة ثم ثانيا مراقبة وضبط والتحكم في تلك المشاعر وثالثا الوعي بمشاعر الآخرين ثم رابعا استخدام ذلك الوعي لتغيير وتحويل مشاعر الآخر.
فنحن كأناس بالغين وراشدين يجب أن نكون قادرين على التعرف على حالاتنا النفسية وعما إن كنا في وضعية من الخوف أو الغضب، ونكون مسؤولين في استخدامنا وتوجيهنا لتلك المشاعر عبر التفاعل وليس الرد بالعنف مهما اختلفت أنواعه (عاطفيا أو لفظيا أو جسديا)، كما يجب علينا في ذات السياق استقراء واستشعار الحالات النفسية للأطراف الأخرى التي نتشارك معها الحوار، فنتمكن عندما يكون الآخرون في حالة من الخوف أو الغضب أن نؤكد لهم أننا منصتون ومستوعبون لهم عبر الاعتراف الماهر بوجهة نظرهم. وخلاصة هذا أن بمقدوري مخاطبة الآخر عبر مهارات الذكاء العاطفي وفق الصيغة الآتية: "بإمكاني سماع وإدراك أن ما أقوله يبدو جنونا وخطأ، وأنت لا تتفق معي وتريد مني التوقف عن الإيمان بهذا في أسرع وقت ممكن، أخبرني المزيد عن ذلك...)، ربما تلاحظين أنني عبر اعترافي هذا قمت بإدراك واستيعاب مجموعة من المشاعر دون تسميتها أو إخراجها إلى السطح وحاولت أن أوصل للأخر تقديري لوجهة نظره واستعدادي للتعلم منه. فأنا بقيامي وتحقيقي لهذه المعادلة بشكل صحيح سأتمكن من تهدئة الآخر والمحافظة على مجرى الحديث والحوار فيما بيننا.
6- لكن كيف يمكن تحقيق ما أشرت إليه من حوار وإنصات واستيعاب للآخر المختلف عنا والذي ربما يكون غريما أو خصما لنا دون التفريط في قيمنا الجوهرية أو تقديم التنازلات عن مبادئنا الأساسية؟
** هذا سؤال جيد وجوهري، لكن يجب أن نستوعب بأن ممارسة الحوار تستلزم اعترافنا بوجود طرق مختلفة لمقاربة أي وضع. فكري في المثال التالي: حادث سيارة، فما أراه أنا من داخل سيارتي ربما يكون مختلفا للغاية عما ترينه أنت من موقعك واقفة على الرصيف. وبهذا يمكننا بسهولة القفز لاستنتاجات مختلفة بالاعتماد على وضعياتنا. هناك مجموعة كبيرة من وجهات وزوايا النظر أو نوافذ مطلة على الوضع حسب موقعي وتربيتي ونظامي القيمي وكذلك تجاربي الخاصة. وأفضل طريقة لفهم أي مشكل هو جمع أكبر قدر من المعلومات من أكبر قدر من الزوايا ووجهات النظر قدر المستطاع، فلا توجد زاوية في أي من زوايا نظرنا مكتملة بذاتها لأنه وبالاعتماد على مثال حادثة السيارة فقط لا يمكنني أن أكون داخل السيارة وخارجها في نفس الوقت.
إن فتح مجال للحوار يفرض علي بالضرورة إفساح المجال لزوايا متعددة للنظر، حتى تلك التي ربما لا تعجبني أو تلك التي تهدد نظامي القيمي، حيث أصبح مدعوة لرؤية كل شخص كما لو أنه نافذة واصفة ومختلفة. إن أفضل القيادات التي اشتغلت معها تنظر إلى مقاربة ووجهة نظر كل شخص على أنها معلومة قيمة بخصوص مشكل معين، وقد سمعت سابقا بأن الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان كان يسأل عن 16 و 20 وجهة نظر وتقييم مختلف لنزاع ما، من كل الأطراف المتقابلة قبل أن يقدم رأيه بخصوصه. وله مقولة معبرة في هذا السياق "ربما يعيش أناس من ديانات وثقافات مختلفة جنبا إلى جنب في كل جزء من هذا العالم ويمتلك أغلبنا هويات متداخلة وهو الأمر الذي يوحدنا مع مجموعات مختلفة للغاية مع بعضها، إن باستطاعتنا أن نحب ما نحن عليه دون أن نكره ما ومن لسنا عليه. فبإمكاننا أن نزدهر من داخل ثقافتنا حتى ونحن نتعلم من الآخرين ونصل لمرحلة نحترم فيها عاداتهم".
فكيف يمكن لنظامي القيمي وحقائقي أن تكون صالحة في نفس الوقت الذي تكون فيه تلك الخاصة بك أيضا، ذلك هو عمل وسيط ومسهل الحوار. ابحثوا عن مثال في الواقع حيث وجهات النظر المختلفة لها رجاحتها، فذلك هو الباب لايجاد حلول مبتكرة.
7- من باعتقادك إذن المسؤول عن مشاكل العنف بين طلبة الجامعات؟ هل المنظمات الطلابية أم الإدارة، أم وزارة التعليم العالي أم الأحزاب والحركات السياسية والإيديولوجية في المجتمع المغربي؟
** كل واحد منا هو دائما المسؤول عن أفعالنا، فالنظام الذي نحن جزء منه، سواء كان جامعة أو مدينة أو ثقافة أو دولة أو بشرا ككل، بإمكانه أن يحمل معتقدات معينة ربما تشجع وتحرض على العنف. إن النظم والبنيات التي تقدر الاختلاف والتنوع في الرؤى والأفكار هي المؤهلة والقادرة على الازدهار.
8- بسب حوادث العنف المتكررة داخل الجامعات أصبحت الهوة أكبر فأكبر ما بين مختلف التنظيمات الطلابية، كيف يمكن برأيك التوصل لمصالحة بين تلك التنظيمات، في أقرب وقت ممكن؟
** أنا من أكبر المؤمنين بحوار دائم ومستمر بالحرم الجامعي وأشتغل مع شبكة تشتغل في هذا الإطار تدعى "شبكة الحرم الجامعي للحوار المستمر"، تقوم بتدريب وسطاء ومشرفين لخلق محادثات وحوارات في مختلف الحرم الجامعية حول العالم. برأيي أن خلق ثقافة من الحوار في كل صف دراسي وفي كل ناد ومكتب إداري بإمكانه أن يحول أي حرم جامعي. وربما تكون الخطوة الأولى رغم صغرها، هي الاشتغال على خلق حوار يديره مشرفون مدربون ما بين قادة هذه الفصائل والتنظيمات الطلابية في كل جامعة على حدة، ربما لذلك أثر قوي للغاية.
9- من يستطيع برأيك أن يساعد في تسهيل تحقيق هذه المصالحة سواء من داخل أو خارج الجامعة؟ وكيف يمكن أن ينجز ذلك؟
** أرى شخصيا أن كلا واحد منا يملك الفرصة لكي يقول "أخبرني أكثر..."، فالدعوة للحوار والنظر لخصومنا كحاملين ومعبرين عن معلومات هامة لخلق حلول دائمة هو واحد من أصعب لكن أهم وأدق التدريبات والالتزامات القيادية. إذ أن الأمر يتطلب الممارسة والرغبة والاستعداد للتخلي عن فكرة معرفة كل شيء فكل واحد منا يملك القدرة على أن يكون الماندورلا أو ذلك الشكل الإهليجي الذي يجمع بين دائرتين متداخلتين، وذلك يعني ويحيل ببساطة على الإمكانيات التي تطرح عندما تبقى الأضداد أضدادا ولكن في وحدة مستمرة، إذ تصبح القدرة على إيجاد حلول تحترم كينونات كل طرف مطروحة في كل لحظة.
10- هل تعتقدين أنه يمكن بالفعل القضاء على ظاهرة العنف؟ وهل تملكين أمثلة تحقق فيها ذلك؟
** أعتقد أن ذلك أمر قابل التحقيق، فلدي إيمان قوي في الأفراد وقدرته ورغبتهم في إقامة حوارات صادقة. تحقيق ذلك صعب بالفعل لكن ذلك يضع المسؤولية على الإدارة والطلبة ويدعوهم لتبني إيمان بتحقق قوة بشكل أكبر عندما نتحاور فكل منا قادر على فتح قناة للحوار عبر ذلك الفعل البسيط في طلبه مزيدا من المعلومات من الآخر وتقديره لتفاعله وتجاوبه معه.
هناك من لا يريد أن نتحاور أصلا فيما بيننا لأن ذلك يسهل عليهم عملية التحكم فينا عندما نكون محكومين بالخوف من "الآخر" المجهول، إذ يجب الانتباه إلى أن أولائك الذين يقومون بشيطنة خصومنا هم من يجب علينا أن نخشاهم أكثر.
إن الحالات والتجارب التي استخدم فيها الحوار داخل الحرم الجامعي بشكل فعال ومؤثر على الطلبة وتفاعلهم فيما بينهم كثيرة ومتنوعة لكن أهم التجارب والمبادرات المثيرة للاهتمام بهذا الشأن تحصل الآن في المكسيك خاصة فيما يتعلق بالعنف المرتبط بالمخدرات، كذلك في بورتو ريكو فيما يخص خلق حرم جامعية أكثر ترحيبا وأمانا. أخيرا هناك تجارب مشابهة في إيثيوبيا تسعى لاكتشاف والبحث عن سبل لتحسين العلاقات ما بين الطلبة وخلق مجتمع مشترك فيما بينهم يضمن بناء قيم المشاركة والإدماج والسلام داخل الحرم الجامعي.
11- كيف يمكننا تحقيق ذلك برأيك في المغرب؟
** بالدعوة المستمرة للحوار ولتطوير مهارات الطلبة في مجال التدريب القيادي وعبر خلق مجالات للحوار المحترم والمسؤول في كل فرصة سانحة لذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.