ينتقد الشيخ عبد الباري الزمزمي في هذا المقال التوصية التي أصدرها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، والتي نشرتها "التجديد" في عددها 618 الصادر يوم الإثنين 21 محرم الموافق 31 مارس، حيث أقر الأزهر توصية بعدم وصف اليهود الحاليين بالقردة والخنازير، على اعتبار أنه:" من الخير عدم وصف طائفة من الناس أو سبهم استنادًا إلى أن من أسلافهم من ذكرهم القرآن الكريم بأنهم مسخوا قردة وخنازير، وذلك بعد تلقي مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر خطابا من وزارة الخارجية المصرية بشأن مذكرة للسفارة المصرية بواشنطن تفيد:" بأن هناك استياء عاما داخل المجتمع الأمريكي بسبب التفسيرات الدينية التي يرددها الخطباء وعلماء المسلمين، وتصف اليهود بالقردة والخنازير". قول لا ينبغي لورثة الأنبياء في الوقت الذي يتجرع فيه كل فرد من المسلمين مرارة الذلة والهوان من جراء ما يعانيه إخوانه في فلسطين، من قهر وبطش من قبل أبناء القردة والخنازير من اليهود. وفي الوقت الذي يكاد المسلم يموت فيه غما وهما من شدة حزنه وتأثره بما يراه صباح مساء وليل نهار من إجرام اليهود وفتكهم ووحشيتهم في الأرض المقدسة التي فاقت وحشية الخنازير. وفي الوقت الذي تدمع فيه العين ويحزن القلب من كل إنسان سوي تألما وتحسرا على الأبرياء والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان، الذين يقتلهم اليهود الكفرة الفجرة في فلسطين، يريد الأزهر الشريف العفيف، أن لا يقول المسلم الدامع العين الحزين القلب إلا ما يرضي اليهود، فيصدر جرعة من الأدوية المثلجة عنده من شأنها أن تسكت غضب المسلم، وتطفئ ثورته وتميت قلبه، فلا يجد في نفسه بعد تعاطيه دواء الأزهر (الشريف) بغضا لليهود ولا حقدا عليهم ولا رفضا لما يقترفون في إخوانه من جرائم وتقتيل وتعذيب، فلا ينطلق لسانه بعد ذلك بشتم اليهود ولعنهم، ولا يصفهم حتى بما وصفهم به كتاب الله عز وجل من كونهم أبناء القردة والخنازير. فلقد جاء في العدد 618 من "التجديد" الصادر يوم الإثنين 21 محرم الموافق 31 مارس، أن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف العفيف أصدر توصية بعدم وصف اليهود الحاليين بالقردة والخنازير... إلى آخر ما جاء في هذه التوصية من لغو وزور لا ينبغي أن يصدر مثله عن العلماء الذين هم ورثة الأنبياء. إمعان في الذلة والمسكنة وقبل التعليق على هذه التوصية، أود أن ألفت انتباه المسلم الغيور إلى أن هذه التوصية لا تعنيه ولا تنزل على واقعه، لأن أحدا من المسلمين اليوم لا يصف اليهود الحاليين بأنهم قردة وخنازير، ولكنه يقول فيهم إنهم أبناء القردة والخنازير، أما القردة والخنازير فهم أسلافهم، وهؤلاء أبناؤهم، وليس ضرورة أن يكون الأبناء مثل الآباء، فالآباء قتلوا الأنبياء وهؤلاء قتلوا الأبرياء، و"كِذَا نِبْقَى خَالصِينْ". إن الحقيقة الصارخة أن هذه التوصية إمعان في الذلة والمسكنة لحثالة البشر، وإغراق في الخضوع والتملق لطواغيت هذا العصر، وحمل لأهل الإسلام على الركوع والخنوع للظلم والاستكبار، وتثبيط للمظلومين عن التمسك بحقهم والانتقام لمن ظلمهم. ألم يقل الله عز وجل: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)؟ فشرع سبحانه للمظلوم أن يجهر بسوء القول لمن ظلمه ويعلن للناس مساوئه ومخازيه؟ أليس اليهود (أبناء القردة والخنازير) بظالمين ومعتدين ومجرمين في حق أهل فلسطين؟ أليس الفلسطينيون إخوة المسلمين في الدين؟ ألم يصف النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأنهم في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟ أليس أهل فلسطين عضوا من جسد الأمة الإسلامية؟ أليس من الإيمان أن يهتم المسلمون بما يعانيه إخوانهم في الأرض المقدسة؟ وأن يدافعوا عنهم باللسان وباليد عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه"؟ أليس الإمساك عن شتم اليهود، ولعنهم ووصفهم بما وصفهم به كتاب الله عز وجل، فيه تزكية لجرائمهم وإقرار لبغيهم وعدوانهم على فلسطين، كما فيه إغاظة للفلسطينيين وخذلانهم وترك لنصرتهم ولو باللسان؟ لو سكت مجمع البحوث بالأزهر أين غابت هذه الحقائق عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، لقد كان بوسعه أن يسكت على الأقل عن هذا الموضوع فلا يطاوع فيه سفارة ولا سلطة ولا حكومة، باعتباره خارجا عن مسؤوليتها ونفوذها، إذ لا يستطيع أن يمنع المسلمين من شتم عدوهم والوقيعة فيه، بعد أن منعوا من قتاله ورد ظلمه وعدوانه عن إخوانهم في فلسطين، أم يريد الأزهر الشريف العفيف، أن يجعل المسلمين كالكلاب والحمير تستذل وتشتم وتلعن فلا ترد ولا تجيب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: >ليس لنا مثل السوء<، ألا يعلم مجمع البحوث الإسلامية أن المسلمين حتى لو تركوا سب اليهود وكفوا عنهم ألسنتهم، فإن اليهود لن يتركوا المسلمين، ولن يمسكوا عن شتمهم والسخرية منهم والنيل من أعراضهم، لأنهم يبغضون المسلمين ويعادونهم أشد العداوة، وكما أخبر بذلك كتاب الله عز وجل؟ كما أنهم لن يرضوا عن المسلمين ولن يعترفوا لهم بجميل ولو لم ينطقوا في حقهم بكلمة سوء، مادام أهل الإسلام يقاومون اليهود في فلسطين ويناوئون دولتهم على أرضها، فالله عز وجل يقول: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، فلماذا يعطي المسلمون الدنية في دينهم، ولماذا يتوددون إلى من لا يطلب ودهم (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يالونكم خبالا ودوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون، ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله، وإذا لقوكم قالوا آمنوا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ، قل موتوا بغيظكم، إن الله عليم بذات الصدور، إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها). لقد كان ينبغي لمجمع البحوث الإسلامية، إذا كان لابد من إصدار توصيته هذه، أن يقيدها بطلب المعاملة بالمثل من اليهود، فينهى عن وصف اليهود بما يكرهون، مادام اليهود لا يسبون أهل الإسلام ولا يؤذونهم في عرض ولا دين، فحينئذ ستكون التوصية مقبولة ومعقولة، لكونها تدعو إلى العدل وتسعى إلى تحقيق الرفق والتوفيق بين أهل الأديان، أما أن تتوجه التوصية الأزهرية إلى المسلمين خاصة دون أن تلتفت إلى اليهود وتحذرهم من مثل ما حذرت منه المسلمين، فتلك دعوة إلى المهانة والضعف والاستكانة. وقد نهى الله عز وجل المؤمنين عن ذلك فقال: (فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين). حتى لا يسقط الأزهر في حيص بيص إن اليهود قوم بهت وأهل ظلم وزور لم يسلم أحد من شتمهم وأذاهم، فقد سبوا الله عز وجل وسبوا نبيهم موسى عليه السلام، بل وقتلوا الأنبياء. يقول سبحانه: (وقالت اليهود يد الله مغلولة، غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا)، ويقول عز وجل: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء، سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق...) ويقول تعالى: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم توذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم)، ويقول جل علاه عن اليهود أيضا (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما). أفأمن مجمع البحوث الإسلامية مكر اليهود واطمأن إلى "نبلهم واستقامتهم" فعلم أنهم لن يؤذوا المسلمين، ولن يطلقوا فيهم ألسنتهم بالسوء، فلم يبق أمامه إلا المسلمون فتوجه إليهم بالتأديب والتهذيب وعلمهم كيف يحترمون اليهود ويقدرونهم حق قدرهم، لأن المسلمين سفهاء لا يحسنون الأدب مع العظماء؟ إن التوصية الأزهرية لن يكون لها أثر في تعامل المسلمين مع اليهود، ولن تمنع المسلمين من سب اليهود ونعتهم بما نعتهم به كتاب الله عز وجل، لأن ما تحمله صدورهم من غيظ وبغض لليهود لا يخفف من ألمه بعض التخفيف إلا اللجوء إلى شتمهم ولعنهم بلعنة الله التي أصابتهم قبل أن يخلق الأزهر وشيخه والباحثون من حوله، ولكن هذه التوصية قد تجلب شرا مستطيرا على الأزهر وطنطاويه إذا جعلت اليهود يطمعون في ما هو أبعد من ذلك، وأمعن في إذلال المسلمين وإخضاعهم فيطالبون الأزهر (الشريف العفيف) بحذف الآيات القرآنية التي تذكر طبائع اليهود وكريه صفاتهم من المصحف الكريم، وحينئذ يسقط الشيخ الطنطاوي في حيص بيص، ويرتبك و(يتلخبط) لأنه سيكون عليه أن يبدأ بفاتحة الكتاب فيحذف منها (غير المغضوب عليهم) لأنها تعني اليهود كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه قد يجد مخرجا من هذا المأزق فيصدر فتوى بأن قراءة القرآن كله غير واجبة، وأنه يكفي قراءة بعض من سوره وآياته، لقول الله عز وجل (فاقرأوا ما تيسر من القرآن)، ومادامت قراءة الآيات التي تذكر اليهود تسيء إلى العلاقة بين مصر واليهود، وتضر بمصالح مصر وسياستها الخارجية، فلا مانع من حذفها من المصحف الشريف، لأن قراءتها لم تعد مما تيسر من القرآن، بل هي مما تعذر وتعسر، ومن القواعد المقررة في أصول الفقه أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وهكذا يتحقق لليهود ما يبغون بفضل بركة شيخ الأزهر وفتواه "الشرعية". فتوى في سياق الفتاوى الزائفة المحرفة وإن صدور مثل هذه الفتوى ليس بغريب ولا بعيد من مؤسسة الإفتاء الرسمية التي تعتمدها بعض الحكومات الإسلامية كمصر وسوريا ولبنان والسعودية، فلهذه المؤسسات تاريخ حافل بالفتاوى من هذا القبيل، فلم ينس الناس، بعد تلك الفتوى "الشرعية" التي صدرت عن شيخ الأزهر وجماعته بإباحة الربا الذي يجري العمل به في الأبناك العالمية، إذ يبدو أن الأبناك الربوية في مصر قد ضاقت ذرعا بالبنك الإسلامي وإقبال الناس عليه وإعراضهم عن المعاملات الربوية الجارية في الأبناك (اليهودية) المعروفة، فاستدعت الحال إصدار فتوى من شيخ الأزهر بإباحة المعاملات البنكية لإنقاذ هذه الأبناك من الإفلاس (ومن الركود على الأقل )، وإن من أسهل الأمور على الحكومات التي لها مؤسسات للفتوى أن تستصدرمن هذه المؤسسات فتوى توافق توجهاتها الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، كما تشهد بذلك وقائع كثيرة سجلها التاريخ الحديث على هذه المؤسسات. فقد ذكر الشيخ أحمد بن الصديق في بعض رسائله وكان مقيما بالقاهرة وتوفي فيها أن كلا من الشيخ المراغي والشيخ شلتوت أصدر فتوى بعدم وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن الإيمان به صلى الله عليه وسلم ليس شرطا للدخول في الإسلام، فالمرء يعتبر مسلما وإن لم يؤمن برسالة نبي الإسلام،وهو قول جاوزا به قول الشيخ محمد عبده من قبلهما، إذ كان يرى أن أهل الأديان كلهم على حق وأن الإنسان سواء كان مسلما أو يهوديا أو نصرانيا فإنه على دين حق، وأنه من أهل الجنة، وهؤلاء الثلاثة إنما قالوا بهذا القول وأنكروا ما علم من الدين بالضرورة ليجدوا حلا للمعضلة التي تعاني منها مصر، ألا وهي وجود أقلية قبطية بين ظهراني شعب مسلم، وما يفرزه هذا الوضع من اضطرابات وحساسيات تحرج الحكومة وتسيء إلى سمعتها في الخارج. وفي سنة 5291 أصدرت هيأة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر أبي الفضل الجيرازي حكما في الكاتب علي عبد الرازق، وكان قاضيا ومعدودا في علماء الأزهر، بمحو اسمه من سجلات الأزهر والمعاهد الأخرى، وطرده من كل وظيفة وقطع مرتباته من أي جهة كانت، وذلك لما جاء في كتابه: الإسلام ونظام الحكم من افتراء على الإسلام وتزييف لحقائقه وتبديل لأحكامه وشرائعه، وبعد اثنين وعشرين عاما، غيرت هيأة كبار العلماء رأيها في الشيخ عبد الرازق، بعد أن كان سنة 5291 كافرا خارجا على الإسلام منكرا الكثير مما ورد في القرآن والسنة، إذا هو سنة (7491) مؤمن يستحق العطف ويستوجب العفو، ولم يعلم من علي عبد الرازق هذا أنه أحدث توبة أو تراجع عما نشره في كتابه، وقد نشرت جريدة الأهرام في غضون هذا التاريخ كلمة تحت عنوان: العلماء يلوذون بالعرش في مسألة علي عبد الرازق، تقول عندما أصابت الأزهر تلك الصدمة التي نزلت في شيخه الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق، اتجهت نية كبار العلماء إلى تكريم ذكراه في شخص شقيقه الأستاذ علي عبد الرازق، وذلك بأن يلوذوا بالسدة الملكية ملتمسين عفوا ملكيا على إثر القرار الذي اتخذته هيأة كبار العلماء من قبل... وبعد ذلك نشرت الصحف مرسوم تعيين علي عبد الرازق وزيرا للأوقاف، والحق أن هذا كله محض كذب وافتراء، فقد أراد الملك فاروق أن يعين علي عبد الرازق وزيرا للأوقاف، فأمر شيوخ الأزهر أن يقوموا بهذه الحركة فأطاعوا وتبرعوا بالكذب، (وانظر تفاصيل هذه الواقعة في ملحق كتاب الملل والنحلل للشهرستاني بتحقيق محمد سيد كيلاني). وفي بحر التسعينيات، وربما في سنة (1996)، أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى تقرر أنه لا يجب على الدولة الدائنة أي التي عليها ديون أن تبعث وفدا رسميا إلى موسم الحج، وكان واضحا آنذاك أن الفتوى (مفبركة) وأنها صورت (بالتيليكوماند)، فقد بعثت الحكومة المصرية، قبل موسم الحج ببضعة أسابيع، وفدا رياضيا يتألف من عشرات الأفراد للمشاركة في الألعاب الدولية التي انتظمت في تلك السنة، فكان مفهوم الفتوى أن إرسال وفد إلى موسم الحج غير واجب على الحكومة، لكونها مثقلة بالديون، أما إرسال وفد رياضي إلى مكان أبعد من الحج وأكثر نفقات وتكاليف، فذلك فضل الله يوتيه من يشاء. وفي السعودية أيضا ولن ينسى المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها تلك الفتوى الفاضحة التي أصدرتها هيأة كبار العلماء بالسعودية إبان حرب الخليج الأولى (سنة 1991) والتي أجازت بها للحكومة أن تستعين بالجنود الأمريكيين والإنجليز على ضرب الشعب العراقي المسلم، وبموجب هذه الفتوى دخل الغزاة من اليهود والنصارى بلاد الحرمين دخولا "شرعيا" لا يسمح لأحد من أهالي البلاد أن ينكر أو يعترض أو يقاوم وجودهم عليها، ومازالوا فيها إلى اليوم ولا يزالون فيها إلى أن يخرجوا منها مذؤومين مدحورين بفضل جهاد المخلصين من أبناء الأرض، تحقيقا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال وهو في الأيام الأخيرة من حياته: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب) (لا يبقين دينان بأرض العرب). وفي السعودية أيضا أسس ثلة من العلماء والأساتذة خلال التسعينيات جمعية لنصرة المظلومين أطلقوا عليها (جمعية الدفاع عن الحقوق الشرعية)، وأصدرت بيانات تدعو كل من له تظلم أن يتصل بها، ولكن الحكومة رأت في هذه الجمعية مسا بالنظام وطعنا في شرعية الدولة، فأوحت إلى هيأة الإفتاء ما أوحت، فأصدرت هيأة كبار العلماء في المملكة فتوى بتحريم عمل الجمعية وتحريم إقرارها والاعتراف بها، بحجة أن المملكة تحكم بشرع الله، وتوجد بها محاكم شرعية لإنصاف كل مظلوم، واستنادا إلى هذه الفتوى قامت الحكومة بفصل أعضاء الجمعية المذكورة من وظائفهم وحل جمعيتهم، وهكذا كان نصر المظلوم محرما عند "كبار علماء السعودية"، وكان التعاون على إنقاذ الضعيف والمغلوب من التسلط والعدوان منكرا في منطقهم يجب قمعه والقضاء عليه. إن أمثال هؤلاء العلماء الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويزيفون الحقائق الشرعية لم يخل منهم عصر ولا جيل، ولم يسلم من زيغهم وتضليلهم إلا من رحم الله من المؤمنين المخلصين، ومن أجل ذلك وردت في إنذارهم والتحذير منهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الأعلام من أصحابه والأئمة من سلف هذه الأمة، وصنف في شأنهم علماء الإسلام من مختلف القرون كتبا ورسائل تركوها مواعظ باقية في أجيال الإسلام لعلهم يحذرون. عبد الباري الزمزمي