خرج الآلاف من الفرنسيين أول امس الأحد إلى الشارع في العاصمة باريس للمطالبة بحظر عمليات الإجهاض وتقييدها، وبينما قال المنظمون إن المشاركين في "مسيرة من أجل الحياة" بلغ 40 الفا قالت الشرطة الفرنسية إن عددهم لم يتجاوز العشرين ألف. وحسب وكالات الأنباء فقد رفع المشاركون في المسيرة شعارات تطالب بمنع الإجهاض في البلاد أسوة بأسبانيا، ورددوا هتافات مناهضة للعمليات التي تتم من هذا النوع، وذلك من قبيل: "لا للإجهاض"، "أنذهب إلى إسبانيا من أجل أن نحمي أطفالنا". وشارك فيها رهبان كاثوليك، وعدد من منظمات المجتمع المدني المختلفة، وعددا من الشباب والأطفال. وتأتي هذه المسيرة عشية نقاش برلماني حول مشروع قانون يجعل من السهل على النساء التخلص من الحمل غير المرغوب فيه اقترحه الحزب الاشتراكي بزعامة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند جعل الإجهاض أكثر يسرا بإزالة شرط يلزم المرأة التي ترغب في ذلك بإثبات أنها "في محنة"، بينما يرى المناهضون أن هذه الخطوة من شأنها أن تجعل الإجهاض أمرا عاديا. هذا واعتبر الدكتور رشيد الجرموني الباحث في علم الاجتماع أن هذه التحركات الأوربية ضد إباحة الإجهاض تجسد "يقظة العقل الغربي ومن خلاله المجتمع المدني في قضية ذات أبعاد خطيرة جدا"، مشيرا في تصريح ل"التجديد" إلى أن المجتمع الغربي عندما ينتفض ضد الاجهاض فإنه يرى بعض التجارب التي أباحته وبالتالي فهو يرى في حظره حفاظا على الأسرة والنوع البشري وأيضا على قيم وثقافة الشعوب، ويضيف أن إباحة الإجهاض هي في الأصل باب من أبواب تيسير الفاحشة في المجتمعات، في الوقت الذي يعبر الأوربيون عنها بمصالح مرتبطة بالنوع البشري وبأمور مادية براغماتية لكن خلفيتها أخلاقية وقيمية لأن الدافع إلى ذلك الحفاظ على تناسق المجتمع ككل وتماسك الأسرة بشكل الخاص. وأضاف الجرموني أن خروج الفرنسيين في مسيرة تطالب بحظر الإجهاض وقبلها إقرار إسبانيا قانونا يقيد الإجهاض هو بمثابة انقلاب في الفلسفة المادية التي كانت تؤطرها فيما مضى وانبثقت من أفكار حرية الجسد والحرية الفردية، معتبرا أنها "انعطافة مهمة جدا" في تاريخ هذا الموضوع وفي تاريخ مجموعة من القضايا الأخلاقية المرتبطة بالقيم و"انتفاضة" ضد بعض الفلسفات التخريبية الما بعد حداثية التي بدأت تتحدث عن تلاشي القيم واندثارها، كما أنه "أكبر درس" للمجتمع المدني العربي لكي يعيد النظر في مجموعة من المقولات التي يدافع بها عن حرية الجسد والاجهاض وعن حق الانسان في ان يفعل بجسده ما يشاء. إلى ذلك يطالب الفرنسيون بأن تسير فرنسا في الاتجاه الذي ذهبت إليه إسبانيا عندما أقرت مشروع قانون يقيد الإجهاض، ويضع "شرطين للسماح بالإجهاض هو أن يكون هذا الأخير ضروري بسبب خطر جسيم على حياة المرأة أو على صحتها البدنية أو العقلية، أو أن يكون الحمل ناجما عن جريمة ضد الحرية أو السلامة الجنسية للمرأة". يذكر أن الإجهاض قانوني في فرنسا منذ عام 1975 بحيث تستطيع المرأة التخلص من الجنين حتى نهاية الأسبوع ال 12 من الحمل.