توقعت أن تكون الفعاليات النسائية في المغرب في مقدمة الأصوات المعارضة والمنددة بمبادرة سفينة الإجهاض الهولندية، وربما في الصفوف الأولى من أجل مناهضة الإجهاض، سواء كان سريا أو علنيا، وسواء ذلك الذي قد ينتج عن حمل شرعي أو خارج مؤسسة الزواج؛ فخارج الأسباب التي يكون فيها الإجهاض ضروريا لأسباب صحية أو في حالات أخرى يحددها العلم ويجتهد فيها الشرع، لا يمكن أن يكون الإجهاض سوى أشرس أنواع العنف الممارس على المرأة وعلى جسدها، لا يقل أذى عن باقي تصنيفات العنف الذي يعتبر من أولويات الكفاح النسائي اليوم. لقد كان الإجهاض دائما من أبشع أنواع العنف الممارس على جسد المرأة قبل مئات السنوات، وقبل أن تكتب «عرابة» الفكر النسائي ماري ويلستونكرافت «مرافعة من أجل حقوق المرأة»، ذكرت فيها أن الإجهاض يعتبر جريمة وعنفا واضطهادا للمرأة، لأنه يجعلها أمام واقع قاس وغير عادل، تتحمل فيه لوحدها التبعات النفسية والجسدية للحمل، شرعيا كان أو غير شرعي. لكن ربما هبت رياح كثيرة، غيرت مسار حركات التحرر والفكر النسائي في العالم، وجعلت الإجهاض يندرج تحت بند حرية المرأة في أن تفعل بجسدها ما تريده؛ وهو موقف تتبناه في المغرب اليوم الكثير من الأطراف التي ترى أن واقع انتشار الإجهاض السري وارتفاع عدد حالاته عوامل كافية لتحريره من كل الاعتبارات والقيود. وهي آراء تظهر وكأنها تريد أن تزيح مسؤولية المجتمع والدولة على حد سواء عن هذا الواقع، لتلقيها بالكامل على كاهل المرأة. لكن الإجهاض، في العمق، ليس سوى خطوة إضافية من أجل تكريس العنف القائم ضد المرأة لأنه يساعد الرجل على التملص من مسؤولياته، ويسهل سلوكه الجنسي الأناني واللامسؤول من جهة أخرى، خصوصا حين يقيم علاقات جنسية بكل حرية، دون أن يكون راغبا في تحمل المسؤولية إذا ما حدث حمل، وفي أحسن الأحوال يقنع المرأة بالإجهاض في مقابل أن يدفع تكاليفه المادية التي لا تساوي شيئا مقابل ما تدفعه المرأة من جسدها ونفسيتها. إن فتح إمكانية الإجهاض بدون أسباب مقنعة يعني، كذلك، أننا كمجتمع ومؤسسات نقبل بأن ندفع الفواتير القانونية والمادية لنسهل قتل الأجنة، ولكننا غير مستعدين لدفع فواتير لإصلاح الأسباب التي أدت إلى ارتفاع حالات الإجهاض السري والعشوائي، مثل غياب المتابعة والتوعية الجنسية والصحية للمرأة، ومعالجة تردي القيم في المجتمع وانتشار الفقر وأمراض التنمية وتحسين وضعية المرأة، لأن الكثير من حالات الإجهاض تحدث كذلك بسبب عدم قدرة المرأة على التوفيق بين العمل وبين مسؤوليات تربية الأبناء وعملها داخل المنزل، حيث تدفعها ظروف العمل المتردية إلى اختيار الإجهاض نظرا إلى عدم وجود قوانين عمل خاصة بالمرأة تراعي طبيعتها ودورها الحيوي المتمثل في الإنجاب. على كل، الجدال حول الإجهاض لم يحسم بعد، في الكثير من دول العالم، لأن الكثير من التقارير كشفت مؤخرا أن حق الإجهاض تم توجيهه نحو تسهيل استغلال أكبر لجسد المرأة وتكريس المزيد من العنف تجاهها. وأصبح الوعي، اليوم، متزايدا لدى جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة بأن الإجهاض يضعف المرأة نفسيا وجسديا. والكثير من الفعاليات النسائية تتحرك اليوم، لتصحح المسار الخاطئ الذي ذهبت فيه بعض الدول حين دفعت في اتجاه إقناع المرأة بأن جسدها ملك لها، ومن ثم يحق لها أن تنجب متى تريد وتجهض إذا كانت ترغب في ذلك، أو حين حررت عملية الإجهاض من كل القيود الأخلاقية والدينية والقانونية، وسمحت بأن يكون قتل الأجنة حلا لمشكلات التنمية، في بلد كالصين الذي أدت فيه سياسة «الطفل الوحيد» إلى المزيد من العنف تجاه المرأة لأنها تجبر على إجهاض الطفل الثاني، وحين أصبحت عمليات الإجهاض تستعمل كوسيلة لاختيار جنس المواليد، وقتل الأجنة الإناث، في مقابل الاحتفاظ بالذكور. وكنتيجة لذلك، تم القضاء على «أُمة كاملة من الفتيات» تبلغ 37 مليون فتاة بسبب الإجهاض، في ظاهرة لا تختلف كثيرا عما عرف في التاريخ القديم بعملية «وأد» البنات.