لن يكتب لهذا الحديث حول الإجهاض وضرورة عدم تحريره بالمغرب ودول العالم الإسلامي أن ينشر، حتى يثير "عاصفة" من ردود الفعل، وشعورا دفينا بالامتعاض لدى المناصرين له، الذين غامروا فجاهروا علنا في الآونة الأخيرة "بالمحاسن" و "الفوائد" الجمة التي ستعود على المجتمع من "تقنينه"، حيث تشجعوا وشرعوا يزينونه للناس وللسلطات السياسية وذلك عبر التكلف و"الاجتهاد" في تنظيم الندوات و المؤتمرات حول هذا الموضوع، وبذل أرقام وبيانات وتصريحات مسكوكة من نفس الخطابات التي سبق لها أن مهدت عادة لإباحة الإجهاض في مختلف الدول التي قامت بتشريع هذه الآفة ضمن قوانينها، ليجعلوا منه عن باطل "مستلزما" من "مستلزمات" الحداثة التي علينا أن " نؤمن" بها جميعا و"ضرورة" يمليها علينا التطور والاحترام "الواجبان" لحقوق الإنسان. ولعله أيضا امتعاض يتخلله عندهم ارتياح غير معلن: امتعاض لأنه يملي عليهم أن يقرعوا الحجة بالحجة، ويفندوا البرهان العلمي ببرهان من نفس طينته. فهذا الحوار بفرض عليهم أن يواجهوه بخطاب دقيق من صنفه بعيد عن الشعبوية والارتجالية ودغدغة المشاعر و العواطف، لأنهم يعرفون في قرارة أنفسهم أنهم أعجز من أن يقدموا أدلة علمية على صواب "فتواهم". ذلك أن إعمال العقل سينتهي بهم إلى ما انتهت له كل الاديان السماوية من نأي بالناس عن هذا المنحدر السحيق الذي تغتال فيه الحياة وتداس فيه الكرامة البشرية أبشع دوس. ولكنهم في مقابل كل هذا العبئ الذي يرميه على عاتقهم حوار علمي هادئ كهذا. سيغمرهم الارتياح المشوب بغير قليل من الحماس، لأن مثل هذه الكتابات تعطيهم " معركة" وتمنحهم "قضية" لم يحلموا بها في بلد مسلم له قناعاته الدينية والحضارية الراسخة، وتصنع لهم " أهدافا" للنضال ضد مناهضي الإجهاض الذين ينتصرون لحق "الحياة" على حق "الاختيار" بالنسبة للمرأة . إنهم بهذا سيشحذون أسلحتهم من جديد. ويلتقطون أنفاسهم لمعاودة "التعبئة". بل سيوعزون لمن يمدهم بأسباب الحياة أن "حربهم" ليست سهلة. وأنهم سيضطرون لتقديم "تضحيات" وأنهم بحاجة بالخصوص لمزيد من الدعم للوقوف في وجه المحافظين المتمترسين بالدين والقيم والذين لم يستوعبوا بعد "فضائل الإجهاض" . إني أعرف أني أقدم لهم بهذا بالتأكيد خدمة هم في أمس الحاجة لها. لأن مثل هذا السجال يخرجهم من منطقة الظل التي حصرهم فيها الشعب المغربي. والتي يرابطون فيها منذ أن أطلقوا دعوتهم المدججة "بالحجج" التي يرونها دامغة ونراها واهية. فقد قتلهم تجاهل المغاربة لهم، حين لم يلقوا أي آذان صاغية رغم طرقهم لمختلف الأبواب: برلمان ، أحزاب سياسية ، مؤسسات طبية...الخ ومع ذلك فإني أركب مخاطرة "أن أنفض الغبار" عنهم ، أن أناقشهم في كل حيثيات مرافعاتهم التي أقاموا لها الدنيا لصالح هذا "الإجهاض". أن أظهر لهم بالخصوص تفاهتها وضحالتها وعدم صمودها لا أمام الأدلة الشرعية فقط بل أمام الأدلة العقلية أيضا. سنناقشهم بالعقل وبالعقل وحده. سنظهر لهم بجلاء ووضوح لا أخلاقية ولا قانونية ولا علمية مقاربتهم تلك. ثم سنتطرق لمجمل مضاعفات ومخاطر الإجهاض على الصحة الجسدية والنفسية للمرأة وكذا البراهين التي يدفع بها أنصاره بالمغرب ولتلك الاستراتيجية التي ينهجون، لأجل تحقيق هذا الهدف. ثم سنوضح أخيرا ردنا على هذه " الأدلة" من خلال بسط حجج علمية مستقاة من حقول البيولوجيا ، والطب وعلم الوراثة والأجنة. دون أن ننسى أن ننخرط في نقاش متشعب يستحضر المعطيات الاجتماعية والسياسية و الثقافية والدينية لبلادنا، إن الإجهاض لغة يعني عدم اكتمال الشيء وعدم تمامه . هو كلمة ذات معنى قدحي تشير دائما إلى الإخفاق والفشل و السقوط، مجال استعمالها الأصلي هو حقل أمراض النساء والتوليد. وتدل على خروج الجنين تلقائيا أو نزعه عمدا لسبب من الأسباب وبوسيلة من الوسائل من الرحم، قبل أن يصبح قادرا على الحياة سواء كان ذلك سيتم له بمفرده او بمساعدة طبية.أي أنها كلمة تدل على إخفاق الحمل وفشله. إن الحمولة القدحية لهذه الكلمة واضحة لا لبس عليها ولا يختلف عليها اثنان، سواء من يناصر إجهاض الحامل لسبب من الأسباب التي تتباين في جديتها، أو من يناهضه إذا لم يكن مبررا. وهذا ما جعل الكثير من الفاعلين سواء كانوا ساسة أو أطباء أو حقوقيين أو جمعويين انبروا للدعوة لتحرير الإجهاض "الطبي" يستعيرونها لاستعمالها في مجالات هي غير مجالها الأصلي وفي مواضيع أخرى تهم حقولا أخرى . فنفس الحقوقيين قد يتحدثون عن إجهاض المسلسل الديمقراطي لما يريدون الإشارة إلى خيبة الأمل وإلى عدم النجاح وانتكاسة الأماني والنضالات الشعبية . وهم أنفسهم من يرمز إلى "الإخفاق الاقتصادي" من خلال توظيف عبارة "إجهاض التنمية". ولكنهم هم أيضا من ينسى مدلول الكلمة الأصلي من يقوم بالتقريظ و الدعاية لإتاحة الإجهاض للنساء حين يتعلق الأمر فعلا "بالإجهاض الحقيقي". الذي يعرفه الناس جميعا، الإجهاض في معناه "العاري" دون استعارة أو مجاز لغوي، اجهاض الأجنة من أرحام أمهاتها. فلكأنما تحتفظ الكلمة في تصورهم بمعناها القدحي حين تتنطع وتخرج من مجال استعمالها الأصلي، وتفقده حين ينبغي لها بداهة أن تتمثله. أي حين تكون فعلا لا مجازا. إنها فعلا مفارقة بل ومغالطة كبرى تكشف ورطة وتردد مناصري الإجهاض. إنها استعمالات اللغة التي تمكر بهم ، فتفضح لنا رياءهم وتفاهتهم وعدم تماسك منطقهم. إذ كيف يسعون "للتطبيع" مع كلمة الإجهاض حين يكون المعنى مطابقا للفعل ويسعون لتضمينها أقبح الدلالات و النعوت حين تفيد المعنى فقط.ولكن كلمة الإجهاض تشي أيضا اينما استعملت وكيفما وظفت بأن هناك فاعلين ومتربصبن ومتدخلين يقومون بتنفيذ هذا الإجهاض. ولذلك فإنها تفيد دائما جهة غير صالحة ومعاكسة للاتجاه الصحيح و السليم السوي جهة، يتعين علينا ضرورة أن نتبينها ليكتمل المعنى وتتضح الصورة. فكما يجهض دائما المسلسل الديمقراطي أو التنموي مفسدون سياسيون أواقتصاديون هناك دائما وبالبداهة فساد مرتبط بالإجهاض حين يكون لايعني سوى إسقاط أو سقوط الحمل. وهذه هي الحقيقة الناصعة فعلا والتي لا غبار عليها، حيث يقع الإجهاض التلقائي بسبب "فساد" في الجنين أو اتقاء "لفساد" قد يصيب صحة الأم. ويقع الإجهاض العمدي حين تكون هناك أوضاع فاسدة اجتماعية أو قانونية أو أخلاقية أو اقتصادية تعبد الطريق لإنجازه وتنفيذه. فإذا كان الإجهاض التلقائي محتملا ومفهوما ومستساغا، فإن الإجهاض العمدي يعني دائما شبهة فساد في معناها الشامل في منظومة القيم . هذا ويصدر المناصرون للإجهاض في كل دول العالم عن نفس الخطة، وينهجون الاستراتيجية نفسها، لأجل استصدار قانون يسمح بالإجهاض لكل من "ترغب" فيه من النساء ببلدانهم، حيث يشرعون أولا في "تحسيس" الرأي العام وإثارته من خلال حالات اجتماعية معزولة تستدعي الحدب و الشفقة، يقومون بانتقائها بعناية وحرفية بالغة. ثم ينتقلون بعد ذلك إلى إشهار وترديد بعض الأرقام التي تشير إلى "هول" الظاهرة وتفاقمها، ليصوروا الإجهاض في عيون عامة الناس ولدى دوائر القرار السياسي وكأنه "مطلب شعبي" ملح لا غبار عليه ولا مناص من الرضوخ له. ثم بعد أن يستوثقوا من جدوى مسعاهم من خلال بضع تصريحات تمويهية يبعثون عبرها رسائل "طمأنة" مشفرة تكون "خادعة" للجهات التي يصنفونها كجيوب مقاومة لا تريد أن تتفهم هذا " الحق المشروع"، يقومون بالمطالبة بإصداره عبر قانون وطني، بعد أن يشحنوا عددا من وسائل الإعلام في صفهم عبر الانفتاح عليها من خلال نقاش عمومي يثيرونه عمدا، فيعرفون جيدا كيف يختارون فضاءاته وكيف يحركون خيوطه، وكيف يؤطرونه و يوجهونه نحو الغاية التي ينشدون . إنها نفس الحكاية التي تتكرر دائما من دولة لدولة. بل هناك تنسيق عابر للقارات بين هؤلاء المؤيدين للإجهاض لأجل أن توضع له التشريعات عبر كل أرجاء العالم. فهناك الآن مخططون و"محنكون" دوليون أخذوا على عاتقهم أن يتولوا ويتبنوا هؤلاء "الأتباع" بكل "الأصقاع". يضعون لهم خارطة الطريق التي " لا تخذل أبدا". ويبينون لهم كيف يتوقعون العقبات ويتفادون المطبات على الطريق، كيف يميزون الممانعين ويحاصروهم ويفحموهم لكي لا يروجوا للخطاب المضاد، كيف يجادلون ، ويحاورون . و"يصبرون" على عدم "فهم" الناس "لنبل " قضيتهم " وسموها". وكيف يقنعون ويرافعون لأجل هذا الإجهاض. وعندما نعود للدعوة إلى " تقنين الإجهاض" التي انطلقت منذ ما يزيد عن 4 سنوات بالمغرب على يد بعض الجهات التي تسعى لنفس الغاية عندنا،لا نجد أنها تشذ عن هذه القاعدة، بل هي تستنسخ نفس الأسلوب بكل أمانة. بحيث أنها تعتمد على التكرار والإلحاح واستثمار بعض المآسي الخاصة استدرارا لعطف الناس. كما تقوم بتضخيم بعض الأرقام وتنفخ فيها مستمسكة في كل هذا بسياسة للتدرج و التروي وطول النفس والرفع التكتيكي من سقف "المطالب" شيئا فشيئا . بل نجدها أحيانا تخفي مرامها البعيد إخفاءا اتقاء لحساسية أجواء الطقس السياسية والمجتمعية، وتستعيض عنه بأهداف مرحلية يمكن قبولها آنيا. كأن تدفع بكونها تدعو لتحرير الإجهاض لمناهضة ذلك الذي يجرى سريا فقط، وأنها تريد موازاة مع تحريره تعميم الثقافة والتربية الجنسية على الشبان والشابات للوقاية من الإجهاض، وأنها مع الإجهاض فقط في بعض الحالات المعدودة كالاغتصاب وزنا المحارم وتشوه الجنين وحين تكون صحة المرأة في خطر، ولكن دون أن تنسى أن تدُسَّ الوضعية النفسية و الاجتماعية للحامل ضمن لائحة هذه الأخطار، مع ما قد يحتمله ذلك من تأويلات فضفاضة تجعلنا في النهاية بكل بساطة أمام تشريع الإجهاض العمدي. كما أنها لا تنسى في كل هذا أن تستعين بشعارات لامعة وبراقة تغرفها من قواميس المنظمات الدولية لتخلب بها لب الناس وتجرفهم من قبيل "حرية المرأة في التصرف بجسدها"، في حين أنه ولو اتفقنا جدلا مع هذا المبدأ فإنه لا ينسحب خصوصا على الإجهاض لأن الجنين ليس من ضمن جسد المرأة كما يثبت ذلك الطب و العلم معا . يعتقد المناصرون لتحرير الإجهاض أن الرقم المرتفع لحالات الإجهاض التي تعرفها بلادنا كل يوم يشكل النقطة الأقوى في ملفهم المطلبي، وأنه يشفع لهم بضخامته "للنضال" لأجل تقنين هذه الآفة ، ولكن هذا الدفع الخاطئ لا يستقيم لهم لعدة أسباب : أولها، أنهم يعترفون هم أيضا بأن وزارة الصحة نفسها لا تتوفر على أرقام. وأنه تعوزنا دراسات ميدانية علمية جادة لفرز رقم موثوق به وطنيا. لذلك فإنهم يقرون ضمنا أنهم يقدمون رقما اعتباطيا وارتجاليا فقط، لا يعكس بالتأكيد الحقيقة كما هي على أرض الواقع، إنهم يدفعون بهذه الأرقام فقط لغرض تجسيم المشكلة وتجسيدها وإعطائها "حجما". لكنهم لم يقدموا لأجل هذا رقما واحدا، بل عدة أرقام. مما يعكس الارتباك والتردد اللذان يخيمان عليهم من جهة ، ويعكس من جهة أخرى أنهم يجسون نبض المجتمع فقط، ويختبرون مناعته ويتفننون في استدراجه وإقناعه، لكي لا يصطدموا بردود فعل قوية في المراحل الأولى لمسارهم الطويل جدا، فبداية أتذكر أنهم ذكروا رقم 400 إلى 500 حالة إجهاض في اليوم تجرى سواء داخل العيادات أوداخل أوساط أخرى غير آمنة على يد أشخاص غير مدربين . ولما تيقنوا من أننا قد "ابتلعنا" هذا الرقم واستأنسنا به بعد أن روجوا له على صفحات العديد من الجرائد عبر حوارات مطولة، رفعوه إلى رقم 600 ثم إلى 800 ثم إلى رقم 1000 حالة إجهاض يوميا، وهكذا دواليك لا ينفكون يصعدون سلم الأرقام كلما استوثقوا أننا استوعبنا الرقم السابق، يحسبون بذلك أنهم يدقون "ناقوس الخطر " لتنبيهنا" إلى حجم المشكلة التي تتفاقم موسميا؟ فهل يا ترى تضاعفت فعلا حالات الإجهاض خلال 3 أو 4 سنوا ت فقط؟ المؤكد أن لا أدلة علمية لدينا، لا بالنسبة لهذه الأرقام ولا بالنسبة لمنحاها الارتفاعي. فقد تكون الأرقام الحقيقية أقل من هذا أو أكثر من هذا بكثير . ولكننا نستشف من كل هذا، أن النقاش الذي يقترحون لا يؤطر من طرفهم بخلفية علمية أواجتماعية أو طبية بل بخلفية تعبوية شعبوية تستغل تقنيات الدعاية والتواصل لأجل تحقيق "حلم" تحرير الإجهاض الذي يداعب مخيلات روادهم هنا وهناك. وقد كان الأحرى أن يتساءلوا كيف تضاعف هذا الرقم كما يزعمون هم على لسانهم على الأقل، في السنوات الأخيرة . المؤكد أن عاملا مساعدا قد دخل على الخط. ولسنا نرى عاملا آخر برز على الساحة مؤخرا غير خروج الدعوة إلى تقنين الإجهاض للعلن. لذلك سيكون من المنطقي أن نسأل هل مثل هذه الدعوات لا تحرض الناس ولا تهون من أمر الإجهاض العمدي في عيونهم؟. إنه مجرد سؤال أطرحه ولا أنتظر له جوابا، ولكن لنفترض معهم أن ألف امرأة تخضع للإجهاض يوميا فذلك يعني ما مجموعه 350 ألف امرأة خلال السنة الواحدة، أي بتصوير كاريكتوري أن هناك مدنية متوسطة من النساء تجري أو تتعرض لهذه الممارسة كل عام، فهل هذا العدد الكبير في رأيهم يضفي مشروعية ما على مطلب تحرير الإجهاض؟ المؤكد أن المناصرين للإجهاض يستحضرون الفكرة الديمقراطية عندما يدفعون بهذا الرقم المخيف. إنها نسبة مهمة وشريحة عريضة من النساء. لذلك سيكون من المجحف حقا أن لا يستجيب لها المشرع. هذا هو التأويل الوحيد الذي نراه ممكنا من القول برقم كبير لم نتحقق من مصداقيته. وهذا هو الضغط الضمني الذي تزخر به أرقام لها مثل هذا السياق على الدوائر المسؤولة . ولكننا مع ذلك نعتبر أن الرقم لا يكفي للتطبيع مع آفة كالإجهاض فإذا خضعت 1000 امرأة للإجهاض يوميا فليس معنى ذلك أنهن جميعا يطالبن به ثم هل إذا ما اقترف 1000 مواطن جنحة السرقة يوميا، سنكون أيضا مجبرين حسب هذا المنطق الغريب على التطبيع مع "اللصوصية" وتقنينها أيضا بدعوى أن 10000 مغربي يضطرون لها كل يوم. وهل نفعل نفس الشيء بالنسبة للرشوة فنسقط عقوبتها ونصبغ عليها الصفة القانونية إذا ارتمى في مستنقعها 800 أو 1000 موظف عمومي. إن العدد الكبير قد يغير ميزان القوى لصالح الباطل لكنه لا يحيل حقا أبدا، خصوصا عندما لا يرقى هذا العدد إلى أن يمثل أغلبية. ثم هل معنى كل هذا أن كل هؤلاء النساء اللائي مررن بتجربة الإجهاض قد تحولن إلى مناصرات له ؟ . إذا كان ذلك صحيحا فمعناه أنه خلال 10 سنوات سنكون في مواجهة ملايين من المواطنات يجاهرن بهذا "الحق" . بل وسيفرضنه فرضا بقوة العدد . لأنهن سيكن "لوبيا" يصعب تجاوزه، لكن لحسن الحظ أن الأمور لا تجرى هكذا. فأغلب النساء يتحولن إلى رافضات للإجهاض بمجرد إجرائه . إلى محذرات من عواقبه، خصوصا وأنهن يحكين عنه فيما بعد بوصفه تراجيديا، كان بودهم لو لم تضطرهن لها تصاريف القدر أبدا. مشكلة الإجهاض العمدي أنه لا يستقطب حتى "زبوناته" اللائي " استفدن" من خدماته لتجاوز "المحنة". كلهن يسعين إلى النسيان وإلى التخلص من عقدة الذنب ، ومن المشاعر المتناقضة التي تقطعهن كالسكاكين من الداخل " فآثار الإجهاض لا تنتهي بمجرد التخلص من الحمل، بل تبدأ منذ تلك اللحظة بالضبط.وهذه هي المفارقة التي يراد إخفاؤها، فالكثير من الرجال والنساء لا يرتاحون إلا بعد أن يزيلوا عنهم الأقنعة ، أقنعة التظاهر " بالحداثة" ويعلنون هناك في "الغرب" إما في روايات سيرهم الذاتية أو داخل استوديوهات القنوات التلفزيونية أنهم يعانون بشكل فظيع" لأنهم في يوم ما اختاروا الإجهاض"، فإذا كان الإجهاض " ينفس" كربة المرأة عند إجرائه ، فإنه يتحول بعد ذلك إلى مصدر للقلق والتوتر و الاكتئاب عندها، إلى تجربة مريرة تفعل فعلها في الإنسان لسنوات طويلة، فندوبه تظل ساكنة في الروح مستعدة لأن تنزف من جديد كلما حركتها الذاكرة. حتى أن ممثلة عالمية ذائعة الصيت صرحت " أنها لم تندم على شيء قدر ندمها على وضع حد لحملها. فلاشيء في العالم في نظرها يعادل مجيئ طفل إلى الدنيا. بل وأضافت أنها لا تنفك توبخ نفسها كل يوم منذ أن وعت هذه الحقيقة". كما أن إحدى المجهضات صرحت " لقد ظللت أبكي طفلي الذي أجهضت كل ليلة لمدة 30 سنة. وإذا كنت أتمنى أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء ، فلكي أحصل على ذلك الطفل من جديد". [email protected]