● أمام نشاط الجماعات المتطرفة بمنطقة الساحل والصحراء، برأيكم هل القوة العسكرية بإمكانها أن تحل المشكل؟ ❍ انتشار الجماعات المسلحة في شمال إفريقيا والساحل هو نتيجة اعتماد العنف المفرط من طرف الغرب. فبوش الابن شن حربا على أفغانستان والعراق وكان الغاية من كل ذلك –حسب زعمه- هو القضاء على المدارس والتيارات والمنظمات المتطرفة الإرهابية، لكن بعد غزو هذه الدول تأكد أن الإرهاب والتطرف تضاعف عشرات المرات. وبعد ذلك بدأت عمليات الانتشار للتطرف والإرهاب في كل أنحاء العالم وشمال إفريقيا وغربها وشرقها. لذلك الحديث عن أن القوة العسكرية ضد الجماعات المتطرفة سينتهي بذوبانها ليس واقعيا لأن التاريخ أكد عكس ذلك. ● في تقديركم ما هي عوامل بروز الفكر المتطرف بالمنطقة؟ ❍ العلاج يتطلب تشخيص الأسباب العميقة لعودة التطرف الإسلامي أو «خوارج» العصر، فالمذهب السائد لدى الجماعات المتطرفة ليس إلا تعبيرا عن مذهب الخوارج الذي ولد مع عصر الفتنة الكبرى في عهد الخليفة علي كرم الله وجهه. الخوارج في التاريخ انقرضوا وشكلوا إمارات في شمال إفريقيا واليمن وآسيا لم يعد لها أثر لكن لماذا عاد مذهب الخوارج أو تطرف الإسلاميين الجديد في العصر العشرين والقرن الواحد والعشرين؟ هذا هو الذي يجب أن نحدد له الجواب. في تقديري أن العامل الأساسي في عودة التطرف الإسلامي أو عودة مذهب الخوارج من جديد مرتبط بوجود تطرف آخر ألا وهو تطرف الغرب. الغزاة من الغرب مارسوا تطرفا وإرهابا على بلاد المسلمين لأكثر من قرنين من الزمان فككوا خلالها الأمة وأسقطوا الخلافة وجزؤوا الوطن ومازالوا يمارسون الغزو ضد أمة الإسلام. وهذا الإرهاب الغربي في الواقع هو المصدر الأساسي للتطرف الإسلامي من جديد، ولذلك العلاج الاستراتيجي هو أن يتوقف التطرف ضد أمة الإسلام عبر عقد مصالحة حضارية كبرى بين الإسلام والغرب أو بعبارة أخرى تصالح الغربيين مع الإسلام بعد عدوان لقرون من الزمان على أمة الإسلام. إن المسلمين يشعرون بالمهانة من طرف الغرب لذلك يتطلب العلاج إصلاح العقل الغربي قائد الحضارة العالمية نفسه، ويتطلب أيضا إصلاح العقل الإسلامي وتغيير الجماعات المتطرفة لمنهج تفكيرها، وهذا العمل في تقديري لن يقوم به إلا ما نسميه نحن بمدرسة الوسطية. والوسطية ليست مذهبا بل هي جوهر الإسلام نفسه. ● ماذا عن جهود الفعاليات التي تنادي بالوسطية؟ ❍ الآن تتشكل نواة أولى وأولية لمدرسة الوسطية في شمال إفريقيا وغربها من كثير من الجماعات الإسلامية كحركة التوحيد والإصلاح بالمغرب، وكذلك الجماعات الإسلامية في موريتانيا وتونس والجزائر والسنغال ومالي وغيرها. ولقد بدأ يتشكل ما نسميه باتحاد منظمات الوسطية بشمال إفريقيا وغربها. وفي تقديري فإن هناك عاملان استراتيجيان لعلاج التطرف في المنطقة؛ أولا هو نشر فكرة الاعتدال في التفكير (لا إفراط ولا تفريط) بمعنى نشر فكر ينبذ الإفراط في الشيء والتفريط فيه، فلابد أن نراعي كل شيء بمقدار حدده له دينينا، ونحن نريد الديمقراطية ولكن بمقدار . ففائض من الديمقراطية سينتهي إلى الفوضى ونقص في الديمقراطية سيسير إلى الاستبداد. لابد أن نأخذ مقدارا في كل شيء في تعاملنا مع الآخر وفي تعاملنا مع الذات وبيننا كجماعات وفي تعاملنا مع المجتمع. ثانيا لابد من اجتثاث ظاهرة الفساد والاستبداد في الوطن العربي والإسلامي وهذا عامل أساسي في ميزان حركة التطرف الإسلامي، وأظن أن الربيع العربي قبل الثورة المضادة في مصر كان يمكن أن ينتهي إلى انهيار تام للحركات المتطرفة الإسلامية لأننا جربنا العنف ولم نسقط الحكام المستبدين ولكن حينما جربنا التظاهر المدني أسقطنا الكثير من الطغاة في شمال إفريقيا. لكن هذه الثورة المضادة التي تريد إنعاش الجماعات المتطرفة الإسلامية تبقى معيقا لإمكانية انتصارنا على التطرف الإسلامي. إن منهج الوسطية يمكن أن يوقف العقل الغربي ويعيده إلى توازنه، علما أن العقل الغربي هو الذي ولد كل أشكال الإرهاب في القرنين 20 و21.