سأحكي لكم اليوم خبر شاب متهور متلاف ترعرع في أحضان الظلمات فاختلطت في ذهنه الأخلاق والترهات. جاء هذا الشاب إلى المركز السينمائي المغربي طالبا الدعم لإنجاز فيلم منحط مسموم ليس له بهذا الوطن الأبي أدنى ارتباط وليس له بأخلاق هذه الأمة الشريفة المتصل نسبها بشجرة النبوة أية صلة. و دون تريث وتعقل منحه هذا المركز الدعم بسخاء وإن تواضعت قيمته التي لا تتعدى مبلغ 202 مليون سنتيم ! ولست أدري كيف تناست اللجنة التي منحت هذا الدعم أن المال العام يساهم فيه الفلاح والنجار والمعلم وكل أبناء هذه الأرض الطيبة... إنه عرق المغاربة الأخيار يصير مالا مدنسا بعد أن يصير محركا لكاميرات ملوثة تنهش الأعراض وتقدمها لمرضى النفوس وتسميها فنا والأجدر أن تسمى كفنا للشرف الذي أصبح يغدر في وضح النهار. لحظة ظلام ! بل ليلة عار مظلمة أطبقت على أحلام وعقول من بيدهم مقاليد صرف المال العام بالمركز السينمائي المغربي فأهدوا مالنا لشاب لم يرب في مدرسة الحياء فغدا لا يميز بين الفن والعفن. و هنا لا يجد المرء إلا أن يطرح هذا السؤال: هل يعطى الدعم بدون شروط واضحة يتضمنها عقد قانوني صحيح ؟ ألا توجد متابعة دقيقة للمشاريع السينمائية التي تحظى بدعم مركزنا السينمائي ؟ وهل يتم التأكد من عدم اختلاط الدعم المغربي الحلال بمال مشبوه خاصة وأن جهات أجنبية قد تكون صهيونية تنفق بسخاء وتتبنى كل نشاط يروم تلويث القيم وتأليه الشهوات. فمتى كان الجنس ظاهرة أو قيمة فنية ؟ إذ لو صح هذا الادعاء الشيطاني لتفوقت علينا البهائم والدواب، فهي لا تحتاج لقاعات العرض المظلمة أو لدعم المراكز السينمائية. إن المتتبع لهذه الأفكار الجديدة التي أعلنت حربا لا هوادة فيها على الفضاء الأخلاقي المغربي تجعل الإنسان العادي والمثقف أمام أسئلة جوهرية لا يمكن التهرب منها وأهمها هي : ما هي طبيعة النظام الأخلاقي المغربي ومن أين يستمد مقوماته ؟ وبعبارة أخرى ما هي المرجعية المؤسسة لهذا النظام ؟ إن الفصل الأول من دستور المملكة الشريفة يعتبر الإسلام الدين الرسمي للبلاد والعباد. وانطلاقا من هذا المعطى الدستوري يصبح من واجب الدولة الدفاع عن العقيدة الإسلامية. فبغض النظر عن البعد العقدي و الديني في حد نفسه فمسألة الإسلام في بلدنا يمكن مقاربتها في بعدها القانوني. إن القوانين المغربية تجرم عرض الصور الخليعة التي تمس بالحياء والحشمة، فكيف يعقل أن تسمح بتمويل أفلام ملوثة من المال العام! إن المسألة في غاية الخطورة خاصة إذا علمنا أن وزيرا من وزراء حكومتنا الغيورة على القيم والأخلاق وهو مكلف بملفات الشباب تأسف وتذمر لعدم السماح بعرض هذا الفيلم. بل لقد تعدى الحدود الحمراء وما فوق البنفسجية حيث اعتبر هذا المنع نتيجة لتدخل قوى الظلام. ألا إنهم في الظلام يرزحون ولكن لا يشعرون! و هنا أود أن أسأل هذا الوزير الذي يتقاضى راتبه الشهري الضخم من المال العام يعلم ماذا يعني انتماء المغرب للإسلام ؟ وهل يعلم وزيرنا المتنور-و هذه الصفة مشتقة من التنور- أنه من يجيز شيئا حراما معلوم الحرمة بالضرورة فقد خرج عن الأمة بالضرورة ؟ حاشا أن تلد مغربية أصيلة ابنا عاقا ينشر أفكارا تأتي على الأخضر واليابس. حاشا أن تقبل المرأة المغربية التي حبلت بعلال الفاسي وبن جلون و بعبد الكريم الخطابي وبموحى وحمو الزياني أن تلد كلبا مسعورا يسعى جاهدا ليلطخ كرامة الأمة بعار الخيانة والتآمر مع أعداء العزة و الشهامة. والله إن أسماء سماسرة الأعراض الذين نذروا أنفسهم لخدمة الطاغوت والشيطان ستكتب بماء قذر في مزبلة التاريخ. وهنا أريد أن أذكر بعض العقول التي أصبحت تقدس النسيان أن الحضارة التي يتبجحون بها هي التي أعادت على ظهر البسيطة الرق والاستعباد فما عليهم إلا أن يسمعوا حكايات أطفال بعض الدول الآسيوية الذين يتاجر في أجسادهم أباطرة الغرب وحكايات فتيات أوربا الشرقية اللواتي يتم استغلالهن في مواخير الغرب المتقدم. وعلينا أن نسأل كل شخص يدافع عن الفساد هل يرضاه لأمه وهل يرضاه لأخته وهل يرضاه لابنته وهل يرضاه لنفسه، فإن تحركت فيه الكرامة والعزة فسيرفض حتما حتى الإيحاء في الموضوع وإن عميت بصيرته واعتبر كل ذلك من مظاهر التحضر فليس أمامنا إلا تسفيهه والدعاء له بالهداية. إنه لأمر عجيب أن يحتج المسلمون بأمريكا حينما تتعرض إحدى القنوات لبعض المواضيع والقضايا التي تمس المشاعر الدينية ولا يحرك المجتمع المدني المغربي ساكنا حينما يتعرض النظام الأخلاقي المغربي ليس فقط للخدش بل للتخريب. إن رفض المركز السينمائي المغربي إعطاء تأشيرة العرض لهذا الفيلم النتن أمر يشوبه كثير من التناقض. فهل يعقل أن يكون قرار منح الدعم غير مصحوب بشروط صريحة تلزم المخرج باحترام القوانين الجاري بها العمل؟ أليس من الواجب أن يكون الدعم مشروطا باحترام ثوابت الأمة ! إذا أردنا ترسيخ دولة الحق والقانون فلا بد من فتح تحقيق جدي في الموضوع للتعرف على حيثيات هذا الدعم. قد يقول من به مس إن قيمة هذا الدعم جد بسيطة، وهنا أجيب بضرورة المحاسبة وإن كان الدعم في شكل درهم رمزي. فدرهمنا الذي يحمل آية "إن تنصروا الله ينصركم" لا يجوز أن يصرف لإرضاء نزوات نفس مريضة تربت في مدرسة صهيونية أسسها فرويد. لا أحد يجهل أهمية الصورة في تشكيل النسق المعرفي والتصوري للمواطن. ولذا يجب على المسؤولين على قطاع الإعلام ببلادنا التعامل بحزم وجدية مع هذه الأطباق المسمومة التي تقدم لأبناء هذا الشعب الأبي. قد يدعي أحد المغرضين أن ما نعتبره حراما يعرض يوميا في العديد من القنوات الفضائية. ولكن هذا المنطق غير سليم ومرفوض فتلك القنوات ليست تحت الرقابة المغربية من جهة، ووجود مظاهر الفساد و الإفساد في تلك القنوات لا تبيح لنا إنتاج نفس الأمراض. فهذا المنطق المعتوه هو الذي دفع بعض النفوس المريضة بالدفاع عن الشذوذ الجنسي أو الاتجار في أجساد بنات أمتنا في قاعات عرض الأزياء التي تعرض فيها لحوم البشر لتباع بأبخس الأثمان. فهل تقتضي عولمة الاقتصاد أن نقدم أطفالنا و نساءنا ورجالنا قربانا لكي ترضى عنا قوى الغاب التي تبني قوتها على الاستهلاك. استهلاك الأعراض و القيم و الحياء. أذكر أنه في إحدى جلسات البرلمان قال أحد الرجال من اليسار أن على الدولة التدخل لحماية الديانة الإسلامية السمحة على مذهب الإمام مالك والتصدي لأولئك المتعصبين الأشرار. إنه قول حق أريد بها باطل. فلو تجول الإمام مالك ببلاد الإسلام ورأى بأم عينيه ما آلت إليه أخلاق العباد لتعوذ من الشيطان واعتبر الجاهلية أرقى وأفضل من حال قوم ادعوا الإسلام وكلما خلوا إلى شياطينهم كفروا وغرقوا في المنكرات. ولو وقع نظر الإمام مالك على القنوات التلفزية ببلاد الإسلام لاعتبرها شيطانا خبيثا يريد أن يضل بني آدم كما أضل أبويهم. ولو علم الإمام مالك بأن مخرجا مسلما يخرج أفلاما تعرض الفاحشة علنا لسأل ثم سأل و لسأل ثم سأل كيف ارتضت أمتنا الرذيلة بديلا عن الطريق القويم ! وإن علم أن ببلاد الإسلام وزارات ومجالس دينية تحيي رمضان وتعلم ترتيل القرآن لصرخ فينا متسائلا ماذا ينفع البيان إذا لم يسخر للتمييز بين الحلال والحرام. إن الإسلام لا يمكن اختزاله في مجموعة عبادات بمعزل عن السياق السياسي العام. إن دولة الإسلام ركن من أركان الإسلام. نعم لو زارنا الإمام مالك لبكى وذرف الدمع الحار وقال : تذكروا يا علماء الإسلام أن يوم القيامة آت لا ريب فيه وان أفواه من كتم العلم والحق ستلجم بالنار. فما أصبرنا عليها ! أفيقوا يا حماة العقيدة وأيقنوا أن قاب قوسين أو أدنى في الجنة خير مما أشرقت عليه الشمس. و تذكروا أنه لو كان الجنس فنا راقيا لتفوقت علينا الحمير و الكلاب! الدكتور أحمد زحاف أستاذ اللسانيات الفرنسية جامعة شعيب الدكالي بالجديدة