أصبح ميدان التحرير مكتظا عن آخره، واحتشد الآلاف في قصر الاتحادية كما تجمع عدد غفير من المصريين في جل محافظات الجمهورية، وبثت القنوات المصرية أولى الصور المأخودة من الجو كشفت عدد المتظاهرين الذين لم ينزلوا بهذا الحجم إبان ثورة 25 يناير. وبدت على وجوه رموز المعارضة نشوة الانتصار في خرجاتهم الإعلامية، حيث كانوا يتناوبون على وسائل الإعلام العربية والدولية في غياب وجهة نظر المؤيدين التي همشت بالكامل بفعل التحيز المقصود. منذ انتخاب الدكتور مرسي ظهر أن الكفة في الشارع لصالح خصومه أو على الأقل هذا ما كان يبث للمشاهد، وسرعان ما بدأ الحديث عن مرحلة ما بعد الرئيس المنتخب.. في الجهة الأخرى، لم يكن عدد المصريين الذين تجمعوا في رابعة العدوية وميدان النهضة قليلا كما كان يصور، فقد أظهرت بعض الصور التي تسربت بفعل الحصار الإعلامي أن عددا لا يستهان به من الشعب نزل للشارع دعما للشرعية ورفضا لأي انقلاب. أمام هذا الوضع؛ أصبح المشهد معقدا وباتت لغة الاحتشاد والاحتشاد المضاد سيد الموقف. لم تمض سوى ساعات حتى دخل العسكر على الخط بإصداره بيانا دعا فيه إلى الاستماع إلى نبض الشارع وأعطى مهلة 48 ساعة لجميع الأطراف للجلوس إلى طاولة الحوار وحسم الخلافات السياسية، اعتبر بمثابة تجاوز لسلطة الرئيس الأول للبلاد، علما أن المعارضة رفضت منذ البداية كل يد مدها مرسي ! ظهر البيان الأول للعسكر متحيزا إلى المعارضة ضد السلطة المنتخبة، في الوقت الذي كان قد التزم الصمت طيلة ثورة 25 يناير ولم يبد تحيزه لصوت الشارع رغم سقوط عشرات القتلى برصاص قوات الأمن والإفراط في القوة ضد الثوار لحماية منصب الفرعون. إبان ثورة 25 يناير رفع الثوار شعارات تمجد الجيش من قبيل «الشعب والجيش يد واحدة»، إذ لم يكن أحد يتصور أنه سيتموقع في خندق فصيل على حساب آخر، كما ساد اعتقاد على أن قرار مرسي بإعفاء قيادة الجيش وتعيين السيسي في أولى قراراته بعد انتخابه كفيل بإرجاع العسكر إلى ثكناته وقيامهم بمهمتهم في حماية الحدود. لكن المشهد بشكل عام ظل ينبئ بأن أمرا كبيرا يحبك وراء الستار، ولم تزل المخاوف حتى مع تدارك العسكر لبيانهم بعد بيان أصدرته الرئاسة تنتقد فيه اشتراط مهلة 48 ساعة. خلال نفس اليوم، انسحبت قوات الأمن وعناصر الشرطة من مختلف شوارع وميادين محافظات مصر، ولم تستجب لدعوات الإخوان لحماية مقراتهم التي تعرضت للتخريب والحرق، وحماية مؤيدي الرئيس الذين سقط عدد منهم قتلى بالرصاص الحي، بل لم تصدر الداخلية بيان إدانة وأطلقت سراح كل البلطجية المتورطين أياما قليلة بعد توقيفهم. بدورها اختفت قوات الجيش عن الأنظار ولم تقم بالمرابطة أمام المنشآت العامة لحمايتها كما أمرها الرئيس بذلك. لقد كانت مؤشرات اليوم الأول فعلا تنبئ أن أجهزة في الدولة لم تعد تحت سيطرة الرئيس أو لم تكن أصلا كذلك !