مع بدء العد التنازلي لحلول شهر رمضان المبارك، تحولت الأسواق والمحلات التجارية والشوارع إلى خلية نحل، وغدت الأسر المغربية تسابق الزمن لاقتناء المواد الغذائية وتخزينها في إطار استعداداتها لاستقبال الشهر الكريم... ورغم تأكيدات المسؤولين بأن المواد الغذائية ستكون متوفرة في شهر رمضان إلا أن العديد من الأسر المغربية تسكنها مخاوف من ارتفاع الأسعار في هذا الشهر الكريم، فيلجؤون إلى شراء ما يحتاجونه من تمور وقطاني وخضر وغيرها بكميات كبيرة وتخزينها حتى تؤمن لهم حاجياتهم في رمضان، لقد وقعت العديد من ربات البيوت فريسة «هستيريا الشراء» فكل شيء أصبح ضروريا بالنسبة لهن والشراء تحول من حاجة إلى طقس من طقوس هذا الشهر الكريم. إذا كان رمضان شهر الاستهلاك بامتياز فإنه فرصة لتحسين مدخول بعض الأسر التي تلجأ إلى مزاولة بعض المهن المرتبطة بهذا الشهر الكريم، وهكذا يرتفع عدد النساء اللواتي ينتشرن في الشوارع والأزقة ويقمن ببيع الفطائر من «بغرير» و «مسمن»، كما أن بعض المحلات تغير نشاطها وتتجه لبيع «الشباكية» و»ورقة البسطيلة» وكل ما تحتاجه المائدة الرمضانية. عدوى الشراء زيارة خاطفة للأسواق الممتازة، تكشف عن أن الجميع يتأهب لأمر عظيم، فالأكياس تئن من كثرة ما تحمله، والجيوب تفرغ ما فيها من أموال، كل ذلك استعدادا لشهر تعلمنا منذ الصبا أنه شهر العبادة والغفران، لكننا تشبعنا بعادات جعلت منه شهر الاستهلاك، فالموائد تمتلئ بما لذ وطاب، فتطرب العين فرحا بما اشتهت لكن المعدة لا تقدر على استهلاك كل ما تم إعداده فيكون مصير كل ذلك الجهد أكياس القمامة. بين رمضان العبادة ورمضان الاستهلاك مسافة تكاد تتسع عاما بعد آخر، وأصبح «الشراء» مثل عدوى تنتقل بين المواطنين، فتفرغ جيوبهم بدعوى «إكرام الشهر الكريم». قطاني، طحين، زيت، حلويات، معلبات، مشروبات، فواكه جافة، زبدة....بهذه المواد الغذائية وغيرها تمتلئ عربات الوافدين على الأسواق الممتازة، وبكميات مضاعفة تحسبا لأي طاريء في رمضان، قد يكون الطارئ ولائم عائلية أو نقص المواد في السوق أو ارتفاع أثمنتها، بمثل هذه المبررات وغيرها يتوجه الكثيرون صوب المحلات الكبرى لاقتناء ما يريدون وتختلف طريق استعداد الأسر المغربية لاستقبال الشهر الكريم، ففي الوقت الذي تستعد بعض الأسر بإحياء بعض العادات والسنن مثل صلة الرحم والإكثار من الصدقات وإصلاح ذات بين المتخاصمين وكذا صيام بعض الأيام، ينصرف تفكير أسر أخرى إلى التسوق وتوفير المواد الغذائية اللازمة لمائدة رمضان ما قد يجعلها فريسة العروض المغرية للإعلانات التي تقدمها الأسواق التجارية في هذا الوقت من السنة، وقد يجعلها تتجاوز المعقول لتسقط في فخ «الإسراف» والمبالغة» ما يفقد رمضان قيمته الروحية والرمزية. هذا وتواصل الأسر المغربية استعداداتها من خلال تحضير حلويات رمضان مثل «الشباكية» و «البريوات» والسفوف» وهي المواد التي ارتبطت على مدى تاريخ المغرب بشهر رمضان، ولأجل ذلك تحول البائعون إلى بيع لوازم هذه الحلويات من «زنجلان» ولوز» و»نافع» و»كاوكاو» وغيرها من المعروضات، ورغم أن بعض الأسر قد لا تستهلك هذه المواد في رمضان إلا أنها تحرص على إعدادها باعتبارها من الطقوس الرمضانية التي لا ينبغي التفريط فيها لأي سبب وهذا ما تؤكده الحاجة فاطمة وهي ربة بيت في الخمسينات من عمرها، تقول إنها ورثت هذه العادات عن والدتها وهي تعلمها لأبنائها ف»السفوف» تحضر في مائدة الأسرة الرمضانية بالإضافة إلى «الشباكية» بأنواعها، «ما معنى رمضان بدون سفوف وشباكية» تتساءل الحاجة فاطمة مستغربة وتضيف «رغم أننا لا نستهلك كل الكمية التي أعدها في رمضان بل إننا لا نقبل على تناولها إلا بعد شوال، إلا أنه لا يمكن أن أبدأ صيامي في الشهر الكريم دون أن أكون قد أعددت هذه «الشهيوات»، أما لطيفة وهي موظفة في منتصف العقد الثالث من عمرها فهي لا تكتفي بتحضير «السفوف» والشباكية» بل إن شهر شعبان بالنسبة لها كله استعداد لرمضان، وحتى لا تبذل جهدا كبيرا ووقتا في إعداد مائدة الإفطار، وحتى تتفرغ للعبادة في شهر رمضان، فإن تقوم بإعداد بعض الوجبات التي يمكن الاحتفاظ بها في المجمد مثل «المسمن» و «البريوات» والفطار» وغيرها، وتضيف «اشتريت 10 كيلوغرامات من الطماطم وقمت بطحنها ووضعتها في المجمد حتى يسهل استعمالها في رمضان لإعداد الحريرة، كما اشتريت كمية من الحمص وقمت بتجميده وغير ذلك من المواد التي لن تفسد حتى لا أضيع الوقت كثيرا في المطبخ خلال الشهر الكريم». «التخزين» إنها الوسيلة الأفضل التي أصبحت النساء تلجأ إليها في إطار استعداداتها لاستقبال الشهر الكريم، سواء كن ربات بيوت أو عاملات، وهي الطريقة التي انتشرت مؤخرا بشكل كبير وتمكنهم من استغلال رمضان في الذكر والعبادة والقيام وصلة الرحم. مهن رمضانية إذا كان رمضان شهر الاستهلاك بامتياز فإنه فرصة لتحسين مدخول بعض الأسر التي تلجأ إلى مزاولة بعض المهن المرتبطة بهذا الشهر الكريم، وهكذا يرتفع عدد النساء اللواتي ينتشرن في الشوارع والأزقة ويقمن ببيع الفطائر من «بغرير» و «مسمن»، كما أن بعض المحلات تغير نشاطها وتتجه لبيع «الشباكية» و»ورقة البسطيلة» وكل ما تحتاجه المائدة الرمضانية. تقول «ليلى» وهي بائعة فطائر بمدينة الرباط إن عملها ينتعش خلال شهر رمضان مقارنة مع باقي شهور السنة، فالعديد من النساء وبسبب انشغالهن في العمل أو رغبة منهن في التخفف من الأعباء المنزلية، يلجأن إلى شراء الفطائر جاهزة، «ليلى» ترى أن رمضان هو شهر كريم عليها وعلى أسرتها التي تعولها بعدما توفي زوجها منذ سنوات وترك لها ثلاثة أطفال، تضيف «ليلى» أن كل ما تصنعه في البيت من فطائر ينفذ يوميا، وتكاد لا تجد الوقت الكافي لتلبية رغبات جميع الزبائن في هذا الشهر الفضيل. أما محمد وهو بائع «اسفنج» في مدينة تمارة ضواحي العاصمة الرباط فقد غير نشاطه وتحول إلى بيع حلويات «الشباكية» بكل أنواعها، يقصده محبو هذا النوع من الحلويات من أجل شراء ما يحتاجون إليه بكميات كبيرة لاستهلاكها في رمضان، كما أن البعض يشتري هذه الحلويات ويقوم بإرسالها لأفراد عائلته سواء خارج أرض الوطن، أو داخله في بعض القرى والبوادي حيث لا تتوفر بكثرة. بعض الشباب ممن يعانون البطالة يتحينون حلول شهر رمضان ليزاولوا تجارة مربحة من مثل بيع التمر، وبيع السمك وبيع البيض وبيع الفواكه والعصائر خاصة وأن هذا الشهر الكريم يتزامن مع فترة الصيف حيث يكون الإقبال على شراء كل ما من شأنه أن يخفف من ظمأ الصائمين. الحكومة تطمئن قال محمد نجيب بوليف، وزير الشؤون العامة والحكامة إن المغرب لن يواجه أي مشكلة تتعلق بتموين السوق بالمواد الغذائية خلال شهر. وأوضح محمد نجيب بوليف، أمام البرلمانيين أن العرض المتوفر من مواد السكر والزبدة والزيت والتمر وغاز البوتان يضاعف الطلب مرتين، فيما يضاعف العرض من الطماطم المصبرة الطلب بأربع مرات، وأن لا مشاكل في مجال التموين بالأرز والبقوليات، كالحمص والعدس. وكشف نجيب بوليف، الذي توقع أن يصل الاستهلاك خلال رمضان وحده ثلث الاستهلاك السنوي من هذه المواد، عن اجتماع رفيع المستوى انعقد، في الآونة الأخيرة، دعيت له جميع القطاعات الوزارية المعنية لحثها على القيام بما يلزم للتحضير لشهر رمضان المقبل، كما أعلن عن اجتماع مماثل ستعقده اللجنة الوزارية المكلفة بمراقبة جودة المواد الغذائية وأسعارها بمقر وزارة الشؤون العامة والحكامة بغرض متابعة تدابير توفير كل المنتجات الأكثر استهلاكا في الشهر الفضيل. *** الحمداوي: الفئات الشعبية لا تدبر معيشها بشكل عقلاني أوضح الباحث السوسيولوجي إبراهيم الحمداوي أن المجتمع المغربي خاصة الفئات الشعبية منه لا تدبر معيشها أو استهلاكها بشكل عقلاني يتناسب مع احتياجاتها ومع إمكاناتها المادية، ف «عند الذهاب إلى السوق لا يدبرون الكمية التي يحتاجونها والميزانية التي يمكن صرفها» يقول الحمداوي ويضيف أحيانا قد لا نكون بحاجة لبعض المواد لكن عندما نجدها معروضة بطريقة مغرية كأن تكون بثمن بخس فإننا نشتري كميات كبيرة منها». وفيما يخص شهر رمضان يؤكد الدكتور الحمداوي أنه شهر عبادة وتمتين العلاقات الاجتماعية أكثر منه شهر استهلاك، غير أن العادات والطقوس كما يتمثلها المجتمع المغربي استهلاكية بالدرجة الأولى و عبادية بالدرجة الثانية. ويشير الباحث إلى أن بعض العائلات تتنافس في الشراء وتتفاخر في المجالس بكميات مقتنياتها والمبالغ التي صرفتها «وكأن ما نستهلكه وما نشتريه يحدد وضعنا الاجتماعي، فكلما اشترينا أكثر اقتنعنا بأننا بلغنا مستوى اجتماعيا معينا»، فهذه الأسر تعتقد بأن القيم المادية هي التي تحدد مكانتها الاجتماعية، كما يشير الباحث إلى مشكلة أخرى تتعلق بكثرة الإشهارات التي تشجع المواطنين على الاستهلاك والتي تنشط بشكل كبير في المناسبات الدينية. وبخصوص عادة «تخزين الأطعمة والمواد الغذائية» يشير الحمداوي إلى أن بعض الأشخاص يفضلون عدم الخروج للتسوق في رمضان تفاديا للازدحام أو يفضل استغلال الوقت في أشياء أخرى مضيفا «أعتقد أنه لا مبرر منطقي يدفع هذه الأسر لتخزين المواد الغذائية وكأننا ندخل حربا ونخشى أن تنفذ هذه المواد، في حين يقول الحمداوي على المرء أن يستعد نفسيا واجتماعيا لاستقبال هذا الشهر تقربا لله عز وجل وليس بالتقرب إلى البطن أو الذات».