شهدت العلاقات المغربية التركية تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة إن على المستوى السياسي أو على المستوى التجاري والاقتصادي والثقافي والعلمي، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين، كما ارتفعت وتيرة تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، وارتفع كذلك عدد السياح المغاربة الذين يقصدون تركيا والسياح الأتراك الذين يفضلون المغرب، إضافة إلى ارتفاع نسبة الطلبة المغاربة الذين يتابعون دراستهم في تركيا والأمر نفسه بالنسبة للطلبة الأتراك الذين يتابعون دراستهم في الجامعات المغربية. وشهدت العلاقات التجارية (التركية – المغربية) تطورا كبيرا، مع دخول اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ في الأول من يناير سنة 2006، بعد توقيعها في السابع من أبريل سنة 2004 بأنقرة، في إطار ما سمي آنذاك بمسلسل الاندماج الأورو متوسطي، حيث تنص الاتفاق على إقامة منطقة صناعية للتبادل الحر بصورة تدريجية على مدى عشر سنوات اعتبارا من تاريخ دخول الاتفاق حيز التنفيذ مع معاملة تفضيلية لصالح المغرب. كما سبق لغرفة التجارة والصناعة والخدمات في الرباط أن وقعت في 2004 مع غرفة التجارة بإزمير بتركيا، اتفاقا لتبادل المعلومات والخبرات في المجال الاقتصادي. حسب الأرقام الرسمية، فقد تضاعفت المبادلات التجارية بين البلدين، من 4.3 مليار درهم سنة 2006 إلى 12 مليار درهم سنة 2011، وبزيادة بلغت 31.5 في المائة مقارنة مع السنة التي سبقتها، ويطمح البلدان إلى أن يصل حجم هذه المبادلات خلال الثلاث سنوات المقبلة إلى 25.7 مليار درهم. غير أن الأرقام، تكشف أن تركيا هي المستفيد الأول من الاتفاقية، حيث بلغت واردات المغرب من تركيا 9.4 مليار درهم، فيما لم تتجاوز صادراته 2.8 مليار درهم، الأمر الذي يؤكد أن العجز التجاري بين البلدين يفوق 6 مليار درهم لصالح أحفاد العثمانيين. ووفقا لآخر إحصاءات مكتب الصرف، فإلى غاية مارس 2013 بلغت قيمة الواردات المغربية من تركيا 2.66 مليار درهم، في حين بلغت الصادرات المغربية إلى تركيا 768 مليون درهم، وبالتالي فإن عجز الميزان التجاري بين البلدين تجاوز 1.89 مليار درهم في نهاية مارس سنة 2013، وتتميز الواردات المغربية من تركيا بالتنوع، إذ تتألف أساسا من العربات الصناعية (318 مليون درهم) ومنتجات نصف مصنعة من حديد أو صلب (196 مليون درهم) والأقمشة وخيوط القطن (190 مليون درهم)، بالمقابل تظل الصادرات المغربية نحو تركيا محدودة وغير متنوعة حيث تتألف في المقام الأول من سيارات سياحية (362 مليون درهم) والفوسفاط (114 مليون درهم) والحامض الفوسفوري (88 مليون درهم). وفي ظل استفادة تركيا من اتفاقية التبادل الحر أكثر من المغرب كما يؤكد ذلك العجز في الميزان التجاري بين البلدين، فإن حجم التجارة الخارجية بين البلدين ارتفع بنسبة 100 في المائة خلال الخمس سنوات الأخيرة، وتأتي تركيا في المرتبة 14 بين زبناء المغرب، وتحتل المرتبة 11 بين الموردين للمملكة. في هذا الصدد؛ يؤكد عمر الكتاني الخبير الاقتصادي، أن تركيا هي المستفيد الأول من اتفاقية التبادل الحر، وقال في تصريح ل»التجديد»، إن تركيا تبقى مركزا ومحورا أساسيا للتطور الاقتصادي من مصلحة المغرب الاستفادة من تجربته، مؤكدا أن المغرب مطالب باستثمار هذه الزيارة لصالحه رغم أن ميزان القوى بين البلدين يتجه في صالح تركيا، ودعا المتحدث المغرب، إلى جعل تركيا بوابة لانفتاحه على الدول الإسلامية، خاصة أنه غير منفتح عليها بخلاف انفتاحه الجزئي على الدول العربية وانفتاحه الكلي على أوروبا، مؤكدا على أن الانفتاح على الدول الإسلامية لابد أن يمر عبر تركيا التي تربط علاقات قوية مؤثرة في العديد من الدول وتشكل قناة للتأثير على مجموعة من الدول. الكتاني دعا رجال الأعمال المغاربة إلى تكثيف رحلاتهم إلى تركيا لتقوية الصادرات المغربية إليها، ولإزالة الهوة مع رجال الأعمال الأتراك الذين يشكلون حركية أكبر من نظرائهم المغاربة، حتى يتسنى تقليص عجز الميزان التجاري بين البلدين. يشار، إلى أن هناك أكثر من 75 شركة تركية تعمل في المغرب في مختلف الأحجام، بما في ذلك 7 شركات في قطاع البناء والتي تستثمر في 25 مشروعا بغلاف مالي يصل إلى 2,13 مليار دولار. وبلغ حجم استثمار الشركات ال75 ما مجموعه 250 مليون دولار، وتوفر فرص شغل لحوالي 6200 مغربي، وتطمح تركيا إلى زيادة استثمارات الشركات التركية في المغرب إلى مليار دولار وتشغيل نحو عشرة آلاف عامل مغربي. ** تركيا «أردوغان».. أيقونة النجاح ونموذج واعد! تركيا اليوم ليست كالأمس، وتركيا أردوغان ليست كالسابق.. فهي نموذج سياسي ملفت وقوة اقتصادية واعدة يضرب لها ألف حساب إقليميا ودوليا، فقد استطاعت عاصمة الدولة العثمانية أن تحقق في عشر سنوات ما لم تحققه طيلة فترة سيطرة العسكر الذي كان يعتبر نفسه حامي الدستور والعلمانية، قبل أن يتهاوى بحنكة رجل اسمه «أردوغان» ويعود إلى ثكناته وإلى الثغور بالحدود لحماية البلد.. منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى حكم تركيا وضعت حكومته هدفا كبيرا وطموحا يتجلى في أن يصبح الاقتصاد التركي من ضمن الاقتصاديات الكبرى في العالم، في ظل المناوشات التي كان يقوم بها العلمانيون وحراسهم ومحاولة الانقلاب عن الشرعية المنتخبة، رغم ذلك حققت تركيا خلال العشر سنوات الأخيرة ما لم تحققه منذ خمسين سنة، إذ يحتل اقتصادها اليوم المرتبة السادسة على صعيد دول أوروبا والمرتبة 17 على مستوى دول العالم، وما يؤكد ذلك المعطيات الرقمية التي تفيد أن حجم التجارة الخارجية بلغ خلال سنة 2012 حوالي 389 مليار دولار بعد أن كان لا يتجاوز 88 مليار دولار خلال سنة 2002، وحجم الصادرات بلغ حوالي 152.6 مليار دولار خلال السنة الماضية مقارنة ب 36 مليار دولار خلال سنة 2002، كما أن الناتج المحلي التركي تجاوز 797 مليار دولار بعد أن كان لا يتعدى 180 مليار دولار قبل عشر سنوات. في نفس السياق، أصبحت تركيا الأولى عالميا في متوسط معدل النمو خلال العشرية الماضية، إذ حققت معدل نمو بلغ 8.6 في المائة خلال سنة 2011، وبلغ متوسط دخل الفرد إ 10 ألاف و973 دولار في السنة الماضية بعدما كان لا يتجاوز 3492 دولار خلال سنة 2003، فضلا عن انتقال احتياطي البنك المركزي من 22 مليار دولار سنة 2001 إلى 124 مليار دولار السنة الماضية، وانتقال حجم الاستثمار الأجنبي من 22 مليار دولار قبل ست سنوات إلى 122 مليار دولار سنة 2012.