رسمت تقارير دولية صدرت بمناسبة اليوم العالمي لحرية الإعلام الذي يصادف الثاني من ماي مل كل سنة، صورة «قاتمة» عن وضع حرية الصحافة في المغرب، حيث صنف تقرير مؤسسة «فريدوم هاوس» المغرب في المرتبة 152 عالميا، كيف تفسرون تأخر المغرب في التقارير الدولية؟ ❍ إذا كانت تقارير منظمة «فريدوم هاوس» حول حرية الصحافة عنصرا إيجابيا في قياس تنمية وسائل الإعلام وحرية الصحافة والحق في الوصول إلى المعلومات على النطاق العالمي، وتقليدا هاما لا يمكن إلا الإشادة به، فإن معطيات التقرير بشأن المغرب غير منصفة وغير متوازنة وغير نزيهة بالمرة وتثير السؤال حول مدى مصداقية وصلابة المعايير الموضوعة بالنسبة للعديد من السياقات الأخرى. ويبدو أن هناك انتقائية أو اختزال في المعايير وربما تأثرا كبيرا لخبراء المنظمة بصور نمطية تكرس صورا لمغرب ينتمي إلى الماضي وتتجاهل معطيات مغرب آخر يتحول. فتصنيف المغرب، ضمن مجموعة 63 دولة يعتبر التقرير أنها دولا لا تتوفر فيها حرية الصحافة وليس ضمن مجموعة الدول ( 70 دولة ) التي يعتبرها دولا تتوفر فيها حرية الصحافة جزئيا يتنافى والحقائق الموضوعية المسجلة على أرض الواقع. كما أن وضع المغرب ضمن الترتيب الشامل في الرتبة 152 قبل أفغانستان وبعد العديد من الدول الإفريقية مثل مالي وسيراليون والنيجر ونيجيريا وتنزانيا والسنغال وأوغندا وزامبيا، وكذا ترتيبه في المرتبة التاسعة بين الدول العربية يعد موريتانيا و وتونس والأردن ومصر والجزائر وليبيا والكويت ولبنان يصور المغرب على غير حقيقته ويبقى بعيدا عن الموضوعية. وقد يعود ذلك إلى ضعف في التواصل الحكومي والدبلوماسية الموجهة للمنظمات الدولية والمنظمات الموازية، وعدم إبلاغ هذه الجهات بالمعطيات القائمة على أرض الواقع والتفاعل والتواصل معها وتركها ضحية بعض المصادر غير الدقيقة أو المشوهة حول مسلسل الإصلاحات والتحولات التي يعرفها المغرب، وخاصة قطاع الصحافة والإعلام كقطاع يشكل عصب المجتمعات الديمقراطية. كما قد يعود ذلك إلى نوع من الأرثوذوكسية لدى خبراء المنظمة والمتعاونين معها تجعلهم لا يرغبون سوى برؤية المغرب بنظارات عتيقة. ❍ الملاحظ في تقرير «فريدوم هاوس» أن المغرب تأخر في السنوات الأخيرة في حرية الصحافة؛ على سبيل المثال نال (57 نقطة سلبية) سنة 2003 مقابل 66 نقطة سلبية في سنة 2013، كما تأخر في الترتيب مقارنة بالدول المجاورة. برأيكم، كيف يفسر هذا التأخر؟ هناك مشكل ما؟ ففي الوقت الذي تكرس فيه كثير من الجهود ضمن مسار واسع للإصلاحات في مجالات مختلفة، ضمنها مجال النهوض بحرية الصحافة الذي ابتدأ مع بداية الألفية الثالثة، مع ملاحظة أن المشاكل القائمة لا ترتبط بإرادة سياسية سلبية للسلطة السياسية القائمة أكثر منها تعقيدات سياق و مخاض خاص من التطور، نقرأ في معطيات التقرير تجاهلا غير مبرر لمعطيات الواقع المغربي وترتيبا غير منصف للمغرب بين دول تختلف من حيث المشاكل المطروحة فيها. أما إذا ما قمنا بتقاطعات مع التقرير الذي قامت به النقابة الوطنية للصحافة المغربية كآلية ومنظومة رقابية داخلية مستقلة، لا بد من الإقرار بتباين كبير. فعلا نحن نقر بوجود مشاكل تتعلق كما جاء في تقرير النقابة أساسا بتحرشات على يد الشرطة وبعض الاعتداءات والتهديدات والتجاوزات المحدودة أو احتجازات لبعض الأفراد (البلطجية) تطال الصحفيين، ونزاعات محدودة تصنف ضمن نزاعات الشغل، و أخرى تتعلق بالشفافية والحكامة في إدارة المؤسسات العمومية وترسانة قانونية تشوبها ثغرات. لكن كل ذلك -في نظري- لا يشفع بأن نصنف المغرب وفق صورة « قاتمة « ضمن قائمة الدول التي تنعدم فيها حرية الصحافة. أعتقد أن هناك التباسا ما. ❍ وزارة الاتصال تشرف على إصلاح منظومة قوانين الصحافة التي ينتظر أن يبدأ العمل بها قريبا، هل يمكن أن نشهد تقدما في حرية الصحافة مستقبلا؟ المأمول هو تطوير المسار الإصلاحي الذي يعرفه المغرب منذ فترة وتكريس المقتضيات ذات الصلة التي جاء بها دستور 2011 في مجال حقوق الإنسان، وحرية الفكر والرأي والتعبير و حق الحصول على المعلومات واحترام التعددية، وتتويج هذا المسار الطويل بإصلاح حقيقي عبر منظومة قوانين الصحافة التي ننتظر أن تشكل منظومة متكاملة تستجيب للتحولات الجارية. إلى جانب ذلك ينبغي بذل جهود خاصة للاندماج في مجتمع المعرفة والمعلومات والذي يقتضي تأهيلا شاملا في مجال الاتصال الإلكتروني ومواصلة الجهود القائمة في هذا المجال. كما هناك مجهود إضافي مطلوب في مجال تفعيل الحكامة والشفافية في إدارة المؤسسات الإعلامية، وكذا تعزيز الحماية الاجتماعية لصالح الصحفيين. يجب أن لا ننسى أنه إلى جانب عناصر التشريعات والقوانين المنظمة لحرية التعبير كعناصر أساسية للمقاربة التشريعية للموضوع، نحتاج إلى مقاربة ثقافية تربوية للتكوين على التعددية وحرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومات لصالح بعض رجال القوة العمومية وبعض رجال السلطة مصدر العديد الانحرافات التي ترصدها تقارير وطنية وأجنبية، وتشكل مصدرا أساسيا لتغذية تطلعات العديد من الجهات التي ترغب في النيل من المغرب. فللتربية على معايير المجتمع الديمقراطي والشفافية والمسؤولية بعد أساسي لا يجب إهماله.