اعتبر أحمد لحليمي، المندوب السامي للتخطيط، أن الاقتصاد المغربي في عافية من الناحية الاقتصادية، لكنه يعاني من مشكل تمويلي يطرح ب"كيفية حادة"، وأكد لحليمي أن هناك حاجة ل"إعادة النظر في سياسة المغرب الداخلية لمواجهة هذه الضائقة"، مشيرا إلى أن المغرب له أصدقاء ووزن في الخارج وتعاطف مع الأسواق الدولية ومع شركاؤه وأصدقاءه، وبنى أرضيته الاقتصادية وله طموح لبناء نموذج جيد، مما يسمح له باتخاذ الإجراءات الملائمة للخروج من أزمة التمويل. ودعا لحليمي إلى حوار وطني يضم القطاعات الحكومية والاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين، وقال "نحن في أزمة وهناك ضائقة مالية، وليس من المغالاة أن نقول أن الكل يجب أن يناقش ويتحمل مسؤولية النتائج". وقال لحليمي في حديث مع الصحفيين، على هامش ندوة المندوبية السامية للتخطيط، نظمت أول أمس الخميس، وتمحورت حول الأبعاد المالية والنقدية والمؤسساتية للوضعية الماكرو اقتصادية بالمغرب، -قال- "نتائج دراستنا تشير إلى أن المغرب له أرضية اقتصادية قوية، وله طموح لإنجاز برامج لمواصلة النمو وتحسين ظروف العيش، ولكن الآن نواجه وضعية إن لم تعالج بحكمة ستعرقل توجه مواصلة النمو"، وجوابا على سؤال ل"التجديد" حول تقييم الاختيارات الحالية للتعامل مع الوضعية الاقتصادية للمغرب، قال لحليمي، " نحن وضعنا تقييمات موضوعية لكل إجراء على حدة وانعكاساته على جميع القطاعات والبنيات الاقتصادية والاجتماعية، والذي سيتخذ القرار نأمل أن يساهم في توضيح المحددات التي يمكن أن يعتمدها لأخذ هذا القرار"، وشدد لحلمي على أن المندوبية ليس من اختصاصها أن تقول ما يجب أن يتخذ، ولكن، يضيف لحليمي، "نقول أن الأحسن هو اتخاذ مجموعة من الإجراءات في ميدان مصاريف الميزانية وميدان التنافسية في قطاعات التصدير والرفع من إنتاجية الجهاز الإنتاجي للدولة، في إطار مخطط تكون فيه الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية مندمجة بكيفية معقولة، وفي نفس الوقت تتخذ الإجراءات حسب التأثيرات المباشرة مع وجود تخطيط للإنجازات في مدة معينة، واعتماد مخطط للمصاحبة لتلافي كل تأثير سلبي على المقاولات أو قطاعات معينة أو على فئة من المواطنين". و في تحليل لحليمي للوضع الاقتصادي المغربي، أشار إلى أن "المشكل التمويلي الذي يعاني منه المغرب، زيادة على تباطؤ التصدير، هو كثرة الاستيراد من أجل الاستهلاك"، وعزا لحليمي ذلك إلى "دعم الاستهلاك وارتفاع تكاليف الاستثمار"، يضيف المتحدث، "وبالتالي نستورد من الخارج الأدوات والتجهيزات، والمطلوب تعبئة إمكانياتنا الداخلية لتمويل أكبر ما يمكن من حاجيات ميزانيتنا، ونحد من عجز الميزانية ومن عجز ميزان الأداءات". وفي سياق متصل، قال لحليمي خلال عرض قدمه بالمناسبة، أمام ممثلي مختلف القطاعات الحكومة والمؤسسات الاقتصادية الوطنية والدولية، أن المغرب بنى أرضية اقتصادية يمكن أن الانطلاق منها للتفكير فيما يجب أن يكون والتهييئ له في المستقبل، وقال، "المغرب انتهج مخططا و إصلاحات صائبة إلى حد الآن، منها أن نواجه العجز الذي كان عندنا في التجهيزات الأساسية وفي التنمية البشرية، وهو العجز الناتج عن السياسات التي كانت من قبل وناتج أيضا على سياسة التقويم الهيكلي"، وبخصوص مؤشرات المرحلة، اعتبر لحلمي أنها معتبرة، يضيف قائلا، "لا من ناحية النمو أو انخفاض البطالة والفقر وكذا الارتفاع في المداخيل والاستهلاك لدى المواطنين، زيادة على تمويل استهلاك المواطنين"، وهي الوضعية التي أعطت نتائجها، حسب المتحدث، لكنها تطرح مشكلا اليوم نظرا لكون "الادخار الذي كان موجودا لم يكن كافيا لتمويل هذا المجهود"، واعتبر المندوب السامي أن المغرب وصل الآن إلى "مرحلة تراجعت فيها المداخيل الخارجية، مع وجود العجز في الميزانية وارتفاع تكاليف الاستثمار وتمويل الاستهلاك، وأصبح المغرب مضطرا لتمويل اقتصاده من احتياطي العملة الصعبة، وهنا أصبح السوق النقدي الداخلي بدل أن يمول الإنتاج والتشغيل والدخل أصبح يمول الاستهلاك عن طريق الميزانية"، مشيرا إلى أن "هذا وضع لا يمكنه أن يستمر، وهي وضعية غير مؤهلة لمواجهة التحديات، ولا لمواجهة التحضير للمستقبل"، يضيف المتحدث، "و لهذا على الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والاجتماعيين مناقشة السياسة الجديدة التي يجب أن يتخذها المغرب لاسترداد توازناته الماكرو اقتصادية، التي هي مخلخلة الآن وفي وضع صعب، وفي نفس الوقت المغرب يحاول أن يقوم بالإصلاحات البنيوية الهيكلية، التي ستمكنه من القدرة على الاستمرار في النمو ويواجه حاجيات المستقبل". وتطرق لحليمي لمختلف البدائل الموجودة للخروج من أزمة التمويل، مؤكدا أن كل البدائل الموجودة لها انعكاساتها ويجب أن تقيم بفوائدها وانعكاساتها، وذكر منها خفض كلفة الاستثمار، و"رفع المداخيل عن طريق الضرائب"، و"إخضاع الفلاحة والقطاع غير المهيكل للضريبة"، و"تخفيض مصاريف الميزانية"، مؤكدا أن كل هذه البدائل لها انعكاسات ويجب تقييمها من مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بما يتيح الحفاظ على وتيرة الإنتاج وتجنب تراجع وتيرة النمو. وبخصوص السياسة النقدية للدولة، قال المندوب السامي، "نحن في نطاق أزمة لا أحد يعرف كم ستستمر ولا مساحتها، ونحن مضطرين لأن نواجه الوضعية الحالية لتدهور التوازنات الماكرو اقتصادية اعتمادا على سياسة لها آفاق المدى القصير والبعيد، الذي يقتضي إصلاحات جوهرية بنيوية"، يضيف المتحدث، "مع العلم أن كل إجراء له تكلفته الاقتصادية والاجتماعية"، وشدد لحليمي أخيرا على أن ما هو ضروري هو "أن الإصلاحات والإجراءات الآنية بجيب أن تكون مندمجة بشكل يعطي كل إجراء بعده ووزنه في المشروع العام ويعطيه تسلسله الزمني، مع تحديد الانعكاسات على جميع الفاعلين الاقتصاديين ووضع إجراءات مصاحبة، وختم المندوب السامي عرضه قائلا، "المغرب بنى أرضيته الاقتصادية وله طموح لبناء نموذج جيد، وله وزن وتعاطف مع جهات في الخارج وشراكات مع مؤسسات دولية لها إرادة للدعم"، وقال ضاحكا في نهاية كلمته، "إن لم نتبدل غادي يجيب الله لي يبدلنا".