الشورى نظامٌ اجتماعي إسلامي، يسعى من خلاله المؤمن لتلبية حاجاته المتجدّدة وحلّ مشكلاته المختلفة، بإشراك أرباب العقول وذوي الأفهام في الفكر والرأي لاتخاذ موقف حكيم عندما تستشكل عليه الأمور. وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتربية أصحابه على مبدأ الشورى وهو المؤيد بالوحي والتسديد الرباني حتى لا يستبد أحد بعده من دون المؤمنين. المشاورة: مصدر شاور، والاسم: الشورى وأصل الشورى في اللغة من شار العسل، إذا استخرجه واستصفى خلاصته، واجتناه من خلاياه ومواضعه. قال أبو عبيد: شرت العسل واشترته: اجتنيته وأخذته من موضعه، قال الراغب الأصفهاني: التشاور والمشورة والشورى: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض، قال ابن عاشور: وإنما تكون في الأمر المهم المشكل، من شئون المرء في نفسه، أو شئون القبيلة، أو شئون الأمة. وردت الشورى في القرآن الكريم في عدة مواضع، وبصيغ متعددة منها: قال تعالى: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين"سورة آل عمران: 159. قال ابن عاشور في تفسيره للآية: "وشاورهم فى الأمر"سورة آل عمران: 159. أل في الأمر للجنس، والمراد بالأمر: المهم الذي يؤتمر له، ومنه قولهم: أمر أمِر. وقال أبو سفيان لأصحابه -في حديث هرقل-: لقد أمِر أمْر ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر. وقيل: أريد بالأمر أمر الحرب، فاللام للعهد. وظاهر الأمر أن المراد المشاورة الحقيقية التي يقصد منها الاستعانة برأي المستشارين، فضمير الجمع في قوله: (وَشَاوِرْهُمْ). عائد على المسلمين خاصة، أي: شاور الذين أسلموا من بين من لنت لهم، أي: لا يصدك خطأ رأيهم فيما بدا منهم يوم أحد عن أن تستعين برأيهم في مواقع أخرى. قال تعالى: مبينا بعض صفات المؤمنين، ومثنيا عليهم في ذلك: "والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون"سورة الشورى: 35 ، وقوله تعالى: والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار ولدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فان أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما..."سورة البقرة: 231. قوله تعالى: إنما المومنون الذين ءامنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستذنوه إن الذين يستذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم"سورة النور:60. وقال تعالى في سورة النمل، في ذكر ملكة سبأ وقصتها مع سليمان -عليه السلام-: "قالت يأيها الملؤا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون، قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين"سورة النمل: 32. قال سيد قطب: وهي تستشير الملأ من قومها في هذا الأمر الخطير، ثم قال: وواضح أنها لا تريد المقاومة والخصومة، ولكنها لا تقول هذا صراحة، إنما تمهد له بذلك الوصف، ثم تطلب الرأي بعد ذلك والمشورة.