اعتبر مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن المجتمع المدني المغربي مطالب بأن يتحول من الفعل الاحتجاجي إلى القوة الاقتراحية، وقال أن المجتمع لا يمكنه أن يظل متفرجا تجاه المعضلة اللغوية بالمغرب، مشيرا إلى أن النسيج الجمعوي بالمغرب المهتم بالقضية اللغوية يحتاج إلى تدعيم، واعتبر الخلفي الخميس الماضي بالرباط، خلال مداخلة له حول اللغة والإعلام، ضمن الندوة العلمية الدولية التكريمية للعلامة عبد القادر الفاسي الفهري، أن القضية اللغوية في ظل التحولات التكنولوجية «لم تعد فقط قضية دولة»، مؤكدا أن الأمر يتطلب ضرورة تعميق التفكير الوطني في إشكالية السياسة اللغوية ببلادنا، كما ان هناك حاجة ملحة ومستمرة لبلورة عناصر السياسة اللغوية المطلوبة. وفي سياق متصل، اعتبرت حلومة التجاني، الأستاذة الجامعية بجامعة العاصمة الجزائرية، أن العربية متهمة بالقصور الذاتي، وحاولت الباحثة خلال مداخلة لها بالندوة الدولية التكريمية للخبير الدولي في اللسانيات، الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري، أن تقف عند دور القرآن الكريم في نهضة اللغة العربية أدبيا وعلميا، وكيف أن العودة إليه وتعهده بالدراسة والتحليل والتأمل، سيكسب اللغة رونقا وعالمية تعود بها إلى سالف عصورها، تقول الأستاذة الجزائرية، «فاللغة العربية من أعرق اللغات وأقدمها، ولن نكون من المتجاوزين إذا قلنا أنها اللغة الوحيدة الأطول عمرا منذ عهود طويلة، وهذا دليل قوة لا ضعف، إذ اعترى الكثير من اللغات تغير وضعف، كاللغة اللاتينية التي باتت حبيسة الكتب المقدسة، وانبثقت عنها لغات تقترب في بعض استعمالاتها وتبتعد في أخرى كالفرنسية والإنجليزية والإسبانية»، وتشير حلومة التيجاني إلى أن اللغة العربية «ليست لغة البيان فحسب، وإنما هي لغة تصلح أن تكون وعاء ثقافيا يستوعب الحضارة كلها، وهكذا كانت في العصر العباسي، لغة ليس كباقي اللغة حسنا من حيث التبليغ والإبداع». ،مصطفى الخلفي: وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة: المغرب لا يتوفر على مجتمع مدني قوي مهتم بالقضية اللغوية أعتقد أن أقل شيء يمكن القيام به للاحتفاء بعلم من أعلام هذا الوطن، هو هذه الندوة الدولية التكريمية لعميدنا في هذا المجال، الأستاذ عبد القادر الفاسي الفهري، الذي قدم الكثير في مجال الدفاع عن مقاربة وطنية ديمقراطية للسياسة اللغوية، حقيقة هذا الاحتفاء ليس مجرد مسألة شخصية رمزية ظرفية عابرة، بقدر ما يتعلق بضرورة تعميق التفكير الوطني في إشكالية السياسة اللغوية ببلادنا، هناك حاجة ملحة ومستمرة لبلورة عناصر السياسة اللغوية المطلوبة، اليوم نتوفر على إطار دستوري واضح وصريح، خاصة على مستوى الفصل الخامس الذي يضع عناصر هذه السياسة والذي ينبغي أن تترجم على مستوى الواقع، المشكل الذي عشناه هو أننا كنا إزاء سياسة لغوية، يمكن أن نسميها بسياسة «الأمر الواقع»، في تناقض مع السياسة اللغوية المطلوب انبثاقها من المرجعية الدستورية لبلدنا، وهذا أنتج سلسلة من التحديات، أذكر هنا إحدى المقالات للدكتور عبد القادر الفاسي الفهري، التي نشرت قبل سنوات في جريدة «العلم»، وهي ملخص لدراسة حول إشكالية الأمن اللغوي، «الافتقاد لسياسة لغوية فعالة ومنتجة ومتعددة الأبعاد لا يؤدي فقط إلا تحديات تتعلق بالتطور العلمي والتقدم الاقتصادي، بل يؤدي إلى إشكاليات تتعلق أيضا بالأمن المجتمعي»، والفاسي الفهري كان من السباقين إلى نحت مفهوم الأمن اللغوي، بمعنى أن الإشكالية التي نعالجها هي إشكالية حضارية أكبر من أن تكون مجرد إشكالية سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، بل تتعلق كما جاء في مقالة الفاسي الفهري، بالسيادة الوطنية. قانون السمعي البصري بقي إطارا عاما عند مقاربته للتعددية اللغوية ضمن هذا الإطار نتساءل عن علاقة اللغة العربية بالإعلام، يمكن أن أقول أن تمثل عناصر السياسة اللغوية التي اتبعت في العقود الماضية، هي سياسة لغوية كانت تظهر بشكل واضح على المستوى الإعلامي، أي «سياسة الأمر الواقع»، والإعلام في بلادنا برز كفاعل أساسي في تنزيل تلك السياسة اللغوية، خاصة وأن السياسة اللغوية المطلوبة تعثرت على مستوى التعليم وعلى مستوى السياسة الثقافية وفي عدد من المجالات الحيوية في بلادنا، أي أن النتيجة كانت المفارقة التي تحدثت عنها، بين سياسة لغوية «أمر واقع»، وسياسة لغوية مكتوبة في المرجعيات والنصوص المؤطرة، هذا الأمر كان يظهر بوضوح على مستوى الإعلام، ولهذا عندما تمت صياغة الدستور الجديد، تشكل مناخ سياسي وفكري وثقافي واجتماعي في البلد، يؤكد على ضرورة تنزيل المقتضيات الدستورية، ومن هذه المقتضيات ما يهم الفصل الخامس وكذلك الفصل 28 من الدستور، الذي ينص على أن تنظيم وسائل الإعلام العمومية ينظم بالقانون، ومن القضايا التي سيقع تنظيمها هي التعددية اللغوية، وقانون الاتصال السمعي البصري، الصادر في 2006، يضع إطارا لذلك، ولكن إطار يبقى عاما، ودفاتر التحملات التي صدرت لتنظم الإعلام العمومي بناء على القانون السمعي البصري، أيضا بقيت عامة ولكن نسجل أنه لأول مرة يقع الحديث عن نسب، أي نسبة حضور اللغة العربية والفرنسية والأمازيغية ودرجة حضور هذه اللغات و موقع اللهجات من كل ذلك. سنة 2006 بداية مساءلة الفاعل العمومي حول القضية اللغوية ويمكن أن أقول أن 2006 شكلت على مستوى الإعلام، أول نقاش ومساءلة للفاعل العمومي حول هذا الموضوع، لكن للأسف ذلك النقاش لم يكن نقاشا عموميا، وغيبت فيه الجامعة والمؤسسات البحثية، والفاعل الوحيد المؤثر والذي كان حاضرا بقوة، وهو مشكور على ذلك، هو المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مع نسيج من الجمعيات التي كانت في تلك المرحلة تطرح بحدة موضوع اللغة الأمازيغية في الإعلام، وأعدت مذكرة مفصلة أنتجت في نهاية المطاف إطلاق القناة الأمازيغية في 2010، مع العلم أن الإذاعة الأمازيغية في المغرب انطلقت منذ 1939. بعد ثلاث سنوات كان لابد من اعتماد دفاتر تحملات جديدة في 2009، لم يقع فيها تغيير كبير، ولم يتم نشرها إلا في غشت 2011، ولهذا شخصيا بعد أن تحملت المسؤولية، كان أحد الإشكالات المطروحة هو، أي سياسة لغوية على مستوى الإعلام، والموضوع الذي تصورت في البداية أنه ستتم ترجمة المقتضيات الدستوري بشكل يسير وسيحل الإشكال، ظهر في ما بعد أنه أحد المعضلات الكبرى قبل النقاش العمومي. ما هي الإشكالات التي تطرح؟ الإشكالية الأولى: هل نريد سياسة لغوية تنتج منطق الغيتوهات أم سياسة لغوية تنتج الوحدة الوطنية؟، وللأسف إن كان هناك خطر أن ننزلق نحو هذا الأمر، بحكم السياسات التي اتبعت وأدت إلى أن كون اللغة الأمازيغية لها قناة، فقد تم حل الموضوع، ولكن في نهاية المطاف كنا نسير في منطق الغيتو الإعلامي اللغوي على مستوى القناة، وهذا ضد مبادئ الديمقراطية. الإشكالية الثانية: العلاقة بين اللهجات والتعبيرات وبين اللغة الفصحى أو اللغة السليمة، ثم موقع الدارجة من ذلك، وتم اعتماد مقاربتين، الأولى تقوم على أساس أنه في اللغة الأمازيغية نتجه من اللهجات نحو الفصحى، أي اللغة المعيارية، وبالتالي نقلص من اللهجات في اتجاه المعياري، وفي اللغة العربية العكس، يعني من اللغة السليمة إلى اللهجات، وهذا تناقض، بدون الدخول في الأبعاد الإديولوجية والرهانات الجيواستراتيجية المرتبطة بمثل هذه الاختيارات، وهذا الأمر لا يمكن أن يكون صدر عن نفس التفكير من الناحية العلمية، حيث الإعلام يضطلع بدور أساسي في ما نصطلح عليه، بتدريج الفصحى وتفصيح الدارجة، بمعنى لا الخيار الأول ولا الخيار الثاني، هناك خيار وسط يقع بين الارتقاء باللغة على مستوى المجتمع من اللغة السليمة إلى اللغة الجامعة. القضية اللغوية يجب أن تحسم مع المؤسسات المعنية في نهاية المطاف هذا حوار مطول، وتم الاهتداء إلى فكرة أساسية، وهي أن هذا الأمر عليه أن يحسم بالتنسيق مع المؤسسات المعنية وأن نعيد الاعتبار لها، ولهذا إذا كنا من أجل حل معضلة التعاطي مع اللغة كغيتو، قلنا أنه يجب أن نعمم قدرا من التوازن بين مكونات النسيج اللغوي الوطني بمختلف القنوات، أيضا تم التعامل مع هذه الإشكالية من خلال الرهان على أن تنشأ شراكة بين المؤسسات الإعلامية العمومية، مع كل من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ومركز الدراسات والأبحاث في التعريب، وهذه الشراكة تعمل على تمكين هذه المؤسسات من المرافقة اللغوية التي تمكنهم من جعل الإعلام فاعلا أساسيا من أجل الارتقاء باللغات المستعملة، وخاصة باللغتين الرسميتين بالإضافة إلى الحسانية.ولهذا كان الاختيار واضح، أنه مثلا في البرامج الأمازيغية، يتم إرفاقها بترجمة مكتوبة باللغة العربية، وهذه من الاختيارات التي تحققت عمليا، وهذا أدى فعلا إلى أن نجد حلا لأحد المعضلات، لأنه كان لابد من الوصول إلى حلول عملية، وفي نفس الوقت أن تتم تعبئة المؤسستين من أجل الاشتغال على معالجة الإشكالية اللغوية، وهذا كان خيارا ثالثا، ولهذا طرحت مسألة إحداث المرصد الوطني للغة الإعلام، بشراكة بين وزارة الاتصال ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وجامعة محمد الخامس ومعهد الدراسات والأبحاث للتعريب والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالإضافة إلى مختبرات البحث المتخصصة في اللغة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، ونظمت لذلك ندوة انبثقت عنها أرضية تأسيس هذا المرصد، وفي القريب سيقع الإعلان عن المرصد بعد أن قدمت الهيئات المعنية ترشيحاتها لعضوية المرصد. 2012 سنة النقاش العمومي بامتياز حول المعضلة اللغوية بقي الأمر المرتبط بالإذاعات الخاصة والصحافة المكتوبة والإلكترونية، هذا مجال كبير للاشتغال، ما أود التأكيد عليه، هو أن الثورة التكنولوجية حاليا، والتحولات الحاصلة على مستوى البث الإذاعي والبث الفضائي السمعي البصري، أصبحت تكشف عن بروز فاعلين جدد، عابرين للدولة في ما يرتبط بالسياسة اللغوية، والأداة الأساسية لاشتغالهم، تتم عبر الوسائط الحديثة التي تتيحها تكنولوجيا الإعلام، وهي وسائط الآن، تطرح على الدول في سيادتها الوطنية تحولات مصيرية، ومحددة لمستقبلها، ولهذا الآن، وهذا أمر يشغل التفكير خاصة في الأشهر الأخيرة على مستوى الوزارة، إذا لم نمكن مؤسساتنا الإعلامية العامة أو الخاصة من التوفر على رؤية لتدبير المسألة اللغوية بشكل وطني فإن الآخر يتقدم تدريجيا لتدبيرها نيابة عنا، وهنا أقصد الخارج بكل مكوناته، فهو يدبرها في تواصل مباشر مع الشباب، وهذا يطرح تحديات مستقبلية حقيقية المجتمع المدني مطالب بأن يتجاوز المرحلة الاحتجاجية ليصبح قوة اقتراحية الخيار يبقى في تقوية المؤسسات المعنية بالقضية اللغوية، في انتظار انطلاق عمل المجلس الوطني للغات، وأقصد هنا أساسا معهد الدراسات والأبحاث الخاص بالتعريب والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، على أساس أننا ننشئ علاقة تعاون بينها مع الفاعلين في المجال الإعلامي. وثانيا، المطلوب أيضا تقوية دور المجتمع المدني، سأكون صريحا، القضية في ظل التحولات التكنولوجية لم تعد فقط قضية دولة، نحن الآن بصدد إعداد القانون التنظيمي الخاص بالأمازيغية والقانون الخاص بحماية اللغة العربية وتثمينها وتطوريها وفق ما جاء في الفصل الخامس من الدستور، وكذا القانون التنظيمي الخاص بالمجلس الأعلى للغات والثقافة المغربية، هذا مسار ولكن المجتمع لا يمكنه أن يظل متفرجا، خاصة المجتمع المدني، وللأسف المغرب من الدول القليلة في العالم التي لا تتوفر على مجتمع مدني قوي باستثناء بعض الجمعيات الأمازيغية والجمعيات الخاصة باللغة العربية، وهذا النسيج إذا ما قارناه بدول أخرى، يحتاج إلى تدعيم وإلى أن يتجاوز المرحلة الاحتجاجية إلى مرحلة اقتراحية أكثر. ● حلومة التيجاني: أستاذة بجامعة الجزائر الإسلام جعل من لغة العرب المحلية لغة عالمية أحدث الإسلام تغيرا عميقا في شبه الجزيرة العربية، استقامت على إثره أمور كثيرة، أهمها عقيدة التوحيد، فقد جعل من لغة العرب المحلية لغة عالمية، إذ انتشر اللسان العربي في أرجاء واسعة تمتد امتداد سيادة الإسلام نفسه، وبات مفتاح الجنة التي لا يدخلها إلا من نطق بالشهادتين، بلغتها العربية لا بغيرها، وكان القرآن حين نزوله آية في الإعجاز، أبهر العرب في كمال نظمه، فقد وقف الوليد بن المغيرة مدهوشا أمام بلاغته، قائلا، إن له لحلاوة وإن عليه لطراوة وإن أسفله لمغدق. ومن المؤكد أن لفظ القرآن لم يكن في القاموس العربي الجاهلي، وإن اللغة التي نزل بها القرآن هي نفسها التي يتكلم بها العربي ويتعامل بها في سائر شؤون حياته، لكنها صيغت بنظم معجز جعلت الوليد بن المغيرة يلمس هذا الفارق في استعماله للغته، فكانت بالنسبة لهم مسألة تذوق لا اعتقاد، ولذلك لم يلامس الإيمان شغاف قلبه، ولم يؤمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، لقد لفت هذا البناء المعجز معاصريه، إلى قوة جرسه وإحكام نسجه، فراح بعضهم يجهد نفسه هباء في محاكاة آيات القرآن الكريم، ظنا منه أن المادة الخام التي بين يديه، ستلين له فيأتي بروائع تخلد ذكره، كفعل مسيلمة الكذاب في جمله المسجوعة، ولذلك جاءت الآيات القرآنية متحدية غرور العربي واعتداده بقدرته على البيان والإفصاح، كقوله تعالى، «أم يقولون تقوله بلا يؤمنون، فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين». أثر القرآن في نهضة الأمة أدبيا ونحويا أسدى القرآن معروفا إلى اللغة العربية عندما أضاف إلى رصيدها كلمات لم تكن معهودة كمفاهيم الزكاة والجنة والنار، والملائكة والآخرة والبعث، وغيرها من الألفاظ التي لم تكن معروفة آنذاك، ومنها أيضا دخول ألفاظ أعجمية، مما كان يعرف أولا يعرف، سيرها القرآن عربية لمرونة هذه اللغة في تقبل هذه الألفاظ، وزاد فأوضع وعلم فأصبح معينا تغترف منه اللغة الأصيلة سر جمالها، فكثرت الاقتباسات في الشعر والنثر على حد سواء، هذا فقد دفع حب الإسلام والغيرة عليه، الكثيرين من العاملين في حقل اللغة العربية وبيانها، وأكثرهم من المعاجم، إلى استخراج جواهر اللغة العربية، ذلك أن الحفاظ على مقومات الدين الحنيف، لا يتم إلا بالحفاظ على اللغة التي نزل بها القرآن، خاصة وأن اختلاط العربية بلغة أهل الأمم المفتوحة، مس جوانب منها في غياب الاهتمام بأصولها. ونضيف أن أثر القرآن الكريم على اللغة العربية تجاوزها إلى الاهتمام بها صوتا وكتابة، فاهتم علم التجويد بكيفية النطق السليم لمخارج الحروف العربية، كما أولى الخطاطون عناية خاصة بالخط العربي، فكان رسما مفعما بالجمال والحيوية والحياة، فليس مثله خط في الإرث البشري من حيث تعدد الأشكال ومماثلتها للحياة، فهي في تلاوينها الإنسان والغزلان والطيور والأزهار والأشجار، وغيرها مما لا يخطر على بال، فهذا خط ريحاني والآخر كوفي وذاك فارسي وهناك المغربي، كلها تشي بالوعي الجمالي الذي وصله العربي المسلم . أثر القرآن في نهضة اللغة العربية علميا. تتهم اللغة العربية ومن أبنائها تحديدا، بأنها لغة إنشائية بعيدة عن روح العلم، وأنها لا يمكن إلا أن تكون وعاء لما يصب في مجال الأدب شعرا ونثرا، خاصة أننا نعيش عصرا انحسرت فيه العلوم الشرعية واللغوية، غير عارفين أنها تتمتع بأسس اللغة العلمية وتتسع لها اتساع العلم وتجدده، متناسين بأنها اتسعت لكتاب الله فوصفت ودعت إلى كل ما هو علمي، وذلك بفضل ما أودعه الله فيها من صفات المرونة والوضوح والسهولة والاقتصاد، وما دمنا نذكر فضل القرآن الكريم على العربية، فإن القرآن حافل بكل ما هو علمي، فهو أولا يدعو إلى القراءة والتأمل، وعليه ستكون العربية الوعاء الذي سيحتضن العلوم، فلا عجب أن زخر تاريخنا الإسلامي، بأسماء في عالم الطب والهندسة والجبر والفلك والبصريات والكيمياء، كابن سينا والزهراوي والخوارزمي وابن الهيثم وجابر ابن حيان والرازي.. لتصبح العربية لغة العلم الأولى التي يترجم منها إلى اللغات الأخرى، كيف لا وكتاب المسلمين الأول قد مهد لهذه العلوم، فعكفوا عليه متدبرين آيات الله في خلقه. ● عبد القادر الفاسي الفهري: خبيدر دولي في اللسانيات الفكر اللغوي ينبغي أن يتطور على المستوى الفلسفي والعلمي ضمن الندوة العلمية ليوم الخميس الماضي، والتي تحدث خلالها أيضا مصطفى الخلفي وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، قال عبد القادر الفاسي الفهري خلال مداخلة له حول «العدالة والظلم في اللغة وفي المغرب»، «مجال العدالة اللغوية موضوع جديد حتى في الأدبيات الغربية، لكنه موضوع حيوي»، واعتبر الفاسي الفهري أن مناقشة موضوع العدالة يحيل على عدد من القضايا «منها أمور عامة ومنها ما يتعلق بشروط الوحدة اللغوية التي قد ينتج عنها اللاعدالة»، يضيف المتحدث، «هناك مفاهيم كثيرة للعدالة، وسأركز على مفهوم المساواة في الكرامة بالنسبة للغة، بمعنى أن الذي يتكلم لغة ويعتبر أن هذه اللغة أساس هويته الأساسية يشعر بالضيم والظلم إذا حرم من هذه اللغة في سياقات تواصلية مختلفة»، واعتبر الخبير العالمي في اللسانيات، أن «هناك تجاذبا مستمرا بين الوحدة من جهة والتنوع من جهة أخرى»، وقال، «نحتاج إلى المحافظة على اللغات بمختلف روافدها..، واللغة الوطنية ينبغي أن تكون سائدة في ترابها، فإقرار مبدأ الترابية جاء لتفادي اندحار اللغات الوطنية». ويرى المتحدث أن «ميثاق التربية والتكوين يلجأ إلى مفهوم تكافؤ الفرص، وهو غامض بعض الشيء، لأنه أحيانا يحيل على ضرورة تعليم اللغات الأجنبية لأبناء الشعب لتكون لهم فرص مماثلة للطبقات التي تتعلم اللغات الأجنبية». من جهة أخرى، اعتبر الفاسي الفهري أن هناك «حاجة إلى علم الاقتصاد اللغوي، لمواكبة ما يجري في الساحة الوطنية، لأن الفكر اللغوي ينبغي أن يتطور على المستوى الفلسفي والعلمي»، مشيرا إلى «النقاش الموجود حول كلفة الاختيارات»، وقال «اليوم أصبحت كل سياسة لغوية تقيم اقتصاديا، والتقييم الاقتصادي للسياسة اللغوية يطرح مشكل العدالة الاقتصادية، بحيث إذا أقررنا سياسة لغوية فستكون كلفتها كذا، ومن سيستفيد ومن سيظلم؟ ومن سيدفع أكثر من الآخر؟ وما هي الاستراتيجيات التي تستطيع أن تعوض على ما وقع من ضيم».