قبل أن نجيب عن سؤال حضور القيم في التشريعات الوطنية، ينبغي أن نقدم لذلك بتفسير معنى التشريع في التصور الإسلامي، والذي لا يعني فقط الأحكام القطعية التي هي مجمل الشريعة الإسلامية كما هي في القرآن والسنة، وإنما هي التشريعات التي قد يجتهد الناس فيها وفق مصالح الأمة في إطار ضوابط الإسلام، وفي أفق تحقيق مقاصده، وفي هذا الإطار فإن كثيرا من التشريعات الإنسانية، وليس فقط تشريعات الدول الإسلامية، وبالأحرى التشريعات المغربية التي هي تشريعات إسلامية بالمعنى العام، هي تشريعات صيغت من أجل حفظ مصالح العباد، فمثلا قانون السير يمكن اعتباره تشريعا إسلاميا لأنه يحفظ الدماء، وبهذا المعنى العام فإن الكثير من التشريعات المغربية هي ضمن هذه المصالح التي هي مصالح مرسلة عند علماء الفقه المالكي، والمشكل بالمغرب في تشريعات قليلة ومحدودة، أنها مخالفة للشريعة الإسلامية، ومن بعض التشريعات في القانون الجنائي، ومن ذلك التشريعات التي تبيح الربا، ومن ذلك تشريعات ترقيعية مرتبطة بحفظ الأعراض، منها تشريع تزويج المغتصبة أو المغرر بها بمغتصبها، وهذه تشريعات محدودة ولكنها مؤثرة وفاعلة في حفظ أمن المجتمع وفي نهوضه الاقتصادي في ما يتعلق بالمعاملات اللاربوية. وبخصوص المخطط التشريعي المعلن عنه، فهو مخطط يهدف بطموح إلى تحقيق بعض مقاصد الدستور المغربي، وهي مقاصد لا نختلف على مجملها من حيث الحرص على تعزيز الديمقراطية والنهوض بالمجتمع وحفظ الكرامة وتنمية الاستقرار والاستثمار والازدهار، وانتهاء إلى إصلاح الإنسان نفسه، إلا أن الملاحظ على المخطط التشريعي أنه لا يستطيع أن يستوعب كل مقاصد الدستور المغربي ولا يستطيع أن يفي بكل مرامي هذا الدستور، وبالتالي فإن هناك قضايا عديدة مؤجلة وعلى رأسها قضية اللغة العربية وصندوق الزكاة وغيرها من القضايا، ونحن نرجو أن تنجح الحكومة في مخططها التشريعي، وأن يتجاوب البرلمان معها بطريقة إيجابية، وأن يسرع وتيرة المناقشة والمصادقة على القوانين، وأن يعدلها في اتجاه الرفع من نجاعتها، وقضية الهوية مهمة وأساسية ولكنها مفتوحة على أفق إصلاحي أوسع من مدى الأربع سنوات المتبقية من عمر الحكومة الحالية.