ترجع بدايات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بالمغرب إلى منتصف القرن السابع للهجرة عندما استحدثت أسرة العزفيين التي كان رجالها من أعلام مدينة سبتة ورؤسائها عادة الاحتفال بالمولد النبوي، وألف كبيرهم يومئذ أبو العباس أحمد بن محمد العزفي المتوفى عام 639 ه على عهد الخليفة الموحدي المرتضى كتاب «الدر المنظم في مولد النبي المعظم» الذي أكمله ابنه الرئيس أبو القاسم المتوفى عام 677ه. ويشير أبو العباس العزفي في مقدمة كتابه إلى الأسباب التي حفزته على الدعوة إلى استحداث الاحتفال بالمولد النبوي، فيصف في حسرة وأسى مشاركة مسلمي سبتة والأندلس للمسيحيين في احتفالاتهم بعيد النيروز يوم فاتح يناير، والمهرجان أو العنصرة يوم 24 يونيو، وميلاد المسيح عليه السلام يوم 25 دجنبر. وأبرز أهمية الاحتفال بحدث المولد وانعكاساته الإيجابية. ومع إقرار المؤلف بأن عمل الاحتفال بمولد رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بدعة لم يكن على عهد السلف الصالح رضوان الله عليهم، فإنه يجعله من البدع المستحسنة استنادا لقول عمر رضي الله عنه في الاجتماع على تراويح رمضان نعمت البدعة هذه، ويخرجه على حديث أنس رضي الله عنه في عيدي الفطر والنحر. وذلك لأنه أراد بهذا العمل أيضا صرف المسلمين ولا سيما الصبيان عن الاحتفال بالأعياد المعظمة في الأديان الأخرى، حتى لا ينشأوا على تعظيم تلك الأديان. وواصل العلماء الانتصار لهذا العمل مظهرين فائدته العظمى، وجدواه في التعبئة الوجدانية للأمة وربطها بأمجادها، وفي موضوع مشروعية الاحتفال بالمولد ما نقله الشيخ بنيس في شرحه على همزية الإمام البوصيري، أن ليلة المولد ويومها عيد وموسم، يتعين أن يعظم ويحترم، ويعمل فيه ما يدل على التعظيم والاحترام، وهو ما اختاره الحافظان العراقي والسيوطي. وقد تولع الخليفة الموحدي المرتضى بهذا الاحتفال، وأصبح «يقوم بليلة المولد خير قيام، ويفيض فيها الخير والإنعام» وقد عرف هذا الأمر ازدهارا كبيرا على العهد المريني ثم الوطاسي من بعده، فكان الملوك أنفسهم يرأسون مهرجانات المولد ليلة الثاني عشر من ربيع الأول، كما أصدر السلطان أبو يعقوب يوسف المريني المتوفى سنة 691 ه أمرا بوجوب إحياء ليلة المولد النبوي واعتبارها عيدا رسميا كعيدي الفطر والأضحى، «وأصبح ملوك الأندلس يحتفلون في الصنيع والدعوة وإنشاد الشعر اقتداء بملوك المغرب» على حد ما قاله ابن خلدون. وسرعان ما انتقل الاحتفال بالمولد النبوي إلى الأوساط الشعبية فكانت الحفلات تقام في الزوايا وحتى في المنازل، وإلى ذلك يشير ابن الدراج في كتابه «الإمتاع والانتفاع بمسألة سماع السماع» فيذكر أن أكثر ما يتغنى به أهل فاس بهذه المناسبة تتصل موضوعاته بمدح الرسول وتشويق النفوس إلى زيارة البيت الحرام ومواقعه، وإلى المدينةالمنورة ومعالمها، كما يشير إلى ذلك الرحالة أبو علي الحسن الوزان الفاسي في كتابه «وصف إفريقيا» فيذكر أن التلاميذ يقيمون احتفالا بالمولد النبوي، ويأتي المعلم بمنشدين يتغنون بالأمداح النبوية طول الليل. وسوف يبلغ هذا الاحتفال قمة اكتماله في عهد الشرفاء السعديين، وذلك عندما اتخذ المنصور السعدي من عيد المولد النبوي أكبر احتفال رسمي للدولة والأمة، فكان يقيم في قصره بمراكش الحفلات الفخيمة، يزينها بالشموع الموقدة، وإنشاد القصائد والمولديات. وفي عهد الدولة العلوية اتسع نطاق الاحتفال، وأصبحت تقام ليلة عيد المولد وليلة سابعه في مختلف الزوايا والأضرحة وبعض المساجد والبيوتات، حيث تنشد الأمداح النبوية الشريفة، كما تتلى قصة المولد النبوي الكريم. وكان المغاربة عموما يتلون قصة المولد النبوي للبرزنجي مخللة بتصلية المدني. ولقد أصبح من مظاهر هذا الاحتفال، أن يقام على المستوى الرسمي احتفال يرأسه سلطان البلاد ويرعاه بنفسه، وتلتئم حول حضرته جموع من المسمعين الوافدين من مختلف حواضر المملكة. وما زالت هذه السنة دَيْدَنَ ملوك الدولة، دأبوا على إحيائها وتوارثوها خلفا عن سلف تأكيدا لحب المغاربة قاطبة لجدهم صلى الله عليه وسلم وتشبثهم بآل بيته الطاهرين.