بعد مخاض دام أكثر من 17 سنة، إثر العمل بظهير 1925 لما يفوق ثمانية عقود، صدر أخيرا قانون 09-32 يتعلق بتنظيم المهنة وتخليقها وتأهيلها وتحصينها لمواكبة الدينامية التي يعرفها المجتمع المغربي على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية بغض النظر عن تحفظات الغرفة الوطنية للتوثيق على بعض مقتضياته، وهو القانون الذي سيحقق لا محالة نقلة نوعية في مسار المهنة شريطة انخراط كل مكونات أسرة التوثيق مع ضرورة التفاعل الإيجابي للسلطتين العمومية والقضائية، في تحقيق فلسفته وغايته-حسب الرئيس الأول لمحكمة النقض، «مصطفى فارس»، بمناسبة اللقاء الوطني الأول المنظم بمراكش من قبل محكمة النقض. يبلغ عدد الموثقين حاليا 937 عوض 633 موثقا سنة 2007، يشكل منهم الذكور نسبة 57.42 في المائة، و الإناث 42.58 في المائة. وفيما يتعلق بعدد المتابعات التأديبية، أكد ذ. العلوي البلغيثي الوكيل العام باستئنافية الدارالبيضاء أن عدد المتابعات التأديبية في حق الموثقين انتقل على التوالي من سنة 2007 إلى 2011 من 18 (2007)إلى 39(2008)،و 17 (2009)،إلى 92 (2010)، لتصل السنة الماضية إلى 95 متابعة تهم الاحتفاظ بمبالغ مالية والإخلال بالواجب المهني، في حين أن المتابعات الزجرية إبان نفس الفترة الزمنية سجلت على التوالي( 14، 17، 24، 29، و67 متابعة) تخص جرائم التزوير في محرر رسمي، و النصب و الاحتيال، وتقديم شيكات بدون مؤونة. وفيما يتعلق بالشكايات المقدمة في مواجهة بعض الموثقين خلال الخمس سنوات الماضية إلى غاية متم شهر يونيو 2012 فوصلت إلى 233 ضد 136 مشتكى بهم، فيما لازالت 158 شكاية قيد البحث، و37 في الحفظ، و11 شكاية رهن التحقيق. قانون يواكب التحديات وصف مصطفى فارس، أن النص القانوني الجديد للموثقين ب»الوثيقة التاريخية» على اعتبار أنه وضع حدا لوضع استثنائي وقطع الصلة مع نص تجاوزه الواقع، وأصبح عاجزا عن مواكبة التحديات، وكان إلغاؤه استجابة لمطلب جماعي تمت المناداة به في كافة اللقاءات والندوات والكتابات الفقهية والقضائية ألا وهو قانون 1925 المقتبس من القانون الأساسي للتوثيق الفرنسي لسنة 1803-يضيف فارس في مداخلة له خلال اللقاء الوطني الأول المنظم بمراكش يومي 2 – 3 نونبر 2012 تحت شعار»آفاق مهنة التوثيق على ضوء القانون 32.09 والعمل القضائي». وأوضح فارس، أنه لم يكن مستساغا أن نتحدث عن مستقبل مهنة هي من ركائز أسرة العدالة، وهي ما زالت منظمة بقواعد قانونية تجاوزت خمسة وثمانون سنة لذا كان منطقيا أن يتم سن قانون جديد يحرص على تمتين مهنة التوثيق وعصرنتها وإدماجها في مسار إصلاح العدالة. ونوه «فارس» بالمجهود الكبير الذي بذلته المؤسسة التشريعية، والنقاش الهام الذي شهدته غرفتيها عند دراسة هذا النص الذي عرفت مسودة مشروعه أكثر من 98 تعديل ساهمت فيه أغلب الفرق البرلمانية، وشكلت بصدده لجنة للصياغة بمجلس النواب وعرف نقاشا مسطريا هاما بمجلس المستشارين ونظم بشأنه يوم دراسي وتمت إعادة قراءته للمرة الثانية أمام مجلس النواب وطرحت بصدده عدة ملاحظات وآراء واستفسارات عكست انشغالات وهواجس بشأن مضامينه قبل أن تتم الموافقة عليه وإخراجه للوجود ليكون لبنة أساسية في مسار تحديث النصوص المنظمة للمهن القانونية والقضائية وعنصرا أساسيا في المنظومة الحمائية لدولة الحق والمؤسسات، مشيرا إلى أن هذا النص القانوني جاء بأكثر من إحدى عشر مستجدا تصب في اتجاه إعادة ترتيب البيت وتطوير مهنة التوثيق من خلال إحداث مجلس وطني ومجالس جهوية سيكون أمامها الكثير من العمل في مجال تأطير الموثقين وضمان تكوينهم وإحداث معهد خاص بذلك كما يتميز هذا النص بمقتضيات تفتح إمكانية ممارسة المهنة من خلال أشكال جديدة منظمة وأعاد تشكيل اللجنة المكلفة بإبداء الرأي في تعيين الموثقين وفصلهم وإعفائهم مع التنصيص على قواعد مسطرة تأديبية واضحة ونظم مسؤولية الموثق ألزمه بالمحافظة على السر المهني ووضع مجموعة من الضوابط والمقتضيات التي تحتاج منا الكثير من التدقيق والتمحيص والمناقشة. موثقون بأعراف جديدة خلصت كلمة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، مصطفى مداح أن هيأة الموثقين عملت في إطار المسؤولية والثقة الموطدة لاستقرار المعاملات، في وقت عشنا خلاله فراغا تشريعيا متكاملا، وسرت خلاله نصوص تعود لحقبة الحماية كانت في البداية حكرا على الفرنسيين واستمرت جاثمة لأكثر من ثمانية عقود ونصف، أسس خلالها الموثقون أعرافا وتقاليد، واجتهدوا لسد الثغرات التنظيمية تماشيا مع الأوفاق والتعاريف الدولية للتوثيق، وحرصت النيابات العامة بدورها إبان هذه الحقبة على مواكبة المهنة من خلال تتبع سير الإجراءات وتفقد السجلات ومراقبة الودائع وتكثيف الزيارات لمكاتب التوثيق والتي كانت تمر بسلاسة وفي جو تطبعه المسؤولية والانضباط، ناهيكم عن عقد لقاءات لمناقشة شؤون المهنة. وأوضح أن صمود مهنة التوثيق، في وقت مضى، أمام غياب تشريع متكامل، ومثابرة الموثقين – على قلتهم حينها – في جَلَدٍ وصمت، لجدير بقانون يحصن الأمن التعاقدي ويرسخ لمبادئ تثري المهنة وتسمو بها إلى المرتبة اللائقة بها، ويخفف العبء على القضاء، من خلال تطويق ظاهرة الوثائق العرفية، وتجنب الإخلالات الشكلية للعقود والتصرفات غير المسؤولة، والتي ما فتئت تعرف تناميا وتزايدا ملحوظا في الآونة الأخيرة.