بعد رجوعنا من الزيارة الاستطلاعية للمعهد الزراعي المذكور خلدنا الى الراحة في انتظار الساعة السادسة حيث يصل موعد وجبة العشاء في مطعم مجاور تحت اسم مطعم ننزل في الوقت المحدد في الغالب بعد عشر دقائق كما هو متفق عليه ونجد سيارتين في انتظارنا تسبقهما دوما سيارة للأمن . وفي المطعم نتلقى التحية من الحراس ونجد في استقبالنا مضيفة ترتدي لباسا تقليديا لمنطقة نينشيا فيه اللمسة الاسلامية إذ هو اقرب ما يكون الى لباس حجاب وتبادنا تحية الاسلام " السلام عليكم " وفي لكنة صينية بلغة انجليزية غير واضحة " ول كم" كان موعدنا هذا المساء وجبة عشاء يستضيفنا فيها حاكم ( رئيس ) منطقة نينشيا السيد شوشوتي مع وفد رفيع أتذكر منهم نائبه السيد تروت تروم والسيد "لي ري" نائب الرئيس لشؤون التنمية و"شويي شو" رئيس مكتب الشؤون الخارجية للمنطقة و"ليي يان مي" رئيس المحكمة العليا للمنطقة. كان الاستقبال في صالة كبرى جلست فيها أنا والحاكم وكبار مسؤولي منطقة نينيشيا ورفيقي في الرحلة. ألقى الحاكم أو رئيس المنطقة كلمة مكتوبة معدة سلفا كلها حفاوة وتأكيد على الرغبة في التعاون بين المغرب والمنطقة. وقد كان مما استوقفنا نحن اعضاء الوفد تأكيده انه قبل وصولنا كان موضوع حديث المسؤولين الحاضرين هو تقديرهم وإعجابهم بالكلمة التي ألقاها رئيس الوفد المغربي في الجلسة الافتتاحية للمنتدى واكد سروره لاشتمالها على مستويات متعددة من الخطاب وبالتنوع البالغ والإدراك الواعي للتطورات الاقتصادية والسياسية الدولية وموقع الصين كقوة في هيكلة النظام الدولي وإشارة الى البعد الاقتصادي . كانت الفرصة بالنسبة لي للتنويه بذكاء المسؤولين الصينين حين اتخذوا من منطقة نينيشيا بوابة للتعارف والتقارب الصيني العربي وذكرت بتاريخ العلاقات الصينية المغربية وكيف كان المغرب من اوائل الدول التي اعترفت بدولة الصين مع التنويه بالموقف الصيني من قضية الوحدة الترابية للمغرب وكيف أن الصين اصبحت اليوم فاعلا أساسيا في التوازن الدولي . وفي ختام الجولة الأولى من اللقاء تسلمت هدية من السيد الحاكم وانتقلنا الى صالة أخرى لتناول وجبة العشاء حيث استكملنا الحديث حول سبل تطوير العلاقات بين المغرب ومنطقة نينشيان وعند العودة وفي لقاء تقييمي لنا نحن الثلاثة خلصنا فيه الى ان الزيارة بهذا اللقاء وما خلصنا اليه فيه من توصيات وتصورات مشتركة كانت ناجحة بكل المقاييس. كان المطعم الذي نذهب اليه من أرقى المطاعم في مدينة نيتشوان ان لم يكن ارقاها على الاطلاق . ومن غرائب الأقدار أني رأيت فكرة كانت دائماً تخطر على بالي حين يقدم لنا في المغرب السلاطة المتنوعة التي يسميها البعض ب" الحديقة " او ( الجردة ) بالدارجة . كنت اقول لماذا لا يتم احداث مائدة دوارة بحيث يدور الصحن على المتحلقين حول المائدة. بدل ان يضطر الواحد مد يده الى ما لا يليه فنخرج عن الأدب النبوي في الأكل الذي نهى الغلام عن الطواف بيده في كل نواحي الإناء فقال له " كل مما يليك" . في هذا المطعم تحققت فكرتي لان المائدة عليها سفرة زجاجية دوارة على محور وتوضع على كل جنبات محيطها الدائري اطباق مختلفة من الطعام فيأتيك الصحن ولا تأتيه حتى اذا توقفت السفرة فما عليك الا ان تسحبها سحبا خفيفا لتأتيك منقادة حتى تأخذ حاجتك مما اشتهيته من طعام . ولو كتب لابن بطولة ان يكون عضوا في وفدنا خلال هذه الرحلة لقال كلاما كبيرا في كتاب رحلته عن هذه المائدة العجيبة وسماها المائدة الدوارة . هذه المائدة العجيبة تضم كل فنون الطعام عند اهل الصين فيها سلطات متنوعة وأصناف مختلفة من الخبز والفطائر والحساءات وأصناف من لحوم السمك والطير والخروف والبقر وكثير من الخضر . ثم ان للشاي الاخضر في هذه المائدة مكان رفيع وهو شاي خفيف غير مطبوخ كما هو الشأن عندنا نحن المغاربة يشربونه كما نشرب نحن الماء في اول الطعام ووسطه وآخره وما ان تشعر انك قد أنهيت حتى تأتيك النادلة بالماء الساخن فتصبه على إناء من الفخار قال لي عنه احد مستوردي الشاي الصيني الاخضر ان السر فيه ان يحافظ على المواد والمنافع التي توجد في الشاي، وانه حين يطبخ كثيرا او يصب فيه ماء بلغ درجة عالية من الحرارة فانه يفقد تلك الفوائد . أعود الى الجلسة التي كانت لنا ليلة مساء الخميس بعد صلاة العشاء وبعد جلسة التقييم فقد سرح بي الخيال واستطرد في وصف الماكولات والمشروبات والمائدة الدوارة وما حولها من خدم وحشم. انتابني إحساس كما هي العادة كل ما حللت بفندق، وهي فكرة الرحيل وان الإقامة في دار أو مكان أو فندق فإنها ايلة الى رحيل كالإقامة في هذه الدنيا، ذلك ما حدثت به رفقائي في الرحلة وحتى لا ننسى ان الفندق لم يكن سوى مكان لإقامة مؤقتة وأننا لم نأت للتمتع وانما لأداء مهمة وجب الحرص على القيام بها على اكمل وجه. يوم الخميس كان هو آخر يوم من أيام زيارتنا لنينشيان. كان مرافقنا مصطفى الذي كان يتولى الترجمة يدخل علي احيانا في الجناح ويجد طابق الفواكه الموضوع على المكتب والمليء بأشهى الفواكه الصينية في تساءل بلغة عربية لكنها صينية لم لا تأكل؟ إن كل هذه الأشياء سيأخذ ثمنها الفندق؟ بطبيعة الحال لم أكن امتنع عن الأكل زهدا كما قد يتوهم البعض ولكن لكوننا كنا نأكل من كل أصناف الطعام الصيني وألوانه التي كانت تقدم إلينا تباعا وبطريقة عجيبة خاصة بطريقة أكل أهل الصين