يمكن اعتبار الرسالة الملكية إلى المشاركين في أشغال المناظرة الوطنية حول السينما التي افتتحت أشغالها مساء اليوم الثلاثاء بالرباط، بمثابة خارطة طريق للنهوض بالسينما في المغرب، ذلك أنها تجمع كل عناصر هذه الخارطة، بدءا بالتقييم، ومرورا بتحديد المنطلقات والضوابط، وانتهاء بوضع الأهداف والآليات اللازم انتهاجها لتحقيق النهضة السينمائية المرجوة. من حيث عملية التقييم، توقفت الرسالة الملكية على أربع عناصر أساسية تصب كلها في تثمين الجهود التي بذلت للنهوض بالقطاع السينمائي في المغرب مع لفت الانتباه إلى أهمية تطويرها وتجويدها، ومن ذلك الإشادة بالدور الذي تقوم به المهرجانات السينمائية الوطنية والتي أصبحت ذات صيت عالمي وإشعاع قاري أو إقليمي، ونقطة جذب ثقافي فني لبلادنا، والتنويه بالآثار الإيجابية للسياسات العمومية التي واكبت وأطرت هذا العطاء الفني، وتثمين المقاربة التشاركية التي اعتمدها وزارة الاتصال في إعداد المخطط التأهيلي الشامل، وذلك بالتشاور مع المركز السينمائي المغربي والقطاعات والمؤسسات الحكومية الأخرى، بالإضافة إلى الفعاليات والكفاءات المعنية بالصناعة السينمائية في بلادنا، ولفت الانتباه إلى أهمية التركيز على تحقيق الجودة في الإنتاج، للانتقال من الرصيد الكمي إلى التراكم الكيفي. ومن حيث المنطلقات والضوابط، فقد ركزت الرسالة الملكية على الرسالة النبيلة للسينما، وعلاقتها بقضية ترسيخ الهوية الثقافية وتثبيت الشخصية الوطنية، إذ أكدت على الحاجة إلى إنتاج سينمائي وطني، يقوم على توطيد الشخصية الثقافية الوطنية، ورفع إشعاع الرصيد الحضاري والثقافي والتاريخي للمغرب، والحفاظ على جاذبيته وتنافسيته. وحتى ترفع الرسالة الملكية الالتباس والغموض في هذه القضية الشائكة التي يثور الجدل حولها لاسيما ما يرتبط بمفهوم الانفتاح وحدوده ومفهوم التفتح على القيم الكونية، ومفهوم التنوع وعلاقة كل ذلك بمفهوم ترسيخ وتثبيت هذه الهوية الثقافية الأصيلة، وضعت الرسالة الضوابط اللازمة التي تجعل من عملية الانفتاح والتنوع والتعدد تصب في إطار تثمين الهوية الوطنية وليس استلابها، إذ حرصت الرسالة الملكية على تقييد الحرية بالمسؤولية، واشتراط الوعي والتبصر في عملية الانفتاح، بل ذهبت الرسالة أبعد من ذلك، فجعلت الجدية والمسؤولية شرطا لضمان استمرارية الإنتاج الفني السينمائي الاحترافي ولازمة ضرورية من لوازم الجودة ومستوى الأداء. أما من حيث الأهداف، فقد رفعت الرسالة الملكية تحدي إحداث نقلة نوعية في المجال السينمائي، وتحقيق نهضة سينمائية فيه، تبنى على التراكم الذي تحقق عبر صيانة المكتسبات التي تحققت في هذا المجال، و الانتقال بالإنتاج السينمائي من الكم إلى الكيف، وتوفير المزيد من أسباب تطويره وإنمائه، مع التركيز على تحقيق الجودة وضرورة مواكبة هذا الإنتاج للتحولات التي تعرفها البلاد والمسار التنموي والديمقراطي المتفرد الذي انخرطت يه. واللافت في هذه الرسالة، أنها ركزت أيضا على آليات الاشتغال، فلا نهوض بالسينما من غير سياسة عمومية ناجعة وذات أبعاد متعددة، ولا سياسة عمومية بدون مقاربة تشاركية تقوم على التشاور بين القطاع الوصي والمركز السينمائي المغربي والقطاعات والمؤسسات الحكومية الأخرى، بالإضافة إلى الفعاليات والكفاءات المعنية بالصناعة السينمائية، كما ثمنت المخطط التأهيلي الشامل الذي اعتمدته الوزارة، ودعت إلى جعل محطة المناظرة الوطنية مناسبة لإغنائه وتطويره مع الاستمرار في توفير الدعم والرعاية للإنتاجات والمبادرات والتظاهرات السينمائية. هذه خارطة طريق واضحة، تحدد الأولويات بدقة، وتزيل الالتباسات التي تعطل أحيانا وتيرة النهوض بهذا القطاع، وتجعل الإنتاج الوطني القائم على حرية الإبداع المسؤولة والانفتاح الواعي والمتبصر أساسا ومنطلقا لترسيخ الهوية الوطنية والنهوض بقطاع السينما.