انعقدت الجلسة الشهرية المخصصة لمساءلة رئيس الحكومة حول السياسات العامة في البرلمان، وقد كانت فرصة لاختبار أسلوب الحكومة والمعارضة على السواء في التعاطي مع «الأزمة الاقتصادية»، ولتتبع ورصد نوع الخطاب الذي تم استعماله في هذه الجلسة وقياسه إلى الاستحقاقات الدستورية المحددة لأدوار كل طرف لا سيما في هذه الظرفية الصعبة التي تتطلب التفكير بمنطق المصلحة العليا للبلد، والابتعاد عن المقاربات السياسوية التي تضلل الرأي العام وتقدم له معطيات مغلوطة عن أسباب الأزمة ومحدداتها وأبعادها وقدرة المغرب على تخطيها في هذه المرحلة.الجدير بالملاحظة في هذه الجلسة هو موقف الاتحاد الاشتراكي الذي أنتج خطابا سياسيا حرص فيه كل الحرص على التمايز عن نمط المعارضات السياسوية: فقد عبرت المعارضة الاتحادية في هذه الجلسة عن قدر غير قليل من النضج السياسي، وذلك حينما أنتجت نقدا سياسيا موضوعيا، قدر المصارحة ونهج الوضوح الذي انتهجته الحكومة في تقديم المعطيات والبيانات الخاصة بالوضعية الاقتصادية الآنية، ولم يحمل الحكومة مسؤولية الأزمة، وإنما ربطها بمسار السياسات الاقتصادية السابقة، وثمن الإجراءات التي تعتزم الحكومة القيام بها لتجاوز الأزمة، ووقف على ما يعتبره نقاط ضعف في الفرضيات الاقتصادية التي بنت عليها الحكومة سياستها الاقتصادية.طبعا، لم يكن هذا هو الخطاب الوحيد الذي أطر المعارضة في جلسة المساءلة لرئيس الحكومة، فقد برز خطاب آخر نهل واقتبس من كل قواميس البؤس السياسي، راسما ومعبرا بدقة عن خطوط التقائه بمشاريع نهج التحكم والعودة إلى ماضي الاستبداد.التمييز واضح بين المعارضتين، فالأحزاب التي نشأت من رحم الشعب، وأنتجت مشروعها السياسي من قاعدة تعبيرها عن تطلعات القاعدة الاجتماعية التي تمثلها، هي غير الأحزاب التي أنشئت لترتيب توازنات سياسية في مرحلة من مراحل التاريخ السياسي المغربي، لكن، ما يفسر أكثر هذا الموقف، هو نفس التجربة القاسية التي مر منها الاتحاد الاشتراكي، وظروف الأزمة وحجم الإكراهات الاقتصادية والمالية التي قدر له أن يواجهها في حكومة التناوب.لقد كانت عناصر المشابهة في خطاب رئيس الحكومة بارزة بين سياق قدوم حكومة التناوب وقدوم حكومة العدالة والتنمية، والذي كان محكوما بالأزمة الاقتصادية من جهة، والانتظارات الشعبية العريضة من جهة ثانية، ومعاكسة إرادة الإصلاح من قبل نهج التحكم من جهة ثالثة. وكما كانت عناصر المشابهة واضحة في خطاب رئيس الحكومة، كان الحرص أيضا على إبراز عناصر التمايز، فهذه الحكومة جاءت بعد الربيع العربي، مؤيدة بدستور فاتح يوليوز مطوقة بأمانة التنزيل الدستوري له، واعية بالكلفة السياسية والاقتصادية التي تمثلها عودة البلاد إلى ما قبل الحراك الشعبي، مدركة لأهمية تحصين النخب السياسية من الاصطفاف في جبهة معاكسة إرادة الإصلاح، وقبل هذا وذاك، مقدرة للحاجة السياسية لدورها في الاستقرار السياسي. مؤكد أن حرص خطاب رئيس الحكومة على إبراز عناصر المشابهة بين التجربتين والمفارقة في دور كل من العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي لم يكن من قبيل الارتجال الزائد، وإنما كان يحمل في طياته رسالة سياسية عميقة، دعا من خلالها المعارضة الاتحادية إلى العودة إلى دروس تجربة التناوب، و معاناتها مع إفرازات نهج التحكم، ودراسة تداعيات ذلك ليس على حزب الاتحاد الاشتراكي، ولكن على الزمن السياسي في المغرب، والذي حلت فيه تجربة التحكم محل تجربة التناوب بإعلان وفاة المنهجية الديمقراطية بتعبير عبد الرحمان اليوسفي. لقد كانت إشارات رئيس الحكومة عن مؤشرات عودة التحكم والضرب تحت الحزام كافية لالتقاط ما ينبغي التقاطه، فتأليب المعارضة بنهج سياسوي، ومحاولة استثمار مصارحة الحكومة في الكشف عن معطيات الوضعية الاقتصادية الحالية لتحميلها مسؤولية ذلك، والإيحاء بدخول المغرب إلى سياسة التقويم الهيكلي، وتجييش بعض وسائل الإعلام للقيام بدور الوكالة عن إرادات معاكسة الإصلاح، والالتفاف على مقتضيات الدستور، وعلى صلاحيات رئيس الحكومة، واستثمار بعض المواقع للضغط على الوزراء والمسؤولين وتوجيه التعليمات من خارج التراتبية الإدارية، كل ذلك، يعكس في حقيقته رغبة نهج التحكم التكيف مع التحولات الجارية ومحاولته استعادة المبادرة من جديد. لقد كانت إشارات رئيس الحكومة واضحة، بالنسبة إلى معارضة تريد أن تقوم بدورها في هذه الظرفية الحساسة، وذلك حتى تعيد النظر في تموقعاتها بما ينسجم مع أدوراها التاريخية، وتكون طرفا فاعلا في تحصين التجربة السياسية المغربية من أي نكوص أو ارتداد إلى زمن ما قبل الحراك الشعبي.