أي جديد تحمله زيارة وزير الداخلية الفرنسي للمغرب؟ سؤال يطرح نفسه بعد أن برز في أجندة الزيارات قضايا وملفات تهم بالدرجة الأولى الجانب الفرنسي، فقد كان واضحا من تصريحه في الندوة الصحفية التي عقدها الخميس الماضي بمقر وزارة الداخلية مع وزير الداخلية المغربي، أنه جاء يحمل معه أجندة فرنسية خالصة تتمحور حول التعاون الأمني ومحاربة تجارة المخدرات والهجرة السرية. القضايا الثلاثة الوحيدة التي يمكن أن تحسب لصالح المغرب هي التصريح بانتهاء توظيف الإسلام لأهداف سياسية، والوعد بتسهيل إجراءات الحصول على التأشيرة، والسياسة الجديدة مع المهاجرين غير الشرعيين، والتي أكد بأنها ستكون متوازنة وأنه سيتم تسوية وضعية هؤلاء وفق معايير موضوعية. معنى ذلك، أن وزير الداخلية الفرنسي جاء يحمل بين يديه مطالب فرنسا الأمنية، ويطلب من المغرب أن يضاعف جهوده في محاربة الهجرة السرية وتجارة المخدرات ويطلب منه مزيدا من التعاون الأمني لمواجهة التطرف، بل ويطلب أيضا جهود وزارة الأوقاف المغربية لمضاعفة جهودها في التأطير الديني للتقليص من نفوذ التيارات «المتطرفة». كل هذا الجهد المطلوب من المغرب، لم يقابل في تصريح وزير الداخلية الفرنسي سوى بتأكيده على أن السياسة المتوازنة التي ستنتهجها فرنسا من الهجرة السرية، والتأكيد أيضا على موقف بلاده الثابت من قضية الصحراء. معنى ذلك، أن ما يحمله وزير الداخلية الفرنسي لا يتعدى مجرد استدراك أو تصحيح موقف سبق وأن أعلن عنه الاشتراكيون بخصوص قضية الهجرة، بعد أن صرح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن عزمه اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل إبعاد المهاجرين غير الشرعيين من الأٍراضي الفرنسية، معللا ذلك بكون الأزمة التي تعيشها فرنسا تحتم عليها الحد من الهجرة على أراضيها وأن البرلمان هو الذي سيحدد كل سنة أعداد المهاجرين حسب احتياجات الاقتصاد الفرنسي. هذه التناقضات التي تميز السياسة الفرنسية من ملف الهجرة، والتي تتأرجح بين ثلاث مواقف: الوعد بتسوية ملفات المهاجرين غير الشرعيين، والإعلان عن إجراءات صارمة لإبعادهم، و انتهاج سياسة متوازنة تعتمد معايير موضوعية لتسوية وضعية هؤلاء، هذه التناقضات تفسرها طبيعة التفاعلات القائمة بين الوضعية الداخلية المحكومة بتراجع الاقتصاد الفرنسي وارتفاع معدل البطالة، وبين متطلبات الأمن القومي الفرنسي. ليس مستغربا أن يناقض وزير الداخلية الفرنسي كل تصريحات قيادات الحزب الاشتراكي سواء إبان الحملة الانتخابية أو بعدها حول قضية الهجرة، ويصرح بأن فرنسا ستعتمد سياسة متوازنة في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين بناء على معايير موضوعية، فالسياسات العمومية الفرنسية في مجال الهجرة لم تبلور أبدا موقفا واضح المعالم، بل ظلت تتسم بالبراغماتية والتكيف مع الظرفية الاقتصادية والسياسية والتفاعلات القائمة بين تداعياتها ومتطلبات الأمن القومي الفرنسي وكذا العلاقات المتوازنة مع دول الجنوب. معنى كل ذلك، أن فرنسا لم تقدم شيئا ذا بال يمكن أن يكون في مقابل ما يطلب من المغرب. في هذا الإطار ينبغي أن نفهم تصريح وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني الذي أكد بأن المغرب لن يكون دركيا لأوربا، وهو التصريح ذاته الذي أكد عليه وزير الداخلية المغربي امحند العنصر في ذات الندوة الصحفية. في العلاقات الخارجية للمغرب، وبخاصة مع أوربا، وبالتحديد مع فرنسا التي تمثل الشريك الاقتصادي الأول بالنسبة إلى المغرب، يصعب أن نتحدث عن علاقات متوازنة في ظل زيارة بأجندة فرنسية خالصة دون أن يرافقها أي مكسب للمغرب، هذا في الوقت الذي تقرر فيه الحكومة الفرنسية سحب جزء من استثماراتها في المغرب ونقلها من دول المغرب العربي إلى فرنسا للحد من البطالة ! من حق فرنسا أن تفكر في مصالحها، ومن حقها أيضا أن تفكر في أمنها القومي، لكن من حق المغرب أيضا أن يفكر في مصالحه، والمقابل الذي يمكن أن يحصل عليه من جراء التعاون الذي يخدم الأمن القومي الفرنسي. إن العلاقات الخارجية المبنية على التوازن تقتضي وضع الأجندة الفرنسية والمغربية على الطاولة سواء بسواء، ومراعاة الوضعية الاقتصادية للبلدين والتحديات المطروحة عليهما جميعا، وبناء رؤية مشتركة تراعي مصلحة الطرفين، لا اعتبار المغرب أداة في خدمة قضايا الأمن والهجرة كما تراها عيون فرنسا.