هو محمد علال بن عبد الواحد الفاسي. ولد بمدينة فاس المغربية، في 8 محرم عام 1328ه / 1910م. وهو ينتمي إلى عائلة عربية هاجرت من الأندلس إلى مدينة فاس بالمغرب، وكانت تُعرف باسم آل الجد. وسكن بعضُ أفرادها مدينةَ القصر الكبير بشمال المغرب، بسبب التجارة والمصاهرة. وهناك عُرفت بعائلة الفاسي، أو الفاسي الفهري. وإليها ينتمي عدد كبير من الشخصيات المغربية، قديما وحديثا، منهم علماء وسياسيون ووزراء وقضاة... وإلى هذه الأسرة تنتمي فاطمة الفهرية مؤسسة جامع القرويين بفاس. عمل والده عبد الواحد قاضيا ومفتيا ومدرسا بجامع القرويين. دراسته وشيوخه حفظ علال القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره. وفي هذه السن المبكرة توفيت والدته السيدة راضية رحمها الله تعالى. بعد حفظه للقرآن الكريم وتلقيه االمستوى التعليمي الأول، التحق علال الفاسي بجامع القرويين وهو في العاشرة من عمره، فتتلمذ على أيدي الجم الغفير من مشايخه في مختلف العلوم. فقرأ على الفقيه محمد بن العربي العلوي المختصر بشرح الدردير، والتحفة بشرح الشيخ التاودي بن سودة، وجمع الجوامع بشرح المحلي، والكامل في الأدب للمبرد، ومقامات الحريري، وعيون الأخبار لابن قتيبة. وقرأ على الشيخ الحسين العراقي الألفية بشرح المكودي، والتفسير، وعلى القاضي أحمد بن المامون البلغيثي أحكام القرآن لأبي بكر ابن العربي، وعلى محمد بن عبد المجيد أقصبي كتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، وعلى القاضي عبد الله الفضيلي جمع الجوامع بشرح المحلي، والمختصر بشرح الزرقاني، والخرشي والرهوني وبناني، وعلى الفقيه الرباني أحمد العمراني والفقيه الشيخ أبي شعيب الدكالي صحيح الإمام البخاري، وعلى الفقيه محمد بن عبد الرحمن العراقي ألفية ابن مالك والاستعارة، وعلى الفقيه المعقولي القاضي العباس بناني منظومة السلم بشرح الشيخ بناني، وعلى الفقيه المحدث محمد بن الحاج السلمي التفسير، وعلى الفقيه محمد بن حعفر الكتاني دروسا من مسند الإمام أحمد بن حنبل، وسرد الكتب الستة على أبيه وعلى عمه القاضي عبد الله الفاسي. ودرس على الشيخ علي الدرقاوي زاد المعاد في هدي خير العباد، وأدب الدنيا والدين، والشمائل المحمدية. وقال في كتابه (أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن)، الذي كتبه في منفاه بالغابون: «وقد سبق لي أنا وثلة من زملائي أثناء دراستنا العالية بالقرويين أن طلبنا من شيخنا المرحوم أبي العباس أحمد البلغيتي قراءتها معنا، فافتتحناها عليه بموطن العنزة من القرويين. وواصلنا الدراسة فيها، ولكن سرعان ما قضى الله بوفاة الشيخ ونحن لم نتم ثلاثة أحزاب ... وكنت أنا السارد. نبوغه المبكر في جامع القرويين ظهر نبوغه ومؤهلاته القيادية. فقد ترأس جمعية سرية لطلبة القرويين، كانت مناوئة للاحتلال الفرنسي. وظهر نبوغه أيضا في بعض أشعاره التي بدأ يكتبها وهو في عقده الثاني، ومنها قصيدته الشهيرة (سيعرفني قومي)، التي قال في مطلعها: أبَعْدَ مرورِ الخمسَ عشْرةَ ألعبُ وأَلهُو بِلََذَّاتِِ الحياةِ وأَطربُ ولي نظرٌ عالٍ ونفس أبية مُقاما على هام المجرة تطلبُ وعنديَ آمال أريد بلوغها تضيع إذا لاعبتُ دهري وتذهبُ إلى أن قال في آخرها: سيعرفني قومي إذا جَدَّ جِدُّهمْ كما عرفوني اليومَ إذْ قمتُ أخطُبُ فما الفذ إلا من يصارح قومه وما الفذ إلا من يقول فيُعربُ وظاهر من مطلع القصيدة أنه نظمها وهو في السادسة عشرة من عمره. ويؤكد ذلك أنها نشرت بجريدة الشهاب الجزائرية في عددها 89 سنة 1927، كما نشرت في كتاب (الأدب العربي في المغرب الأقصى) لمحمد بن العباس القباج، الذي صدر سنة 1929. ولولا التوثيق القطعي لتاريخ هذه القصيدة، لما ظن قارئُها إلا أنها لرجل محنك بالتجارب وطول العمر، وليست لفتى ذي خمسة عشر ربيعا. وقد كان لنشر القصيدة بجريدة الشهاب الجزائرية صدى واسع لدى المثقفين الجزائريين، حتى كتب أحدهم يقول: «أذكر أننا قرأنا ببسكرة قصيدة تطفح عاطفة وشعرا، لأخينا شاعر فاس النابغة العبقري السيد محمد علال الفاسي ... فتهاديناها يبشر بعضنا بعضا، وفرحنا بهذا الشاعر الجديد فرحا شديدا. ومما يؤكد هذا النبوغ النادر لعلال الفاسي، أنه بدأ التأليف في هذه السن المبكرة. ففي سن الخامسة عشرة (أي سنة 1925) ألف كتيبا أدبيا نقديا سماه (وادي الجواهر ومجموع المكنون من الذخائر)، ووصف مضمونه بقوله: «وهو عبارة عن شذرات شعرية مختارة من أقلام خيرة شعراء فاس، تمثل قمة فصاحة العرب في القرن الرابع عشر. وقد نال شهادة العالِمية من جامع القرويين وهو في الحادية والعشرين من عمره، إلا أن سلطات الاحتلال الفرنسي منعته من تسلم شهادة التخرج لما رفض الرضوخ لمساوماتها من أجل اعتزاله العمل السياسي الوطني، فتطوع لتدريس التاريخ الإسلامي بالجامعة، فشكلت محاضراته الحية مدرسة شعبية للشباب وعامة الناس. (يتبع)