شكلت قضية الصحراء المغربية محورا أساسيا في الأدبيات السياسية للأحزاب الوطنية، ومن هذه الأحزاب " حزب الاستقلال بوصفه القوة التاريخية الحاضنة للمشروع المغربي الكبير . فقد شكل هذا الحزب نواة العمل السياسي في المغرب منذ الثلاثينات ، بل قبل ذلك ، حيث بدأت الإرهاصات الأولية لهذا الحزب ، بعد فشل أمير الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي في بناء مشروعه المجتمعي بعد هزيمته أمام التحالف الاستعماري الفرنسي الإسباني ، في هذه المرحلة انطلق العمل السياسي من جامعة القرويين بقيادة الزعيم علال الفاسي في فاس والحاج احمد بلافريج في الرباط.فحزب الاستقلال يرجع له الفضل في نشأة الأحزاب السياسية وهو أول حزب سياسي يطرح برنامجا سياسيا حول المسألة الوطنية مند تأسيسه وتمكن أهميته في في تحديده لموقف الحزب من قضية الصحراء، حيث ترسم خارطة البرنامج الاستقلالي المغرب الكبير المؤلف من المغرب بصحرائه وقسم من الصحراء الشرقية وموريتانيا، وذلك كخطوة أولى نحو وحدة تمتد عبر المغرب العربي فتصل إلى مستوى الوحدة العربية ومن ثمة إلى الوحدة الإسلامية الشاملة.كان لظهور علال الفاسي الذي بادر بمشاركة بعض الشخصيات والمجموعات الوطنية إلى تنظيم حركة سياسية " كتلة العمل الوطني" التي تصدت لمؤامرة الاستعمار قصد التقليل من النفوذ الاستعماري ، وذلك عبر عريضة قدمتها الكتلة إلى محمد الخامس سنة 1934 الشيء الذي أدى إلى المواجهة مع السلطات الاستعمارية مما أدى إلى قيام أحداث عام 1936 انتهت بنفي علال الفاسي.وفي أواخر سنة 1943 عاد الحاج أحمد بلا فريج من منفاه، وفي هذه المرحلة بدأ حزبه يتجه إلى المطالبة بالاستقلال . وفي 11 يناير 1944 قدم الحزب الوطني " وثيقة الاستقلال" للملك محمد الخامس.تعلن هذه الوثيقة لأول مرة عن اسم حزب الاستقلال، حيث تقول مقدمتها " إن حزب الاستقلال الذي يضم أعضاء الحزب الوطني سابقا وشخصيات حرة " وتطالب في البند الأول " باستقلال المغرب ووحدته الترابية تحت ظل صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى سيدنا محمد بن يوسف نصره الله وأيده ".في غشت 1953 بعد نفي محمد الخامس تشكلت خلايا سرية مسلحة من مناضلي حزب الاستقلال وتشكل جيش التحرير وذلك من أجل الاستقلال وعودة محمد الخامس أعلنت فرنسا موافقتها على الاستقلال .تشكل نهاية هذه المرحلة بداية سياسية لسياسة حزب الاستقلال الصحراوية ، فالاستقلال الموقع عليه في 2 مارس 1956 كان يشمل المغرب دون سبتة ومليلية والجزر الجعفرية في الشمال ، وسيدي إيفني وطرفاية والساقية الحمراء ووادي الذهب وموريتانيا جنوبا والصحراء الشرقية [تيندوف].يقول أحد الباحثين عن سياسة الحزب الصحراوية ، أن الاستقلال أسفر عن ثلاث تطورات :" التطور الأول عبر عن نفسه بخلافات متعددة الأطراف فمن ناحية أولى بدأت خلافات الحزب مع القصر الملكي حول حدود دولة الاستقلال، ومن ناحية ثانية تصاعد الخلاف بين تيار ينادي بضرورة استكمال حرب التحرير المسلحة لتوحيد كافة الأقاليم المغربة، وبين تيار يطالب بوقف الكفاح المسلح وتعويضه بالنضال السياسي والدبلوماسي. هذا الخلاف أدى إلى توسع التناقضات بين الحزب كتوجه سياسي وجيش التحرير كقيادة عسكرية . نتيجة التطور الأول كان التطور الثاني وهو القطيعة بين حزب الاستقلال والصحراء وانتهاء الوجود السياسي والجماهير للحزب في المنطقة خصوصا بعد تصفية جيش التحرير علما أن أغلب مناضلي هذا الجيش كان من العنصر الصحراوي.في سنة 1958 وبعد إيقاف العمل المسلح، كانت اتفاقيات القصر مع إسبانيا بعد ضرب جيش التحرير وكان في تلك المرحلة على رأس الحكومة الحاج أحمد بلا فريج وهو عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ، كانت نتيجة تلك المفاوضات تصفية جيش التحرير واسترجاع إقليم طرفاية.الحزب ظل متماسكا بمغربية الصحراء باعتماد تكتيك المفاوضات والدبلوماسية، فبعد أن كان الحزب مند بداية الاستقلال يؤكد على ضرورة تحرير كافة التراب الوطني حيث أعلن الزعيم علال الفاسي في مؤتمر شبيبة الحزب في مارس 1956 بفاس بعد توقيع اتفاقية الاستقلال بأسابيع وذلك في خطاب أمام المؤتمر " أن هذا الاستقلال ما يزال ناقصا وسيظل كذلك مادامت في البلاد قطعة تحت الحماية والنفوذ الأجنبي وما دامت طنجة لم تتحرر من إدارتها الدولية، ومادامت المناطق التي اعتدنا ان نسميها بالخليفية في الشمال والصحراء الإسبانية في الجنوب تحت الحماية والحكم الاسباني ، وما دامت أجزاء في التخوم المغربية الجزائرية لم تسترجع للبلاد، فسيظل استقلالنا أعرج وسيظل واجبنا الأول هو مواصلة العمل لتحرير الوطن وتوحيده بنفس الروح والحماس اللذين عملنا بها طيلة الثلاثين عاما الماضية إلى أن اعترفت لنا فرنسا بالاستقلال والتزمت بتأييد الوحدة الترابية للبلاد".كما أعلن علال الفاسي في خطاب بمناسبة استشهاد الزرقطوني في مدينة طنجة بتاريخ 19 يونيو 1956 عن " أن أهداف جيش التحرير هي توحيد كل التراب المغربي المستقل حديثا والذي لازال يخضع للسيطرة الاستعمارية " كما قال " ولكن إذا كان المغرب مستقلا فإنه ليس موحدا بالكامل وأن المغاربة سيواصلون الكفاح حتى تصبح طنجة والصحراء الواقعة تحت نفوذ الاسباني والفرنسي من كولمب بشار والتوات والقنادسة وموريطانيا محررة وموحدة، يجب استكمال استقلال المغرب . استقلالنا لن يصبح كاملا مع إلا مع الصحراء وباقي الأراضي التي جاء ممثلوها إلى الرباط يعلنون الوحدة. يجب النضال حتى الوحدة الكاملة، يجب استرجاع المناطق الواقعة تحت النفود الاسباني أو الفرنسي" كما اجتمع ممثلو القبائل الصحراوية في 14 فبراير 1957 وعددهم 17 قبيلة منهم الشرفاء الرقيبات ولبيهات واولاد دليم العروسيون اهل الشيخ ماء العينين فلال الزرقيون مجاط، أيت لحسن وقبائل أخرى، حيث بعثوا برقية إلى الملك محمد الخامس يطالبون فيها بالوحدة مع المغرب وكان نصها : " يلفت هذا الجزء من الوطن نظر مولانا المنصور بالله إلى ضرورة مفاوضات عاجلة مع إسبانيا يندمج هذا الجزء من الوطن في باقي البلاد ثم الدخول في مفاوضات مع فرنسا عن باقي صحراء المغرب . ولا يمكن أن يبقى الوطن الذي هو كل لا يتجزأ ممزق الأشلاء".كل هذا تم في إطار حزب الاستقلال الذي أشرف على اجتماعات القبائل الصحراوية المذكورة.فالخط السياسي الوطني الحزبي ارتكز على محاور رئيسية فهناك خط المفاوضات فيما يخص استرجاع كافة الأراضي المقتطعة من التراب الوطني بما فيها الصحراء المغربية قد اتسم هذا الخط بالاعتدال وكان يمثله علال الفاسي والحاج احمد بلافريج واتجاه متصلب تمثله قيادة المقاومة وجيش التحرير أبرزهم الفقيد الفقيه محمد البصري وعبد الرحمان اليوسفي إضافة إلى الشهيد المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد .لقد كان لهذا التناقض أي الموقف من تحرير الصحراء وباقي الأجزاء المغربية المحتلة سواء في شرقه أو شماله – بالإضافة إلى التناقضات الأخرى المتصلة بالسياسة الداخلية إلى بروز انشقاق داخل حزب الاستقلال في بداية سنة 1959.في ظل أجواء الانقسام انعقد المؤتمر الخامس لحزب الاستقلال سنة 1960 فقد خيمت نتائج الانقسام والتصدع الحزبي على اشتغال هذا المؤتمر الشيء الذي جعل القضية الوطنية تأخذ مرتبة متأخرة في اهتمامات المؤتمر الخامس للحزب.وقد استمر هذا التدني في المؤتمر السادس الذي انعقد في بداية 1962، حيث كان الحزب يستعد بتنسيق مع الملك للترويج لأول دستور، الذي سيدفع الحزب في مواجهة أخرى مع الجناح المنشق عنه الذي هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي سيرفض مشروع الدستور ، وبالتالي ستكون مسألة الصحراء ليست من أولويات الحزب، كما هو الشأن مع المؤتمر الخامس الذي سبقه بسنين.لا يعني هذا غياب المسألة الوطنية، بل تضمنت توصيات المؤتمر ملتمسات تخص استرجاع موريتانيا إلى حظيرة الوطن والمناطق الشرقية التي ضمتها فرنسا إلى الأراضي الجزائرية وأراضي الساقية الحمراء وواد الذهب وسيدي إيفني.كما كان من توصيات المؤتمر المطالبة بوضع خريطة رسمية للمغرب توضح حدوده الحقيقية.استمر موقف الحزب كما وأوضحنا سلفا دون تغيير، ولم تعد تحتل مرتبة عليا في أدبياته، بل استمر في نهج مسار التفاوض مع الاستعمار الإسباني خصوصا بعد عودة سيدي إيفني سنة 1969 ، كما عرفت هذه المرحلة اعتراف المغرب رسميا بجمهورية موريتانيا الإسلامية على إثر انعقاد أول مؤتمر للدول الإسلامية بعد إحراق الصهيونية للمسجد الأقصى.وقد دفع النظام بالزعيم علال الفاسي ليكون أول المستقبلين في مدرج المطار للرئيس الموريتاني المختار ولد دادة، ومن يومها لم يعد حزب الاستقلال يدعو إلى عودة موريتانيا إلى المغرب . وبذلك عادت مسألة الصحراء إلى مركز الصدارة في الأدبيات حزب الاستقلال نتيجة تحولات سياسية في المنطقة وخاصة بعد تحرك سكان الصحراء بعد إحداث الزملة في يونيو 1970 وتصميم إسبانيا على إنشاء دولة مستقلة في الصحراء وقيام الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب.احتلت قضية الصحراء محورا أساسيا في المؤتمر التاسع 1974 بعد أن بدأ الحزب تحركه ضمن إطار الدولة والقبول بحل مغربي موريتاني على حساب الجزائر والمشروع الإسباني الرامي إلى قيام دولة صحراوية مستقلة.وفي ماي 1974 أطلق علال الفاسي قبل وفاته بأسبوع واحد نداءه من دولة الكويت " أنه من المؤسف ألا تكون هذه القضية أي قضية الساقية الحمراء ووادي الذهب محط اهتمام الأقطار العربية ، رغم أن هذا المشكل جزء لا يتجزأ من القضية العربية. إن اسبانيا صديقة للعرب إنها لم تعترف بإسرائيل ، ولكن هذا لا يحول بين البلاد العربية وبين المطالبة بأراضيهم المغتصبة".إنه آخر نداء للزعيم علال الفاسي .بعد وفاة علال الفاسي في ماي 1974 انعقد المؤتمر السادس الذي انتخب الأستاذ محمد بوستة أمينا عاما للحزب ، حيث اتخذ الحزب سياسة تنسيقية مع النظام في إطار ما يسمى بالإجماع الوطني، وقد تجند الحزب بإرسال بعثات خارج المغرب لشرح الموقف المغربي الرسمي والشعبي من قضية الصحراء وأكد الحزب في المذكرة التي رفعها إلى الملك الحسن الثاني يؤكد على أهمية الحملات الدبلوماسية والمطالبة بإصدار المعلومات والخرائط المفصلة والوثائق والنصوص ومتابعة المفاوضات مع إسبانيا بهدف الحصول على موافقتها على السيادة المغربية قبل عودة القضية للأمم المتحدة وذلك تطويقا لمحاولات الاستفتاء.بعد هذه المرحلة سيعلن النظام مبادرة تنظيم المسيرة الخضراء ، ومن يومها سيصبح حزب الاستقلال في إطار ما سمي بالإجماع الوطني مواليا لتوجهات النظام المغربي دون طرح بديل حزبي مستقل عن النظام.