بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة        دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الوطنية وتجليات النضال السياسي في المسار الفكري للزعيم علال الفاسي
نشر في العلم يوم 30 - 10 - 2010

«تجليات النضال السياسي في المسار الفكري للزعيم علال الفاسي» كان من الممكن أن نعتمد هذا العنوان للبحث في تمظهرات النضال السياسي باعتباره بعدا مركزيا في المنظومة الفكرية التي انتجها الزعيم علال الفاسي. سيقودنا الأمر حتما، والحالة هاته، إلى اعتماد مقاربة تتخذ موضوعا لها هذه التجليات في شموليتها وكليتها أي في امتدادها الزمني الذي يطول تجربة علال الفاسي النضالية زمن الحماية وزمن الاستقلال، دونما اعتبار لما يثيره هذا الزمن الأخير من تحفظات في الفكر السياسي للزعيم، والمتمثلة في كون هذا الاستقلال لم يتم انتزاعه كاملا.
إن البحث والدراسة في موضوع بهذا الحجم ليس بالنسبة إلينا مطمحا من طموحاتنا في الوقت الراهن، وان كان الفضول المعرفي يحث فينا الرغبة مستقبلا في خوض غمار هذا الموضوع ذي الأهمية القصوى والذي يستحق المزيد من تسليط الأضواء عليه.
سنقتصر في بحثنا هذا على مقاربة النضال السياسي في فكر علال الفاسي زمن الحماية، دون التطرق إلى امتداداته زمن الاستقلال ومن هنا بالذات استعمالنا في العنوان ذاته مصطلح «الحركة الوطنية» الذي يحيل إلى مدلول تاريخي بالمقام الأول.
إن الحديث عن الحركة الوطنية في هذا السياق لا تقتصر ضرورته فقط على حصر الموضوع على النحو الذي جئنا على قوله قبل قليل، وإنما يتجاوز ذلك إلى عدم إمكانية إجراء أي قراءة في الفكر السياسي الذي أنتجه الزعيم علال الفاسي دون ربطه بالحركة الوطنية التي يعتبر احد روادها ورموزها الكبار الذين أسهموا ممارسة وفكرا في إثراء مشروعها التاريخي المتمثل في الكفاح والنضال من أجل مغرب مستقل أولا ثم من أجل مغرب، نصت وثيقة المطالبة بالاستقلال على معالم مستقبله في الحادي عشر من يناير 1944 . هذا المشروع التاريخي الذي قاد صانعوه من رجال الحركة الوطنية إلى مناهضة جميع المخططات الاستعمارية سياسيا واجتماعيا والتي كانت ترمي إلى طمس هوية الشعب المغربي وانسيته التي تحفظ خصوصياته من بين شعوب الأمم.
انطلاقا من هذا التصور العام، نقترح معالجة موضوعنا عبر الحديث عن الحركة الوطنية المغربية أولا ثم ننتقل بعدها لمقاربة جوانب من النضال السياسي في المسار الفكري للزعيم الفاسي زمن الحماية والاحتلال الأجنبي.
I- الحركة الوطنية المغربية:
إذا كانت المقاومة المسلحة في بوادي المغرب وجباله تستهدف تحريرا جزئيا للبلاد كما هو الشأن بالنسبة لمعارك لهري وبوغافر ومعارك الريف وضمنها معركة أنوال الشهيرة، فإن الحركة الوطنية المغربية التي ارتكزت على النضال السياسي، كانت ذات بعد تحريري شمولي، حيث الدفاع عن وحدة الوطن ومن تم دفاع المدينة عن المناطق الريفية القروية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من أرض الوطن.(1)
لم يكن بالإمكان أن تظهر الحركة الوطنية في القرى «لأن المواطن المغربي في البادية لايعرف المقاومة إلا عن طريق السلاح وهذا شيء طبيعي. العمل السياسي يتطلب التفكير المشترك والتجمع والسرية ووحدة العمل. وهذا لم يكن يتوفر في الأرياف لعدة أسباب منها التخلف الفكري ومنها أن الاستعمار كان يحصي أنفاس البدويين خوفا من أن يلتحقوا بالمقاومة بالجبال، ومنها أن التفكير المشترك لم يكن ميسرا لأن انعدام الثقافة يمنع ذلك».(2)
ويجدر بنا القول إن الحركة الوطنية قد شكلت منذ الثلاثينيات من القرن الماضي ظاهرة تاريخية وإفرازا من إفرازات التاريخ المغربي المعاصر، حيث ارتبط ظهورها بصفة عامة بزمن الحماية وكانت انعكاسا للتأثير الذي تركته الحركات التحررية في المشرق في نفوس الفئات المثقفة المكونة من الطلبة الذين كان لهم الدور الأساسي في تحديد معالم الحركة الوطنية وتوجهاتها السياسية. من الأكيد أن هذا التأثير ليس وحده كان كفيلا بظهور الحركة الوطنية وإنما هناك بالطبع عوامل أخرى خارجية وداخلية ساعدت على نشأتها وتطورها، عوامل تلتقي جميعها في مدار العامل الأساسي المتمثل طبعا في الاحتلال الأجنبي.
لقد كان للعامل النفسي تأثيره الواضح في الموضوع وكذلك العامل الثقافي، وبهذا الخصوص يرى الأستاذ عبد الكريم غلاب في كتابه «تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب. من نهاية الحرب الريفية إلى إعلان الاستقلال» أن مايعلل وجودها هو إحساس أبناء البورجوازية الصغيرة التي كانت وراء هذه النشأة «بالذنب الذي ارتكبه الآباء فكان على الأبناء أن يكفروا عما حدث» (3) هذا العامل النفسي القوي الذي حثهم على «التحرك»، سيدفع برجال الحركة الوطنية إلى استغلال اكتسابهم للثقافة للانفتاح عبرها، على حركات التحرير في المشرق والغرب.(4)
لقد كانت الحركة الوطنية المغربية يحكمها الهاجس السياسي ولها تجليات اجتماعية ودينية وثقافية وأهدافها مناهضة بالطبع للمخططات الاستعمارية، حركة عملت على نقل الصراع مع المحتل، من مستوى المواجهة العسكرية التي تؤرخ لها معارك عدة ببوادي المغرب وجباله، إلى مستوى العمل السياسي المعتمد على إقناع الآخر «الغازي» بضرورة الاستجابة إلى مطالبها التي تختلف فيما بينها باختلاف المحطات التاريخية التي شهده الصراع الدائم والموصول بين الطرفين، مطالب ارتقت إلى مستوى المطالبة بالاستقلال في أربعينيات القرن الماضي بعدما كانت تقتصر في ثلاثينياته على دعوة سلطات الاحتلال الأجنبي لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.
يجدر بنا التأكيد في هذا السياق على أن العمل السياسي لم يكن في البداية بديلا مطلقا للعمل المسلح الذي لم ينقطع كليا بظهور الحركة الوطنية وإنما يتعلق الأمر في البداية بتقاطع بين العملين وبتفاعل بينهما حيث، مثلا، قامت الحركة الوطنية منتصف العشرينيات من القرن الماضي بأنشطة سياسية داعمة للمقاومة المغربية بمنطقة الريف، وعليه فان العمل السياسي الذي مارسته الحركة الوطنية لم يكن بديلا للعمل المسلح بصفة مطلقة إلاعندما انقطع نشوب المعارك بجبال المغرب وبواديه انقطاعا كليا،ن فكان على الحركة الوطنية أن تنتظر حدث ثورة الملك والشعب لدعم المقاومة المسلحة مجددا بل والدعوة لهذه المقاومة منذ البداية، ولعل أول عمل للحركة الوطنية في هذا الشأن هو النداء الشهير الذي أطلقه من القاهرة الزعيم علال الفاسي يوم 20 غشت 1953.
لقد تمثل سلاح النضال السياسي للحركة الوطنية في نشر الوعي الوطني بين أوساط مختلف الشرائح الاجتماعية وذلك عبرالمؤسسات التعليمية والثقافية والأدبية وعبر الأنشطة الرياضية (5) كل ذلك من أجل مناهضة المخططات الاستعمارية الهادفة إلى طمس الهوية المغربية ومحو معالم إنسية الشعب المغربي.
وانه لمن الضروري الإشارة إلى أن تأطير هذه الأنشطة وتنظيمها بالمدن المغربية وضمنها على وجه الخصوص مدن فاس وتطوان وسلا ومراكش «قد أملت على الزعامات السياسية الجديدة التفكير في خلق إطار تنظيمي وتوجيهي وتنسيقي لهذه الأنشطة المختلفة لتستجيب للأهداف المتوخاة منها، في هذه الحقبة التاريخية من النضال الوطني، ضمن هذا السياق تم يوم 2 غشت 1926 بمدينة الرباط تكوين أول تنظيم ثقافي سياسي أطلق عليه اسم «الرابطة المغربية» (6).
إن الحركة الوطنية، حركة غير متجانسة في تركيبتها وهي لم تظهر باعتبارها تنظيما واحدا وفي زمن واحد بل هي عبارة عن تنظيمات مستقلة فيما بينها فكريا واستراتيجيا يحكمها التباعد الزمني على مستوى نشأة كل منها وتتسم بالاختلاف وبالتحول من تنظيم سياسي إلى حزب سياسي وقد يتقلب التنظيم الواحد في عدة تنظيمات قبل أن ينتهي به المطاف إلى أن يصبح حزبا سياسيا. كل هذه التنظيمات كانت تلتقي جميعها في الأهداف المتمثلة أساسا في مناهضة الاحتلال الأجنبي والعمل من أجل الحرية والاستقلال. ومن هنا بالذات يأتي التعقيد الذي يواجه مختلف الدراسات في تحديد تاريخ ظهور الحركة الوطنية بصفتها ظاهرة تاريخية غير متجانسة نظرا لتضارب وجهات النظر السياسية بين روادها ولتعدد التنظيمات والأحزاب السياسية التي احتضنتها. نذكر من هذه التنظيمات «كتلة العمل الوطني بشمال المغرب» وهي تنظيم «اختاره الوطنيون المغاربة بمنطقة الحماية الاسبانية، منذ شهر نونبر 1936، ليقوم مقام ما كان يسمى ب «الهيأة الوطنية بشمال المغرب، وذلك بهدف
إعطاء دفعة قوية لعملهم الوطني وكفاحهم ضد الاستعمار، كمرحلة في طريق الارتقاء بذلك التنظيم الى مستوى الحزب، وهو ما تحقق لهم شهر دجنبر سنة 1936، عندما انشأوا حزب الإصلاح الوطني الذي ظل يؤطر جزءا هاما من نشاط الحركة الوطنية بشمال المغرب الى غاية اندماجه في حزب الاستقلال يوم 19 مارس 1956». ولعل للتقلبات السياسية في مختلف ربوع المغرب وتشعباتها واختلافها بين المنطقة الخليفية بالشمال وباقي الربوع المغربية دور كبير في ظهور تنظيمات موازية مرتبطة بظرفية تاريخي دقيقة كذلك التنظيم الذي تأسس يوم 5 شتنبر سنة 1930 وهو تنظيم سري عرف باسم «الهيأة الوطنية الأولى» الذي ترأسه محمد الصفار والذي كان يضم في عضويته العديد من الأسماء الوازنة من الوطنيين وعلى رأسهم الحاج عبد السلام بنونة ومحمد داوود والتهامي الوزاني ومحمد افيلال ومحمد بنونة. ولعل من أبرز الأعمال السياسية لهذا التنظيم هو إعداد ما يسمى ب «عريضة مطالب الأمة» مذيلة بتوقيعات 800 من أعيان وسكان المنطقة وجهت الى السلطات الاسبانية بإيعاز وتوجيه من الأمير شكيب أرسلان..
ومن ابرز التنظيمات السياسية نذكر «كتلة العمل الوطني» الذي انتخب الزعيم علال الفاسي رئيسا لها سنة 1936، وقد تميزت هذه الكتلة منذ نشأتها بإظهار الدقة في التنظيم والانسجام وتنسيق المواقف والتوجهات «في الأنشطة والمطالب على المستوى الوطني والخارجي. ولم تعد أنطشتها تتمحور حول «الظهير البربري» وتداعياته ومخلفاته بل صارت تهتم بمجموعة من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية التي أخذ الشعب يعاني منها». وسيعرف هذا التنظيم تغييرا في الاسم على إثر المنع الذي طاله حيث سيدعو الزعيم علال الفاسي الى عقد مؤتمر وطني في الرباط أصبح معه لهذه الحركة اسما جديدا هو «الحزب الوطني لتحقيق المطالب» والذي ناضل ضد الاستعمار والاقطاعية كما ناضل من أجل حقوق الفلاحين والعمال وناهض السياسة البربرية الرامية الى تفكيك الإنسية المغربية وضرب هوية الأمة في الصميم. وكان من الطبيعي أن يتعرض قادة الحزب الى مضايقات من طرف سلطات الاحتلال وصلت الى حد اعتقال أعضاء اللجنة التنفيذية ونفي رئيس الحزب لزعيم علال الفاسي الى الجابون. سيتعزز هذا التنظيم الحزبي بشخصيات حرة، وسيتم حله سنة 1944 ليتأسس حزب الاستقلال في نفس السنة بديلا له، وظل علال الفاسي محتفظا بزعامة الحزب الجديد.
وسيعمل وطنيون آخرون، موازاة مع ذلك، على تأسيس «الحركة القومية» بزعامة محمد بن الحسن الوزاني الذي انشق مع من يشاركونه التوجه والمواقف عن كتلة العمل الوطني سنة 1937. ولقد اعتمد هذا التنظيم السياسي على إصدار لسان حاله باللغة الفرنسية ويتعلق الأمر بجريدة «L action du peuple» كما أصدر جريدة باللغة العربي وهي جريدة «الدفاع»، أما توجهاته السياسية فقد غلب عليها طابع النزعة العمل الوطني سنة 1937. ولقد اعتمد هذا التنظيم السياسي على إصدار لسان حاله باللغة الفرنسية ويتعلق الأمر بجريدة «L action du peuple» كما أصدر جريدة باللغة العربية وهي جريدة «الدفاع»، أما توجهاته السياسية فقد غلب عليها طابع النزعة الليبرالية المعتدلة واتسم نضالها السياسي بمناهضة انحرافات سياسة الحماية وعدم التزام فرنسا بتعهداتها وانتقالها من دولة «حامية» الى دولة استعمارية/ ولقد كان لهذا التوجه السياسي ميول واضح نحو النزعة الإصلاحية حيث طالبت الحركة القومية بإجراء إصلاحات سياسية بالدرجة الأولى لإعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الحامي والمحمي على أساس خدمة المصلحة العامة ووقف آلام المغاربة ومعاناتهم ستتحول «الحركة القومية» بدورها الى «الحركة القومية الاستقلالية» وقد تزامن ذلك مع تقديم قادتها عريضة المطالبة بالاستقلال يوم 13 من يناير 1944، إلا أن المغفور له محمد الخامس سيعمد الى تبني وثيقة المطالبة بالاستقلال الشهيرة التي أعدها قادة حزب الاستقلال بتنسيق مع الملك الراحل والتي رفعت اليه نسخة منها يوم 11 يناير 1944. سيتم حل «الحركة القومية الاستقلالية» وسيعمد محمد بن الحسن الوزاني بعد عودته من المنفى سنة 1946 الى تأسيس «حزب الشورى والاستقلال» لممارسة النضال السياسي وفق مواقفه وتصوراته لمعالجة مجمل القضايا المغربية والإسهام بمختلف مبادراته وجهوده الرامية الى استقلال المغرب.
يتضح من خلال ماسبق أن الحركة الوطنية المغربية قد شهدت تأسيس العديد من التنظيمات السياسية وقد عرفت هذه التنظيمات تحولات في مسارها وتغييرا في اسمائها كما ارتقت الى أحزاب سياسية حيث سيتم تأسيس حزب الإصلا الوطني سنة 1936 برئاسة الأستاذ عبد الخالق الطريس والذي سيندمج في حزب الاستقلال يوم 16 مارس 1956، كما سيتم تأسيس حزب الشورى والاستقلال والحزب الشيوعي المغربي، وكلها تنظيمات حزبية ينتمي رجالاتها الى الحركة الوطنية التي تزخر برموز خالدة وشخصيات وازة لعل أبرزها الزعيم علال الفاسي الذي نقترح أن نقارب فيما يلي نضاله السياسي وتجلياته في مساره الفكري.
II علال الفاسي: مسار زعيم
علال الفاسي شخصية تاريخية ووطنية وعالم من علماء المغرب المعاصر وزعيم سياسي وشاعر غني عن التعريف في أوساط المثقفين وفي الأوساط الشعبية. إلا أن ضرورات البحث العلمي تقتضي أن نقف عند أهم المحطات التي تسمح للمتلقي ببناء صورة عن الرجل وعن حياته الحافلة والزاخرة بالعديد من التجارب والمبادرات في حقل العمل السياسي. من اجل ذلك سأعتمد كليا على المعطيات الواردة في كتابه «النقد الذاتي» والمتعلقة بسيرة حياته التي تتصدر الكتاب، وهي سيرة حياة استثنائية لرجل استثنائي ارتقت به أعماله إلى أن يكون أحد زعماء المغرب المعاصر.
ولد علال الفاسي بفاس يناير 1910 من أسرة الفاسيين الفهريين الشهيرة. درس بالقرويين وتزعم حركة السلفية الجديدة وحركة الدفاع عن ماء فاس ومقاومة العمل الاستعماري ضد أراضي الناحية منذ 1926. ناصر قضية الريف في حربه التحريرية وساهم في حركة تأسيس المدارس الحرة وكان من المتطوعين بالتعليم في المدرسة الناصرية. وفي سنة 1930 أحرز على عالمية القرويين التي درس بها التاريخ الإسلامي. وتعرض بسبب محاضراته ودروسه إلى العديد من المضايقات من طرف السلطة الفرنسية التي حاولت اعتقاله مما جعله يسافر الى شمال المغرب، إلا أن السلطات الاسبانية حاصرته فانتقل إلى إسبانيا ثم إلى طنجة ثم بعد ذلك إلى باريس. شارك في التنسيق بين التنظيمات الوطنية المغربية وسافر إلى جينيف وهناك ربط مع الأمير شكيب أرسلان علاقات سياسية وفكرية ساهمت في إثراء مواقفه. اعتقل على اثر مشاركته في المظاهرات المناهضة للظهير البربري سنة 1930 ثم أطلق سراحه ثم اعتقل ثانية بدعوى مشاركته في وضع المطالب المغربية التي قدمت لملك البلاد. أسس مع وطنيين آخرين كتلة العمل الوطني. ساهم علال الفاسي في وضع دفتر الإصلاحات المغربية والدعوة لها ثم شارك في وضع المطالب المستعجلة. يعتبر مؤسسا لنقابات العمال بفاس والقنيطرة. وفي سنة 1936 انتخب علال الفاسي رئيسا لكتلة العمل الوطني. اضطر إلى الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني في الرباط وذلك على إثر الحظر الذي تعرضت له الكتلة، وهو المؤتمر الذي تمخض عنه ميلاد «الحزب الوطني لتحقيق المطالب» وانتخب عبره علال الفاسي رئيسا للحزب كما سبقت الإشارة إلى ذلك. ناضل علال الفاسي ضد سياسة الإقامة العامة الفرنسية عقب المؤتمر الاستثنائي للحزب والمنعقد في أكتوبر من سنة 1937، وعلى إثر ممارساته المناهضة لسلطات الاحتلال، اعتقل بمعية أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب الوطني، ونفي إلى الجابون ومنها واصل نضاله السياسي بالكتابة إلى الجنرال دوكول ومطالبته باستقلال المغرب. أعيد إلى أرض الوطن وواصل نشاطه السياسي ضمن قادة حزب الاستقلال. وفي يوم 20 غشت، تاريخ نفي المغفور له محمد الخامس، دعا علال الفاسي إلى المقاومة المسلحة عبر نداء القاهرة الشهير، وعمل بتنسيق وتعاون مع عبدالكبير الفاسي على تنظيم المقاومة في الداخل وتزويدها بالحاجات من الخارج. وعلى إثر عودة الملك الشرعي للبلاد وإعلان الاستقلال، دعا علال الفاسي إلى مواصلة الكفاح لتحرير ما تبقى من أجزاء الوطن المغتصبة ويتعلق الأمر بالصحراء وسبتة ومليلية.
هذا غيض من فيض وسرد لبعض المحطات النضالية في مسار الكفاح الوطني للزعيم علال الفاسي، غيض كفيل وحده بإبراز ما تحفل به هذه الشخصية التاريخية من تجارب مكنته من أن يكون فاعلا أساسيا من الفاعلين السياسيين الذين اسهموا في تحقيق الاستقلال.
انطلاقا من عرضنا لهذه السيرة الذاتية المختزلة، نستنتج أن النضال السياسي يشكل بعدا مركزيا من أبعاد فكر الزعيم علال الفاسي، بصفته أحد رواد الحركة الوطنية، حيث تقلد رئاسة العديد من التنيظمات السياسية ومنها على وجه الخصوص كتلة العمل الوطني سنة 1936 ثم الحزب الوطني لتحقيق المطالب ثم حزب الاستقلال سنة 1944. وسيعمل علال الفاسي على رسم معالم نضال سياسي لا يمكن اختزاله البتة في الكفاح من أجل الحرية والاستقلال وتحقيق السيادة المغربية والدفاع عن المقدسات، وإنما هو نضال مداه أوسع من ذلك وآفاقه أرحب، يتجاوز تحقيق الاستقلال إلى بناء مغرب المستقبل على أساس الديمقراطية والثوابت الدينية والوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.