جرائم ضد الإنسانية، وجرائم لغوية وثقافية واقتصادية تجعلنا لا نقبل حزب علال الفاسي بيننا هذا نص المداخلة التي ألقيتها في ندوة لجمعية “ثيفاوين” بميضار يوم 09 أكتوبر تحت عنوان “حزب الإستقلال والريف” فكري الأزراق [email protected] www.fikrielazrak.tk أزول ذامغناس، في البداية أود أن أشكر جمعية “ثيفاوين”، الفتية، على هذه المبادرة المحمودة التي تهدف إلى إماطة اللثام عن الكثير من الحقائق التاريخية فيما يتعلق بتعامل حزب علال الفاسي مع الريف كمنطقة جغرافية وسكانية احتضنت أكبر حركة تحررية في العالم، ومع الأمازيغية كلغة وحضارة وثقافة وهوية لكل شمال أفريقيا، وهو تعامل عنصري بكل المقاييس، من ظهير السلطات الإستعمارية في 16 ماي 1930 والمسمى في أدبيات “الحركة اللاوطنية” بالظهير البربري، مرورا بالتعامل السلبي مع المقاومة وجيش التحرير، ومجموعة من القضايا المرتبطة بمصير الشعب المغربي الأمازيغي منذ الإستقلال الشكلي إلى اليوم. ظهير 16 ماي 1930 أو مطية الحركة اللاوطنية؟ شكل حدث إصدار السلطات الإستعمارية للظهير المنظم للقبائل الأمازيغية في المنطقة التي كانت خاضعة للإحتلال الفرنسي فرصة مواتية لمن أسمو أنفسهم ب “الحركة الوطنية” والذين كانو متشبعين بقيم العروبة السلفية للظهور بمظهر الأبطال المدافعين عن “عروبة المغرب وإسلامه” مروجين لذلك أساليب خاذعة ماكرة من قبيل استهداف الإنسجام المغربي بين العرب والأمازيغ من طرف السلطات الفرنسية بهدف محو الهوية التاريخية –العربية وفق منظور عناصر الحركة اللاوطنية- للأمازيغيين وبالتالي تغيير ديانتهم من “الإسلام” إلى “المسيحية”، وهذا زور وكذب وبهتان على نص الظهير والشعب المغربي الأمازيغي من طرف الأقلية الفاسية الأندلسية التي انخرطت بقوة في عقد الصفقات المشبوهة مع القوات الإستعمارية الفرنسية بهدف ضمان حماية مصالحها التجارية والإجتماعية والإقتصادية، فنص الظهير المنظم للقبائل الأمازيغية لا يشير لا إلى الدين ولا إلى قبائل بعينها بل عمل على تقنين مجموعة من الأعراف التي كان يحكم بها إيمازيغن أنفسهم في ظل الفراغ السياسي للمخزن المركزي الذي وقع معاهدة الحماية مع السلطات الفرنسية. وقد لاحظت “الحركة اللاوطنية” هذا الإجراء (أي تقنين الأعراف الأمازيغية) انتصارا للأمازيغيين على النخب الفاسية الأندلسية التي كانت متشبعة بأفكار منظر القومية العربية “شكيب أرسلان” الذي كان يعقد لقاءات كثيرة مع عناصر هذه الحركة التي سمت نفسها بالوطنية، والتي تعتبر النواة الأولى لحزب الإستقلال الذي سيكون في ما بعد حزبا ديكتاتوريا بكل المقاييس، وسيقف حجرة عثرة أمام عمل المقاومة وجيش التحرير، فالحزب لم يكن يعارض السياسة الفرنسية، بل كان جزءا منها، لكنه في المقابل لعب على الوتر الحساس بالنسبة للمغاربة وهو الدين، فقدم نفسه على أنه المدافع الأول والأخير عن دين المغاربة وملتهم ضد التنصير الفرنسي، فالتجأ إلى قراءة اللطيف في المساجد لتمويه الشعب بوطنيته الزائفة، ففي الوقت الذي كانت تدور فيه المعارك بين المقاومة الأمازيغية والقوات الكولونيالية الفرنسية والإسبانية، كان أصحاب اللطيف يرسلون أبنائهم للدراسة في معاهد المستعمر، ويعقدون معه صفقات مشبوهة، وفي هذا المضمار سأتوقف عند نموذج عبد اللطيف الصبيحي الذي كان عنصرا في هذه الحركة اللاوطنية ويدعي رفضه للإستعمار الفرنسي في الوقت الذي ترعرع فيه بين أحضان السلطات الفرنسية نفسها، وانتقل للدراسة في باريس على حساب فرنسا، وكان والده باشا لمدينة سلا في عهد الإستعمار الفرنسي، وطبعا كان يعمل لصالح السلطات الفرنسية، فعن أية وطنية يتحدث أمثال هؤلاء؟ إن حزب الإستقلال، وريث الحركة اللاوطنية، جعل رأسماله الرمزي والسياسي هذه الأسطورة وقدم نفسه فيما بعد على أنه منقذ عروبة المغرب وإسلامه –قبل أن تفضح الحركة الأمازيغية زوره وبهتانه- ، وهي أكبر أكذوبة سياسية في تاريخ المغرب المعاصر – على حد تعبير محمد منيب-. حزب الإستقلال وعرقلة عمليات المقاومة جيش التحرير في الوقت الذي كانت تدور فيها أشد المعارك بين عناصر المقاومة الأمازيغية والقوات الإمبريالية كان أعضاء حزب الإستقلال يعملون على عرقلة عمليات المقاومة هاته، ويعقدون لقاءات مكشوفة مع السلطات الإستعمارية لأجل القضاء على عناصر المقاومة، بل كانوا يصفون المجاهدون الأشاوس الذين ضحو بالغالي والنفيس من أجل الوطن بأقدح وأفضع الصفات من قبيل المتوحشون البرابر، الغير متحضرين،المتمردين …وصفات نتحفظ عن ذكرها إحترامنا لشهدائنا الأبرار. وبعد دخول الحزب الوحيد في مفاوضات رسمية مع السلطات الفرنسية التي كانت مضطرة للإنسحاب من المغرب نتيجة هزماتها المتتالية مع جيش التحرير الأمازيغي، حرص المتفاوضون الإستقلاليون –نسبة إلى حزب الإستقلال- على الدفاع عن حقوق فرنسا بعد انسحابها، وفي هذا المضمار يقول المهدي المنجرة في إحدى محاضراته عن استعداد هؤلاء الانتهازيين للعمالة مع الفرنسيين حين ذكر بقصة ذلك الفقيه الذي اعتصم مطالبا مقابلة المقيم العام الفرنسي ليقول له ما معناه :”ارحلوا مرتاحين …فقد وجدتم هنا جيلا هو أكثر استعدادا للحفاظ على مصالحكم أكثر مما تفعلون بأنفسكم”. وهنا وجدت القوى الاستعمارية من يفهم لعقليتها ومن يحافظ على مصالحها بفن السياسة الذي ليس للريفيين فيه من نصيب لعدم استيفائهم لشرط سوء النية اللازم لممارسة الاستيلاب والبغي ، وضمن مراسيم تسليم “المهام القذرة” كانت المنطقة تعيش من فقر مدقع ومآسي وجفاف وحروب مفتوحة على ثلاثة جبهات وهي فرنسا من جهة، إسبانيا من جهة ثانية وحزب الإستقلال من جهة ثالثة. واصل جيش التحرير كفاحه المسلح ضد الاستعمار، بينما كان حزب الاستقلال والقصر يتنافسان حول السلطة لتتشكل بعد ذلك حكومة “كارطونية” من نفس طينة الحكومة التي سبقتها. وكان معظم وزرائها من حزب الاستقلال ويرأسها صديق الملك البكّاي. لقد كانت حكومة البكّاي “حكومة فرضتها ظروف مصطنعة خلقتها مفاوضات إيكس ليبان”. كان موقف جيش التحرير من إيكس ليبان واضحا: لم يعترف قط بهذا الإيكس المعلوم، ولا بالحكومة المنبثقة عنه، مما أصبح يهدد القصر وحزب الاستقلال، بالإضافة إلى فرنسا التي كانت تخشى من احتمال أن يتحالف مع جيش التحرير الجزائري، خصوصا أن كليهما كانا تحت إشراف ”لجنة تحرير شمال إفريقيا“ بقيادة مولاي موحند. أمام هذا الوضع أرسل محمد الخامس الضابط السابق في الجيش الفرنسي المحجوبي أحرضان إلى الريف ليتوسط بينه وبين زعماء جيش التحرير من أجل التخلي عن السلاح وحل الجيش وإدماجه في القوات المسلحة الملكية. أما قادة حزب الاستقلال فقد حاولوا ربط جيش التحرير ودمجه في الحزب كي يتمكنوا بسهولة من إحكام قبضتهم الحديدية على السلطة وتسيير الدولة على شكل نظام الحزب الوحيد، كما هو الشأن في سوريا البعثية. إلا أن محاولتهم باءت بالفشل، فحاولوا عدة مرات إرغام جيش التحرير على الخضوع لهم، إما بالتحايل أو العنف. لكن لم يحصلوا على شيء. الشيء الذي دفع بعصابات حزب الاستقلال إلى شن حملة التصفية لأعضاء وقادة جيش التحرير. وفي يوم 14 يونيو 1956 تم اغتيال عباس لمساعدي أحد قادة جيش التحرير الأمازيغي في الريف، لتعمل بعد ذلك ميليشيات حزب الإستقلال على تصعيد حملاتها المسعورة ضد كل من يعارض سياسة الحزب الديكتاتوري، بل ضد كل من ينخرط في الحزب، فقد كان شعاره “من تحزب بغير حزب الإستقلال فقد خان” فوقعت فظائع وتجاوزات خطيرة ارتكبتها تلك الميليشيات المسلحة الإرهابية من اختطافات وتعذيب وتصفيات جسدية أمام أعين السلطات التي كانت تؤويهم وتحميهم. ولتحقيق الغرض أنشئ أكثر من مائة مركز للتعذيب والاعتقال في كل أنحاء البلاد. وفي ما يلي بعض المخافر والمعتقلات السرية الجهنمية بالريف: كهف لارينكون في طريق تطوانسبتة. عزبة بضواحي تركيست. المعهد الديني بالحسيمة. دار حارس الغابة بالحسيمة. أجدير حيث كانت دائرة قبيلة آيث ورياغل. أربعاء تاوريرت في إدارة آيث بوعيّاش. عزبة بسفح جبل أزغنغان بضواحي الناظور. دار قرب قرية زايو. كهف ببويكور بقبيلة مطالسة. تيزي وسلي حيث كان مركز جيش التحرير. عين باردة بضواحي وزان. جنان بريشة بتطوان. في اليوم الثاني من شهر أكتوبر 1958 تم نقل جثمان عباس لمساعدي من محل دفنه الأول بعين قادوس بفاس إلى مقبرة الشهداء بأجدير بمنطقة أكنول. وقد تصادف ذلك مع ذكرى اندلاع ثورة 1955 لجيش التحرير. فتحول حدث نقل جثمان عباس إلى غليان شعبي ومظاهرات كبيرة قام بها أهالي المنطقة ضد “حگرة” وإرهاب الحزب “الديكتاتوري”. أمام هذا الوضع استنجد حزب الاستقلال بميليشياته المسلحة التي حضرت بشاحناتها المحملة بأعداد كثيرة، فاندلعت أحداث الخميس الأسود التي دارت أطوارها في مقبرة الشهداء، وسقط الكثير من القتلى على أيدي أجهزتهم القمعية، وتم اعتقال زعماء المنطقة: مسعود أقجوج، الحاج أبقري، الزكريتي…الخ وكان الحزب الوحيد يقوم بأبشع أنواع التعذيب ضد كل من تمرد عليه، أو انخرط في حزب غيره، وفي هذا الإطار يحكي “عبد الله الوكوتي” في مذكراته قصة أحد المعتقلين في سجن وجدة يسمى ميمون كموس فيقول : “ولهذا الأخير قصة عجيبة وقعت أثناء زيارة علال الفاسي إلى إقليموجدة، وملخص هذه الحكاية أن الأخ ميمون كان من المعتقلين أثناء زيارة علال الفاسي، وفي صباح يوم أخرج من معتقله وهو في حالة من التشويه الجسمي نتيجة لآثار التعذيب، ثم كبل من يديه وراء ظهره ووضع في سيارة جيب، وربط بالسلاسل مع كرسي السيارة في المؤخرة وذهب به إلى العمالة، وأخرج من السيارة وأدخل العمالة، وسط الحشود البشرية التي كانت مصطفة على قارعتي الطريق، جاءت لتوديع علال الفاسي، وأجلس هناك في بهو العمالة على كرسي، وإذا بعلال الفاسي يخرج مع عمرو احميدوا من مكتبه، مع البطانة ويتجهون نحو الأخ ميمون كموس ، ويقفون على رأسه هنيهة ويمعنون فيه النظر،ثم يذهبون إلى السيارات الواقفة في الشارع وسط كوكبة من الدراجات النارية التي كان من المألوف أن ترافق علال الفاسي أثناء تنقلاته أيام كان العمال كلهم تابعين للحزب. ركبو السيارات، ركب علال سيارته مع العامل، وكانت سيارة جيب وضعت وراء سيارة علال لإثارة الإنتباه في الوقت الذي يكون فيه الجمهور يركز نظرته نحو سيارة علال الفاسي، يلفت نظره هذا المنظر الغريب، فيتسائلون وكان المسيرون الحزبيون الذين انبثوا وسط الجماهير على علم ليعطوا درسا لهم في الموضوع وليقولو لهم أنها مجازاة للمتمردين على الحزب. تحرك الموكب، وتحركت -جيب- وراءه، ويقول الأخ ميمون كموس وبدل أن تسدد الأنظار نحو علال الفاسي كانت مسددة نحوي، ومررنا من تلك الحشود التي كانت مكتظة بشوارع وجدة، ووقع نفس الشيء حين وصلنا بني ادرار، ثم أحفير، ثم الركادة، وأخيرا وصلنا أبركان، وفي أبركان ، المحط النهائي للزيارة، دار الموكب في الشارع الكبير ثم وقف أمام ساحة الدائرة، ليقدم لعلال الفاسي التمر والحليب وتعطى التعليمات لسيارة جيب بأن تواصل جولتها في الشارع الكبير مرتين، وبعدها أرجعت إلى المعتقل، ومن هنا –يقول الأخ ميمون كموس- كنت أنا الزعيم، كانت أنظار الجمهور متجهة نحوي” وهذا فقط نموذج مصغر لما كان يقوم به الحزب الديكتاتوري ضد كل من عصى أوامره، وهذه الشهادة لا تحتاج إلى تعليق لأنها توضح بنفسها مدى الحقد الذي كان يكنه علال الفاسي وأتباعه لكل من كان خارج دائرتهم. حزب الإستقلال والجرائم الإقتصادية في حق الريف والريفيين بالإضافة إلى الجرائم البشعة التي ارتكبها الحزب الديكتاتوري في حق الريف والريفيين ارتكب أيضا جرائم اقتصادية في المنطقة لا تقل خطورة عن الأولى، فمباشرة بعد الاستقلال الشكلي لم يهتم المخزن المركزي وحزب الإستقلال الذي كان يقود الحكومة بالمنطقة التي كانت تحت النفوذ الإسباني، بل لم يفكر الحزب الذي جعل الريف ينتمي إلى المغرب غير النافع في الإختلاف الموجود بين المنطقة الفرنسية والإسبانية في ظل ضعف المخزن الذي كان اهتمامه منصبا على الأمن ( إعداد الجيش، القوات المسلحة…) وبناء هياكل الدولة المركزية وهو ما جعل منطقة الريف من طنجة إلى الحدود مع الجزائر تعيش خلال السنوات الممتدة بين 1956 و 1960 أسوأ فترات تاريخها، حيث كانت تعاني من الفقر والمآسي الشيء الذي دفع بآلاف المواطنين إلى الهجرة إما لأقصى مناطق الغرب التي كانت تعتبر مناطق فلاحية وإما في اتجاه الجزائر، وعوض أن يأتي الاستقلال الذي ناضلت الجماهير لأجله بانفراج ما في الوضعية أتى ليعمق الأزمة أكثر ، كان الاستقلال يعني من ضمن ما يعنيه غلق الحدود مع الجزائر وتقنين هجرة العمال، وبعد رحيل المستعمر وبعد سنتين من الجفاف كانت العاصفة في هذه المنطقة حيث كان الاقتصاد مرهونا إلى حد بعيد بعائدات الهجرة إلى الجزائر (كما يؤكد ذلك الباحث دوغلاش أشفورد) وللتذكير فإن المنطقة الشمالية كانت خلال فترة الاستعمار مقسمة إلى منطقتين : منطقة الحكم الفرنسي ومنطقة الحكم الاسباني ، وهذا الانقسام بكل ما يعنيه من اختلاف بين المنطقتين من ناحية العملة، اللغة المتداولة، الثقافة، لم تأخذه حكومة حزب الإستقلال بعد 1956 بعين الاعتبار ، فعوض أن يراعي الحزب الديكتاتوري الحاكم آنذاك إلى جانب القصر خصوصيات كل منطقة راح يفرض الوحدة السياسية، الثقافية والاجتماعية قسرا ، والأفظع من هذا فرض ضرائب جد ثقيلة على الريفيين دون سواهم في الوقت الذي كان فيه المواطنون في الريف يتنافسون فيما بينهم من أجل البقاء على قيد الحياة، تحت شعار الإدماج الوطني الذي تحكمت فيه الأهواء السياسية الغير مستقرة. ففرضت سياسة أدت إلى التفكك عوض الاندماج .فهل من المنطقي ومن المعقول أن يفرض الحكم آنذاك اللغة الفرنسية كلغة الإدارة وفي سنة 1958 الفرنك الفرنسي مكان البسيطة الاسبانية؟؟ وأي علاقة للشمال بفرنسا الفرنكفونية؟ ألم يتولد عن هذه الخطيئة إلا المزيد من التفقير والتهميش والإقصاء الذي يحلو للمسؤولين عنه بالأمس أن يحذروا منه اليوم؟ ومع مجيء الاستقلال استفحلت الوضعية الاقتصادية كثيرا وتضرر المواطنين أكثر فأكثر في الريف، من جراء سياسة الإدماج القسري والتعسفي التي نهجها الحزب الوحيد –بإيعاز من المخزن- إزاء المنطقة، وهنا بدأت تنشط أولى عمليات التهريب، فكانت البداية مع التهريب المعيشي من سبتة ومليلية والجزائر الذي كان لا زال يعيش تحت رحمة الاستعمار الفرنسي، وتعززت كثيرا هذه الوضعية على الرغم من محاولة الدولة لمحاصرتها نظرا للإزعاج الذي تسببه للتجار الفاسيين الذي ظهروا فجأة واحتكروا مجال التجارة بمساعدة من الدولة، فقد كانت اللوبيات الإستقلالية المتحكمة في دواليب الدولة تعمل على مساعدة التجار الفاسيين وتحاصر العمليات التجارية التي كان يقوم بها الريفيون مع سبتة ومليلية والجزائر تحت شعار “محاربة التهريب”. كما قامت الحكومة الإستقلالية بمحاصرة نشاط الصيد البحري في الريف ليستفيد منه الموالون للحزب دون غيرهم فإذا أخذنا نموذج الحسيمة مثلا ونظرنا إلى ثرواتها السمكية وقارنناها مع الإمكانيات المتاحة لها لاستغلال هذه الثروة فسنصطدم بواقع لا يبرره شيئا : ميناء الحسيمة ميناء صغير جدا ومن صنع الاسبان، وفي عهد الاستقلال أخذت السلطات تستولي عليه شيئا فشيئا إلى أن شطرته إلى شطرين الأول وهو الأهم “عسكري” والثاني بئيس “مدني” ، كما تم إغلاق معمل تعليب السمك الذي كان الاسبان قد شيدوه وكان يشغل المئات من النساء، ولكم أن تتصوروا حجم الضرر الناتج للمنطقة جراء هذه الجرائم الإقتصادية التي قام بها الحزب الديكتاتوري بإيعاز من المخزن في حق الريفيين بهدف محاصرتهم أكثر فأكثر وبالتالي دفعهم إلى الهجرة مرغمين. جرائم في حق الأمازيغية كلغة وثقافة وحضارة وهوية إلى جانب هذه الجرائم البشعة التي تحدثنا عنها آنفا ارتكب حزب علال الفاسي أبشع الجرائم اللغوية والثقافية في حق الأمازيغية منذ بداية إمساكه بزمام الأمور، ويعرف بأطروحته العنصرية حول الهوية و” الوحدة الوطنية ” والتي سعى من خلالها إلى إبادة المكون الأمازيغي للشخصية المغربية وبالتالي أحدث تمزقا عميقا في الوعي الوطني وفي حساسية الانتماء إلى المغرب، وأثار صراعا في قلب المجتمع كان من الممكن تفاديه منذ البداية، وأجهض الحلّ الديمقراطي الحداثي للمسألة الثقافية بإشاعة ثقافة محافظة ومحنّطة على حساب ثقافة الشعب المغربي الحية والمبدعة، فقد وقف الحزب الأمازيغوفوبي سدّا منيعا ضدّ إحداث مركز للدراسات والأبحاث الأمازيغية الذي كان قد اقترحه حزبا التقدّم والاشتراكية والحركة الشعبية سنة 1979 ، والذي صوت عليه البرلمان بالإجماع ، معتبرا ذلك ” وصمة عار في جبين الحزب ” الذي تنكّر حتّى لفكرة علال الفاسي الداعية منذ 1968 لإحداث كرسي للحضارة الأمازيغية بالجامعة، والذي كان وقتذاك اقتراحا للالتفاف على مطلب تعليم الأمازيغية الذي كان قد بدأ يتبلور داخل المجتمع، وبذلك يبقى الحزب “وفيا” للإرث السلبي للحركة اللاوطنية في هذا المجال، فقد ظل حزب علال الفاسي وأتباعه في كل محطاته التاريخية التي أعقبت الإستقلال الشكلي يتجاهل الاعتراف بالحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية، إذ حرص على الوفاء لطروحاته التقليدية معتبرا الأمازيغية عامل تشتت وتفرقة، ومصرا على ثنائية “العروبة والإسلام” كمكون للهوية الوطنية، ومدافعا عن الامتداد العربي الإسلامي للمغرب، وناعتا الأمازيغية بكونها مجرد لهجات وأهازيج لا ترقى إلى مصاف اللغة، ومتشبثا بالعربية كلغة رسمية دون غيريها، بل أكثر من ذلك يدافع عن تعميمها في كل المجالات عن طريق التعريب وتعريب المحيط والإنسان مستعملا المدرسة والتلفزة والإدارة التي من المفروض أن تكون مدرسة الشعب وتلفزة الشعب وإدارة الشعب وليست وسائل يستعملها الحزب لمحو الهوية الأمازيغية واللسان الأمازيغي من الوجود، وفي هذا المضمار قام الحزب الأمازيغوفوبي بغلق شعبة الفلسفة والسوسيولوجيا في السبعينات في عهد وزير التعليم الإستقلالي عز الدين العراقي بدعوى أنها تفرخ “الماركسيين” لكن الحقيقة أن الفلسفة تقوم على الجدال العلمي والمنطق العقلاني وهو ما كان يخيف الحزب لأن طلبة الفلسفة لا ولن تنطوي عليهم حيل الحزب الأمازيغوفوبي، وقام في المقابل بفتح شعبة الدراسات الإسلامية بهدف تسريع وتيرة التعريب في صفوف الطلبة، ومنهم إلى عامة الشعب. والتاريخ السياسي المعاصر سجل بين أسطره العداء الكبير الذي يكنه حزب علال الفاسي للأمازيغية، في مختلف المحطات ومنها : مناهضة تأسيس الحركة الشعبية التي حملت في البداية لواء الدفاع عن البادية والأمازيغية. الخروج الجماعي لأهل سوس من الحزب الفاسي والتحاقهم بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية إثر الانشقاق الذي عاشه حزب الاستقلال. الدعوة إلى تعريب الحياة العامة كأسلوب لمحو الثقافة الأمازيغية وتجلياتها تحت ذريعة محاربة مخلفات الاستعمار الفرنسي!! تأكيد علال الفاسي، الأب الروحي لحزب الاستقلال، في إحدى محاضراته عام 1972 بأن “العربية ستبقى لغة الاتصال بين جميع الفئات المغربية، ونحن لسنا ضد اللهجات البربرية، فهي ما تزال حية متعددة يتحدث بها أصحابها، ونحن لا نمانع في إحداث كرسي بالجامعة المغربية إذا أراد أصحابها ذلك”. التوتر الذي ساد إحدى المجالس الحكومية بين محمد الدويري والمحجوبي أحرضان حول مسألة تعريب التعليم، مما جعل بنهيمة وزير الداخلية في حكومة أحمد عصمان في أواخر السبعينات بناء على تعليمات ملكية يكلف محمد شفيق، مدير المعهد المولوي آنذاك، بانجاز تقرير في الموضوع، وهو التقرير الشهير الذي عنونه شفيق ب”ضرورة العناية باللغة الأمازيغية وضرورة تدريسها للمغاربة كافة”. كتابات عبد الكريم غلاب، أحذ منظري الحزب، التي تنفي الطابع الأمازيغي للمغرب سواء في جريدة “العلم” (حديث الأربعاء..) أو في بعض المنابر المشرقية، وهي الكتابات التي كانت تشكل أساس طروحات الموقف الرسمي لحزب علال الفاسي، الموقف السلبي لحزب الاستقلال من معهد الدراسات والأبحاث في اللغة الأمازيغية الذي تم التصويت عليه عام 1979 دون أن يرى النور، ونفس الموقف من اللجنة الوطنية للحفاظ على الفنون الشعبية التي تم إحداثها في أكتوبر 1980 وفق تعليمات ملكية وعين على رأسها أحرضان بوصفه وزيرا للدولة مكلفا بالبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، كما عين كأعضاء لها وزير الدولة المكلف بالشؤون الثقافية، وزير التربية الوطنية، وزير الداخلية، وزير الشبيبة والرياضة ووزير الإعلام. بل وصل الحقد الدفين لأتباع علال الفاسي على الأمازيغية إلى إقتراحهم مشروع بهلواني وهو مشروع تغريم كل من يتواصل بغير العربية بمليون سنتيم!! وهو المشروع الذي تقدم به حزب الاستقلال( رائد الدفاع عن سياسة التعريب) بالغرفة الثانية والموقع من قبل ثلاثة مستشارين. السجالات الطويلة بين غلاب ومجموعة من الفاعلين داخل الحركة الأمازيغية حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين، والتي ظهرت على صفحات بعض المنابر الإعلامية وهي السجالات التي يوجد البعض منها موثقا في كتاب “معارك فكرية حول الأمازيغية” لمركز طارق بن زياد. التجاهل الإعلامي لغالبية الأنشطة والتظاهرات التي تنظمها مختلف مكونات الحركة الأمازيغية ولو من باب الإخبار، و”احتضان” بعض الكتابات المعادية والمحتقرة للأمازيغية. وبعد كل هذا تأتي التصريحات الإستفزازية لزعيم الحزب الأمازيغوفوبي عباس الفاسي في إحدى دورات الشبيبة الإستقلالية ببوزنيقة في 2005 حين قال : “إن حزب الإستقلال سيناضل من أجل أن لا تكون الأمازيغية لغة رسمية في الدستور” ومباشرة بعد هذه التصريحات المستفزة خرجت “العلم” لسان حال الحزب الأمازيغوفوبي بمقال في صدر الصفحة الأولى تحت عنوان “حزب الاستقلال والأمازيغية” أشار إلى “أن الأستاذ عباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال أدلى في معرض مداخلته في الجامعة الصيفية للشبيبة الاستقلالية برأيه الشخصي مؤكدا أنه لا يمكنه أن يكون ضد دسترة اللغة الأمازيغية، وأن من المفترض أن تستوعب المراجعة الدستورية المرتقبة هذا الإصلاح مع مطالب دستورية أخرى، وزاد في التوضيح حينما دقق في هذا المطلب بأن دعا إلى دسترة الأمازيغية كلغة وطنية، وليس كلغة رسمية لأن دسترة أكثر من لغة رسمية في الدستور المغربي تعني دسترة تشتت المدرسة الوطنية علما بأن هذا الموضوع سيحال على المؤسسات التقريرية لحزب الاستقلال التي ستتخذ الموقف المناسب منه”. وهذه ليست هي المرة الأولى التي يدلي بها عباس الفاسي بمثل هذا التصريح فقد سبق له أن صرح في برنامج “حوار” في القناة الأولى عام 1998 بأن حزب الاستقلال لا يقبل أن تدمج الأمازيغية في المدرسة الوطنية حفاظا على وحدتها، كما سبق له أن أكد نفس الكلام، وأكثر، في حوار مع يومية الأحداث المغربية”، حيث قال ردا على سؤال حول دسترة اللغة الأمازيغية: “في الواقع هذا مطلب غير واقعي، لأن دسترة الأمازيغية ستطرح إشكالا، حيث ستكون الدولة مضطرة إلى اعتماد ازدواجية اللغة بشكل رسمي، فتصبح الأمازيغية في برامج التعليم، في وسائل الإعلام، في الحياة العامة، في الإعلانات، في الطرق وفي كل مكان. ستكون إذن لغتان، في كل شيء وفي كل مجال، إن من يطالب بدسترة الأمازيغية يسيس القضية، ويطالب بشيء مستحيل اليوم. لكن بالمقابل نجدد التأكيد على حق كل المغاربة في الاطلاع على الثقافة الأمازيغية وتعلم اللغة الأمازيغية، ومن الممكن، بعد عشر أو عشرين سنة أن نطرح موضوع دسترة اللغة الأمازيغية، ولهذا أقول إنه يجب أن تبقى العربية هي اللغة الرسمية في المغرب، وتحافظ الأمازيغية على مكانتها كلغة وطنية”. على سبيل الختام بالنظر إلى كل الجرائم اللغوية والثقافية والبشرية والإقتصادية والإبادات الجماعية التي قام بها حزب علال الفاسي في حق الريف والريفيين والأمازيغيين، وبالنظر إلى استمرار معاداته للريف والأمازيغية حاليا… بالنظر إلى تاريخ حزب علال الفاسي وجرائمه يجب أن يرحل من الريف اليوم قبل غد، يجب أن يذهب من الريف بغير رجعة الآن الآن الآن ولا مجال للإنتظار فمهما كانت الأحوال لا مجال للمصالحة مع مثل هذه القوى الرجعية ونحن الريفيون لا نحتاج إلى حزب الإستقلال ولا إلى غيره من الأحزاب العربومركزية… تنمرت.