عرضت المخرجة المصرية الملتزمة عرب لطفي مؤخراً فيلمها التسجيلي الاخير" إحكي يا عصفورة" وجمعت فيه سبع نساء عربيات يحكين عن النضال من أجل فلسطين وهن المناضلات ليلي خالد وتيريز هلسا ووداد قمري ورشيدة عبيدة وعائشة عودة وأمينة دحبور.وهو سردية لحكايات النكبة والمقاومة من خلال شخصيات نسائية عشن الحكايات وشاركن في صنعها ،ومدته تسعون دقيقة وشاهده مع الجمهور ثلاث نساء ممن حكين فيه وهن ليلي خالد وتيريز هلسا ووداد قمري .وهو فيلم تسجيلي يدمج الفكر بالقضية واشخاص انخرطوا في المسيرة النضالية وبحسب من شاهده فانه مثل سلة فكرية جامعة أظهر فكر وممارسات وحياة المناضلات السبع. ابتدأ الفيلم بحديث المناضلة ليلي خالد (سراقة الطائرات) حسب أحد أطفالها الذي سمع من مدرساته في الروضة أنه ابن خاطفة الطائرات لكن لم يفهم العبارة ودخل البيت غاضبا وسألها: هل صحيح إنك حرامية؟.ليلي خالد تحدثت ليلي خالد عن سجن النساء وما عانته فيه ،كما تطرقت إلى النضال الذي ساد الشارع العربي في ستينيات القرن الماضي حيث التبرعات من أجل دعم الثورة الجزائرية والمسيرات الداعمة لها ،و المحتجة على قتل المناضل الأممي باتريس لومومبا واغتيال أمين عام الاممالمتحدة داغ همرشولد ،كما تطرقت عن النكبة وكيفية خروجها مع أسرتها وأهالي بلدها حيفا إلى لبنان، وما تتذكره من أوضاع خلفها الغزاة على أرض الواقع.وأكدت على أن أحدا لم يقتل من قبل خاطفي الطائرات الذين تم تزويدهم بتعليمات مشددة، حول عدم القتل او إدخال الرعب في نفوس الركاب ،ذلك أن الهدف بعيد عن الإرهاب وأن المطلوب في تلك المرحلة كان إيصال رسالة إعلامية وسياسية للمجتمع الدولي وقد حققت العمليات أهدافها ،بيد أنها أشارت إلى أن الآخر هو الذي أطلق النار في بعض العمليات موضحة أنها وإبان دراستها وعملها في مدرسة الكويت كانت تحضر نفسها ومطرزاتها للعودة إلى حيفا ولم تصدق هزيمة 67 إلا بعد سماعها خطاب الرئيس الراحل عبد الناصر.وأوضحت أن بين الأهداف الأخرى وراء خطف الطائرات هو إجبار العدو على إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. منوهة إلى الأحكام الفلكية التي كان يصدرها القضاة العسكريون الإسرائيليون ضد المناضلين الفلسطينيين حيث صدر حكم بحق أحدهم 3 مؤبدات و 50 عاما .واختتمت ليلي خالد سرديتها في الفيلم بالقول أنها بكت كثيرا لدى سماعها نبأ وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وهي في السجن البريطاني الأمرالذي أثار الإستغراب لدى سجانيها لأنهم لم يروها تبكي قبل ذلك. وتحدثت كذلك عن إطلاق سراحها ومن كن معتقلات في السجون الأوروبية حيث تم أخذهن إلى مصر ثم سورية وكيف منعن من حضور جنازة الزعيم الراحل عبد الناصر.تيريز هلساأما تيريزهلسا، فاستهلت حديثها بسرد تجربتها في المحكمة الإسرائيلية ،وما دار من حوار ملتهب بينها وبين المدعي العام الإسرائيلي الذي أراد إجبارها علي الإعتراف بأنها مذنبة، منوهة إلى ذكرياتها عن مكان ولادتها بفلسطين وما أحدثه اليهود الغزاة. وشددت هلسا علي ضراوة التعذيب الإسرائيلي في السجون ،والذي لا يقل ضراوة عن الإحتلال نفسه ،كما أن المحققات اليهوديات كن يضاهين المحققين قسوة. وتطرقت إلى عملية خطف الطائرة التي شاركت فيها ،مؤكدة فشلها للأن القيادة تدخلت، وطلبت من الخاطفين الموافقة على تمديد المهلة الممنوحة للإحتلال ومدتها ست ساعات، موضحة أن الإسرائيليين دخلوا الطائرة بلباس الصليب الأحمر ،وأن مسؤول الصليب الأحمر كان يتقدمهم مما يدل على تواطؤ الصليب الأحمر مع الإحتلال، وقالت أنهم أوحوا بأنهم يريدون تزويد الطائرة بالوقود ،مضيفة أنهم أطلقوا النار على الخاطفين وأصابوها بعدة رصاصات في يدها وكتفها ،وأن جنديا إسرائيليا طعنها بسكين.وأوضحت متهكمة أنهم حكموا عليها بالسجن 210 سنوات علما أن عمرها كان أنذاك 17 عاما إلا أنها وفي غضون ذلك أكدت أن الأمل كان يحدوها داخل السجن بأنها ستتحرر لاحقا لكن دون أن تعلم متي وكيف مشيرة إلى أن وجود الأمل ضروري داخل المعتقل منوهة إلى أنها خرجت في أول عملية تبادل سنة 1979.وقالت أن المحقق الإسرائيلي كان يحقق معها 16 ساعة دفعة واحدة وأنه كان يخرج من غرفة التحقيق ثم يعود بعد خمس دقائق موهما إياها بأنها نامت وأنه الأمر الذي أدخل الخوف إلى نفسها أنها ربما أصبحت مجنونة وأضافت أنها تركت قطعة خبز طازجة ووضعتها على حافة الشباك عند خروج المحقق من الغرفة لتتأكد من كلامه مشيرة إلى أن قطعة الخبز إن جفت يكون فعلا قد غاب كثيرا وإن بقيت طرية فإنه يكذب ويريد العبث بعقلها أوضحت أنه عاد فتناولت قطعة الخبز لتجدها طرية الأمر الذي أعاد ثقتها بنفسها ولم ينطل عليها ما يقوله المحقق وأنهم اكتشفوا أنها اكتشفت الحقيقة منوهة إلى أنهم كانوا يسلطون عليها الأضواء الشديدة وأرادوا من خلال ذلك إصابتها بالهستريا. وبينت المناضلة تيريز هلسا أن السجينات المتعلمات كن يقمن بتعليم وتثقيف السجينات الأقل تعليما الي درجة أن السجانات الإسرائيليات كن يقلن (تدخل الواحدة منكن قطة مغمضة لكنها تخرج مفتحة) كما أنهن كن يعقدن حلقات الحوار السياسي والثقافي وتحليل القصص لإغناء التجربة وتصليب السجينات مشيرة إلى أن إدارة السجن كانت تصادر الكتب وتحرم السجينات من الخروج إلى الساحات في حال قيامهن بإضراب.وأكدت أن السجانين كانوا يرشون عليهن غازات محرمة دوليا من الأبواب والشبابيك وأن المحامية المعروفة فيلينسيا لانغر زارتهن بعد شهر من رش الغاز وصافحتها لكنها شعرت بشيء غريب يسري في جسدها فأخبرتها عن الغاز الأمر الذي أدى إلى انسحابها بسرعة وعرضها الأمر على إدارة السجن وطلب فحصها لتكتشف الضرر الذي أصابها بسبب ذلك الغاز مختتمة بالقول أن ادارة السجن كانت تمنعهن من الغناء الوطني بيد أن السجانين ولدى سماعهم نبأ وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أقاموا الحفلات وأنشدوا الأهازيج فرحا.عائشة عودة أما عائشة عودة فتحدثت عن مشاعرها إزاء الإحتلال وانخراطها في النضال وقيامها بالمشاركة في العملية التي استهدفت سوبر مول في القدسالمحتلة سنة 1968 . كما تحدثت عن تجربتها ومعاناتها في السجن وكيف كان السجانون يتعاملون مع السجناء بشكل عام والسجينات بشكل خاص مشددة على أن الشعب الفلسطيني سيعود إلى أرضه وإن طال الزمن.رشيدة عبيدةمن جهتها تحدثت رشيدة عبيدة التي شاركت في الهجوم على سوبر مول القدس سنة 1968 عن تجربة الإعتقال والسجن وكيف قام الإحتلال باعتقال أختها كبديلة لها لانها كانت متخفية عن الأنظار ولإجبارها على تسليم نفسها. رسمية عودةأما رسمية عودة فتحدثت هي الأخري عن تجربة الإعتقال والسجن في سجن المسكوبية وأن اختها سألتها وهي تصافحها عند أول زيارة لها: هل صحيح أن اليهود أخذوا شرفك؟ فأجابتها: شرفي هو وطني ولن أسلم به.وداد قمري وتحدثت كذلك وداد قمري عن تجربة الإعتقال والسجن وكيف اعتقل الإحتلال أخاها لإجبارها على العودة لكنه قال أنه على استعداد ليقضي عمره كله في السجن على أن تسجن أخته. وقالت أن الشهيد غسان كنفاني كتب رواية لم تكتمل بعنوان برقوق نيسان عن قصة حياتها.أمينة دحبورأما أمينة دحبور التي شاركت بخطف طائرة العال الإسرائيلية فتحدثت عن الأهداف الكامنة وراء خطف الطائرات وهي طرح القضية الفلسطينية على الرأي العام العالمي. وقالت أان استهداف طائرات "العال"الإسرائيلية كان بهدف إثبات أنها طائرات مدنية تقوم بنقل الأسلحة من ألمانياالغربية وأوروبا إلى إسرائيل وأن طواقمها ليسوا إلا ضباطا في الجيش الإسرائيلي. مؤكدة أن التعليمات الصادرة للخاطفين كانت تقضي بعدم الإعتداء على الركاب. وأضافت أن الطائرة التي تم خطفها كانت محملة بالأسلحة وأنها لم تكن تحمل سوي أربعة ركاب مدنيين وأنهم قالوا ذلك أمام محكمة إحدى المقاطعات السويسرية التي حاكمتهم لكنها لم تأخذ بذلك بيد أن المحامي ثبت الأمر في المحضر. وتخلل أوقات السرد مشاهد من فلسطينالمحتلة ومخيمات اللاجئين وهدير البحر المتوسط ومعسكرات التدريب ولقطات من خطف الطائرات. وعقب انتهاء الفيلم دار حوار جمع المخرجة عرب لطفي والمناضلات وقالت المخرجة عرب أن هدفها من وراء سردية المناضلات السبع هو تجمع الذاكرة واستعادة جماعية لها وأن التجربة كانت مهمة جدا لأن الحكاية واحدة روتها مجموعة واشتملت على تصوير النكبة وتداعياتها وما تلاها من هزيمة وثورة. أما ليلي خالد فمزجت بين النظرية والتطبيق والمقاتل والمنظر ،حيث قالت أنها ورفيقاتها ميدانيات ولم يتعودن على رؤية أنفسهن على الشاشة ،مشيرة أنها تساءلت وهي تشاهد الفيلم: معقول أنا هكذا؟. وأضافت أهن رأين أنفسهن من خلال المخرجة عرب لطفي التي وثقت الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني ،موضحة أن صورة الإنسان فيهن نقية بفضل ثقافة المقاومة التي يتم العبث فيها هذه الأيام. وأكدت استمراريتهن في النضال رغم كبر سنهن، موضحة في ذات السياق أن الجيل الجديد سيستمر بالثورة والنضال من أجل تحرير فلسطين، وبالتالي لا بد من إبقاء ثقافة المقاومة وحق العودة مستمرة، بيد أنها شددت على أن العودة لن تتم بالمفاوضات بل بالمقاومة، واختتمت بالقول : لنا شرف التجربة وعلى الأجيال أن تستمر وسنعود يوما،وقالت أن جورج حبش أجبرها على الحديث للصحفيين عن التجربة وقال لها :خطفت طائرة وتخافين من الصحافة؟. أما وداد قمري ،فقالت أنها بطبيعتها لا تحب الكلام لكن المخرجة عرب لطفي استنطقتها مشيرة إلى أنها لم تقابل وسائل الإعلام يوما للحديث عن التجربة.وفي نهاية الحوار، أجمع الحضور على أن عمليات خطف الطائرات التي جرت أوائل سبعينيات القرن المنصرم أشاعت وعيا دوليا بالقضية الفلسطينية، وأن المدنيين لم يتم استهدافهم لأن الهدف كان سياسيا وإعلاميا ،كما أنه كان هناك تكامل بين عمل المناضلات اللواتي قمن بتنفيذ العمليات ،وأن المراة الفلسطينية أذهلت المحققين والسجانين الإسرائيليين ،وبالتالي فإن دور المرأة في الإنتفاضة كان امتدادا لدورهن مثلما كن هن امتدادا لجيل المناضلات الأوائل أمثال فاطمة غزال و...