يقول المثل الصيني: "الصورة تعادل ألف كلمة", ماذا فعلنا نحن كفلسطينيين كي نطبق هذا المثل؟ ونحن من أكثر الشعوب احتياجا لكي نقدم صورتنا المأساوية لما تعرضنا له خلال مايزيد عن ستين عاما. أين الفيلم الروائي في مشهدنا الثقافي والفني الفلسطيني؟ الفيلم الذي يحكي مسيرة شعب وما تخلل هذه المسيرة من نكبات وأزمات ومآسي وثورات ونضالات وبطولات ومذابح وانتفاضات. كل ما فعلناه لكي نثبت لأنفسنا أننا نصنع سينما أننا حولنا المواد الإخبارية إلى أفلام واعتبرناها تسجيلية أو وثائقية, قد يكون لذلك مبرراته أو معطياته السياسية, ولكنها لا تخلق سينما حقيقية نتباهى بها وننافس بها الآخرين. لقد استطاعت السينما الصهيونية أن تحرك مشاعر العالم وتكسب الرأي العام العالمي إلى جانبها, بما عرضته من أفلام روائية طويلة أو قصيرة حول مآسي اليهود. كما استطاعت الحركة الصهيونية توظيف السينما لتزييف الحقائق التاريخية, فيما يتعلق بفلسطين, أو ما يتعلق بشخصية العربي الفلسطيني, بالإضافة إلى تصوير الثورة والنضال الفلسطيني لاسترداد الحق المسلوب بأنه عمل إرهابي, بالتركيز على صور تحمل أبعادا إنسانية يهودية (قتل الأطفال اليهود مثلا), لقد تمكنت من استدرار الدموع وصوت النواح يعلو في قاعات السينما على مقتل طفل يهودي أو حتى إصابته. في حين تقوم إسرائيل بقتل العشرات من الفلسطينيين دون أن نسمع نواح أو بكاء, لان السينما صورته دفاعا عن النفس. هذا هو تأثير السينما, فلماذا لا نعد أفلاما عن المذابح التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني؟ لماذا لا نعد أفلاما عن ثورة 1936؟ لماذا لا نعد أفلاما عن نكبة 1948؟, لماذا .. ولماذا؟. إن لدينا العديد من الروايات التي تتحدث عن هذه الفترات, وأخرى تصور جوانب مختلفة من حياة شعبنا قبل 48 أو بعدها في المخيمات, كما أن لدينا العديد من الكتاب الذين يمكنهم الكتابة السينمائية أو للسينما حول الكثير من القضايا الفلسطينية السياسية والاجتماعية. ورغم ما شهده قطاع غزة في الفترة الأخيرة من طفرة في المهرجانات السينمائية, وعروض لأفلام تسجيلية ووثائقية, هي أفلام أصلها مادة إخبارية, كما ذكرنا, تعرض لحدث ما أو تسجل لواقعة معينة, ولكنها لا تضيف للمشاهد الفلسطيني شيئا عن تاريخه أو تراثه, وتأثيرها في المشاهد العربي أو الغربي, مشاهده لحظية آنية, حيث تفقد مضمونها بعد مغادرتها للشاشة. لهذا مازالت السينما الفلسطينية بكرا وتحتاج إلى تخصيب, وتحتاج إلى حراثة كالأرض البور سنوات وسنوات لكي تصلب عودها وتقف على قدميها, لنستطيع القول أن لدينا سينما فلسطينية. وهذه الصورة القاتمة لا تعني أننا نحيا في الأرض الخراب, وأنه ليس لدينا تجارب سينمائية, نستطيع أن نسلط عليها الضوء ونقول إننا وضعنا القدم على أول الطريق نحو صناعة سينما فلسطينية, وتشهد على ذلك أفلام رشيد مشهراوي, وسعود مهنا, وجورج خليفي, ومشيل خليفي, وهاني أبو اسعد, ومي المصري, وعلي نصار, وعبد السلام شحادة, وإيليا سليمان, ومصطفى النبيه, وغالب شعت, وسويلم العبسي, ومحمد السوالمه, هؤلاء وغيرهم قدموا عشرات الأفلام التي دخلت مسابقات عربية ودولية وبعضها نال جوائز فنية قيمة. ولكن, هذه الأفلام تناولت الواقع الآني للشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال بعد العام 1967, ولم تتعرض للتاريخ والهوية الفلسطينية قبل العام 1948, مما شكل لدينا حالة من الإلغاء والتهميش لهذا الواقع الخصب, الذي يمكن من خلاله أن نبرز مأساتنا وأسبابها وما فعلته الحركة الصهيونية وربيبتها إسرائيل في شعب أمن في أرضه, حولته إلى لاجئ في وطن الآخرين يبحث عن مأوى. يأتي فيلم "عصفور الوطن" (2010) للمخرج الشاب والمبدع مصطفي النبيه, ومن إنتاج مركز بيروت الدولي للإنتاج والتوزيع الفني. ليسجل نقطة مضيئة في المشهد الثقافي والفني الفلسطيني في قطاع غزة, فهو فيلم روائي طويل (ساعة وأربعين دقيقة), ليحكي لنا عن الوطن الفلسطيني المسلوب وحنين اللاجئين للعودة, وعن المقاومة لاسترداد الوطن. فكرة الفيلم: تطرح أحداث الفيلم بنيتين, البنية السطحية, وهي التي تعرض لحياة مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين الذين فقدوا أرضهم وأملاكهم وبيوتهم في فلسطين عقب هزيمة حرب عام 1948, ولجوئهم إلى قطاع غزة, وعملهم في أرض أخوالهم لكي يعتاشون ويربون الأولاد ويزوجونهم, ويلمس المشاهد ملامح الحب والترابط بين الأخوة والعائلات الاخري المجاورة, وقوة التماسك والتكافل الاجتماعي بينهم. ومشاركة أبناءهم في النضال وعمليات المقاومة ضد الاحتلال, كما يعرض الفيلم لحياة القرية بما تحتويه من حياة فلاحية, حلب البقرة, جلب الماء من البئر, قطف الزيتون بالعمل الجماعي, ليالي السمر في مضافة المختار, مكانة المختار ودوره في حياة القرية, ممارسات الاحتلال ضد أهالي القرية. وإذا اكتفينا بهذه الرؤية السطحية نجد أن الفيلم لم يقدم جديدا, غير أنه يستعرض في مشاهد متوالية حياة القرية الفلسطينية وما تعج به من صور فلاحية. إلا أننا نرى أن للفيلم رؤية أعمق وأكثر دلالة من هذه الرؤية السطحية. يفتتح الفيلم مشهده قبل عرض التتر على فتى في العاشرة من عمره أو ما يزيد, ينفخ في شبابته وينظر إلى السماء حيث العصفور يغدو متخايلا, ومن بعيد يرى رجال المقاومة على صهوات خيولهم يتحركون نحوه, ويقف في وسطهم حيث يأخذون بالدوران حوله وهم ملثمون, والفتى ينظر في عيني أحدهم, وفجأة يفتح الفدائي يده لينطلق منها عصفور إلى السماء. وتقف الصورة ليبدأ عرض التتر والفيلم. وفي هذا المشهد الافتتاحي اختصار أو تقديم لعرض أحداث الفيلم ورؤيته. ويمثل الفتى "يوسف" دور البطولة, في رأينا, في الفيلم, وهو فتى يتيم فقد أبويه, وكان أبوه (مصطفى) مناضلا لم يتمكن منه اليهود في عام 48 إلا أنهم قتلوه في حرب عام 1967, وقامت على تربيته مع أخته "رقية" جدتهم (أم مصطفى), التي دللته بكل حب وحنان. ومع هذا خلقت منه رجلا يفوق سنه, فهو كما تقول عنه مثل والده "زقرط". ويوسف يحلم بالحرية والانطلاق ويعبر عن رؤية الجيل الجديد الرافض للالتزام, وتفكيره مختلف عن تفكير آبائه وأجداه, إلا انه لا ينسى تاريخه وجذوره, فمازال يتذكر أمه وأباه اللذين قتلهما الاحتلال عام 67, وحرية العصفور تمثل حريته, فالعصافير في نظره أرواح هائمة في السماء "العصافير إلي بتطير هاي مش عصافير هي أرواح, روح الشهداء, روح أجدادنا, روح أمي وأبوي, مش قادرين يغيبوا عن وطنا المسروق, بضلهم بسما الوطن بستنوا رجعتنا, بشوفونا انسيناهم وألا لا. علشان هيك الاحتلال حط "كمب الجيش" يفكر يفصل بينا وبينهم, بس أنا عمري ما راح أنسى أمي وأبوي". أما رجال المقاومة على صهوات خيولهم, يمتشقون السلاح, ويغطون رؤوسهم بالكوفية الفلسطينية, يمثلون أصالة النضال والثورة. أن المقاومة على الخيول لم تكن موجودة في واقع قطاع غزة, إنما كانت موجودة قبل عام 1948, وخصوصا في ثورة عام 1936, حيث كان المجاهدين يركبون الخيول العربية ويهاجمون المستعمرات اليهودية. وتمثل انطلاقة الحصان رمزيا الانطلاق نحو الحرية, فهم بالمقاومة ينطلقون نحو حريتهم وحرية أرضهم وبلادهم. ويبرز الفيلم إنسانية المقاوم مقابل سادية المحتل. ففي إحدى المعارك بين المقاومين وجنود الاحتلال, يسقط احد الجنود مصابا وحين يقترب منه المقاوم يبكي مثل النساء ويتوسل بان لا يقتله فان لديه أطفال, فما كان من المقاوم إلا أن تركه قائلا: "نحن لا نقتل من اجل الموت, إنما لنهب أرضنا وشعبنا الحرية". أما الصورة السادية المقابلة للمحتل, يصورها مشهد اجتماع بين جنديين في برج المراقبة حين يتراهنين على قتل الفتى "خضر" مقابل سيجارة, ويطلق احدهم النار إلا انه يقتل والدة خضر. حياة إنسان مقابل سيجارة هذا هو المحتل. وقد أمن الفتى يوسف رغم صغر سنه, بالنضال طريقا للحرية, لهذا يهرب من أعمامه ويرفض العمل معهم في قطف الزيتون (رمز السلام) نحو البحث عن العصافير (رمز الحرية). وهنا يبرز الفيلم اختلاف الرؤية بين الأجيال, الجيل القديم الذي يمثله أعمامه والمختار الذين ينتظرون تحرير وطنهم على أيدي العرب, والجيل الجديد الذي يرفض هذه النظرة ويسعى إلى المقاومة لكي يحرر الوطن, وثمة من يتوافق مع الرؤيتين, يعمل في قطف الزيتون ولكنه في الخفاء يشارك في عمليات المقاومة, وهذا ما يمثله "إبراهيم" ابن عم يوسف في الفيلم. ويعتقل يوسف أثناء انطلاقه باحثا عن حريته أو نحو عصافيره, حيث كان جنود الاحتلال يراقبونه من خلال المنظار, ويشيرون إلى يوسف بان هذا الولد لا يخاف منهم فهو دائم التواجد في المنطقة, لهذا قاموا بمطاردته واعتقاله. وكان قرار اعتقاله في محاولة من جنود الاحتلال لبث الخوف والرعب في نفسه لكي يكسروا شوكته, ففي نظر الاحتلال الكل يجب أن يخاف منهم حتى لا يستطيع مقاومتهم. ويسلط الفيلم الضوء على ممارسات التعذيب التي يمارسها الاحتلال ومحاولات استمالة الأفراد نحوهم, من خلال اعتقال يوسف, الذي يرفض مغرياتهم وتهديداتهم, وحين يصفوه بالمخرب يرفض ويقول انه يبحث عن العصافير التي تمثل له أرواح الشهداء وروح والديه, حينها يشتاط الجنود ويحاولون إطلاق النار عليه. ورغم إطلاق سراحه, لم تزرع فيه هذه الحادثة الخوف بل زرعت فيه التحدي "كمب الجيش بمنع الأرواح الطيبة تزور القرية, لو نتخلص منه بنشوف المجدل, أسدود, يافا, حيفا, عكا, الفدائي عامل زي العصفور بطير وين ما بده وأنا بدي أكون عصفور". وفي وسط زخم الأحداث لم ينس الفيلم أن يقدم رؤيته للعميل الذي يعيش بين الناس كأنه واحد منهم, فهذا (حميد) عامل المختار وصبيه الذي يتسامر مع أهل القرية ويدافع عن المختار حين هجم عليه الجنود ليضربوه, ويتعامل معه أهل القرية كأنه ابنهم, بل يفكروا في الطلب من المختار أن يزوجه على اعتبار انه غريب وليس له احد في القرية, بل يتغنى بالوطنية, ويهربه أهل القرية حينما يحضر الجيش. هذه الشخصية لم يختلقها الفيلم بل هي شخصية عاشت مثلها ومازالت تعيش مثلها بين ظهرانينا, تدعي الوطنية وتسوق الشعارات الثورية, وحين تحين الفرصة, يبلغ (حميد) الجيش أن "إبراهيم" هو قائد الفدائيين. ويهجم جنود الاحتلال على القرية في ليلة زفاف إبراهيم ويقتلوه, ويصور الفيلم مشهد جره في شوارع القرية ليذكرنا بمشهد حقيقي آخر شاهدناه في الخليل إبان الانتفاضة, قيام جنود الاحتلال بجر شاكر حسونة. وبعد أن شيع الأهالي جنازة الشهيد هجموا على كمب الجيش بالحجارة وشاركهم رجال المقاومة بالسلاح, ليصور الثورة الشعبية التي وحدت الشعب مع المقاومة, ليتمكنوا من الاستيلاء على معسكر الجيش بعد انسحاب جنود الاحتلال, دلالة على ما حدث في قطاع غزة من انسحاب للجيش الإسرائيلي. ويشارك يوسف في النضال بعد أن سرق بندقية أحد الجنود (دلالة على مصدر سلاح المقاومة), ويقوم أحد رجال المقاومة بمنحه حصانه قائلا له: "أجى دورك يا بطل". وينتهي الفيلم بمشهد تصويب السلاح من يوسف نحو "حميد", مما يعني أن الخيانة مازالت باقية ولم تقتل, إنما أوحى الفيلم بأنه يجب قتلها. زمنية الأحداث ومكانها: يشكل فيلم "عصفور الوطن" لوحات ناطقة بملامح من تاريخ الوطن وثراثه, حيث يبرز التراث في ملابس الممثلين سواء النساء أو الرجال, فنشاهد الثوب الفلسطيني, والقمباز, والعباية, والدماية, والعقال, والكوفية. إلا أنه ميز بين ملابس الجيل القديم الذين خرجوا من البلاد والذين مازالوا محافظين على لباسهم الفلاحي والتراثي, وبين الجيل الجديد الذي يلبس الملابس العصرية سواء الفتيان أو الفتيات. وهذا لا يعني في رؤية الفيلم الفصل بين تاريخين أو جيلين, بل يرسخ واقعية الأحداث, بدلالة أن يوسف وإبراهيم يختلفون في لباسهم عن آبائهم ولكنهم لم ينسوا الوطن. لقد قصد الفيلم أن يرسخ جذورنا التراثية وهويتنا الوطنية والحضارية, ليس من خلال الملابس فقط, بل قدم لوحات من التراث: قطف الزيتون, حمل جرار الماء, سحب المياه من البئر, فرن الطابون, الطاحونة, السامر والدحية, العرس الفلسطيني, الأغاني التراثية في الأفراح والمناسبات الوطنية. تأتي أحداث الفيلم بعد مرور (25) عاما على هجرة اللاجئين الفلسطينيين في عام 1948, أي تحديدا في عام 1973, وهذا ما يشير إليه الفيلم بوضوح على لسان احدي الشخصيات: "بس الحال طول يا خال خمسة وعشرين سنة لما اطلعنا من البلاد", وفي إشارة أخرى حين رقص المختار طربا عندما سمع في الراديو صوت المذيع يقول: "بعد إصدار مجلس الأمن الدولي القرار 338 جرت اجتماعات مكثفة بين الدول العربية لتنفيذ القرار ..". وتستمر الأحداث وصولا إلى الانتفاضة الشعبية التي قاومت جنود الاحتلال بالحجر, إلى الانتفاضة المسلحة التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب من قطاع غزة. لقد اختار الفيلم شريحة من اللاجئين لم تعش في المخيمات بل عاشت في الأرض التي ورثوها عن جدهم لامهم في قطاع غزة, وكانت أحوالهم أفضل بكثير من أحوال أخوانهم من اللاجئين الذين عاشوا في المخيمات, ورغم أحوالهم الميسورة لم ينسوا أرضهم التي هجروا منها بقوة السلاح والإرهاب, وتزايد السنوات زادتهم إيمانا بحقهم في العودة, فهم دائمو الحلم بالعودة: أبو خضر: "... لما طردونا من لبلاد وهاجرنا, كان مشهد صعب, أصعب من طلوع الروح من الجسد, والله أصعب منه انك تسيب أرضك اللي تربيت فيها وسقيتها من عرقك وتهاجر على بلاد لا بتملك فيها قوت يومك ولا سقف يحميك". المختار: "اسمع يا أبو خضر إن شاء الله بنرجع ولازم نخلي الأمل في قلوبنا وما نخلي لليأس مكان بينا". أبو إبراهيم: "... بإذن الله راجعين وهي مفتاح الدار دايما بجيبي, عشان ما أنسى يا خال". بعد هذا المشهد الحواري بين الخال وأبناء أخته, تنتقل الكاميرا إلى معسكر الجيش ورجال المقاومة يتبادلون إطلاق النار مع جنود الاحتلال, دلالة على أن المقاومة هي التي سوف تحقق العودة. الممثلون أو شخصيات الفيلم: قدم الفيلم نحو ست عشرة شخصية أساسية, بالإضافة إلى شخصيات أخرى ثانوية. وتوزعت شخصيات الفيلم على ثلاث عائلات, تجمعهم صلة الأخوة, وكل عائلة تتكون من ثلاث إلى أربع شخصيات, بالإضافة إلى شخصية المختار وعامله. وكذلك شخصيات يهودية وجنود. وقد أدى الممثلون أدوارهم بكل جدارة واقتدار, واستطاعوا تجسيد الشخصيات وتفاعلوا معها بكل واقعية, حتى يشعر المشاهد أن هذه الشخصيات هي التي فعلا خرجت من البلاد. وهذا يعود إلى القدرة الإبداعية للمخرج الذي استطاع أن يحول هذه الشخصيات الورقية إلى شخصيات حية نابضة بالحياة, كما استطاع أن يسبر أغوارها ويلج إلى أعماقها لكي يستنطقها عن الوطن والتاريخ والتراث والحضارة, والمقاومة والعودة. ودور المرأة لم يقل عن دور الرجل, فقد جسدت نساء "عصفور الوطن" أدوارهن في مشاركة الرجل الحياة والنضال, وكان شرفهن سقوط الشهيدة "أم خضر" دفاعا عن ابنها ووطنها, بأنهن رفعن علم فلسطين فوق سارية معسكر الجيش بعد حرق العلم الإسرائيلي, ليؤكد الفيلم على مكانة المرأة ودورها في المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني. لغة الفيلم: اعتمد الفيلم على اللهجة العامية المحكية لأهل الساحل الفلسطيني, وكذلك أدخل اللغة العبرية وترجمها إلى العربية, وذلك لكي يؤكد على واقعية الفيلم. وقد أجاد الممثلون في استخدامها لأنها قريبة من لهجتهم اليومية, فلم يشعر المشاهد بالتصنع في حواراتهم. رؤية الفيلم: إن مشاهد الفيلم تجسد رؤية المخرج, والنص المكتوب يمثل رؤية المؤلف, لهذا يقولون: "النص جسد ميت والمخرج يعيد الحياة إليه". لقد كتب "عبد الله عبد الرحيم" قصة وسيناريو الفيلم, تحت عنوان (الفراشة), إلا أن المخرج "مصطفى النبيه" اختلف مع الكاتب في الرؤية والعنوان, حيث أعاد صياغة السيناريو بالاشتراك مع الكاتب تحت عنوان (عصفور الوطن). ولم تخرج الكتابة المشتركة عن جوهر مضمون الفيلم بل عمل المخرج على إثراء الحوار واغناء المشاهد برؤية جديدة, حيث أعاد الاعتبار إلى المقاومة, ورسخ حق العودة, وعدل من بعض الأخطاء التاريخية والسياسية والجغرافية. مثلا: في سيناريو الفراشة: قطف الزيتون في شهر نوفمبر أي شهر الخريف, في حين تتكاثر الفراشات في فصل الربيع, وهذا خطا يضعف الفيلم, فقام المخرج باستبدال الفراشة بالعصفور الذي يتواجد طوال السنة في سماء الوطن. والفراشة تدل على الرقة والنعومة وتتواجد بكثرة عند قلبة الاحتلال,هذا ما يقوله سيناريو الفراشة. أما العصفور في رؤية المخرج يرمز إلى الحرية والانطلاق, وموجود دائما في سما الوطن. لقد حاول المخرج أن يجسد فكرة الوطن بكل ما يحتويه من تراث وحضارة وتاريخ, وأن المال والغنى لا ينسي الوطن, بل يكون دافعا للوطن ومساعدة أهل المخيم ليعززوا من صمودهم, ويؤكد المخرج في رؤيته على حق العودة ومفتاح البيت, وهذا الحق لا يمكن أن يتحقق بالسلام بل بالمقاومة. وقد جسدت المشاهد دور المقاومة ووحدة الأهالي في دحر الاحتلال وحرق العلم الإسرائيلي ورفع علم فلسطين. أي أنه بالوحدة والنضال نستطيع أن نحقق طموحاتنا الوطنية.