مؤلف هذا الكتاب هو الكاتب والمناضل اليساري المناهض للعولمة، نيكولا كوزلوف، وهو يقدم هنا سيرة حياة رئيس فنزويلا هوغو شافيز الذي يطمح للحلول محل فيديل كاسترو كزعيم للتيار اليساري في أميركا اللاتينية وكمناهض أساسي للإمبريالية الأميركية. فمن هو شافيز هذا يا ترى؟ لقد ولد سنة 1954 في مدينة سابانيتا بفنزويلا. وعلى الرغم من صغر سنه إلا أنه استطاع أن يتوصل إلى رئاسة هذه البلاد سنة 1998 وهو لم يتجاوز الرابعة والأربعين بعد. وهذا دليل على مدى جرأته وقوة شخصيته وحسن تخطيطه. وقد ولد هوغو شافيز في عائلة تنتمي إلى البورجوازية الصغيرة لأن والديه كانا معلّمي مدرسة، وهو متزوج وله أربعة أطفال. وقد تزوج مرتين وطلق مرتين أيضا بالتالي فالرجل مزواج مطلاق كما يقال. والحق انه يتمتع بشخصية جميلة وجذابة. ثم يردف المؤلف قائلا: في سنة 1992 نظم شافيز محاولة انقلاب ضد الرئيس كارلوس اندريس بيريز. ولكنه فشل وقبض عليه وأودع في السجن لمدة عامين. وربما عذبوه آنذاك لأنه يتحدث أحيانا عن تلك الفترة قائلا: كانت تلك مرحلة السجن والكرامة الشخصية. وعندما كان في السجن سجل هوغو شافيز شريط فيديو يدعو فيه المواطنين إلى التمرد على النظام والنزول إلى الشارع. وقد تزامن ذلك مع شن محاولة ثانية للانقلاب العسكري. ولكنها فشلت هي الأخرى أيضا. وبالتالي فالرجل انخرط في عدة مغامرات سياسية وعسكرية كادت أن تودي به. وفي سنة 1994 انتخب الرئيس الجديد للبلاد هو: رافائيل كالديرا. وقد نفذ ما وعد به أثناء حملته الانتخابية أي إطلاق سراح شافيز من السجن. وما إن استرجع هذا المناضل العنيد حريته حتى أسس حزبا سياسيا يدعى الحركة من أجل الجمهورية الخامسة. وعلى رأس هذا الحزب استطاع أن يصل إلى السلطة عن طريق الانتخابات الشرعية بعد أربع سنوات من ذلك التاريخ. وقد كان شعاره أثناء الحملة الانتخابية هو التالي: أنا طاعون الأوليغارشية المتسلطة وبطل الفقراء. والأوليغارشية تعني هنا حكم الأقلية ذات الامتيازات والتي تمص دم الشعب. وبالتالي فالرجل كان له برنامجه السياسي ويعرف فعلا ماذا يريد لشعب فنزويلا. وقد استطاع شافيز أن ينجح في الانتخابات التشريعية والرئاسية في آن معا. وحصل شخصيا على نسبة 56 بالمئة من الأصوات أثناء الانتخابات الرئاسية. وهي أكبر نسبة حققها رئيس فنزويلي منذ أربعين عاما. وبالتالي فوصوله إلى سدة الرئاسة كان شرعيا مئة بالمئة. ثم يردف المؤلف قائلا: على الرغم من أن فنزويلا هي ثالث بلد في العالم كمصدر للبترول إلا أن 80 بالمائة من سكانها يعيشون تحت مستوى عتبة الفقر! وهذا الوضع غريب فعلا وغير مفهوم. ولكن إذا ما نظرنا إلى حقيقة الواقع داخل المجتمع الفنزويلي فهمنا السبب وبطل العجب. فهذا المجتمع مقسوم إلى قسمين أساسيين: قسم النخبة المترفة المرتبطة بصناعة البترول وطبقة رجال الأعمال ورؤساء الشركات ووسائل الإعلام المحلية. وهذا القسم منظم جيدا ومرتبط بالخارج ومعاد لشافيز ومحب لأميركا، وهو الذي يتمتع بخيرات البلاد وثرواتها. وأما القسم الثاني فيشكل أغلبية الشعب الفقير التي رفعت شافيز إلى سدة الحكم. ولهذا السبب فإن الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنها كانت تهدف إلى تحسين أوضاع الشعب. ولكن الطبقات العليا المسيطرة أعلنت العداء لها ونظمت إضرابا عاما شلّ البلاد شللا. وعندئذ ألقى شافيز خطابا قال فيه: إن البلاد منخرطة في صراع مرير ما بين الحياة والموت، ما بين الماضي والمستقبل، ما بين القوى الرجعية والقوى التقدمية. ولن تنالوا حقوقكم قبل سحق قوى الباطل والاستعلاء والاستبداد. ثم ترجم شافيز كلامه على أرض الواقع عندما قام بتسريح سبعة مديرين كبار من الشركة الوطنية الفنزويلية للبترول. وأجبر اثني عشر رأسماليا آخر على أخذ تقاعدهم وترك مناصبهم. وقد ساهمت هذه القرارات في زيادة النقمة على الرئيس في الأوساط العليا النافذة. فالأغنياء لا يحبون أن يمس أحد امتيازاتهم. ولذلك نظموا انقلابا ضده بتاريخ 12 أبريل من سنة 2002. وقد نظمته كوادر الشركة الفنزويلية للبترول بالإضافة إلى بعض القادة العسكريين وتواطؤ مديري الفضائيات التلفزيونية الخاصة ودعم سفارة الولاياتالمتحدة الأميركية في كاراكاس بمعنى آخر فقد تألبت عليه الطبقة البورجوازية والرأسمالية المرتبطة بالخارج والمعادية للشعب عموما. ثم سارت مظاهرة ضخمة بقيادة قوى المعارضة باتجاه القصر الجمهوري، ولكنها اصطدمت أثناء الطريق بمظاهرة مضادة منظمة من قبل أنصار شافيز، وحصلت صدامات عديدة. واستغلت بعض العناصر الفاسدة هذا الجو المضطرب ففتحت النار على الجماهير المحتشدة. وسقط العديد من القتلى والجرحى. وفي المساء وجه القادة العسكريون إنذارا لشافيز لكي يستقيل، فرفض. وهكذا أصبحت البلاد على حافة الحرب الأهلية. وعندئذ قبضوا عليه بالقوة ووضعوا شخصا آخر محله، وكان هذا الشخص قد استقبل منذ فترة قصيرة من قبل بوش في البيت الأبيض، ثم من قبل أزنار رئيس وزراء اسبانيا في مدريد. وهكذا أثبت بوش أنه يحتقر كل المبادئ الديمقراطية إذا كانت تمشي ضد مصالح أميركا. فالأنظمة التي لا تخضع لأميركا ينبغي إسقاطها حتى ولو كانت منتخبة بشكل شرعي من قبل الشعب. ولكن لحسن حظ شافيز فإن شعب فنزويلا لم ينسه، فقد نزل إلى الشارع بكل قوته عندما سمع بخبر الانقلاب عليه، وأجبر جميع القادة العسكريين على التراجع. كما وأسقط الرئيس العميل وطالب بإعادة الرئيس الشرعي إلى القصر الجمهوري. وهذا ما كان. فقد استطاعوا اكتشاف الموضع الذي سجن فيه شافيز وأطلقوا سراحه وعاد إلى الرئاسة من جديد معززا مكرما. وهكذا تحول هوغو شافيز إلى نوع من كاسترو جديد، ولكن بشكل ديمقراطي هذه المرة لا بشكل شيوعي. فقد اكتسب شافيز ثقة الشعب بالفعل لأنه يحب الشعب ويرغب في تحسن أوضاعه الاقتصادية وإخراجه من حالة الفقر المدقع. ومعلوم ان شافيز دعا إلى تحقيق الوحدة مع عدة دول في أميركا اللاتينية ومن بينها البرازيل بزعامة القائد اليساري «لولا». فهو يعلم عليم اليقين أن مستقبل دول أميركا اللاتينية مشترك وأن الولاياتالمتحدة لن تحترمها إلا إذا توحدت. وأما فيما يخص السياسة الخارجية فإن السمة الأساسية لتحركات شافيز هي العداء الصريح للولايات المتحدة وبوش شخصيا، وهذا ما يقربه من كاسترو. ولكن هذا ما يعرضه للأخطار أيضا لأن بوش شرس ولا يحب أن يتحداه أحد. والواقع أن الرئيس الفنزويلي الشاب يتهم قادة واشنطن بتأبيد هيمنتهم على أميركا اللاتينية واستغلالها إلى أقصى حد ممكن وعدم المبالاة بفقرها وآلامها. ومعلوم أن شافيز رفع دعوى ضد واشنطن بتهمة مشاركتها بشكل مباشر في انقلاب سنة 2002 ضده، فسفارتها تحولت إلى وكر للتآمر والتجسس على البلد المضيف. وكل هدفها هو السيطرة على ثروات فنزويلا، وبخاصة آبار البترول، من أجل تحسين أوضاعها الاقتصادية وإرضاء شركاتها الرأسمالية العابرة للقارات، وهي شركات لا تشبع بطبيعة الحال مهما امتصت من دماء الشعوب. الكتاب: هوغو شافيزالنفط، والسياسة، وتحدي الولاياتالمتحدة الأميركية الناشر: بالغريف ماكميلان