ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إطلالة على الواقع العربي
نشر في أسيف يوم 09 - 01 - 2007

في مجالات العلوم سيما التطبيقية منها،وعلى الرغم من الجهد الهائل الواجب بذله في البحث لمعرفة حقائقها،ومكوناتها،وقوانينها فإنه يبقى أسهل بكثير من دراسات العلوم الاجتماعية لأن عناصر الدراسة في الأولى أقرب للثبات،ومعادلاتها لا تتغير عبر الزمن مثلها مثل النتائج المتحصلة عنها،لكن العلوم الاجتماعية والإنسان هو المركز فيها فالتغيرات النسبية في ضوابطها كثيرة عبر التاريخ وعبر الجغرافيا،وحتى خصوصية الموقع وتنوع الفكر والحالات الانفعالية المرافقة،وعلم السياسة واحد من هذه العلوم يسهل البحث فيه،ويتوصل الباحث إلى نظرات وتقديرات مستقبلية تكاد أن تكون حتمية وواقعة لا محالة إن كان أمام فكر استراتيجي حدد أسس منطقة الخاص للمصالح التي يتبناها للمجتمع والأمة للتعبير عنها ورسم البرامج التنفيذية لها،فعندما
تثبت الأصول الفكرية الأساسية تتضح معالم كل الحقائق والتحركات المرافقة لها لكن المصيبة بل الكارثة عند البحث في سياسات البلدان التي لا هدف سام ٍ لها ولا حتى مجرد بعض الأفكار لتأمين مصالح شعوبها سواء أتولد ذلك بفعل عوامل داخلية ذاتية أو بفعل مؤثرات قوية خارجية،أو بنتيجة تداخلهما وتفاعلهما معاً. هنا تتشابك الأمور وتختلط لتستقر ردحاً من الزمن لا يطول أمده لتعود ثانية للتفاعل ولكن بشكل جديد وحركات جديدة،ومناهج يحتويها الخطأ وحقيقة جلية أن تسميتها بالمناهج فيه كل البعد عن المنطق لأنها عديمة اللون وعديمة النكهة،ومن الصعب فهمها وتوقع مستقبلها.تقصدت تبيان أن الدول التي لا استراتيجيات تعارف وتفاهم عليها مكونها الاجتماعي وبنيانه المتعدد الآراء تبقى أسيرة اضطراب وتفاعلات مشوهة بفعل عوامل التاريخ والثقافة والانتماء والمصالح والعقيدة،ويضاف إليها أحياناً أمان ٍغيبية تصل حدود الهلوسة والضياع،والأماني هذه في كثير من الحالات بل بكلها ليست مرتبطة لا بتاريخ ولا بعقيدة،ولا بمصلحة وطنية.في مثل ذلك تضطرب كل العوامل ببعضها البعض،ويغيب وتغّيب أ جزاء منها،وتطفو على السطح تشوهات بفعل عوامل التصلب والتحجر،وما يسمى أحياناً بالتعصب بكل أنواعه.ونظرة فاحصة متفحصة للواقع على الخارطة العالمية،نجد أن الدول المنهجة لسياساتها تحقق في أغلب الأحيان مكاسب وامتيازات لشعوبها على عكس البلدان الضائعة والفاقدة للهدف فهي في تراجع مستمر في كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية،والصراعات المحلية شبه الدائمة فيها وتحت عناوين شتى ومسميات عدة تحط من قدراتها ووزنها على الأصعدة كلها المحلية والإقليمية والدولية،وبعض بلدان إفريقيا خير نموذج ومثال على ذلك إذ يكاد أن لاتبارح بعضها حرب لتبدأ بعدها حرب جديدة،والشعوب فيها جائعة...حائرة....تائهة،وفي آسيا الوسطى وبعد أن استقلت عن الاتحاد السوفيتي بعد انهياره تعاني من مشاكل عديدة وتباينات فكرية،لكنها لم تصل بمستواها إلى ما وصل غيرها له،وفي أمريكا اللاتينية بدايات صحوة لشعوبها وبدايات تماسك داخلي متين في بلدانها،وإصرار كبير على تعاونها مع بعضها البعض وصولا ًلاتحادها للتصدي للهجمات الخارجية وتحديداً الأمريكية التي حولت شعوبها إلى فقراء معدمين بالرغم من الثروات الهائلة في بلدانهم،وفي تحديهم وتعاونهم وبناء اقتصاديات بلدانهم،إطلالات استراتيجية قويمة صحيحة تتأكد وتقوى أساليب تطبيقها عبر الأيام، أما البلدان التي ما زالت واقعة تحت ظلال الهيمنة الأمريكية ما زال التخلف يعشش في جوانب حياتها،وهي لابد وأن تلحق بمسيرة التحرر مع الأقطار التي يتزايد كل عام تحرر بعضها.والوطن العربي،وحقيقة مؤلمة تقال أن لا استراتيجية واحدة لبلدانه.في مطلع القرن الماضي تلمس الشعب العربي الواحد طريقه وعرّفه،وحدد مسالكه فكانت المناداة بالوحدة القومية الحل الواقعي والإنساني لأمة لا تجمع بينها كما يدّعي البعض أوهام أحلام خيالية،بل كانت التعبير عن عوامل التكوّن الواحد من لغة وعادات،وتقاليد،وتاريخ،وحضارة،وقيم،ومعتقدات،بل وحتى مصالح مشتركة اقتصادية كانت أم عسكرية أم سياسية،ورواد هذا الفكر ومفكروه نبتوا في الأرض العربية على اتساعها،وتصدّر القائمة العديد من المفكرين من جبل لبنان،ومن أراد منهم أن يطلق العنان لأفكاره ومراميه الوطنية القومية غادره إلى القاهرة التي احتوته فأصدر فيها صحفاً تحمل أمانيه وأماني الأمة.كان ذلك المدّ الوحدوي العفوي فكرا استراتيجيا دفع بالمستعمرين للعمل ضد هذا التوجه فقسموا المنطقة العربية إلى دويلات رسمت حدودها بالمسطرة وبخطوط هندسية مستقيمة،لكن المدّ عاد إلى فطرته وأصالته ً فحقق الاستقلالات من نير الاستعمارين الفرنسي والإنكليزي،والشواهد على نجاعته وعموميته وأصالته كثيرة،وعلى سبيل العد لا الحصر فالمجاهد عزّ الدين القسام العراقي الأصل السوري المنبت المستشهد في فلسطين،وقبل استشهاده حمل المبالغ المتبرع بها شعبياً في سورية إلى المجاهد عمر المختار في ليبيا. وبدأت الثورات القطرية بعدها ،وتحقق حلم للوحدة في قيام"الجمهورية العربية المتحدة".ولمقاومة هذا المدّ الشعبي تضافرت المصالح الخاصة لبعض الحكام العرب مع المصالح الأشمل للدول الاستعمارية القديمة،والتحق بهم مستعمر جديد- أمريكا- يعاونهم جميعهم الحليف الدائم"إسرائيل"،فكانت الأحداث والنكبات،وحروب،واحتلالات،وضياع،وتشريد،وفي مثل هذه المناخات تنطلق أحياناً اضطرابات فكرية تخالف أسس المنطق فالشعب الواحد حوّل إلى شعوب دمغ كل واحد منها بدمغة البلد الذي يعيش فيه،فكان الشعب الأردني والشعب السوري والشعب المصري،وتراجعت الشعارات نحو الأسوأ وبنظرة ضعيفة أعطيت الأفضلية للقطرية فكان شعار الأردن أولا ً،ومصر أولا ًً،ورغم كل العوامل الجامعة التي ذكرتها كانت على الحدود عوائل وحتى قبائل من أصول أسروية واحدة فرقت بينها الحدود،وصار صعباً تلاقيها بلا موافقات رسمية وأختام تطبع على أوراقها ووثائقها،بل إن الجامعة العربية وكما أسموها"بيت العرب"كان الهدف من إنشائها العمل من أجل الوحدة،ونصوص ميثاقها تؤكد ذلك ومجالسها المتخصصة تدعم وتخطط لقيامها- مجلس الدفاع المشترك- مجلس الوحدة الاقتصادية- مجلس العمل التربوي......لكن اتفاقيات الصلح مع العدو الإسرائيلي أعدمت بعضها"مجلس الدفاع المشترك"،وارتحل العديد منها إلى العالم الآخر فلم يعد له من وجود ذلك بفعل توقف النبض في شرايينه وعدم الحراك والتحرك،وهيمنة خمول دائم فوقه- مجلس الوحدة الاقتصادية- كل ذلك دفع إلى المزيد من الهبوط في الأماني.وفي عصر المهازل عدل النضال من أجل الوحدة ليصبح نضالا من أجل التضامن العربي،وتعبير التضامن يبقى مرتبطاً بآنية زمنية محددة فالتضامن يشتد وكما علمتنا الحياة أيام الشدة،لكن ورغم أيام الشدائد التي مرت وعلى كثرتها لم نر أي تضامن لأنهم هبطوا به إلى الحدود الدنيا فكان"التضامن بالحد الأدنى"،وتعبير الأدنى يعجز عن تحديده الجميع وحتى الضاربون في الرمل والمبصّرون في جوانب المستقبل،وطبيعي أن ينضم إليهم في عدم المعرفة المواطن العربي،ومن المؤكد والأكيد عدم معرفة عبقرية واضعيه لحدوده , لكن الله جلت قدرته العارفة بخفايا النفوس تدرك مراميهم وغاياتهم . ومع كل ما وصلنا له لم يعجب ذلك وزيرة خارجية الدولة " الأكثر حبا ومحبة للإنسان العربي والصديقة الوفية أبدا له " , وبقدرة قدرية مزقتنا و صنّفتنا إلى معتدلين ومتشددين،وأغفل التصنيف البعض لأنهم يغطون في أحلامهم ليل نهار،والغريب العجيب أن حب الوطن والدفاع عنه صار الاعتدال فيه ميزّة من ميزات هذا الزمن الرديء والتمسك والتشدد في حبه والدفاع عنه سبّة توجه لكل مؤمن ببلده ومستقبله.وفي ظل هذه الأجواء المحتدمة والمليئة بالتموجات كان قرار وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم برفع الحصار عن الجائعين المعوزين أبناء جلدتهم والذين دافعوا عنهم جميعهم ضد الأطماع الصهيونية الأمريكية،ولأنه قرار فيه صفة الإنسانية لم يطبق حتى الآن والحصار مازال مستمراً،لكن دولة قطر ومنذ فترة قريبة بادرت إلى تقديم عون إلى رئيس الوزراء الفلسطيني أثناء زيارته لها واعدة بدفع رواتب المربين،والمعلمين،والعاملين في المؤسسات الصحية،وكان ذلك يعبر عن نبل المواقف فالأموال ستذهب لمربيّ الأطفال والأولاد،وللمعتنين بالصحة العامة،لكن"الباب العالي"اً أرغى وأزبد فكان الجواب الرسمي القطري أن الدفع سيكون ضمن الأقنية الرسمية،أما البقية من أبطال القرار فلقد آثروا الإقتداء بأبي الهول بعد أن هيّمن عليهم بصمته الأبدي وثبات يديه في مقدمة تمثاله وعدم تحركهما فلا عطاء ولا كلام،وللتذكير فيوم اتخذوا قرارهم كان الحديث يدور عن نجاح فكرة إقامة حكومة الوحدة الوطنية والتي ستسير وفق ما يريده"المجتمع الدولي"وبالتالي سيرفع"حصار التجويع".لقد توقعوا حتمية نجاح الفكرة فسبقوا الموافقة الرسمية بأيام ظناً منهم أنهم تمكنوا وملكوا قدراتهم،وأخذوا قصب السبق ونصاعة السمعة،لكن خاب توقعهم فلم تقم الحكومة وفق الشروط المذلة والتي يحاول من خلالها فرض الاعتراف بإسرائيل،واستمرار المسعى لمسيرة التفاوض معها لعقود عدة قادمة، لتقديم التنازلات تنازلا ًتلو آخر حتى لا يبقى شيء يتنازل عنه.في هذه الحقبة الزمنية ازورت " العين الآمرة عين الرفض والمنع " فاستمرت أوامر الشح والبخل والتجويع تمهيدا للإعداد لمناسك تشييع القرار العربي ليدفن مع غيره.ولطالما أن الإستراتيجية العربية الرسمية الشاملة لم تعد موجودة،بل ضاعت وفقدت،والحديث عنها كالحديث عن الماء في قفار الجدب، يتبادر إلى الذهن سؤال ثان , ألكل قطر أسس لسياساته يعمل بموجبها؟!....والجواب المؤكد هو لا.لقد تواضع الطموح القطري حتى أمام التجمعات الإقليمية التي نشأت وخير معبّر عنها إنجازات مجلس التعاون الخليجي،بل ودفنت مشاريع تجمعات لم يطل عمرها- الاتحاد العربي- الاتحاد المغربي- إضافة إلى تراجعات في خطط التنمية وازدياد الحاجة والفاقة،وتدني مستويات التعليم.إن انعدام الأسس القويمة للسياسة القومية والالتزام بها،والتدرج بتطبيقها في جميع مجالات الحياة العامة،إضافة إلى ضبابيات السياسات القطرية المتأرجحة وفق ردات فعل آنية لابد وأن تولد وتبرز وبشكل مرضي وغير منطقي استثناءات التكوين الاجتماعي،وخاصة المعتقدات المذهبية والطائفية.في هذه الظروف والمناخات تتكاثر الشحنات العاطفية والعصبيات،ويلعب ويستغل كل أعداء الأمة العواطف والمشاعر لتوجيهها ضد مصالح الأمة،فالتفرقة ضارة في أي ظرف كان وتحت أي مبرر وضعت،ومدرسة الحياة علمتنا أن للوقائع ومجريات الأحداث مقاييس موضوعية يجب الأخذ بها فهي معيار الفرز بين الحق والحقيقة من طرف ،وبين الباطل والزيف من طرف آخر،بل بين ما يجب الالتزام به وعلى العكس بين ما يتوجب البعد عنه.الوطن الذي يضم الجميع في جنباته ويحميهم من غوائل الدهر مقياس الحب له يتجسد في الوطنية....والوطنية حب لا حدود له للآخرين،وعشق لا نهائي للأرض والقيم الثابتة الراسخة فيها،ومنطق الحب والعشق يقودنا إلى العمل من أجل تعزيز التعاون لبناء هذا الوطن اقتصادياً،واجتماعياً،وعسكرياً،والدفاع عنه.هذه الضوابط لا محيد عنها لأنها تزرع بذور الألفة،يبذرها الجميع بين الجميع،وللجميع.وقد تبرز وجهات نظر في عمليات البناء وذلك طبيعي وواقعي فالحياة صراع أفكار وإرادات،وقد تتباين الآراء حول موضوع الدفاع عن الوطن سيما في ظروف الحرب والاحتلال فيتبدى أحياناً رأي يرى في ضرورة تأجيل مقاومة الاحتلال ريثما يتم الاستعداد.....لكن ذلك مرهون بفترة زمنية محددة،وينضم لهذا الرأي البعض من أهل الوطن على مختلف منابتهم العقائدية بينما يقف في مقابلهم من أرادوا وقرروا التصدي والنضال .هي وجهات نظر محترمة طالما أن دافعها وطني،وحرصها وطني،وغايتها الوطن والأهل،لكن عندما يطول أمد التحضير ويتماشى مع مصالح المعتدين تفقد هذه المقاييس قدسيتها بل ويوسم أصحابها باسم مناقض للوطنية،ولو جاز وأخذنا المقياس الديني زمن الاحتلال فكلي ثقة بأن الله جلت قدرته لا يريد ضيماً ولا ظلماً لعباده،وكل الديانات شرعت رد الظلم بظلم أكبر،والقسوة بقسوة أكبر،والإسلام الحنيف اعتبر الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة في ظروف الاحتلال كل وفق قدرته ،وفرض العين ملزم للجميع بعكس فرض الكفاية الذي يعفي الآخرون منه إذا قام به البعض،فالله المبدع الخالق خلق الأرض , والإنسان خلق الأوطان،وعملية الخلق هنا واحدة متكاملة تستمد من الذات الإلهية إبداعاتها ومن مطلق القيم.....بعضاً من القيم الإنسانية،والله جلت قدرته يحب الوطنيين المجاهدين ويكرمهم بالشهادة والجنة،وهم يجلون الله ويعظمونه لأنه الواحد الأحد الباعث فيهم كل خير وحب ونقاء.سقت المقدمة والحديث عن الاستراتيجيات،والأسس العامة للسياسة والمعايير والمقاييس لأصل إلى ما نراه جميعاً من واقع عربي مؤلم تنهشه الآلام،وتدمر معالمه المعاول المستعمرة تساندها قوى ضلت الضلالة الكبرى فغرقت في مستنقع التبرير الذي لا ينتهي.والحكمة تقول الحق نيّر واضح،ولا يحتاج إلى ضياء وتبيان،والانحراف والظلمة بل العتمة تحتاج جميعها إلى تبريرات يزداد تكشف زيفها كلما كثرت.العراق يدمر....ولم تبق وسيلة تدمير إلا واستعملها الاحتلال،وصراعات الأهل تتعاظم،والمتفرجون الأعداء سعداء،وفي فلسطين وما
جرى مؤخراً يقطع نياط القلب بل يدميها.لقد حرم المناضلون لا من السلاح فقط بل من لقمة العيش بفعل الحصار الذي فرضته أمريكا و"الدول الإنسانية"الداعمة لها وحتى بعض الأنظمة العربية.من كان يستطيع أن يتخيل أن تكرم أم شهيد بمد يدها باحثة عن لقمة تسد بها أودها؟!.....ومن كان يتصور أن تنهش الأمراض الطفولة الفلسطينية البريئة فتحرم من الحليب والدواء؟!.....ومن كان يتصور ولو فقد كل قدراته العقلية أن يرى الشيخ الذي أمضى عمره يقاوم ويناضل ضد الاحتلال الصهيوني أن تدفعه الحاجة كي يصطف إلى جانب عشاق الحلول والمتيمين بها رصيدهم الوحيد كم هائل من التنازلات.والقطر العربي الثالث لبنان وساحاته أصبحت مرتعاً خصباً لكل التآمرات والتبيانات الإقليمية فلم يعد شعبه يهنأ بيوم هدوء،فهو في معارك قارب عمرها العقود الثلاث،وعودة إلى حقائق التاريخ وإلى روائع الكلمات نرى أن ابن عبد المنعم الحميري المتوفى عام1495 م،وفي كتابه(الروض المعطار في خير الأقطار)يقول:"لبنان جبل بالشام قريب من تدمر،وهو سامي الارتفاع ممتد الطول،يتصل من البحر إلى البحر،ومعروف بالزهاد والمنقطعين إلى الله تعالى".ويشرح الشاعر اللبناني أحمد تقي الدين1888-1935 معنى الانقطاع للعبادة فيقول:ما ضير لبنان أديان تفرقهوالدين إن يتبعوه يصلح الأممابل ضره أن يضير الناس كلهمسقم المبادئ والأخلاق لو عُلماوالشاعر اللبناني جرمانوس الشمالي1828-1865 م يمجد العبادة الحقة في لبنان فيقول:لبنان أصبح قلبه بلسانهفي حمده المولى على إحسانهويتجاوز القطرية الضيقة الشاعر خليل مطران1871-1949م عندما يوحد ما بين سورية ولبنان،وحتى عند تصاعد أنات الآلام فيقول:فيها المعزّي والمُعزى واحدوشكاة لبنان شكاة الشامتلك حقائق وليست أوهام شعراء وطفرات كلمات مخملية،فلبنان أصيل الأصل أصالة الأرز فيه وطوائفه ومذاهبه في منابعها الفكرية تمجد الرب والقيم،وتدعو باسمه كلما احتوى لسان قلب صاحبه.وبشيء من التوسع بالمعرفة،فالمارونية والموارنة في لبنان هم أتباع القديس مار مارون الذي اعتكف في جبل نبل شمالي سورية،وانقطع لعبادة الله،وكانت له مكرمات وحسنات جليلة كما روى المؤرخون،وبعض من أتباعه وبنتيجة الاضطهاد العثماني هاجر قسم منهم إلى جبل لبنان الذي كان بسكنه إقطاعيون دروز،وكانوا فلاحين يعملون تحت سيطرة الإقطاعيين،وطبيعي أن تحدث احتكاكات بين طرفين نقيضين في المصالح،وكانت قمة الاحتكاك عام1860م قتل فيه العديد من الموارنة فبادرت الدول الغريبة الخمس إنكلترا- فرنسا- النمسا- إيطاليا- روسيا إلى إرسال جيوشها لتضع حداً للارتكابات،وأعطي جبل لبنان استقلالا ًذاتياً في ظل الحكم العثماني،وبدأت اللعب السياسية فإنكلترا مالت للدروز،وفرنسا إلى الموارنة،وروسيا إلى الأرثوذكس،وانهالت المساعدات العلمية والصحية على هذه البقعة فكانت المدارس والمعاهد،والمصحات،وبعثات التبشير وبذا تميز الجبل عن باقي المناطق .فالأحداث لم يكن دافعها ديني،بل كانت مصالح وصراعاً طبقياً بالمفهوم الماركسي،وأكملت فرنسا زرع التناقضات بعد انتدابها على سورية ولبنان ففي عام1920 ضمت إلى جبل لبنان أربعة أقضية بيروت وطرابلس والبقاع والجنوب. تميّز الأولان فهما بالنشاط التجاري والتجارة،وران على الثانيين البؤس والفقر نتيجة أوضاع شملت المنطقة برمتها تقريباً زمن الاحتلال العثماني.إنها وقائع توضح بجلاء أن الديانات والمذاهب تجمع ولا تفرق بينما حدة تناقض المصالح تحرك الغرائز وتدفع للصراعات،وهذا ما تسعى إلى استغلاله كل القوى المعادية لجميع هذه المكونات الاجتماعية،وفي هذه الأيام ظهر الخلل وأضحى ساطعاً سطوع الشمس،ففي الأيام الأولى للعدوان الصهيوني في شهر تموز جاءت السيدة رايس وبشرت بشرق أوسط جديد،وبأن ما يجري على الساحة اللبنانية المخاض لولادته،وشرق أوسطها العنوان الرئيسي له المزيد من التقسيم للوطن العربي ومن ثم ضم إسرائيل له وجعلها المسيطرة عليه تحقيقاً لمصالح الطرفين المناقضة تناقضاً شاملا ًللمصالح العربية،وبقيت المعارك لأكثر من شهر وزوّد الحليف الأمريكي الحليف الإسرائيلي بالقنابل الذكية وبأنواع الأسلحة ومضادات الصواريخ،واستمر التسويف في مجلس الأمن لتأخير قراره بوقف العدوان أملا ًبأن يتحقق عبثاً نصر ضد لبنان ومقاومته،وفي هذه الظروف تنمو الطحالب السياسية فيتخاذل قياديون ويتجرأ من تعامل مع الأعداء في الماضي لإدلاء بآرائهم المريضة العفنة.لقد عاد من دعموا العميل أنطون لحد إلى الواجهة،ومن اتصلوا بإسرائيل يطلبون دعمها في مطلع الثمانينات وذلك باعتراف قيادي من ذات الفصيل في حديث عن زيارته لتل أبيب واجتماعاته مع الإسرائيليين ولقاء شارون.وعودة للماضي القريب للتأكد والتثبت ومعرفة أعداء لبنان يوم نزلت القوات الأمريكية لأول مرة في لبنان كانت لدعم النظام المتعاون معها،وفي ذات الوقت ولنفس الغرض نزلت القوات الإنكليزية في الأردن.وقبل تلك الأيام تعاظم المد الجماهيري وقامت الثورات الشعبية،وتحقق حلم الوحدة بين القطرين سورية ومصر.وفي نيسان1982 انضمت الولايات المتحدة إلى بريطانيا وفرنسا وإيطاليا لإنشاء ما سمي بالقوات المتعددة الجنسية لتقيم في بيروت بغية الإشراف على إجلاء منظمة التحرير الفلسطينية عن لبنان،وبعد جلاء المنظمة انسحبت قوات المار ينز من لبنان في10 أيلول1982 لكنها عادت ثانية في29 أيلول من نفس العام بعد وصول القوات الإسرائيلية إلى مشارف بيروت العاصمة للإشراف على تحقيق انسحاب إسرائيلي،وإقامة منطقة جنوبية عازلة لكن وفي عمليتين استشهاديتين قتل خلالهما241عنصراً من المارينز و56مظلياً فرنسياً مما اضطر القوات المتعددة الجنسية للانسحاب علماً بأنها لم تأت مدعومة بقرار من مجلس الأمن،واضطرت الحكومة اللبنانية بعدها الى إلغاء اتفاق17أيار الموقع مع إسرائيل وكان ذلك في5/3/ 1984 أمام الغليان الشعبي وتعاظم الروح المقاومة ،وكولن باول وزير الخارجية السابق وكان يومها نائباً لوزير الدفاع يقول في الطائرة وهو يغادر مطار بيروت:"كنت أرى جثث الجنود الأمريكيين مبعثرة على أرض المطار"،و استمر ت المقاومة و حررت جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني،وحررته من العملاء أنصار لحد، الذين تركوا لبنان لمناضليه والتحقوا بساداتهم،والمقاومة ذاتها حققت بإيمان مناضليها الصحيح بالله النصر على إسرائيل لأول مرة في التاريخ العربي إبان العدوان الأخير وهزت الكيان الصهيوني،وكانت في ذلك متناغمة مع انتصارات المقاومة العراقية فكانت وحدة الهزائم بين الحليفين الأمريكي والإسرائيلي.المعركة أصبحت واضحة المعالم،إنها بين الأمة العربية وأعدائها الدائمين ومن لف لفهم وتعاون معهم،وحتى من يبرر لهم أخطاءهم وخطاياهم.....فحزب الله والمقاومة اللبنانية والعراقية والفلسطينية وحتى المحاكم الإسلامية في الصومال يتبعون استراتيجية عمادها دفع ورد غائلة الأعداء عن الأمة،والحفاظ على وجودها وتراثها وأرضها،بينما يلعب الضالون المضللون على عوامل التكوين الاجتماعي وخاصة المعتقد الديني وبذلك يرتكبون جريمتين الأولى تحميل الأديان السماوية السامية عكس ما تريده وعكس ما يريده مبدعها،والجريمة الثانية تخريب البلاد والعباد خدمة للأعداء وتمشياً وتمريراً لمصالحهم المشتركة مستخدمين ذرائع ليس فيها شيء من الحق.لن يستطيع أحد أن يأتي باستراتيجيه عربية جديدة فلقد أبدعها الشعب العربي من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر عبر الزمن قديمه ومتوسطه وحديثه،إنها في الوحدة وبناء الصروح الوطنية القومية في كل المجالات وفي مقاومة المخططات المعادية تبنتها المقاومات بنضالها.جميعها تشكل المقياس الواحد الأوحد لمعنى الوطنية وغيرها نذالة وعمالة.الله جلت قدرته جعلنا خلفاء له في الأرض فحبنا وعبادتنا له يلزمنا بحب ما استخلفنا عليه....إنه الوطن فلنكن أمناء له نعبد الله دائما في جهادنا عنه وله. حركة القوميين العرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.