وعندما عدت إلى الأردن قبل شهرين قادما من الضفة الغربية، أوقفتني المخابرات وحجزت جوازي على جسر الملك حسين لمقابلة المخابرات، وفعلا ذهبت وسألني الضابط – الذي كان لطيفا ومهذبا معي عن مقالات وأشياء كثيرة ورددت عليه بكل ثقة وصدق، وطلب خلال الحوار أن أكتب شيئا امتدح فيه النظام أو المخابرات زاعما أنني كاتب مؤثر، رفضت وقلت له: كنت سأكتب مقالا بعنوان "الأردن الجميل" بعد عودتي من قطر عندما شعرت بالراحة والسعادة لأرى أن السحن والوجوه حولي مشابهة لسحنتي، ولهجتهم وهمومهم وأحلامهم هي ذاتها لهجتي وهمومي وأحلامي، وبناتهم ونسائهم هم بناتي وعرضي وشرفي، لكن الآن بعد طلبك (كضابط مخابرات) فلن أكتب لأنني سأعتبر نفسي قلما مأجورا. يحبني الأردنيون من أبناء الضفتين مؤيدين ومعارضين للنظام، يحترمونني ويثقون بي ويتواصلون ويتحدثون مع بكل محبة وصدق. إذا أنا لست محسوبا على أحد، فأنا رجل مستقل أفكر قبل أن اتخذ قراري أو أكتب رأيي.
نعم أحزن للفساد الذي يستشري وللعنصرية المقيتة التي يطلقها قلة من المتخلفين والكتبة الجهلة وتنابل سايكس بيكو ضد أبناء شعبهم من الفلسطينيين الأردنيين، وللفصل بين أبناء شعبي بكروت ملونة وأرقام شاصي وما شابه، ولغياب التمثيل الحقيقي في مجلسي النواب والأعيان والجامعات الحكومية ومؤسسات الدولة والجيش، أبناء الضفة الشرقية هم طيبون عندما تقترب منهم وتجلس معهم أو تدخل بيوتهم تدرك أنهم أقرب الناس إليك ثقافة وتاريخا وانتماءً، هم ليسوا عنصريين ولا عدائيين، هم أناس متعلمون ومثقفون.
ما يثير السخرية أنك ترى أن السياسيين والكتاب والمثقفين من أبناء الضفتين في الأردن هم أصدقاء لكن بعضهم يلعب على الوتر الجغرافي عندما تتطلب مصلحته ذلك.
نعم قبضة المخابرات الأردنية لا تزال قوية لكنها تتراخى تدريجيا، ها أنت ترى الأردنيين أكثر قوة في التعبير عن آرائهم ودعواتهم للإصلاح، ترى ذلك عندما تتحدث معهم على الأرض، وعندما تتابع صحفهم الورقية ومواقعهم الإلكترونية.
إن من مصلحة الجميع أن يحافظوا على استقرار الأردن الذي يعيش وضعا اقتصاديا صعبا ومحيطا سياسيا مضطربا..
أما ما يحتاجه الأردن الرسمي أردن الحشد والرباط الآن فهو الإصلاح الشامل، والتصرف بعقلية الحشد والرباط، وإنهاء قبضة المخابرات، وإلغاء كل أشكال الإقصاء والتمييز بحق الفلسطينيين أيا كانت أرقامهم وكروتهم، والاعتراف بأن الأردنيين والفلسطينيين هم شعب واحد لتحدث النهضة الفكرية والثقافية المنشودة.