المرحلة الثانية :العرض السياسي بعد سنة 2007 . تناول العرض السياسي المرحلة الثانية كإحدى معالم "التحولات والتطورات" التي خضع لها . وتميزت هذه المرحلة بتبني "أطروحة النضال الديمقراطي" تقية لطمأنة الفاعلين السياسيين خصوصا وقد واجه الحزب اتهامات واسعة تحمّله المسؤولية الأدبية عن الأحداث الإرهابية ليوم 16 ماي 2003 بسبب خطاب التكفير والتحريض على الكراهية التي طبعت منشوراته ومحاضرات قيادته خلال معركة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية . فضلا عن توجساته من تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2008 الذي أعلن عن تصديه للمشروع المجتمعي القروسطي الذي يحمله حزب العدالة والتنمية وعموم تيار الإسلام السياسي. وقد أظهرت التجربة السياسية للحزب فيما بعد ، أنه انحنى للعاصفة ، ليس دفاعا عن الديمقراطية التي لا يؤمن بقيمها ولا يقبلها بديلا عن "الشورى" ، وإنما يرفعها شعارا لخداع الفاعلين السياسيين حتى يتسلل إلى مؤسسات الدولة ويتغلغل في مفاصلها ليبدأ بتنفيذ إستراتيجية أسلمتها. وكذلك كان. المرحلة الثالثة: العرض السياسي بعد سنة 2011 إلى سنة 2016 وميزت فيها قيادة الحزب بين فترتين عرف العرض السياسي تطورا خلالهما : الفترة الأولى: حيث رفع الحزب شعار "الإصلاح في نطاق الاستمرارية" الذي سمح له باستغلال حركة 20 فبراير لتحقيق أهدافه السياسية دون المشاركة فيها . إذا ظل يهدد الدولة والأحزاب بالالتحاق بالحركة في حالة لم تتم الاستجابة لمطالبه . وقد استغل الأوضاع الخطيرة التي شهدتها بعض الدول ( تونس، ليبيا ، مصر ، سوريا )إثر اندلاع انتفاضات اجتماعية هوجاء انتهت بإسقاط الأنظمة ، ليزيد من ابتزازه للنظام وللدولة ( الدستور ، الانتخابات ..).كما رفع شعار "مناهضة الاستبداد ومكافحة الفساد" لاستغفال الناخبين والتأثير على ميولاتهم في ظل أجواء "الحراك الاجتماعي" ومطالب حركة 20 فبراير بمحاكمة المفسدين وناهبي المال العام. لكن ما أن تصدّر الحزب نتائج الانتخابات وشكّل الحكومة حتى انقلب على كل شعاراته ؛ فتميزت هذه الفترة بالعفو عن المفسدين وحمايتهم من أية متابعة أو مصادرة لما تراكم عن النهب من مملكات بقرار "عفا الله عما سلف". كما تميزت بتكريس الفساد والاستبداد ، حيث صار الحزب جزءا من منظومة الفساد : تورط مسؤولون ترابيون ينتمون للبيجيدي في قضايا الفساد والنهب والتبذير ، وملفات عدد منهم معروضة على القضاء ويحاول العثماني ، بكل الوسائل ، حمايتهم من المتابعة ، فيما صدرت أحكام قضائية ضد آخرين (آخرهم رئيس مجلس جماعة تولال بإقليم مكناس الذي أدانته المحكمة بسنة واحدة سجنا نافذة ). فضلا عن هذا أجهز الحزب على المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية : مشروع القانون الجنائي ، نظام التقاعد ، فرض التعاقد ، إلغاء الترقي بالشهادات .. ). الفترة الثانية :هي مرحلة "ما بعد إقرار الدستور الجديد لسنة 2011" حيث يزعم العرض السياسي أن الحزب "تبنى سيناريوها متفائلا بالنظر إلى ما حمله الدستور من مضامين إصلاحية تسير في اتجاه تعزيز الاختيار الديمقراطي وتبشر بمبادئ الحكامة". لكن الذي تواطأت القيادة على إخفائه وكشفته الوقائع ، هو أن الحزب سيستغل هذه الفترة والمراحل التي تلتها ، للانقلاب على الدستور وتعطيل بنوده أو إفراغ كثير منها من محتواها (إلى اليوم ، وبعد مرور عشر سنوات لم يتم بعدُ إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كافة أشكال التمييز). فالحزب ، وإن وافق على الدستور وصوت لصالحه وقبِل رئاسة الحكومة في إطاره ، إلا أنه يناهض ، تارة علَنا وأخرى ضمنا ، كثيرا من بنوده .بل إنه جاء بتشريعات تناقض كلية جوهر الدستور . فمشروع القانون الجنائي الذي أعده واشرف عليه مصطفى الرميد وزير العدل والحريات في حكومة بنكيران ، يشرْعِن "جرائم الشرف" ويحرض على قتل النساء على خلفيتها بتخفيض عقوبة القتل من الإعدام والمؤبد إلى بضعة شهور ، بينما الدستور يتبنى منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا . يضاف إلى هذا تشبث الحزب بعدم تجريم زواج القاصرات والإصرار على الإبقاء عليه ضدا على الدستور الذي ينص على سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية. والأخطر من هذا ، مصادقة حكومة البيجيدي على "عهد حقوق الطفل في الإسلام" في غشت 2019،والذي يكرس التمييز بين الأطفال على أساس ديني ، مما يتعارض مع مصادقة المغرب ، سنة 1993 ، على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تتضمن جميع حقوقه الأساسية. هذا التراجع في حقوق الإنسان لم يأت صدفة ولا عبثا ، بل هو مخطط ينهجه البيجيدي وفق الإستراتيجية المتبعة . فالحزب الذي ناهض دسترة حرية الاعتقاد وضغط من أجل حذفها من المسودة ، سيتصدى لهذه الحقوق بتعطيل الدستور والإصرار على احترام "الاستثناء" أو "الخصوصية" حتى تفقد المنظومة الحقوقية كونيتها . وهذا ما عكسته المواقف التي اتخذها الحزب من بعض القضايا الملحة والتي لا تنسجم مع تصوره الهوياتي مثل : الإجهاض الذي طالب بتجريمه في كل الظروف بخلاف المطالب التي تقدمت بها الحركة النسائية والحقوقية ، رفض مصطفى الرميد تعديل الفصل 475 من القانون الجنائي المتعلق بالاغتصاب الذي يعفي المغتصِب من العقوبة في حالة الزواج من الضحية ، إذ جاء في حوار له مع موقع "فبراير. كوم" ( سيدتي، إن إلغاء مقتضيات الفصل المذكور لا ينبغي أن ينظر إليها من زاوية مأساة انتحار الضحية أمينة فقط، ولكن أيضا من زوايا متعددة، أمثل لها بحالات الاغتصاب، وحالات التغرير بقاصرات، وحالات الفساد التي قد ينتج عنها حمل، وتختار الضحية أن تتزوج بمرتكب الجريمة حينما تخير بين الزج به في السجن أو الزواج منه... أعرف أن حالات الزواج قد تشجع الإفلات من العقاب، لكن في نفس الوقت لا أستطيع أن أجزم، ونحن في مجتمع محافظ، إن كان علينا أن نغلق باب الزواج الذي تلجأ اليه بعض الأسر التي ترغب في صون عرض بناتها.)،رفض إلغاء الفصلين 20 و 21 من مدونة الأسرة اللذين يسمحان للقاضي أن يأذن بزواج القاصر). فالحزب لا تهمه المصلحة الفضلى للطفل بقدر ما تهمه الإستراتيجية التي انخرط في خدمتها . (يتبع)