عشر سنوات تمر على تعديل الدستور الذي تضمّن مبادئ مهمة ، في مقدمتها : المساواة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية ، المناصفة ، ربط المسؤولية بالمحاسبة ، سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية . رافقت اعتماد الوثيقة الدستورية الجديدة سنة 2011 آمال وتطلعات كبيرة إلى تسريع أجرأة بنودها ومواءمة القوانين مع نصوص الدستور لإحداث نقلة نوعية على مستوى التشريع والحقوق لإرساء دعائم دولة الحق والقانون ، أي دولة حديثة ديمقراطية . آمال خيبتها إستراتيجية حزب العدالة والتنمية الذي رفع من وتيرة تنفيذها بمجرد رئاسته للحكومة وتحكمه في تشكيلتها حتى تكون منسجمة مع إستراتيجية "الأسلمة" ، بحيث تم تعيين وزيرة واحدة ضمن أعضاء الحكومة . كانت هذه أولى خطوات الإجهاز على الحقوق والمكتسبات وتعطيل الدستور وخرق بنوده . فالبيجيدي لم يأت إلى الحياة السياسية ليسهم في تخليقها ودمقرطتها ، أو كانت مشاركته في الانتخابات وتدبير الشأن العام من أجل محاربة الفساد وخلق فرص التنمية وتجويد الخدمات الاجتماعية ، بل جاء بإستراتيجية ومخططات محددة سلفا من طرف التنظيم الدولي للإخوان في مصر ، والتي تروم التغلغل في الدولة قصد التحكم في مفاصلها ؛ومن ثم استهداف أسس النظام . للأسف ، غابت وتغيب هذه الحقيقة عن القيادات الحزبية المشكّلة للتحالف الحكومي التي تسمح للبيجيدي بتمرير خططه وتصريف إستراتيجيته تدريجيا من داخل مؤسسات الدولة وعبرها وفق ما سطرته أطروحة المؤتمر السادس للحزب كالتالي ( على أن الاشتغال على قضايا المرجعية والهوية والقضايا الأخلاقية وجب أن يتم ضمن آليات الاشتغال وأدوات الخطاب السياسي أي باعتبارها من قضايا السياسات العمومية مما يقتضي التركيز على مقاربتها مقاربة قانونية وتشريعية ورقابية . فمقاربة الحزب لقضايا الهوية والأخلاق تتم بترجمتها إلى إجراءات عملية ومقترحات مفصلة مع آليات التنفيذ ، وهو ما يعني اقتراح سياسات عمومية في إطار برامج سياسية تطرح ديمقراطيا ضمن المؤسسات المنتخبة ذات الصلاحية ). انطلاقا من هذه الإستراتيجية يعاكس حزب البيجيدي كل المطالب التي ترفعها الهيآت النسائية والحقوقية والحزبية من أجل محاربة كل أشكال العنف والتمييز ضد النساء ، مع الإصرار على تكريس وشرعنة التمييز والعنف القائم على النوع ( مشروع القانون الجنائي الذي قدمه مصطفى الرميد ،وزير العدل والحريات في حكومة بنكيران ، الذي لا يزال يضغط للتسريع بالمصادقة عليه قبل انتهاء ولاية حكومة العثماني ، وفق آخر مذكرة له بتاريخ 27 أبريل 2021 والتي ختمها بالتالي ( وبالنظر لكون الولاية التشريعية الحالية على وشك الانتهاء، فإنه يتعين بذل المجهود اللازم في إطار ما يقتضيه ذلك من تعاون وثيق بين الحكومة والبرلمان وتفاعل إيجابي مع تطلعات مختلف الفاعلين، لإتمام الدراسة والتصويت على هذا النص الهام قبل اختتام الدورة التشريعية الحالية). ومعلوم أن مشروع القانون الجنائي هذا يُشرْعِن ويحرّض على "جرائم الشرف"أي قتل النساء ، وذلك بتخفيض عقوبة الإعدام والمؤبد إلى بضعة شهور قد تكون موقوفة التنفيذ في عدد من الحالات . يضاف إلى هذا عدم تجريم التكفير رغم ما يترتب عنه من جرائم تمس أمن الأفراد وسلامتهم الجسدية ، بالإضافة إلى رفض تجريم الاغتصاب الزوجي وتزويج القاصرات ، وهما جريمتان خطيرتان لا ينتهي أثرهما مع انتهاء الاعتداء وانتهاك جسد وكرامة الضحايا ، وإنما يرافقهن مدى الحياة. وضع لا يمكن القبول به في ظل دستور ينص في ديباجته على (حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما والإسهام في تطويرهما ؛مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق ، وعدم قابليتها للتجزيء) . مر ، إذن ، عقدان على اعتماد دستور 2011 دون أن تبذل حكومة البيجيدي أي جهد لتغيير التشريعات والقوانين ومواءمتها مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب . الأمر الذي يعدّ خرقا صارخا لنص الدستور على( جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب ، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة ،وهويتها الوطنية الراسخة ، تسمو فور نشرها ، على التشريعات الوطنية ،والعمل على ملاءمة هذه التشريعات ، مع ما تتطلبه هذه المصادقة ).ومن القضايا المسيئة للتشريع المغربي ، والتي تستعجل التغيير والمراجعة ، تلك المتعلقة بمدونة الأسرة ، بالإجهاض الإرادي ، بالعلاقات الرضائية خارج إطار الزواج ، بحرية المعتقد .. فالمغرب دولة مدنية وليس دولة دينية ؛ إذ مصدر القانون في الدستور المغربي هو القانون الوضعي . لذا وجب إخضاع مدونة الأسرة إلى تغيير شامل حتى تكون متلائمة مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية . فمدونة الأسرة ، بقدر ما هي متقدمة في عدد من موادها التي أنصفت المرأة ، بقدر ما توجد بها مواد موغلة في التمييز والحيف ضد النساء والأطفال ، ومنها : المادة 146 (تستوي البنوة للأم في الآثار التي تترتب عليها سواء كنت ناتجة عن علاقة شرعية أو غير شرعية) المادة 147 ( تثبت البنوة بالنسبة للأم عن طريق : واقعة الولادة ، إقرار الأم ، صدور حكم قضائي بها) ، ( تعتبر بنوة الأم شرعية في حالة الزوجية والشبهة والاغتصاب) المادة 148 (لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار لبنوة الشرعية). إذ كيف يعقل أن تتحمل المرأة/الأم مسؤولية الطفل الناتج عن علاقة خارج إطار الزواج كاملة ، بينما يعفى منها كلية الأب البيولوجي ، فيما الدستور ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة ، من جهة ، ومن أخرى على المساواة أمام القانون . علما أن إلحاق الطفل بأبيه البيولوجي سيحد من ظواهر اجتماعية خطيرة مثل : التخلي عن الأطفال ورميهم في الشوارع وحاويات الأزبال ، أطفال الشوارع ، الانحراف ، الإجهاض السري ومخاطره على حياة الأمهات الخ. المادة 238 ( يشترط لولاية الأم على أولادها : 1 أن تكون راشدة . 2 عدم وجود الأب بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية أو بغير ذلك). علما أن هذه المادة تتسبب في مشاكل لا حصر لها للمطلقات في حالة وجود أبناء ، بحيث لا يستطعن إنجاز عدد من المهام الإدارية لصالح الأبناء في ظل وجود الآباء،الأمر الذي يضر بمصلحة الأطفال ويتنافى مع المصلحة الفضلى للطفل التي تنص عليها المادة الثالثة من اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل. المادة 16 (إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته ، تعتمد المحكمة على سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة) ، ومعلوم أن اللفيف العدلي (وثيقة تضمن شهادة شهود ذكور يبلغ عددهم 12 يُعتمد عليهم لإثبات وقائع أو حقوق لا يملك أصحابها وسائل إثبات خاصة، مثل زواج قديم، أو بيع غير موثق، وقضايا النسب أو الإرث أو ملكية أراضٍ فلاحية ) إحدى هذه الوسائل. واشتراط الذكورة في الإدلاء بالشهادة هو تمييز ضد النساء وإقصاء لهن يتنافى مع الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها لمغرب. هذه فقط نماذج من القوانين المعمول بها حاليا والتي صارت نشازا لمخالفتها للدستور المؤطر لكل التشريعات الوطنية ، والتي صار تغييرها مطلبا حقوقيا وسياسيا ملحّا .