▪︎عِندَنا، صِراعاتٌ ذاتُ ثلاثَةِ أضلُع: الأحزَابُ السّياسيّة، والعاداتُ والتّقالِيد، والوَعيُ الاجتِماعِيّ.. وأينَما اتّجَهتَ، تجِدُ الأحزاب: 1- الأحزابُ تَقُودُ إلى نُخَبٍ سياسيّة، وهذه على صلةٍ مُباشِرةٍ بعامّةِ النّاس.. 2- الوَعيُ يَنتَشِرُ داخِلَ المُجتَمَع، وهو على تَفاعُلٍ معَ الحَركةِ السّياسيّة.. 3- العاداتُ والتّقاليدُ في أوسَاطِ المُجتَمع، وهذهِ تتفاعلُ داخِلَ أنشِطةٍ سياسية.. وهكذا تكُونُ الأحزابُ، والعاداتُ والتّقاليدُ، ونَشاطاتُ التّوعيّةِ الاجتِماعيّة.. الثلاثةُ تتَفاعَلُ في ما بَيْنَها، لتَجعَلَ الحزبَ يُحاوِلُ ابتِلاعَ كُلِّ ما هو اجتِماعي.. ■ الثّلاثةُ برُمّتِها، وهي النُّخَبُ السيّاسيّة، والوَعيُ الاجتِماعِي، والعاداتُ والتّقاليد، مَعنيّةٌ من قريبٍ وبعِيد، بمَطامِعِ الأحزابِ والنّقابات التي أصبَحت تهتَمُّ أكثرَ فأكثَرَ بكُلّ ما هو اجتِماعي، وتَعملُ على التّوغُّل داخلَ المُجتَمع، بِهدَفِ التّعرُّفِ أكثَرَ على خَفاياهُ ونوايَاهُ، وما يُفكّرُ فيهِ هذا المُجتمَعُ وما يَهُمُّه وما يَجذِبُه، وحتى ما يَنفُرُ مِنهُ ويَشمَئِزُّ.. لماذا كلُّ هذا الاهتِمامِ الحِزبِيّ بالنّوايا والآراءِ الاجتِماعيّة؟ الجواب: لكي يتَقرّبَ الحِزبُ أكثرَ منَ المُجتَمَع، ويَطّلِعَ على خَفاياه، وعلى ما يَدُورُ في ذِهنِيّتِه ونفسيّتِه، من أجلِ تَوظيفٍ انتِخابيّ لاهتِماماتِ المُجتمَع.. وإذا كانت في هذه الأطرافِ الثّلاثةِ جِهةٌ لا تَعبَأ بالسّياسة، فالسّياسةُ هيّ تُتابِعُ وتتَعقّبُ خَلفياتِ النشاطِ الاجتِماعي، نفسِيّا ومَعِيشيّا وعَقليّا ومَصْلَحِيّا.. ▪︎وكلُّ ما في حياةِ المُجتَمع، وفي مِزاجِه، وعَقلِيّتِه، وعلاقاتِه، هذا يَدخُلُ في صَميمِ اهتِماماتِ الأحزاب.. لماذا؟ لأنّ هذه الأحزاب لا تَبنِي طمُوحاتِها الانتِخابيّة، إلاّ على دِرايةٍ دقيقةٍ للواقِعِ المُجتمَعِي.. وهذا ما يَجعَلُ الأحزابَ تسعَى للتّقرُّبِ منَ المُجتمع، وتَتظاهرُ لِمُختلِفِ الفئاتِ الاجتماعيّة بالوِدّ، وتُبدِي لها العِنايةَ والحَمِيمِيّة، خاصة على مَشارفِ الانتِخابات.. والأحزابُ لها هذه المَصلحةُ المَعلُومِيّاتيّةُ مِنَ المُجتمَع، لدَرجةِ أنها جَعلَت منَ الانتخاباتِ مَوسِمًا شعبيّا للبَيعِ والشّراءِ في الأصواتِ الانتِخابيّة، وفُرصةً لالتِقاطِ مَعلُوماتٍ أكثرَ دِقّةً عن العلاقاتِ الاجتماعية، ومعَ الأقارِب.. وتُحوّلُ اتّصالاتِها إلى علاقاتٍ مُتَعدّدَةِ المَصادِر، لمَعلُوماتٍ استِطلاعيّةٍ عَن العائلاتِ والأسماءِ الفاعِلةِ في المُجتَمَع.. وتُحوّلُ المُجتَمعَ إلى مَرايَا لصُورٍ الوَاقعِ الاجتماعِي، بحيثُ تكُونُ الأحزابُ على دِرايةٍ بكيفية التعامُل والإقناع، وتكوينِ حميميّةٍ لتحويلِ الانتخابات إلى تبادُلٍ للمصالحِ الماديّة.. وهكذا هي صورةُ أحزابِنا في الذّهنيّةِ الاجتماعية.. إنها تُرَوّضُ علاقاتِها الاجتماعيةَ على اعتبارِ السياسةِ ليست خدمةً للمُجتَمع، بل هي سُلّمٌ للوُصولِ إلى الثّروة، وإلى المجالسِ النيابية، فإلى تبادُلٍ للمصالحِ والمَنافِع.. وتلعبُ الأحزابُ هذا الدّورَ الإقناعي لعلاقاتِها الاجتِماعية، لكي يَتعمّقَ إقناعُ عامّةِ النّاس بأنّ السياسةَ ليسَت إلاّ مَنافِع، لا أكثَر.. ▪︎وتَساؤُلٌ يُطرَحُ هذه الأيام: هل تَنجَحُ النُّخَبُ، وعلى رأسِها الأحزابُ السياسية، في تَغيِيرِ العاداتِ والتّقاليد، وجَعْلِها هي والوَعيُ الاجتِماعي، في خِدمَةِ السياسة؟ هل تنجَحُ السياسةُ في تَركيعِ كلّ ما هو "ثَقافَةٌ اجتِماعية"؟ ■ هذا المُثَلَّث، وهو "الحِزبُ والتّقليدُ والوَعي"، يطفُو على سَطحِ الأحداث، في صِراعٍ خَفِيّ أو مُنفَصِل، لدرجةِ أنه يتَطلّبُ التّدَخُّلَ لفَرضِ سَلامٍ دائمٍ بينَ هذا المُثَلَّثِ السّاخِن، كي لا يَتجَاوزَ مَدَاه.. إنّ مُجتمَعَنا في حالةِ غَلَيانٍ بينَ ثلاثةِ أطرافٍ ذاتِ مَصالِح: المُجتمعُ له وَعيٌ وعاداتٌ وتقالِيد، والأحزابُ تجِدُ نفسَها في مُناوَراتٍ لتَركِيعِ التّنوُّعاتِ الثّقافيةِ داخِلَ المُجتمَع.. وعلينا بِفرضِ حدُودٍ مُسالِمةٍ بين الأضلُعِ الثّلاثةِ لِفعاليّات البلَد.. فالمُجتمَعُ قد بلغَ درجةً من الوَعي، ولا يَتنازلُ عن حُقوقِه الثقافيةِ في العاداتِ والتّقاليد.. ولا يتَنازَلُ عن حقوقهِ التّشغيلية والمَعِيشيّة، وعن العدالةِ الاجتماعية.. بينَما الأحزابُ مُنشَغِلةٌ بتَضلِيلِ المُجتمع، من أجلِ مآرِبَ سياسيةٍ واقتِصادية.. ▪︎ويُستَنتَجُ أنّ علينا بالسّلْمِ الاجتماعي المَبنِي على أساسِ ديمُقراطيةٍ حقيقيّةٍ قِوامُها الحُقوقُ والواجِبات.. وليس هذا فقط.. ▪︎عَلينا بنشرُ مزيدٍ من الوَعيِ التّعايُشِي بينَ تَنوُّعاتِنا البشَريّة.. وبتعليمِ الناشئةِ كيف يكونُ التعايُشُ في سياقِ "حقّ الاختِلاف".. وإلى هذا، تَطوير التّوعيةِ الاجتِماعية، لكي يكُون مُجتمَعُنا شريكًا فعّالاً وإيجابيًّا في إنعاشِ الثقافةِ الوطنية، خِدمةً للصّالح العامّ، ولِكُلّ ما هو استِقرارٌ اجتِماعِي وتَنمَوِي، على كلّ مُستَوياتِ المَسؤولية.. ■ والأحزابُ مُنشغِلةٌ بتَعقُّبِ الوَعْيِ الاجتِماعي.. فأيّةُ أسرارٍ تَختزِلُها أنواعٌ أخرى منَ الوَعي، في أعماقِ أدمِغةِ المُجتَمَع؟ ▪︎كلُّ الأحزاب تبحَثُ عن أسرارِ "الوَعي الاجتِماعي".. ويا تُرى، ماذا يَختزِنُ وَعيُ المُجتمَع؟ وماذا في نواياه؟ وهل تستَطيعُ الأحزابُ أن تتَوَغّلَ إلى دَواخلِ المُجتَمع؟ ألا تتَمَكّنُ مِن تروِيضِ وتطويعِ وتليِين ما في الوعيِ المُجتمَعِي؟ ألا تستطيعُ الأحزابُ بهذا التّرويض أن تُغيّرَ تَفكيرَ الوَعيِ المُجتمَعي؟ ألاَ تنجحُ في غَسلِ دماغِ المُجتَمع؟ ■ هذا صِراعٌ بين الوَعيِ الاجتماعي، والوَعيِ السياسي.. ومُجتَمَعُنا كثيرًا ما يُسابِقُ الأحزابَ في قراءةِ شَفراتِ التّسيُّسِ الحِزبي.. والوَعيُ الاجتِماعِي في سِباقٍ مع الوَعيِ السياسي.. ▪︎الاجتِماعِي يَبحثُ عن أسرارِ اللُّعبة السياسية.. والسياسِي يَبحثُ في الاجتماعي، ولكُلّ منَ الطّرفيْن طُرُقٌ خاصةٌ في اللّفِّ والدّوَرَان.. ▪︎وعِندَنا أُمّيُّون يَستَقرِئون مُستقبَلَ الأحزاب، ومَن سوفَ يَخسِر، ومَن يكُونُ مِنَ السّاقِطين.. إنّها عَبقَريةُ الأُمّيّة تَقتَحِمُ الأحزاب، وتَكشفُ عن أسرار.. ومعَ مُناضِلِين آخَرِينَ أُمّيّون، يَتبادَلُونَ المَعلُومات، ويُسابِقُون بعضَهم في اكتِشاف المَعلُومِ والمَجهُول.. إنها أحزابُنا أصبحت تعتمِدُ في كسبِ الانتخابات على تُجّارِ المُخدّرات، وأباطرةِ العَقار، وعلى مَن لا يَقرأون ولا يَكتُبون.. ويُصبِحُون في وَاجهةِ الانتِخاباتِ المَحليّة، والبَرلمانيّة.. ■ هذا وعيٌ سياسيٌّ جديد.. إنّها الأُمّيّةُ ترسُمُ الخريطةَ الانتِخابيّة حتى لمُستَقبَلٍ غيرِ بعِيد.. وتَبِيعُ خَدَماتِها ونَصائحَها لكُلّ مَن يبحثُ عن كُرسِيّ.. وتَرى حتى "مُثقّفِين" يَصطَفُّون، طالِبين نصائحَ انتِخابية.. ما زِلنا لم نَخرُج بعدُ، وبشَكلٍ تامّ، منَ الزّمَنِ الأُمّيّ.. ☆ وهذه وغيرُها مِن تحدّياتِنا المُقبِلة.. تحدّياتٌ تَنشَغِلُ بها بلادُنا، ويَقُودُها حُكماءُ المَغربِ الصّامِد.. * وإلى الأمام! * [email protected]