نجيم مزيان / باحث في الدراسات الدستورية والسياسية العدالة الانتقالية هي استجابة للانتهاكات المنهجية أو الواسعة النطاق لحقوق الإنسان،لتحقيق الاعتراف الواجب لما كابده الضحايا من انتهاكات وتعزيز إمكانية تحقيق السلام والمصالحة والديمقراطية،وليست العدالة الانتقالية شكلا خاص من أشكال العدالة،بل هي تكييف للعدالة على النحو الذي يلائم مجتمعات تخوض مرحلة من التحولات في أعقاب حقبة من تفشي انتهاك حقوق الانسان،وفي بعض الاحيان تحدث على حين غرة،وفي أحيان أخرى قد تجري على مدى عقود طويلة. وقد برز هذا النهج في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات،وجاء في الأغلب استجابة للتغيرات السياسية في أمريكا اللاتينية وشرق أوربا،لارتفاع الأصوات المطالبة بالعدالة في هاتين المنطقتين،فقد سعى دعاة حقوق الانسان وغيرهم آنذاك للتصدي للانتهاكات المنهجية التي اقترفتها الأنظمة السابقة،ولكن دون أن يعصف ذلك بالتحولات السياسية التي تشهدها البلاد،ولما شاع وصف هذه التحولات ب”الانتقال الديمقراطي” فقد بدأ الناس يطلقون على هذا المجال الجديد المتعدد التخصصات مصطلح ” العدالة الانتقالية “. كما يرجع البعض إرهاصات ظهور هذا المجال إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية محاكمات نورمبورغ،ويرى آخرون إن معالمها بدأت تتشكل وتتضح مع تشكيل محاكمات حقوق الانسان في اليونان في أواسط السنعينات وتتميز العدالة الانتقالية بميزات نجملها في ثلاثة نقاط وهي كالتالي: تركز العدالة الانتقالية على الشمولية في التعامل مع إرث الانتهاكات. تتميز العدالة الانتقالية باستحضار مفهومي التوازن والاندماج فهي لا تسعى إلى عدالة بأثر رجعي بأي ثمن،أو تركز على المحافظة على السلام على حساب حق الضحايا في العدالة ولمن تؤكد ذلك على إرساء توازن بين الاهداف على اختلافها وتنافسها اعتمادا على القانون الدولي،والامتيازات والاكراهات المحلية وصياغة سياسية عقلانية وعادلة. تتبنى العدالة الانتقالية منهجا يرتكز بالأساس على الضحايا،للتعامل مع ماضي عنيف سواء من حيث مساره أو نتائجه،ويمكن إلى درجة كبيرة قياس مشروعية آليات العدالة الانتقالية بمدى اعتراض الضحايا عليها أو دعمهم لها،وإلى أي درجة يمكنهم المشاركة فيها والاستفادة منها. تركز العدالة الانتقالية على الأقل على خمس مقاربات أولية لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية: 1. الملاحقات القضائية،أوالمحاكمات (سواء المدنية أو الجنائية، الوطنية أو الدولية، المحلية أو الخارجية). 2. البحث عن الحقيقة وتقصي الحقائق (سواء من خلال تحقيقات رسمية وطنية مثل لجان الحقيقة أو لجان التحقيق الدولية أو آليات الأممالمتحدة أو جهود المنظمات غير الحكومية). 3. جبر الضرر (سواء من خلال التعويض الرمزي أو العيني أو إعادة التأهيل). 4. الإصلاح المؤسسي (بما في ذلك الإصلاحات القانونية والمؤسسية وإزاحة مرتكبي الأفعال من المناصب العامة وإقامة تدريب حول حقوق الإنسان للموظفين العموميين). 5. إقامة النصب التذكارية وتأسيس “الذاكرة الجماعية” . أولا: الملاحقات القضائية تُعتبر المحاكمات أول فئة كبيرة من آليات العدالة الانتقالية. وبموجب القانون الدولي، تلتزم كل الدول بالتحقيق في جرائم حقوق الإنسان بعد ارتكابها وفرض عقوبات على المسئولين عنها، والتي تتطلب كحد أقصى الالتزام بالتسليم أو المتابعة وكحد أدنى إلحاق عقوبة غير إدارية لا تتنافى كثيراً مع حجم جريمة حقوق الإنسان المعنية. وقد تمت المصادقة على الصعيد العالمي تقريبا على أغلب المعاهدات الإقليمية والدولية التي تؤكد صراحة على هذه الالتزامات العامة.وثمة العديد من القرارات الصادرة عن هيئات رصد المعاهدات والمحاكم فوق الوطنية مثل لجنة الأممالمتحدة لحقوق الانسان التي تؤكد هذه الالتزامات قد تم كذلك التأكيد عليها من خلال تجريم انتهاكات حقوق الانسان وتخصيص مقتضيات دستورية لها في القانون الوطني لعدد كبير من الدول. على صعيد أوسع،يمكن أن تساعد المحاكمات في إعادة الشعور بالثقة بين المواطنين حول سيادة القانون،ويمكن أن تخلق المحاكمات الناجحة لمنتهكي حقوق الانسان في الماضي إحساسا بأن النظام”يعمل” وأن الأمر يستحق الاستمرار في بناء الديمقراطية.وثمة كذلك أسباب إضافية تجعل المحاكمات ذات أهمية،ولاسيما على الصعيد الوطني وبالخصوص عندما يتعلق الأمر بجرائم حقوق الانسان. ويمكن أن تساهم المحاكمات في إرساء روادع خاصة وعامة والتعبير عن إدانة عامة الناس للسلوك الإجرامي وتوفير شكل مباشر من المحاسبة لمرتكبي تلك الأعمال،والعدالة للضحايا والمساهمة في زيادة ثقة الجماهير في قدرة الدولة ورغبتها في إنفاذ القانون.وفي بعض الحالات،المساعدة على إعادة تأهيل المجرمين. وأخيرا ثمة هدفان يمكن تحديدهما بالنسبة الى المتابعات الجنائية في المراحل الانتقالية: إعادة أو المساعدة على إعادة الكرامة الى الضحايا. إعادة أو المساعدة على إعادة بناء الثقة الضرورية بين المواطنين والمؤسسات بالدولة والتي لابد منها من أجل ديمقراطية سلمية تعمل جيدا.7 تظهر الى الواجهة مسألة الصفح. في هذا الصدد تتخذ أرندت Hannab Arendt المسألتين التاليتين،في كتابها شرط الانسان الحديث “كمكسبين”: -لا بد للصفح أن يظل إمكانية إنسانية وخصوصا على البعد الانتروبولوجي الذي يقرر كل شيئ،لان الامر يتعلق دوما في العمق بمعرفة ما إذا كان الصفح إمكانية أم لا؟ وهل هو قدرة إنسانية أم لا؟. - تقترن هذه الامكانية الانسانية بإمكانية العقاب بالطبع،وليس المقصود به الانتقام الذي يعتبر الصفح غريبا تماما عنه،وإنما العقاب طبقا للقانون. تقول أرندت في هذا الصدد:”للعقاب قاسم مشترك مع الصفح يتمثل في محاولته وضع حد لشيئ يمكن أن يستمر،في غياب التدخل،الى ما لا نهاية.” وفي هذا الصدد،يؤكد إدغار موران:”تكمن مشكلة كل مجتمع متحضر في معرفة الكيفية التي تمكن من التخلي عن الدورة الجهنمية المتمحورة حول الزوج:انتقام-عقاب. رغم وجود العديد من الخيارات التي قد تتوفر بالنسبة الى النظام القضائي في أفق تحقيق العدالة الانتقالية،إلا أنه يفضل على العموم اللجوء الى المتابعات المحلية،فبإمكان المحاكمات المحلية أن تقوي القدرة المحلية في المتابعة وأن تكون مواكبة للسياق الاجتماعي والسياسي المتغير في مرحلة الانتقال.بالإضافة الى ذلك فإن الإجراءات المحلية هي بالتأكيد أقل تكلفة في ممارستها.كما أنها تسمح بالاتصال بشكل أفضل بالضحايا والشهود والادلة…وثمة خيار ذو أهمية خاصة ولكنه محدود النطاق فيما يخص محاكمة جرائم حقوق الانسان،ألا وهو المحاكم الدولية.ففي سنة1993 وفي خطوة غير مسبوقة تحققت بفضل نهاية الحرب الباردة،أنشأ مجلس الامن محكمة جنائية دولية ليوغسلافيا. ثانيا: البحث عن الحقيقة غالباً ما تعبر المجتمعات التي تعيش مرحلة انتقالية عن طلبات لفهم مدى وطبيعة العنف أو الانتهاكات التي وقعت أثناء حكم النظام السابق. وينادي الضحايا والمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، من بين أطراف أخرى عديدة، بكشف “الحقيقة” حول الماضي، وذلك عادة كرد فعل للنظام السابق الذي كان يعتمد على الأكاذيب والخداع. وقد ظهرت داخل مجال العدالة الانتقالية، عدة طرق لاستجلاء الحقيقة حول الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان. وأشهر طريقة من بين هذه الطرق هي “لجنة الحقيقة” يسعى قانون الحقيقة والمصالحة الى تناول هذه المشكلة الضخمة من خلال تشجيع الناجين وأفراد عائلات من تعرضوا للتعذيب والجرحى والمصابين بعاهات والقتلى،على البوح بأحزانهم علانية،والحصول على إقرار جماعي من الأمة الجديدة أنهم تعرضوا للأذى،والأهم من ذلك،مساعدتهم على اكتشاف حقيقة ما حدث لأقربائهم،وأين ؟وفي ظل أي ظروف حدث ذلك ؟ومن كان المسؤول؟ تعد لجان الحقيقة أداة قوية لمواجهة الاكاذيب والأساطير التي تحيط بالنزاع والانتهاكات المرتكبة،ولا تكمن المسألة في أن حقيقة ما حدث غير معروفة،بل في أن المستفيدين من الاساءات المرتكبة ومن الامتيازات غالبا ما يرفضون الاعتراف بالحقيقة.ففي جنوب إفريقيا ونظرا الى الدور المهم الذي قام به الاعلام خلال سنوات الفصل العنصري،يصعب القول أن من المحتمل ألا يكون مواطنو جنوب إفريقيا البيض على علم بالفظائع التي كانت تحدث في البلد.ومما يبعث على السخرية أنه في أثناء جلسات استماع اللجنة،وعندما شرع الضحايا في تقديم شهاداتهم،زعم كثيرون من مواطني جنوب افريقيا البيض أن الضحايا يبالغون.وعندما بدأ الجناة في تقديم شهاداتهم حول الجرائم البشعة التي ارتكبوها،زعم مواطنو جنوب افريقيا البيض إما أنهم لم يعرفوا بالفظائع المرتكبة أو أن الدولة كانت متورطة في ارتكاب هذه الجرائم. أما في سيراليون،فلم يدرك كثير من المواطنين العاديين كامل تعقيدات ما سماها رئيس اللجنة بالحرب المتقلبة.فقد ساد في البلد اعتقاد واسع أن”الجنهة المتحدة الثورية”،كانت مسؤولة في الدرجة الاولى عن النزاع،واستطاعت اللجنة أن تثبت أن غزو”فرويتاون” في يناير قام به في الأساس،أعضاء من “المجلس الثوري للقوات المسلحة”،وهم جنود مستاؤون تبنوا مميزات القوات المتمردة.وعلى عكس الاعتقاد بأن عمليات بتر الاعضاء كانت تمثل الانتهاك الرئيس المرتكب،استطاعت اللجنة أن تثبت ان الاغتصاب والعنف الجنسي كانا،في واقع الامر،أكثر الجرائم انتشارا.فقد كان الاغتصاب الجريمة الصامتة التي عانت منها أغلب النساء والفتيات في سيراليون أثناء النزاع. إن ضمان رواية مشتركة للاحداث هو أمر ذو أهمية حاسمة في بلد يبدأ إعادة بناء تضامن اجتماعي جديد.وقد عبر”ميكائيل ايجناتين” عن ذلك بصورة بليغة حين قال:”إن الماضي موضوع مطروح للنقاش ووظيفة لجنة الحقيقة،مثلها مثل وظيفة المؤرخين الأمناء،هي فقط تنقية النقاش وتقليص مدى الأكاذيب المباحة”. ثالثا: التعويض وجبر الضرر أمام الانتشار الواسع لانتهاكات حقوق الإنسان، أصبح لزاماً على الحكومات ليس فقط التصدي لمرتكبي هذه التجاوزات بل أيضاً ضمان حقوق الضحايا. وبوسع الحكومات تهيئة الظروف الملائمة لصيانة كرامة الضحايا وتحقيق العدل بواسطة التعويض عن بعض ما لحق بهم من الضرر والمعاناة . وينطوي مفهوم جبر الضرر على معاني عدة من بينها التعويض (عن الضرر أو ضياع الفرص)، رد الاعتبار (لمساندة الضحايا معنوياً وفى حياتهم اليومية) والاسترجاع (استعادة ما فقد قدر المستطاع). يمكن التمييز بين التعويضات بحسب النوع (مادية ومعنوية) والفئة المستهدفة ( فردية/ جماعية). ويمكن أن يتم التعويض المادي عن طريق منح أموال أو محفزات مادية، تقديم خدمات مجانية أو تفضيلية كالصحة والتعليم والسكن. أما التعويض المعنوي فيكون مثلاً عبر إصدار اعتذار رسمي، خلق فضاء عمومي لتخليد ذكرى أو إعلان يوم وطني للذكرى. وتتعدد الأهداف المتوخاة من تدابير جبر الضر مثل الإقرار بفضل الضحايا جماعات وأفراد، ترسيخ ذكرى الانتهاكات في الذاكرة الجماعية، تشجيع التضامن الاجتماعي مع الضحايا، إعطاء رد ملموس على مطالب رفع الحيف وتهيئة المناخ الملائم للمصالحة عبر استرجاع ثقة الضحايا في الدولة. إضافة إلى أن مبدأ التعويضات أصبح إلزامياً بموجب القانون الدولي. سواء منحت للضحايا تعويضات مادية أو لم تمنح، من المهم أن تؤخذ بعين الاعتبار كذلك عدد من الأشكال الإضافية والهامة من أشكال تعويض الضحايا. أولا، قد يكون من المهم في بعض السياقات، بالنسبة إلى حكومة جديدة أن تحاول إعادة الحقوق القانونية إلى الضحايا أو ممتلكاتهم. مثل إجراءات مساعدة السكان الذين تم ترحيلهم بالقوة أو الذين سرقت أراضيهم، أو إرجاع حقوق الحرية والمكانة الاجتماعية والجنسية، أو إعادة الإدماج في المناصب السابقة في الوظائف العمومية. وثانيا، قد يكون كذلك من المهم في بعض السياقات وضع برامج خاصة لإعادة تأهيل الضحايا، بما في ذلك المواساة العاطفية والعلاج البدني أو المساعدة الطبية. وثالثا، ثمة مجموعة واسعة من الإجراءات الرمزية لجبر الضرر والتي يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار، سواء بالنسبة إلى الضحايا بشكل فردى (مثلا، رسائل شخصية للاعتذار من طرف الحكومات الموالية، أو مراسم دفن ملائمة للضحايا القتلى، الخ ) أو الضحايا بصفة عامة (مثلا الاعتراف الرسمي بما جرى من قمع في الماضي، أو تخصيص فضاء عام وأسماء الشوارع، رعاية العروض الخاصة أو الأعمال الفنية، بناء النصب التذكارية العامة والمآثر والمتاحف الخ ) رابعا: الإصلاح المؤسسي تأتى خطوة الإصلاح المؤسسي كخطوة مكملة وضرورية للخطوات السابقة (المحاكمات، التعويض)، بغرض ضمان سلامة إنجاح مسيرة الانتقال للمجتمع الديمقراطي. فمن غير المنطقي أن تتم المحاسبة وتعويض الضحايا، مع الإبقاء على ذات تشكيل وأعضاء المؤسسات التي تورطت في ارتكاب الجرائم، فقد يتطلب الأمر إجراء تعديلات هيكلية في بعض المؤسسات ذات الصلة بالانتهاكات، أو تطهير تلك المؤسسات من بعض العناصر التي يثبت تورطهم في ارتكاب الجرائم في النظم السابقة، لضمان عدم تكرار تلك الممارسات مرة أخرى في المستقبل من قِبل الأجهزة الإدارية أو أية أجهزه أخرى في الدولة. وهناك العديد من النماذج الدولية، فيما يتعلق بالإصلاح المؤسسي. ويشكل الاصلاح المؤسساتي من أجل تفادي تكرار المآسي الناجمة عن خروقات حقوق الانسان عاملا مهما في العدالة الانتقالية. يجب على الدولة أن تتخذ كل التدابير اللازمة،بما في ذلك الاصلاحات التشريعية والإدارية،من أجل ضمان تنظيم المؤسسات العمومية بشكل يسمح باحترام دولة القانون وحماية حقوق الانسان،فعلى الأقل المسؤولون والموظفون ذوي المسؤولية الشخصية في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان،خاصة أعضاء القوات المسلحة ،الأمنية،الاستعلامات،المخابرات والقضاء لا يستطيعون البقاء في خدمة مؤسسات الدولة. إن النزاعات المسلحة لها غالبا عواقب وخيمة على مؤسسات الدولة،إذ أن الأنظمة الديكتاتورية تستعمل من جهتها مؤسسات البلد،وخاصة “أجهزة الأمن” من أجل ارتكاب الجرائم. وبالتالي فالمرحلة الانتقالية تستوجب تعديل المؤسسات بما يكفل ضمان عدم تكرار ما وقع. خامسا: إحياء الذكرى إحياء الذكرى هو أي حدث أو واقعة أو بنية تعمل كآلية للتذكر. ويمكن أن يتم إحياء الذكرى بشكل رسمي (مثل إقامة نصب تذكاري) أو غير رسمي (مثل بناء جدارية في مجتمع محلى)، رسميا من طرف الدولة أو تلقائياً من طرف المواطنين . ويسعى الناس إلى إحياء ذكرى أحداث الماضي لأسباب عديدة، منها الرغبة في استحضار ذكرى الضحايا و/أو التعرف عليهم، أو تعريف الناس بماضيهم، أو زيادة وعى المجتمع، أو دعم أو تعديل رواية تاريخية أو تشجيع تبني الاحتفال بالذكرى/مسلسل العدالة الانتقالية من أقصى مستوى محلي. صرح الرئيس الجنوب الافريقي”نيلسون مانديلا”ذات مرة:”نعم للصفح،لا للنسيان”. وللمعارض البولندي أدام مشنيك في نفس السياق عبارة ذاع صيتها يقول فيها:”عفو عام لا فقدان للذاكرة”. من المستحيل تجاهل الماضي،إذ ثمة مبرر آخر وهو أنه من المستحيل تجاهل الماضي أو نسيانه،فهو دائما يطفو على السطح- لذلك من الافضل إظهاره بطريقة بناءة وشافية،طبقا لهذا المبرر نرى أن مواجهة الماضي تخلق نوعا من الردع. ويُشكل فهم احتياجات الضحايا وعائلاتهم والناجين من انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة أحد العناصر الرئيسية في العدالة الانتقالية. ورغم عدم وجود شكل وحيد لتعامل الضحية مع الماضي، إلا أن الضحايا وجمعياتهم المنظمة كثيراً ما يطالِبون بالعمل على بلوغ عدد من أهداف العدالة الانتقالية، بما في ذلك تحقيق العدالة والمحاسبة، إظهار الحقيقة، جبر الأضرار، ضمان عدم تكرار ما جرى. إضافة إلى كل ذلك، غالباً ما يكون هناك مطلب بالتذكر، فتذكر الماضي يتيح نوعاً من تكريم الذين ماتوا أو تمت التضحية بهم. غير أن آليات التذكر يمكن أن تساهم في بلوغ أهداف أخرى للعدالة الانتقالية، بما في ذلك البحث عن الحقيقة، ضمان عدم تكرار الخروقات مستقبلا، تحفيز الحوار والنقاش حول الماضي، وضع سجل تاريخي مناسب، الإنصات لأصوات الضحايا، ومتابعة الأهداف المرتبطة بجبر أضرار الضحايا