انتظر حوْلاً كاملاً، وترقَّب موسم الدخول المدرسي، وتربَّص بالمكتبات في الناظور، وبمكتبةٍ محدَّدَةٍ بالضبط، كي يكتب عن ظاهرة احتلال الأرصفة في المدينة! أعرض عن كل المحلات التجارية، والمقاهي، والمطاعم، والدكاكين المختلفة، التي تحتل الأرصفة طول أيام السنة، صيفاً وشتاءً، ربيعاً وخريفاً، في كل المواسم والأعياد والمناسبات ودون المناسبات، وأشاح ببصره عنها، وعطَّلَ قلمَه عن التحدث عنها، ووجدَ المكتبات في موسم الدخول المدرسي، كي يتحدث عن استغلالها للأرصفة! إنها عملية تسلق الحائط القصير، فقد نظر في ظاهرة احتلال الأرصفة، والتفت يميناً ويساراً في نواحي المدينة كلها، فوجد أن المكتبات وحْدَها المسؤولة عن هذه الظاهرة، وأنَّ ما تعرضه من أدوات مدرسية، ومحفظات، هي سبب شكوى المواطنين من احتلال المِلْك العامِّ، ولا ندري كيف حصل على هذه الشكوى، ومن هم هؤلاء المواطنون الذين التجأوا إليه بالشكوى، فأنصتَ إليهم رحمه الله وأنابَ عنهم في تقديم الشكوى إلى الرأي العام؟! نعمان كريم لمْ يفكر قبْلاَ أن يكتب عن ظاهرة احتلال الأرصفة، وغيرها من الظواهر السلبية في المدينة، وحين جاءَ موسمُ الدخول المدرسي، اشتعلَ ذهنُه، وسالَ قلمُه، فكتب عن احتلال المكتبات للأرصفة، ولم يفكر أن المكتبات تضطرُّ إلى هذا الأمر، لطبيعة الموسم، وأنها تستغلُّ جزءاً من الرصيف ليس لغرض الاحتلال الطويل، وإنما لفترة قصيرة لا تتجاوز شهراً، وهي بهذا "الاحتلال" تقدم خدمةً جلَّى للتلاميذ وآبائهم وأمهاتهم، وتساهمُ في نشر وسائل التعليم والتمدرس، وهي بذلك لا تختلف عن غيرها من التجارة التي تكون موسميَّةً مثل ما يحدث في العيدين مثلاً. ومن حقِّ نعمان كريم أن ينتقد المكتبات لاحتلالها للأرصفة، ومن حقه أن يستنكر الظاهرةَ، ويصورِّ بالصورة والكلمة تلك الأمتار القليلة التي يستغلُّها أصحاب المكتبات في موسم الدخول المدرسي، لكن ليس من حقِّه أن يدَّعِيَ أن المواطنين يشتكون من الظاهرة، فلو كان الأمرُ كذلك لكانت شكواهم من أرباب المقاهي، وأصحاب المطاعم، ومالكي المحلات التجارية، الذين يحتلون الأرصفة بشكل مفرط وبَشعٍ طول السنة، وهو ما لمْ يكتبُ عنه نعمان كريم، لأنَّ حيطان هؤلاء طويلة، وسميكة، لا يفكر في تسلقها، وبالتالي لا يجرؤ على الحديث عنها، وعرْضِ شكواه في الموقع الذي نشرَ فيه ما نشرَ. والأمرُ ليس غريباً عن بعض العقول في الناظور، فإنَّ أصحابَها لا يقدِّرون المكتبات، ولا يستهلكون الكتبَ، ولا يقرأون ما يعرضُ أصحابُ المكتبات، فيضعون الشيءَ في مكانه الصحيح، ويضْفون عليه مكانتَه اللائقةَ، غيرَ أنهم يُساوونَ بين أوراق المراحيض وبين أوراق الكتب، ولا يجدون فرْقاَ بين السكاكين والسواطير وبين الأقلام والمساطر، ولعلَّ تقديرَهم للبضائع المختلفة الأخرى التي تتكدس في الطرقات والأرصفة أكبر من تقديرهم للأدوات المدرسية!