[email protected] لأول مرة سأكتب فيها وأنا على متن باخرة... ترى، ما الذي يجعلك تكتب في ساعة متأخرة من الليل وأنت تقل باخرة تعبر بك البحر الأبيض المتوسط؟ عادة يعجبني أن أستمتع بأشياء أخرى وأنا في هذه الحالة، كالنظر إلى المياه المتدفقة من تحت الباخرة، أو التأمل في ملكوت الملك الذي لا يفنى ولا يموت... بساحة ماسبالوماس التي قال عنها أحد المعلقين عن العمود إني اشتقت لها. أتذكر صديقا لي ذات يوم بعدما مل من تحليق الطائرات فوق رؤوسنا وهي تقل آلافا من السياح الوافدين على جزيرة الملاهي، أتذكره حينما قال لي : “أنظر الى هذه الطائرة وما تقله من مسافرين، أنظر إلى ضخامة الطائرات وعملاقيتها، أنظر إلى هذه الطائرة حينما تحلق في ملك الله كيف تتحول إلى نقطة صغيرة يعجز البصر عن إدراكها. كلما حاولت تتبع مسارها حينما تنظر إلى الأرض من على بعد معقول عليها فقط تدرك في تلك اللحظة ضيق الحياة التي تأوينا، مع العلم أنه حينما ننظر إليها نظنها رحبة واسعة، لكنها في الحقيقة العين التي يقول حتى العلماء عنها إنها تخدع. لا يمكن أن ننكر أنه حينما يولد مولود جديد أول ما يستقبل به هذه الحياة بصراخه، بالرغم من أنه انتقل من ضيق رحم الأم إلى سعة الدنيا وما فيها. لكن بعدما يتعود الإنسان على هذه الدنيا يظنها أحيانا ضيقة، لذلك نجد بعضهم يقول : إذا ضاقت بك الدنيا بما رحبت فقل يا الله. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الدنيا تضيق على أهلها، فما العمل يا أهل الدنيا؟ هناك مقولة أخرى و هي الأهم، وهي حينما نسمع أن فلانا انتقل من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة. فهذه هي الحقيقة الغائبة التي ربما نتجاهلها أحيانا. فهل آن الأوان لكي ندرك أنه هناك انتقال شئنا أم أبينا من ضيق إلى سعة؟ من عالم إلى آخر؟ من فناء إلى بقاء؟ هلا تذكرنا وذكرنا بعضنا البعض أن هناك سفرا ينتظرنا بدون تأشيرة دخول على طريقة القنصليات، وإنما تأشيرة من نوع خاص يخضع صاحبها لامتحان لا يتعدى ثلاثة أسئلة من منكر و نكير –رحلة الى عالم لا يعلم مسارها الا الباقي بعد الفناء-؟. يقول الشاعر: يا عجبا للناس لو فكروا وحاسبوا أنفسهم أبصروا و عبروا الدنيا إلى غيرها فإنما الدنيا لهم معبر لا فخر إلا فخر أهل التقى غدا إذا ضمهم المحشر ليعلمن الناس أن التقى والبر كانا خير ما يدخر عجبت للانسان فى فخره وهو غدا فى قبره يقبر ما بال من أوله نطفه وجيفه آخره يفجر أصبح لا يملك تقديم ما يرجو ولا تأخير ما يحذر وأصبح الأمر إلى غيره فى كل ما يقضى وما يقدر ويقول الأعرابي : فى السابقين الأولين من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها يمضي الأكابر والأصاغر أيقنت أني لا محاله حيث سار القوم سائر فاعتبروا يا أولي الأبصار