الأكيد أن فقهاء القانون قد أثار عندهم تعريف الجريمة السياسية خلافاً واسعاً في الفقه القانوني الداخلي والدولي على السواء، ومرجع ذلك هو أنه على الرغم من وجود جرائم لا تكاد تثير إشكالاً من حيث كونها جرائم سياسية، ونعني بها الجرائم الموجهة ضد النظام السياسي للدولة، فإن هناك جرائم أخرى توصف بأنها جرائم مختلطة بالنظر إلى أنها تتكون من أفعال تعتبر أصلاً من الجرائم العادية ولكنها ترتكب بدافع سياسي، كما أن هناك نوعاً آخر من الجرائم يعرف بالجرائم المتصلة وهي جرائم عادية يتم ارتكابها في أثناء قيام ثورة أو في حالة حرب، والأصل في الموضوع أن تاريخ المغرب الحديث مليء بالأحداث التي تؤسس لانتهاكات جسيمة وتشهد بعدد لا نهائي من الجرائم المنظمة مثل عمليات الاغتيال السياسي والاختطافات والاعتقالات والقتل، أشعل بعضها شرارة عدد من الأحداث الدامية لا تخلو من أبشع الجرائم فخلفت سجلا ضخما من الانتهاكات الجسيمة التي أدت إلى الألوف من الضحايا من ناشطين سياسيين وعسكريين ومدنين رجالاً ونساء فلازالت آثارها قائمة إلى اليوم بوجود العديد من المقابر الجماعية، فلا تخلو ملفات السلطات وأجهزتها العلنية والسرية من تهم الاغتيال السياسي بفنون ووسائل متعددة من خلال نماذج مختلفة ومتنوعة، فهاته الأفعال كلها تؤسس للجريمة السياسية ضد الأفراد أو مجموع السكان. فكلما تحدثنا عن الماضي السياسي المغربي وإلا تصادفنا أحداث مورست فيها أبشع الانتهاكات على حسب المناطق والجهات ومن الصعوبة تجاوز حجم الجرائم المرتكبة سواء السياسية والاقتصادية على ربوع الوطن وأخص الذكر جهة الريف. الجرائم المرتكبة بجهة الريف من سنة 1956 حتى 2004 مؤخرا تداول موضوع ماض الانتهاكات في الريف بشكل كبير في الدراسات والتحليلات للباحثين الأكاديميين والمؤرخين والسياسيين فكل من جانبه يبرز حساسية جهة الريف السياسية والتاريخية والثقافية والتراثية وهدفهم بالأساس كتابة تعكس البعد الحضاري للريف وعن موقعه الجيوستراتيجي في المنطقة من خلال تجربته في العمل السياسي المتقدم على نماذج عدة بشمال إفريقيا والمعروف ببناء دولة عصرية مؤسساتية عسكريا وإداريا وسياسيا (الجمهورية الريفية) خلال القرن الماضي، ونظرا لإشعاعه الكبير في النضال الوطني التحرري دفع بالعديد من الحكومات إلى إدراج الريف داخل أجنداتهم الخاصة وبدأت تحاك ضده مؤامرات من أجل القضاء على مكانة الريف ودوره الإقليمي الذي أسسه الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي وسعت كل الأطراف إلى محو تجربته المتميزة وبالفعل انهالت عليه سيل من الهجومات والضربات المتتالية سواء من الخارج والداخل فقد كلفه ذلك الكثير من الآلام والمعاناة والمآسي وجرائم منظمة ومتصلة تعد بإجماع الجميع أنها الأبشع في تاريخ المغرب الحديث، فخلال المناظرة الوطنية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالريف سنة 2005 أُثير ملف الريف للنقاش العمومي بين مختلف مكونات الهيئات السياسية والمدنية والحقوقية وبمشاركة المواطنين في النبش بالجرائم الحاصلة مما استنتجه الجميع أن ما حدث كان عملا منظما وممنهجا من طرف الدولة استنادا على شهادات وروايات الضحايا وكذلك على كتابات المتخصصين السياسيين والقانونيين الذين أكدوا أن سقف الجرائم تفوق التشريعات الوطنية باعتمادهم على رزمة من المفاهيم مستوحاة من التشريع الدولي وخصوصا من القانون الدولي الإنساني والتي تعد جرائم ضد الإنسانية اعتماد على ما تنص المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1)، وتطبيقاً لهذا النص نجد أن نظام الحاكم بالمغرب قام بالعديد من الأفعال في الريف التي تدخل في إطار جرائم ضد الإنسانية على نحو يفيد بأنها سياسة دولة وعمل ممنهج ومن هذه الأفعال على نحو المثال لا الحصر : القتل العمد، والاغتيالات والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، تدمير الممتلكات والاستيلاء عليها والحرق للمحاصيل الزراعية، تعمد حرمان المعتقلين من محاكمة عادلة، استخدام الرصاص، استخدام الغازات الخانقة ضد المدنيين في القرى والمدن، تعمد توجيه هجمات ضد المباني، الاعتداء على كرامة الشخص والمعاملة المهينة والمحيطة بالكرامة والقصف بالطيران غيرها… ، والتي بدأت منذ الاستقلال الشكلي بالاغتيالات لرموز وقيادات جيش التحرير أشهرهم قضية اغتيال القائد عباس المسعدي واختطاف حدو أقشيش ثم اغتياله تحت التعذيب وبالضبط في أواخر سنة 1958 وبداية 1959تعرض الريف لأحداث فضيعة وجرائم خطيرة حولته إلى ميدان حرب بدأ بهجوم عسكري كاسح قوامه 20 ألف عسكري بالكمال والتمام، بقيادة الحسن الثاني (ولي العهد آنذاك) ومدعم بالطائرات الفرنسية والأمريكية المحملة بقنابل النابلم المسمومة والممنوعة عالميا وبأحدث الأجهزة والآليات العسكرية والمدافع الحربية التي كانت تقذف سمومها على قرى ومداشر وجبال الريف، وكان السواد الأعظم من الضحايا هم المدنيون العزل الذين سقطوا على أيدي الجيش المغربي إنها فعلا بشاعة بكل المقاييس وبكل ما تحمله الكلمة من معنى وإنها فعلا إبادة جماعية لساكنة الريف (2)، ومنذ تلك المرحلة لم تستقر الأوضاع بل مشحونة بالتوتر وفي كثير من الأحيان دامية نتيجة السياسة المتبعة من القصر في حق المنطقة فاستمرت سياسية التهميش والحصار لعقود على المنطقة ومعاقبة أبنائها بشتى أنواع القمع، وفي كل مرحلة يتجدد واقع الانتهاك على أشكال مختلفة مثلا: عندما اندلع الانقلاب العسكري سنة 1971 رأينا كيف كان للريف نصيبه من التهمة لاعتبار أن قادة الانقلاب أصولهم من الريف الكبير فكم من تأويل قيل في هذا الباب، وكذلك أسئلة كبيرة تحوم حول الغموض الذي يلف طريقة الوفاة لابني محمد بن عبد الكريم الخطابي محسن وإدريس، كما تعرض العديد من الأسماء الريفية لعمليات تصفية إما لعلاقتهم بالأمير مولاي موحند أو أنهم مؤمنين بنهجه وخياره مثلا المناضل الكبير محمد الزفزافي الذي قتل بحادثة سير بداية السبعينات، وفي ذات الوقت يوجد داخل دهاليز المعتقلات السرية العديد من أبناء الريف وأشهرهم مجموعة الدكتور عمر الخطابي. فكلما تقدم الزمن وإلا تزداد المعاناة ويستمر نزيف العنف وتسيل دماء الأبرياء بأقصى الصور ونخص الذكر انتفاضة سنة 1984 التي تعتبر أحداثها الفصل الثاني من جرائم الدولة ضد الريف لاسيما أنها أحداث فضيعة عوملت ساكنة الريف بقسوة وأنزل عليها أنواع الإرهاب المخزني وزرع الرعب في أوساط الأهالي وحولت المدارس إلى حاميات عسكرية وأغمرت المدن بجيوش مدججة بالآليات العسكرية مستعملا كل الأشياء القتل بالرصاص الحي دون استثناء أطفال ونساء وتفجير رؤوس الأبرياء كما حدث للشهيد عبد المجيد أشن، ارتكبت مختلف أنواع الجرائم في حق الساكنة من اغتصاب للنساء وممارسة شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي في حق العزل الذين تم اقتيادهم إلى مختلف مراكز السلطة بالريف نذكر منها : كوميسارية الحسيمة و الناظور، مكان خاص للتعذيب أقيم قرب مطار الشريف الإدريسي بالحسيمة، ثكنة القوات المسلحة بالحسيمةوبالناظور، السجن المدني بالحسيمةوالناظور فخُلِفت عاهات جسدية كثيرة في حق الضحايا مثل حالة المرحوم اليعزوبي فريد وتقديم المئات إلى محاكمات صورية، بل الأكثر إعطاء تعليمات بقتل الجميع خاصة لما ذيع خطاب الحسن الثاني على التلفاز يصف فيه سكان الريف بالأوباش والمهربين والفوضويين، بل ويذكر الريفيين بما قام به في نهاية الخمسينات رفقة أوفقير في حقهم بقوله : ” وسكان الشمال يعرفون ولي العهد، ومن الأحسن أن لا يعرفوا الحسن الثاني في هذا الباب “. ففرضت حالة الطوارئ على المنطقة وتم نشر كل أنواع الترهيب البوليسي على مدن الريف وكل من تحرك كان مصيره السجن والقتل، كما حدث سنة1987 لما طالب تلاميذ ثانويات الحسيمة بحقوقهم المشروعة وخصوصا ثانوية إمزورن فتعرضوا لتدخل عنيف من طرف الأجهزة القمعية مدججين بمختلف وسائل القمع الشرس أفضى إلى استشهاد إثنين من خيرة الأبناء أكروح فريد وبودفت سعيد وكذلك تعرض العديد إلى الاعتقال ,,,، ونفس الحالة لأبناء الريف الذين يتابعون الدراسة الجامعية الكثيرون – الكثيرات – منهم تعرضوا للاعتقال فكم من أبناء الريف تذوقوا مرارة السجون وجحيم التعذيب منذ منتصف السبعينات بسبب انتماءاتهم السياسية والنقابية فمنهم من استشهد مباشرة بعد خروجه من السجن مثل الشهيد بلقايدي علي، ناهيكم عن القتل العمد لآلاف من شبابنا الأبرياء في قوارب الموت على سواحل الريف إن هذا السرد الكرونولوجي المختصر للأحداث الممتدة من سنة 1956 حتى سنة 2004 أي قبل مرحلة ما يسمى المصالحة مع الريف والتي طغت عليها أحداث دامية لدرجة يصعب إحصاء عدد الضحايا الذين سقطوا في الانتفاضات والإضرابات وفي المعتقلات السرية(3) هي ليس من باب الإثارة للعواطف والعيش على مآسي الماضي لكنها هي الشاهدة عن هول الانتهاكات بالريف وهي إثبات للأفعال المرتكبة لتؤكد أنها جرائم سياسية وهذا ما خلُصت إليه الكتابات لذوي الاختصاص في مجال القانون والسياسي عن أحداث الريف. سنة 2005 بين النبش في الجرائم الماضي وبداية فصل آخر من الانتهاكات بعد أن تعالت الأصوات بالريف من طرف ثلة من الحقوقيين والسياسيين لإزالة اللثام عن ملف الانتهاكات الماضي أسوة بنفس الإرادة التي طالب بها حقوقيون وسياسيون مغاربة الدولة بعد أن تغير رأسها وبات يعرف بالعهد الجديد من أجل معالجة ملف ضحايا الانتهاكات خلال سنوات الجمر والرصاص، وكما عايشنا اللحظة بكل تجذباتها وسخونة ملفاتها المطروحة وهول الصدمات لشهادات الضحايا وعائلاتهم بجرأة كبيرة وهم يسردون وقائع فضيعة في المهرجانات والندوات العمومية، إنطلق نقاش عمومي في ورش كبير عنوانه كشف الحقيقة، وفي سياق ذاته عُقدت مناظرة وطنية حول الانتهاكات بالريف سنة 2005 وفيها قيل الكثير واختلفت الرؤى حتى استقر الرأي أنه ما حدث لا يعالج بتوافقات فوقية على حساب معاناة الضحايا والريف عامة وأنه لا مناهج العدالة الانتقالية التي اعتمدت عليها هيئة الإنصاف والمصالحة قد تكون الحل، لأنه جوهر الملف يتطلب حل سياسي من رئيس الدولة وجرأة كبيرة في كشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات وعدم تكرار ما حدث بضمانات سياسية وقانونية وإنصاف الضحايا والمنطقة، لكن سرعان ما تبخرت تلك الشعارات في صالونات مكيفة وقاعات مغلقة فحرصت الدولة أن تتعامل مع الملف بمنطق استنزاف المضامين وإفراغ محتواه من جادة العمل لمعالجة كاملة للملفات فسعت إلى إجهاض ولادة حركة قوية ومنسجمة من أبناء الريف تطالب الدولة بالكشف عن الجرائم المرتكبة وتحديد المسؤوليات فعملت على تفكيك التعبئة المطالبة بالحقيقة وبكشف مصير المختطفين وهذا بالفعل ما نلمسه في طريقة طرح الملف من بدايته حتى صدور التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة الذي لم يشير إلى تفاصيل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت في الريف والمناطق الأخرى ما بين 1956 و1965 بمبررات أقل ما يقال عنها استهجان بالريف والهروب من الحقائق، لعل ما يثير الانتباه في التقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة هو أن شهداء الريف الذين سقطوا على أيدي الجيش الملكي المغربي وبدعم من حزب الإصلاح الوطني وميلشيات حزب الإستقلال وكتائب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية في السنوات الأولى من الاستقلال الشكلي وأيضا قبله، أصبحوا في التقرير متمردون مما يٌجزم بالقطع أن نية التعامل منذ البداية مبنية على خلفيات محددة هدفها إخفاء الحقيقة والتستر عن جرائم الماضي خصوصا في مرحلة عهد إقبارن 58/59، قد يفطن إليه العارف بما جرى من الانتهاكات طيلة خمسة عقود أن مسلسل المصالحة أهان الريف مرة ثانية فقد تعامل بنوع من الإساءة لتاريخ المنطقة ورموزها وبتحريف مسار القضية إلى مسألة دريهمات وفقط وظلت العديد من الملفات عالقة لم تسوى إلى اليوم في المقابل نجد البعض تحت ذريعة الجمعيات يسفه الملف بقبوله الانخراط في ما يسمى بمشاريع جبر الضرر وهي عديدة آخر تلك الفضائح ما يسمى مشروع زراعة الورود وقيس على ذلك. تعتبر سنة 2004 في الريف منعطف حاسم خلال فترة حكم محمد السادس اختصر فيها الأخير المسافة لمحو ماضي الأسود للدولة واعتمد على منهجية جديدة تهدف إلى تكريس مظاهر الإذلال والتركيع من خلال واقع الامتيازات المبالغ فيها التي خلفت السخط والغضب وسط الساكنة وكذلك مبادرات فقط تستنزف فيها أموال الشعب وهي عديدة، لكن سرعان ما ذاب الثلج على جبال الريف وانكشفت مزاعيم العهد الجديد التي أغرقت المنطقة في بحر من الأوهام والاتكالية لينضاف سجل آخر من الانتهاكات كما حدث في انتفاضة تماسينت 2005 لمنكوبي الزلزال التي تعد بداية الفصل الثالث من تاريخ الريفيين في نضالهم ضد التهميش المخزني، فقد عرفت مرحلة الزلزال اصطدامات كثيرة واحتجاجات الساكنة لرفع التهميش فخاض المنكوبين معركة الدفاع عن المنطقة ببسالة رغم القمع المفرط وهم في مسيرات عابرة للقرى والمدن بتكسير الحصار الأمني والعسكري، فتظافرت جهود الريفيين فيما بينهم وبدعم دولي ووطني للدفاع عن عِرض المنطقة وحماية أبنائهم الشرفاء المرابطين في الجبال وإفراج عن أبنائهم المعتقلين، فالعهد الجديد أتى بعناوين مضامينها فارغة ساهمت بشكل كبير في شحن الأوضاع على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتسببت في انتهاكات كثيرة من الترهيب والعسكرة والاعتقال والقمع سنة 2011 نهاية زمن المصالحة المزعومة وإستمرار الجريمة السياسية بعد أن سخرت الدولة كل الامكانيات لتضع صورة جديدة ومختلفة لها في ذهنية الريفيين عن ما يحكى في الكتابات والروايات التاريخية والسياسية عن ماضيها السياسي بالريف وخاصة عند الاجيال الذين لم يعيشون قساوة الماضي وعنف الدولة الممنهج إنقلبت الآية عنها وإنكشفت زيف الشعارات والاوهام التي روجت لها كما يقال ” تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن “، سنة 2011 كانت الفاصلة بين الزمنين للمخزن في الريف وأذياله ووضعت حد لكل الاقاويل والافعال التي تستغل ثروة الريف التاريخية والتراثية واللغوية وكشفت الحقيقة المغيبة قسرا عن الجميع بأضاليل ممزوجة بلغة العواطف والوعود، سنة 2011 كانت مع الموعد التاريخي فتحرك شباب الريف إسوة بأشقائهم مع الربيع الديمقراطي العربي والمغاربي للمطالبة بالكرامة والعدالة والحرية والقضاء على الفساد والاستبداد، لقد هزت أصواتهم شوارع المدن والقرى في حشد جماهيري تاريخي يوم 20 فبراير 2011 والذي يعد هذا التاريخ فصل جديدة من جرائم الدولة في حق الريف لا سيما أنه حدثت أمور فضيعة مليئة بالآلام والصراخ والقتل والحرق والاعتقال والاختطاف والتعذيب والترهيب، في هذا اليوم شبان تعرضوا لأبشع أساليب التعذيب وهذا ما أكدته شهادات الضحايا الناجين من دهاليز السجون، خمسة من شبان الريف في مقتبل العمر تعرضوا للتعذيب حتى الموت وأٌحرقت جثثهم وهذا ما نؤكده بناء على شهادات في لقاءات عمومية لعائلات الضحايا والشهود (4). ما حدث سنة 2011 كانت إجابة عن سياسية الحكم تجاه المنطقة وعن نهاية زمن العبودية والرعية ووضع حد للعبث في مصير الريف والوطن عموما من خلال المطالبة باسقاط الاستبداد والفساد، سنة 2011 فجرت غضب الشعب في وجه المتاجرين والمقتاتين على بؤس الريف كما حدث في ميزانيات مثل ما يسمى إعادة الإعمار الذين يتبجحون ببركات العهد الجديد ويتعشعشون في أحضان الفساد بالريف بعد أن إستكملوا العبث في الممتلكات بمشاريع أقل ما يقال عنها سريالية وهي معروفة بمضاربات الملايير تحت غطاء تنمية الريف في المقابل نجد سيناريو هزيل لما يسمى قضية إعتقال مسؤولين في ملفات الفساد كما حدث في صيف ” غضبة الملك ” وكأن الفساد ينتهي في الحسيمة، إنها عوامل عديدة دفعت بشباب الريف الخروج إلى الشوارع وأهمها إسقاط الاستبداد والفساد المخزني ولم يتوقفوا عن المطالبة بحقوقهم رغم مجزرة يومي 20-21 فبراير والتي إهتز الرأي العام لها وخاصة أن الذاكرة الريفية لم تتخلص بعد من نتائج الجرائم المنظمة في الماضي القريب والبعيد إنها ذاكرة مثخنة بالدماء، فرغم ثقل الجريمة المرتكبة راح ضحيتها خمس شهداء إستمرت الاحتجاجات والتظاهرات لشباب الريف في معركة بطولية إنضافت إليها مطلب كشف الحقيقة ومعاقبة المسؤولين عن ما حدث يوم 20 فبراير فتأكد لدى الجيل الجديد أن المخزن لم يتبدل وكل ما إستهلكه من الشعارات ظلت حبيسة الاوراق وما يخدم مصالحها وفقط لإعتباريين أولها هي تلميع صورته لدى المنتظم الدولي أن أساسيات الحكم تغير وأنه يؤسس لدولة المواطنة والجهات وثانيها التركيز على الريف كواجهة متوسطية خاصة وان نسبة 70% من العملة الصعبة من أبناء الريف ما يعنيه أنه حتى الاموال التي تنفق في الريف تعود لأبنائها وهي ليست منة من أحد. وفي خضم الحراك السياسي والاجتماعي بالريف والذي أدى ضريبة كبيرة منذ بدايته من القتل والاعتقال لم يثني من عزيمة الشباب الابطال المنضوين تحت لواء حركة 20 فبراير بل بروح عالية ثابتون على خطاهم وماضون في الدفاع عن الكرامة وأصواتهم ترعب ذوي النفوس الهزيلة البارعون في العيش على الماء العاكر وما أكثرهم رغم الدسائس المخزنية من إثارة النعرات القبلية والحساسية الاجتماعية محاولة منها عزلهم عن المحيط العام الريفي واستعمال كل اوصاف التهم من قبيل أنهم من دعاة الانفصال وغيرها، إنها ترهات المخزن من أجل التستر عن الجرائم التي إرتكبها في حق الريف يومي 20/21 فبراير، فقد إلتجأ المخزن إلى كل الطرق لأجل إيقاف الزحف الشعبي كالتهديد بالتصفية الجسدية لنشطاء الحركة إن لم يتراجعوا إلى الوراء بعد أن فشل في اسلوب التخويف والترهيب بالريف وبالفعل يوم 27 أكتوبر 2011 نفذ إغتيال في حق أحد نشطاء الحركة بآيث بوعياش الشهيد كمال الحساني بطعنات غادرة على يد أحد الكلاب المسخرة من طرف المخزن في إحدى التجمعات لحركة 20 فبراير، إن قتل أبناء الريف الشرفاء بتلك الطرق من التعذيب حتى الموت والاحراق وتسخير كلاب مسعورة لتوجيه طعنات الغدر/ القتل وغيرها لهو إنذار إلى الجميع أن زمن الاغتيالات والقتل الممنهج قد عاد وأن زمن الجريمة السياسية لم ينتهي. فالكلام عن الجريمة السياسية في الريف لا يحتاج إلى الاثبات من النصوص المنظمة لها ولا تحتاج إلى مسلكيات فقهية لإضفاء الصفة عليها ما دام أن واقائع الاحداث سواء في الماضي أو اليوم تثبت بشكل مطلق أركانها، ولا نحتاج لإنزال النصوص من تشريع – المغربي – لا يملك سلطة تفعيل المساطير لاثبات التهمة في حق الدولة ولا نؤمن بقوانين لا تتعدى سقف إختصاصتها قاعات المحاكم المتحكم فيها، الجرائم المرتكبة في الريف وباجماع الخبراء الدوليين في مجال حقوق الانسان والسياسيين أنها تصنف ضمن الجرائم ضد الانسانية المشار إليها في نصوص من التشريع الدولي. إذن الريف يمتاز بخصوصية على أكثر من صعيد فإلى جانب الهوياتي-الجغرافي والمؤسساتي- السياسي تعتبر قضيته ضمن الشعوب الاقلية وفق ما ينص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي ربط حق تقرير المصير بالشعوب (5)، وكذلك كما تنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، نتيجة ما إرتُكب في حقة من جرائم منظمة وسيظل الملف بحساسيته الكبيرة مفتوحا لما يمتلك من قرائن مطلقة عن انتهاكات الماضي واليوم وخاصة تتناقل الحقيقة من جيل لآخر ولا بد من يوم فيه تؤسس كينونة الريف الحرة. ——————————————– 1. المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تشير على أنه :” لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل أي فعل من الأفعال التالية “جريمة ضد الإنسانية” متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم:1-القتل العمد؛ 2- الإبادة؛ 3- السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي؛ 4- التعذيب؛ 5 – الاغتصاب، أو الاستعباد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، 6- اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية. 7- الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية؛” 2. ” زرع الرعب وسط المدنيين والنساء والشيوخ… لقد كان تدخل الجيش وحشيا وحدث ما لا يمكن تصوره من المآسي والفواجع والأهوال… حدث ما يثير عواطف “الجمادات” وبالأحرى البشر، قَنْبلَتِ الطائرات التي كان يقودها طيارون فرنسيون وقصفوا الأسواق والتجمعات السكانية، وأحرقَ الجيش المحاصيل الفلاحية وخرّب المنازل وغيرها من الممتلكات، اغتصبَ النساء وبَقَر بُطونَ الحوامل وقتلَ المئات وخلّف آلاف الجرحى والمعطوبين واعتقل الآلاف وأبْعدَ المئات… وبلغ عدد المعتقلين إبان انتفاضة الريف 8420 بينهم 110 امرأة، أطلق سراح 5431 بينهم95امرأة، وحكم على 323 فيما ظل الآخرون أي 2664 دون محاكمة ولا إطلاق سراح، وتم إبعاد542 مواطنا إلى كل من إسبانيا وإيطاليا وألمانيا والجزائر… وجل الضحايا كانوا من المساهمين في حرب التحرير من الاستعمار… وأنشأت مراكز سرية للتعذيب… جل المعتقلين ما زالوا مشوهين ومبتورين من الأعضاء التناسلية أو الأرجل أو العيون أو الأذن، أما الباقي فما زال في غياهب السجون والمعتقلات المجهولة، على أن جلهم قد لاقوا حتفهم من جراء التعذيب ” : كتاب دار بريشة، قصة مختطف للتجكاني الذي يتضمن رسالة عبد الكريم الخطابي الموجهة إلى الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال محمد حسن الوزاني بتاريخ 27 يوليوز 1960. 3. كتاب¨ صديقنا الملك¨ تأليف: جيل بيرو. ترجمة تحقيق: ميشيل خوري 4. جلسات استماع منظمة من طرف حركة 20 فبراير بالحسيمة يوم 31 مارس 2011 في ندوة بالمركب الثقافي والرياضي 5. دفاعاً عن القانون الدولي… تقرير مصير الشعوب وليس الأقليات -إدريس جنداري