بحضور عدة فعاليات جمعوية، سياسية ومدنية ومن تنظيم جمعية أمزوري للدراسات التاريخية والموروث الثقافي، كانت غرفة التجارة والصناعة والخدمات بالناظور أمس السبت على موعد مع الذاكرة والتاريخ في ندوة اختير لها عنوان: “أحداث 1984 وتجربة محمد البطيوي في المنفى”. الندوة من تسيير الفاعل الجمعوي الأمازيغي السيد فكري الأزراق ومشاركة نائب رئيس الكونغريس العالمي الأمازيغي السيد رشيد راخا إلى جانب الضيف الدكتور محمد البطيوي. افتتح اللقاء بقصيدة شعرية للشاعر الريفي عبد الرحيم فوزي حول أحداث يناير 1984، وقد اختار لها كعنوان “يناير”. ثم قام المسير فكري الأزراق بتقديم السيرة الذاتية للدكتور محمد البطيوي ومساره الأكاديمي. بعدها تناول الكلمة السيد رشيد راخا ليتحدث عن تشبث الدولة المغربية بكل ما هو فرنسي، بداية بالدستور وانتهاء بالجهوية الموسعة، كأن لا خصوصيات تذكر للمغاربة للأخذ بها واعتمادها في كل خطوة تقوم بها. وشبه الكتاب الأخضر للجهوية الموسعة بالكتاب الأخضر للقذافي، وما وجه الشبه سوى الاستبداد. وأضاف بأن تصريح عباس الفاسي حول معارضة تطبيق الأمازيغية لغة وطنية لم يكن جديدا على شخص يمثل حزبا لطالما كره الريف وأبناءه واستعمل شتى الطرق للكيد لهم وإبادتهم. وقد ارتأت لجنة تنظيم اللقاء وذلك قبل أن تعطي الكلمة لضيفها الدكتور محمد البطيوي، قررت أن تكرمه بلوحة فنية رسمها الفنان والفاعل الجمعوي عبد العالي البوستاتي. في معرض كلمته أفاد المعارض محمد البطيوي أنه لا مصالحة مع الريفيين دون رد الاعتبار للريف. وأنه ليتأتى ذلك وجب على الدولة أن تعيد للريفيين أموالهم التي استنزفها القصر لخدمة مدن الغرب في مقابل قمع أصحاب المال وتهميشهم وتفقيرهم حتى من البنيات التحتية، وتهجيرهم وتقتيلهم… وأنه للحديث عن جهوية حقيقية وجب الحديث عن جهة الريف الكبير ببرلمان وحكومة ومؤسسات خاصة بتسيير الجهة للخروج من الخضوع للمركزية. وأضاف أن المصالحة ستأتي بتقسيم خيرات البلاد على المواطنين تقسيما عادلا؛ حيث إن كان بالمغرب 30 مليون شخص وبالريف 4 ملايين فلا بد من تقسيم الميزانية على 30 وضربها في 4 للحصول على حق الريفيين من هذه الميزانية ليتمتعوا به دون أن تقوم الدولة بإعطائه لمدن أخرى على حساب تفقير الريف. وفي مثال قال: يجب أن نشبع نحن أولا بأموالنا، وإن شبعنا من نصيب ميزانيتنا وكان هناك فائض فلا مانع لدينا في التصدق على المناطق الأخرى المحتاجة للمزيد. أما أن نجوع ونأكل طرفة خبز حافية مقابل أن يأكل الفاسي والرباطي ما لذ وطاب ويعيش في رغد فهذا هو الظلم بعينه. كما أن ميزانية الثقافة بالريف يجب أن تخدم ميدان الثقافة بالمنطقة لا أن تمنح لمهرجان مراكش. وفي إجابة عن عدة إشاعات تروج أفاد الدكتور البطيوي بأنه لا ينتمي إلى أي حزب سياسي، حيث صنف نفسه في خانة أطلق عليها اسم المناضل اللاعضوي (غير المحزب)، أي المناضل الذي لا يتقيد بقانون محدد يفرضه عليه الحزب، وهو الأمر الذي يتعارض مع المبادئ والتربية الذين نشأ عليهما. وأضاف أن هذا لا يعني معاداة الناس في الأحزاب السياسية، بل إن له أصدقاء في أحزاب سياسية مختلفة، وتبقى الصداقة صداقة والعمل عملا. وقد كان الموضوع الأهم في هذه المحاضرة هو سنوات الرصاص الأولى والثانية بالريف، وكيف أن عدة سياسيين أبانوا عن حقد دفين اتجاه الريف وأبنائه وبعثوا بتقارير مغلوطة للحسن الثاني جعلته ينقض على الريف ويبيد سكانه عبر إطلاق الرصاص على العديد منهم وتهجير الباقين إلى أوربا للموت سواء بالعمل في المناجم وما يترتب عنه من تسممات… أو بعامل المناخ البارد جدا. ولعل المثير للسخرية أن من بعثهم الحسن الثاني للقاء حتفهم هم من كانوا رحمة عليه وعلى المغرب عبر تمويل المغرب بالعملة الصعبة وجلب المشاريع، وحتى إعطاء الفرصة للمغرب للدخول في علاقات دبلوماسية مع دول الضفة الأخرى عبر إرسال سفراء لجالية الدولة المغضوب عليهم. وأشار إلى أن منطقة الريف رغم ذلك كانت معقلا لجيش التحرير، وأعطى أمثلة على أن المقاومين الجزائريين لم يكونوا يتفاعلون مع وجدة رغم أنها الأقرب ولا تبعد سوى ب 12 كيلومترا، كما كانوا يفعلون مع الريفيين. إذ كانوا يأتون إلى الريف رغم بعد المسافة. وأن فكرة الأرض المحروقة التي لا تصلح سوى للاغتيالات كانت خاطئة، وذكر عباس لمسعدي كمثال على الاغتيالات الحاصلة. وعن رمز المقاومة الريفية محمد عبد الكريم الخطابي تحدث عن قضية بقائه بالقاهرة بدلا من المرور إلى مارسيليا بفرنسا قادما من منفاه بجزيرة لا ريونيون، وأن بقاءه بالقاهرة كان لرفضه قرار فرنسا حلوله مكان محمد الخامس كحاكم للمغرب. وأشار إلى عبارة “المغرب العربي” التي يتداولها الكثير من المؤرخين، وأن عبد الكريم الخطابي لم يقل يوما هذه الكلمة بل ما أطلقه على اللجنة التي أسسها كان “المغرب الكبير” ليحتوي كافة مكوناته من العرب والأمازيغ دون إقصاء طرف على حساب الآخر. وفي حديث حول ما حققه المغرب من إصلاحات قال إنه بالفعل ما تحقق يعتبر إيجابيا لكن هناك المزيد مما يستوجب تحقيقه كالتخلي عن عادة تقبيل اليد التي حتى وإن تحدث الحسن الثاني في كتابه ذاكرة ملك عن التوبيخ الذي تلقاه من المرحوم والده حينما كان طفلا حول مد يده للناس لتقبيلها، فإنه لم يتعلم الدرس، وفي كبره كرس تلك العادة الخبيثة، وهي عادة تستوجب قلعها من الجذور. وأيضا نظام البيعة الذي قال إنه لا يتناسب مع القرن الواحد والعشرين… وإن كان من سلاح استعمله البطيوي ونجح حقا في توجيهه كما ينبغي، فهو سلاح “من فمك أدينك”، حيث أعطى عدة أمثلة لفساد المغرب السابق من خلال الاستشهاد بأقوال الراحل الحسن الثاني وأقوال بعض من أعضاء العائلة الملكية وبعض السياسيين الذين باعوا أنفسهم للنظام المستبد آنذاك… وأفاد أن هذا السلاح كان بالفعل سيفا ذا حدين في غربته، وكان ناجعا في مواجهة مبعوثي المخزن سواء لتهديده بالتصفية أو لاستقطابه في عدة مناسبات. ورد على من كانوا يدعون أن لهم يدا في عودته وفضحهم بطريقة غير مباشرة، كما رد على من يقولون بالشبوهات التي تدور حول بعض مستقبليه بأن المطار أطلق عليه اسم العروي لا اسم البطيوي، لكي يتسنى له أن يختار من يدخله ومن يمنع عليه الدخول، كما أنه ليس من الأخلاق طرد من جاء لاستقباله مهما كان مشكوكا في سلوكه. وقد اعتمد في محاضرته على أسلوب الوضوح بعيدا عن اللغة الخشبية السارية. الندوة عرفت استحسانا من طرف الحاضرين، ووعد الكثيرون حضور ندوة السبت المقبل بميضار، والتي سيكون فيها لقاء محمد البطيوي بأبناء مدينة آبائه وأجداده. الفيديو بعد قليل