مرض، لا يفرق بين صغير وكبير، ولا بين شيخ وامرأة، يخطف عشرات الأرواح سنويا، ووتيرة انتشاره تتسارع، يدعى في الأوساط الشعبية، "بالمرض الخايب"، أو "المرض الشين"، سمي بهذه الأسماء لصعوبة علاجه، إنه السرطان، الذي يتسبب بوفيات عديدة في إقليميالحسيمةوالناظور سنويا، وسط غياب مستشفيات أنكولوجية تعنى بمحاربته. يبحث مصطفى، ابن حي باريو، بمدينة الحسيمة، عن منزل يكتريه بوجدة، يقربه أكثر من مستشفى "الحسن الثاني للأنكولوجيا" ، حيث يخضع للعلاج الإشعاعي. تفاجأ مصطفى كثيرا حين علم بمرضه أول مرة، وأصيب بصدمة، تطلبت الاستفاقة منها وقتا من الزمن، كان ذلك قبل ثلاث سنوات، واعتبر هذه الإصابة بمثابة تحد يجب مواجته، وأكد أن هزيمته معنويا تمثل بداية نهايته. داخل المستشفى، يجلس أناس، كتب لهم أن يلتقوا هناك، تسمع أصواتا خافتة مليئة بالحزن، وفي الجانب المقابل، ترى نساء يبكون، وتسمع صرخات لأطفال جاء بهم القدر إلى هذا المكان، مناظر مؤلمة، وجوه شاحبة اللون، بعضها من الخوف، وأخرى أرهقها السفر. يسترسل مصطفى، البالغ من العمر 40 سنة، كلامه قائلا بأن نظرته للمرضى حين لم يكن مصابا، مخالفة تماما لنظرته الآن، فهو يحس بمعاناتهم. ويضيف: "يجب بناء مركز لعلاج السرطان بالناظوروالحسيمة، للتخفيف عن المصابين عبء مصاريف التنقل، لينفقوها في العلاج، قد لا أعيش لحين بنائه، لكن هناك أناس يحتاجونه". في سياق متصل، تحدثنا إلى محمد، ابن مدينة الناظور، المصاب هو الأخر بالورم نفسه، والذي يبدوا عليه الخوف، وفقدان الأمل، حيث قال أنه لم يمضي عام ونصف على اكتشاف مرضه، هو ما يزال غير مستوعب، ومصدوم لما مسه، ويؤكد بأن مجرد العلم بالمرض، يضع الشخص في أزمة معنوية حادة، بالإضافة إلى ما يترتبه عنها، من انتهاء لذة الحياة. يؤكد محمد البالغ من العمر 23 سنة، بأن "المصاب بالمرض، وهو في ريعان شبابه، تنتهي حياته، فيحرم من الزواج، ومن العمل في بعض الحالات، ومن أمور أخرى، لطالما حلم بها، وينتظر أن يخطفه الموت"، حسب ما يقول محمد والدموع تملأ عيناه. أبرز لنا عبد الله، القاطن "بصبرا" نواحي مدينة زايو، قصة والدته التي توفيت في شهر رمضان قبل الماضي، بعد صراع دام ستة سنوات، مع السرطان، والتي كانت تعاني الأمرين، مع تكاليف السفر للمستشفى الأنكولوجي "بطريق جرادة" بوجدة، بشكل دوري، لأن حالتهم المادية ضعيفة. وصف لنا عبد الله، حالة والدته، التي كانت تتألم كثيرا، ليس لمرضها وحده، لكن حين تتذكر أنها سترحل إلى الأبد، وتترك أخواه الصغيران، "عمر" صاحب الأربع سنوات، و"ياسين" ذو السنتين، يواجهان الفقر، واليتم في آن واحد. لم يمنع المرض الأم ، من الاعتناء بأطفالها ما أمكن، حتى حين كانت ما تزال تتتعافى من عملية نزع "الرحم"، يذكر الإبن الكبير هذا لنا وينظر يمينا وشمالا لكف دموعه عن النزول. أعباء كثيرة يسببها بعد مركز العلاج، وثقل أخر يلقى على كاهل الأسر الفقيرة التي دخل بيتها السرطان، هذا ما ذكره أحد النشطاء، المطالبين ببناء مركز علاج، ومضى نفس الشخص يقول: "مطلبنا هذا ليس لكون الريف الوحيد الذي يعاني من هذا المرض، فهناك مناطق بالمغرب، ينتشر بها وبشكل كبير، مثل إقليمجرادة، وجهة الرباط، فقط نحن نطالب ببناء مستشفى يخفف بعض المعاناة عنا". تجدر الإشارة إلى أن عدد المصابين بالريف يشكلون نسبة مهمة، من مجموع الإصابات المسجلة في المغرب، وحسب تقرير سابق لمنظمة الصحة العالمية، فإن السرطان يصيب ما بين 30 إلى 45 ألف شخص سنويا بالمغرب.