الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضربة المدفع التي مددت حدود مليلية في القرن19 (ج. الثاني)
نشر في أريفينو يوم 29 - 09 - 2010


حوادث مليلية سنة 1893 .
إذن كانت البداية هي بناء السور الجديد ابتداء من ضريح الولي الصالح سيدي ورياش، حيث شرع الجنود في تشييد السور وعلى أكتافهم البنادق والرشاشات لمواجهة أي مقاومة. لكن السكان حاولوا توقيف الجيش الإسباني بوسائل سلمية في البداية لأنهم كانوا يدركون أنه ليس هناك تكافؤ بين المجاهدين والجيش الإسباني، فكتبوا ملتمسا إلى “ملكة إسبانيا” التي كانت على العرش الإسباني ( Dona Maria Cristina de Asturias ) يترجون عدم إقامة السور . وإذا كان لابد منه فليشيد في مكان آخر بعيدا عن المقبرة وعن ضريح الولي الصالح، وسلموا هذا الملتمس إلى الجنرال مارغايو ( juan jose margallo ) الحاكم العسكري لمليلية الذي بدوره حوله إلى السلطات العليا بمدريد.
ولما بدأت احتجاجات سكان الشريط الحدودي –وبجانبهم أبناء قبيلة قلعية بكل أخماسها- تحولت إلى نوع من المشاداة مع الجنود الذين يشيدون الأسوار، مما دفع الجنرال مارغايو إلى استشارة مدريد في الموضوع، فكان جواب هذه الأخيرة: ” افعلوا ما ترونه مناسبا أيها الجنرال فلكم واسع النظر “. وما كان من الجنرال الطاغية إلا أن أرسل مجموعة من البنائين والمهندسين العسكريين ليستمروا في بناء السور موضوع النزاع تحت حراسة كتيبة من الجنود، وكان ذلك في 29 سبتمبر 1893م. وفي إطار الشد والجذب بين الجيش الإسباني وسكان الشريط الحدودي، كان هؤلاء يبنون في النهار وأولئك يهدمون في الليل، رغم أنه لم يكن هناك تكافؤ بين الفريقين بشهادة المصادر الإسبانية التي سجلت أن فئت السكان المحتجين لم يكونوا يتعدون، في البداية، بعض عشرات الأفراد. واستمر الأمر بحدوث بعض المناوشات بالسلاح الخفيف مدة ثلاثة أيام إلى غاية اليوم الثاني من شهر أكتوبر. لكن الأمر كان ينبؤ بتصعيد في الحوادث، لأن كرامة أبناء قلعية أهينت إلى حد لا يمكن الرجوع إلى الوراء، وهو ما دفع الجنود الإسبان إلى الإنسحاب والإحتماء بالأسوار القديمة للمدينة المحتلة، بعد أن اشتدت عليهم ضربات أبناء قلعية، وبالتحديد من فرقة آث شيشار وفرخانة ومزوجة خاصة، ثم توالت المساعدة من مختلف قبائل الريف الشرقي، حتى ذهبت المصادر الإسبانية إلى أن عدد المجاهدين المسلحين على الحدود أواخر شهر سبتمبر بلغ 30.000 مجاهد. وابتداءً من اليوم الثاني من أكتوبر 1893م بدأ التصعيد بعد إعلان سكان قلعية الجهاد للدفاع عن أرضهم ، وكثرت الضحايا من الجانبين، مما دفع وزير الشؤون الخارجية لإسبانيا ( Segismundo Moret ) يعجل بإرسال رسالة إلى السلطان المغربي يطلب فيها معاقبة المعتدين الريفيين الذين هاجموا الجنود الذين كانوا يقيمون الأسوار على الحدود – على حد المصادر الإسبانية-. كما كتب رسالة إلى ممثلي إسبانيا المعتمدين لدى الدول الأجنبية ليحيط هذه الدول علما بما يجري على حدود مليلية، وبأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى إعلان الحرب.
وفي رسالة أخرى بتاريخ 9 أكتوبر يبرق الوزير نفسه إلى كافة الدول الأوربية لاستطلاع رأيها حول إعلان الحرب على المغرب، نتيجة حوادث مليلية. وكانت آراء هذه الدول الأوروبية في عمومها تركز على التهدئة وحل المشاكل بالمفاوضات السلمية. ولم تأبه اسبانيا لذلك وشرعت في دق طبول الحرب، وتجمع قواتها العسكرية لإرسالها من الضفة الشمالية إلى مدينة مليلية. لكن ظروف إسبانيا –في هذه الفترة- عرفت عدة صعوبات تعيق تجميع قواتها وإرسالها إلى مليلية: منها الصعوبات الاقتصادية نتيجة هزائمها المتكررة في القارة الأمريكية عامة، منها كوبا خاصة، مما جعل الجنرال مارغايو لم يستطع أن يتوصل في ظرف عشرين يوما بأكثر من 2000 جندي من إسبانيا نتيجة قلة التجهيزات والوسائل اللوجستيكية. وهذا العدد في حدود 20 أكتوبر لم يكن كافيا لحماية مليلية نتيجة توافد عدد هائل من المجاهدين على منطقة الشريط الحدودي المتنازع عليه.
وما أن حل اليوم السادس والعشرون من أكتوبر حتى كانت القوات الإسبانية قد انتهت من بناء الخنادق حول الحصون القديمة لمليلية، كما تم شق مسلك أو طريق إلى سيدي ورياش. وكان العمل يتم ليلا تحت جنح الظلام تجنبا لضربات المجاهدين. وفي اليوم السابع والعشرين خرج الجنرال مارغايو الحاكم العسكري لمليلية يتفقد حفر الخنادق في حصن المعازيز العليا ( Cabrerizas altas ) بمعية نائبه الجنرال ( Ortega ) وكانت الحصون المحيطة للمدينة المحتلة محاصرة من قبل المجاهدين، ولم يتمكن الإسبان من فك هذا الحصار. كأنما توجه الجنرال إلى هذا الحصن ليشجع الجنود الإسبان على المضي في فك الحصار عليهم، أو أراد أن يقدم المثال للجندي الإسباني في الاستماتة في القتال، فخرج ضمن مجموعة من الجنود لمواجهة الريفيين ولتحدي حصارهم، فكانت النتيجة أن دفع ضريبة تحديه وتعديه بإردائه قتيلا بأرض المعركة. وكانت الحادثة مولد معركة حامية الوطيس إسمها معركة سيدي ورياش أو معركة مارغايو عند الإسبان ” كما تسمى أيضا معركة مليلية” على مدى يومين كاملين 27 و28 أكتوبر 1893م. كما أحدثت أنباء مصرع الحاكم العام لمليلية هلعا كبيرا في الوسط الحكومي والعسكري والشعبي بإسبانيا. كما أن الجيش الاسباني بمليلية لم يستطع فك الحصار المفروض على الحصون التي كانت تحت رحمة وابل من رصاص بنادق ” Remington “، إلا بعد وصول كتيبتين من الهندسة وفوجا من الجيش المدْعَى بفوج التأديب أو العقاب المكون أصلا من السجناء المحكوم عليهم بمدة طويلة.
وفي الوقت التي كانت المعركة قائمة على حدود مليلية كانت إسبانيا تعرف غليانا على المستوى الحكومي والعسكري والشعبي وبخاصة حين بدأت طلائع من نعوش الموتى والجرحى تصل إلى ميناء مالاكا “Malaga” كما انقسم أعضاء الحكومة إلى فريقين، بين مؤيد لإعلان الحرب رسميا، ومن يرى غير ذلك. وفي نفس الوقت بدأ تجميع القوات الإسبانية بمختلف وحداتها للعبور إلى مليلية في انتظار أوامر وزارة الدفاع لإعلان الحرب رسميا. وكانت الحكومة الإسبانية تنتظر جواب سلطان المغرب عن الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد المعتدين على حصون مليلية ومقتل الجنرال مارغايو، كما كانت الحكومة الاسبانية تطالب باستمرار في كل مناوشة مع سكان الشريط الحدودي بتأديب المعتدين والتعويضات المالية في كل شكاية لها إلى السلطان.
وهذه المرة بدأت تلوح بإعلان الحرب على غرار حرب تطاوين إذ لم يستجب السلطان لمطالبها. وعينت على رأس الجيوش التي أرسلتها إلى مليلية الجنرال ( Martines Campos ) كرئيس لقواتها بأفريقيا، تلك التي يصل تعدادها إلى ما يزيد على 112.000 جندي. لكن لم يصل منها في الوقت المناسب إلا 63.560 رجل من مختلف الوحدات نتيجة سوء النظام وفوضى الهلع من الحرب، وتكدس الجنود في المحطات والموانئ. وكان أغلب ضباط الفيالق العسكرية ممن سبق لهم أن شاركوا في الحرب التحريرية لكوبا، أو من الفرق التي كانت تسمى فرق الموت المكونة من المرتزقة والمجرمين المحكومين بالسجن الطويل الأمد.
ونقتطف هذه الفقرة من تصريح الضابط القبطان أريزا ” Ariza ” رئيس فرقة الموت لدى وصوله إلى مليلية لإحدى الصحف قائلا:” ما أريد أن أفعله بسيط للغاية : أريد أن أرمي الريفيين من خنادقنا، وأنه لمن العار أن يستمروا باحتلالها، ولا أفكر في الحصول على كثرة الأسرى ولا قتل من نأسرهم، ولكن سأكتفي بجذع الأذنين لكل من يسقط في أيدينا ثم أطلق صراحه. وأكتفي ب100 ممن قطعت أذناهم من قبيلتي فرخانة ومزوجة ليقدموا للآخرين فكرة عن المحاربين الإسبان “. وكانت أصداء جذع الأذنين للأسرى التي نقلها الضباط الاسبان من أمريكا اللاتنية قد وصلت إلى الرأي العام الاسباني فاستغلها الشعراء في إبداعهم. ” فلنستمع” إلى مقطوعة شعرية على لسان معشوقة ذهب عاشقها إلى المشاركة في الحرب بمنطقة مليلية، تذهب إلى حد طلبه بإرسال إليها أذن السلطان: ” Ami amor que esta en melilla إلى حبيبي الموجود بمليلية، Le escrito con mucho afàn كتبت إليه بكثير من الحماس، Diciéndole que me mande قائلة له: أن أرسل لي ، Una
oreja del sultan إحدى أذني السلطان . Qando vayan a la guerra عندما تذهبون إلى المعركة، Que no te olvides de mi ينبغي ألا تنساني ، Como no te llames prim قبل أن ينادى عليك بالبطل ، Las balas de nuestros fuertes قذائف جنودنا الأقوياء ، Destruyeron los aduares تدمر القرى ، Los moros no tienen casas البرابرة لا يملكون منازل، y hasta Allah duerme en la celle حتى الله ينام في الزقاق ، Ala bandera espanola والعلم الإسباني ، Los moritos ofendieron يشتمه البرابرة ، Mi hermano lava la mancha بينما يغسل أخي رقعا في ملابسه ، Con sangre de los refinos من دماء الريفيين .
لكن السلطان الحسن الأول كان في جولة بتافيلالت مما تعذر عليه وعلى الاسبان التواصل بجواب في الموضوع إلا في تاريخ 8 نونبر من السنة نفسها، ذلك الذي يتضمن كل شروط اسبانيا مقابل تهدئة الأوضاع، منها الإقرار بتأديب الريفيين المسؤولين عن الحوادث، كما أبلغهم السلطان أنه بصدد إرسال بعثة عسكرية إلى عين المكان بالشريط الحدودي لمليلية. وفي اليوم 12 نونبر أرسل السلطان رسالة أخرى للسلطات الإسبانية يخبرهم أنه أوفد على رأس البعثة أخاه الأمير مولاي عرفة لتأنيب أبناء القبائل الريفية. وفي الوقت ذاته سيعقد اجتماعا بقواد القبائل هناك، مع تأجيل بناء الحصون حول الحدود الجديدة بالشريط الحدودي إلى ما بعد لقاء الأمير مولاي عرفة وفي يوم 20 نونبر وصل الأمير مولاي عرفة إلى الشريط الحدودي فبدأ اللقاء مع الجنرال ” Macias ” الحاكم العسكري العام لمليلية ثم مع الجنرال ” Martines campos ” قائد القوات العسكرية التي نزلت بالمدينة المحتلة والمفوض العام لإسبانيا، وبعد لقاءات متعددة مع هؤلاء الضباط، أعلن الأمير مولاي عرفة أنه لا يستطيع تلبية مطالب ممثلي الدولة الاسبانية، لكونه لا يتوفر على قوات كافية لمعاقبة أبناء القبائل الذين كانةا وراء أحداث الشريط الحدودي. ولما تظاهر مولاي عرفة بالعجز في تطبيق شروط الجنرالات، قرر الجنرال Martines القائد العام للقوات العسكرية بالمدينة المحتلة والممثل الرسمي للحكومة الاسبانية لدي المخزن المغربي أن يتحرك بالقوات العسكرية إلى الحدود الجديدة التي رسمتها قذيفة المدفع ، ويستنفرها في حالة تأهب قصوى. كما أمر بالشروع في بناء الحصون على طول الشريط الحدودي،” مهددا ” قبيلة قلعية ومطالبا قوادها بتسليم الجناة –على حد قوله- أولئك الذين تسببوا في حرب سيدي ورياش، كما اشترط على الأمير عرفة رعاية الهدنة بوضع كتيبة من جيش السلطان على الحدود بدار المخزن بفرخانة لمنع أي اعتداء على المراكز الاسبانية. ويبدو من خلال المصادر الاسبانية أن الأمير عرفة لم يجد بدا من الرضوخ للرغبات الاسبانية بعد لقاءات مراطونية مع الجنرال Martines Campos . وكانت أولى هذه الرغبات هي تسليم من أسموهم بالمعتدين أو الجناة، الشهورين أو أعيان القبائل، منهم خاصة: من أمثال ميمون المختار الذي كان يتحرك داخل قبائل الريف الأوسط والشرقي لاستنفار الناس للجهاد، ومحمد بن الهادي الشكري، وحمو العربي، علي بن محمد بن عبد الله وعلي الأشقر ( Ali Robio ) ، كما يلقبه الاسبان، وعلي الأسمر ( Ali el Morino ) ، كما كان يسميه الاسبان كذلك، بالإضافة إلى أحد شيوخ زاوية رأس ورك ” تتواجد بدوار تلاث ” القادرية المعروف لدى الإسبان باسم ( El Santon de le Puntilla ) ، لمساهمته في التحريض على الجهاد ضد الاسبان.
وقد عد الشيخ ميمون بن المختار المسؤول عن أحداث سيدي ورياش لمكانته ونفوذه بقبيلة قلعية. لذلك طلب الإسبان تسليمه واقتياده مع جملة من أعيان القبيلة إلى طنجة لمحاكمته، منهم حدو الحاج ومجموعة من الذين خفروا الخنادق في ما كان يسمى بالمنطقة المحايدة التي شملتها سقوط قذيفة المدفع. كل هؤلاء حملوا في قارب إسباني في اتجاه طنجة حيث سيحاكمون هناك طبقا للقانون المغربي المنظم للعلاقة مع الأجناس. ومن أعيان المنطقة المتهمون في حوادث مليلية من أقتيد إلى وجهة أخرى كالقائد علال الشكري الذي سيق إلى سجن وجدة وبقي فيه مدة سبع سنوات إلى أن قضى نحبه هناك في التهمة ذاتها.
وخلاصة القول أن السلطان المغربي استجاب لكل مطالب اسبانيا : – تم الرضوخ للجنرال Martines Campos في بناء الأسوار طبقا لمخطط ضربة المدفع. – تمت معاقبة المتهمين في الحوادث بين السجن والنفي والغرامة. كما سبق للمدفعية الاسبانية أن أمطرت بوابل من القذائف على القرى والمداشر القريبة من الحدود ، وأرسلت طرادات عسكرية إلى شواطئ كبدانة فهدمت قرى بكاملها وقتلت العديد من الأبرياء من النساء والأطفال، دون أن يطلب المخزن التعويض لهؤلاء. – تم إحضار كافة أعيان قلعية إلى المدينة المحتلة ( عدت اسبانيا خمسين منهم ) لتقديم الولاء للراية الاسبانية والإعتراف بالحدود إلى حيث سقطت قذيفة المدفع، مستنكرين كل اعتداء في المستقبل ، ومعبرين عن استعدادهم للعيش بسلام مع ساكنة مليلية. وفي الوقت ذاته إلتمسوا من الجنرال مارتينس كامبس مفاوض السلطان والممثل للسلطات الاسبانية السماح لسكان قلعية بدخول مدينة مليلية بغرض المتاجرة والتبضع .
– إضافة ماري واري إلى المنطقة التي تدخل في نفوذ المدينة المحتلة.
ولم تمر إلا أيام قلائل حتى تم توقيع اتفاقية بين الطرفين بتاريخ 5 مارس 1894 تتضمن النقاط السابقة. بذلك طويت صفحة أحداث مليلية أو معركة سيدي ورياش التي تعتبر آخر اصطدام بين المغرب واسبانيا في القرن التاسع عشر، مع إقرار بالحدود الجديدة آنذاك. لكن آثارها ستطفوا على السطح فيما بعد نتيجة تزايد أطماع اسبانيا في منطقة الريف خاصة . بعد الإتفاقيات والمعاهدات التي كانت تجري سرا بين الدول الأوروبية من أمثال معاهدة 1902 بين اسبانيا وفرنسا ثم معاهدة لندن بتاريخ 18 أبريل 1904 بين فرنسا وإنجلترا، ثم معاهدة باريس بين فرنسا واسبانيا بتاريخ 3 أكتوبر 1904 متتوج هذه المعاهدات جميعا بمعاهدة الحماية المشؤومة ” الموقعة ” سنة 1912 .
المقال للدكتور مصطفى الغديري ، المراجع كثيرة ذكر منها : كتابه الريف قراءة في وثائق –سلسلة كتب الريف-، د. حسن الفكيكي ، ماريا روسا دي مدارياكا…
النقل كتابة: من جريدة تاويزا، كاتب صحفي بها.
أستاذي الكريم، إن نيتي في هذا النقل لا تعدو أكثر من نضال من أجل تنوير الرأي العام بالأحداث التاريخية للمنطقة كماض لا يجب إغفاله للنهوض بمستقبل مدروس برزانة ، وأنتم أدرى سيدي بذلك، وبكل تواضع لكم منا سيدي، الإنحناء والشكر الذي لا تحده حدود ودمتم لنا ولشبابنا الغيورين المناضلين، منورين وموجهين.
للتوضيح ودرء الشكوك، أصرح والله شاهد ، أنني لا أتلقى أي مقابل مادي على هذا العمل
.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.