عرفت منطقة الريف مجموعة من النصوص المسرحية الناطقة بالعربية والأمازيغية على حد سواء. لكن هذه النصوص بقيت لفترة طويلة عبارة عن عروض شفوية غير مدونة وغير منشورة ورقيا أو رقميا ، ولم تجمع إلى حد الآن، ولم تطبع ليطلع عليها الآخرون. وإذا كان السوسيون قد أصدروا أول نص مسرحي سنة 1983م ، وكان تحت عنوان(أوسان صميدنين/ الأيام الباردة) لمومن علي الصافي، فإن أول نص مسرحي أمازيغي ينتجه مبدع ريفي كان سنة 2002م مع بشير القمري تحت عنوان( إكليدن/ الملوك) ، على الرغم من أن هذا النص المسرحي كتب باللغة العربية. في حين، يعد نص(إمزران/النزوات أو الرغبات) لأحمد زاهد أول نص مسرحي أمازيغي أطروحة وكتابة وخطا، وقد صدر عن مطبعة إنفوبرانت سنة2008م. وبعده، سيكتب محمد بوزكو (واف Waf/ الفزاعة ) سنة 2009م. ويتبين لنا من كل هذا أن هناك تسعة نصوص مسرحية من إنتاج أبناء منطقة الريف، وهي مكتوبة باللغتين العربية والأمازيغية . ويعد بشير القمري من أكثر كتاب منطقة الريف إنتاجا وتراكما في مجال الكتابة المسرحية بأربعة نصوص درامية متعاقبة. بيد أننا سنركز في هذه الدراسة على النصوص المسرحية ذات البعد الأمازيغي، سواء أكانت مكتوبة باللغة العربية أم بالخط اللاتيني أم بخط تيفيناغ. q المسرح العربي المكتوب بمنطقة الريف: يمكن الحديث ضمن هذه النقطة عن مرحلتين أساسيتين ضمن المسرح العربي بمنطقة الريف: مرحلة المسرح العربي المطبوع وغير المطبوع. أ- المسرح العربي المعروض بمنطقة الريف: من المعروف أن ثمة فئة من كتاب المسرحية العربية بمنطقة الريف الذين كتبوا المسرحية بكل أجناسها و أنواعها وأنماطها، ومن هؤلاء: عبد الله عاصم، وحسين القمري، وسعيد الجراري. بيد أن هؤلاء لم يدونوا نصوصهم المسرحية، ويوثقونها ، ويطبعونها في كتب ومؤلفات مسرحية مستقلة أو مشتركة، بل بقيت إنتاجاتهم الدرامية شفوية الطابع والملمح. فمسرحية( عودة محمد الخامس من المنفى)- مثلا- لم تدون إلى حد الآن. ومن المعروف أن هذه المسرحية كانت بمثابة أول عرض درامي تم تقديمه باللغة العربية بمنطقة الريف. والمسرحية- كما هو معلوم- من تأليف الدكتور عبد الله عاصم ، وقد تم تشخيصها على خشبة السينما الإسباني بمدينة الدريوش في شهر يونيو من سنة 1956م من قبل مجموعة من شباب هذه المدينة الذين يتكونون من اثني عشر فردا ، ومن هؤلاء: الدكتور عبد الله عاصم، والأستاذ سعيد الجراري، والأستاذ عبد السلام بوعنان، ومحمد بوعنان، والأستاذ الصغيّر الوكيلي ، وميمون الحقوني ، ومحمد الحقوني ، وعثمان عاصم، وأحمد البوفراحي، ومحمد المزوجي، ومحمد التمسماني، ومحمد التجاني. ب- المسرح العربي المطبوع في منطقة الريف: يعتبر الدكتور عبد الله عاصم من الكتاب الأوائل الذين بادروا إلى نشر نصوصهم المسرحية، إذ كتب مسرحية تاريخية واجتماعية في عشرة مشاهد بعنوان( أبطال العدالة) في أكتوبر 1956م، وقدمتها الإذاعة المغربية على أمواج أثيرها في صيف 1963م1. وكتب عبد الله عاصم أيضا مسرحية هزلية تحت عنوان( المشعوذ)، وغيرها من المسرحيات التي لم نتوصل بعد بها للتأكد منها… وبعد ثلاثة عقود، ستظهر مجموعة من الإصدارات المسرحية ، مثل مسرحيتي بشير القمري( رجعة ليلى العامرية) ، و( التنين) سنة 1991م 2، ومسرحية عبد السلام بوحجر( ملحمة القمر الأزرق/ الصخرة السوداء) عام 1993م 3، ومسرحية ( السعادة) لمحمد شكري سنة 1994م4. أما في سنوات الألفية الثالثة، فقد صدرت مسرحيات عربية مطبوعة، مثل: مسرحية ( ياقاضي القضاة) لبشير القمري سنة 2002م5، ومسرحية( الموت بالتقسيط) لخالد قدومي سنة 2009م 6، و( نصوص مسرحية للصغار والكبار) لجميل حمداوي في السنة نفسها7. ويعتبر بشير القمري من أكثر كتاب منطقة الريف إنتاجا في المجال المسرحي، حيث حقق تراكما كبيرا في هذا الميدان بمسرحيات عربية وأمازيغية. في حين، يعتبر عبد الله عاصم أول من كتب مسرحية في منتصف الخمسين من القرن العشرين. ونرجو أن يبادر كل من سعيد الجراري وحسين القمري إلى طبع نصوصهما المسرحية ورقيا أو رقميا، وما أكثر هذه النصوص المسرحية التي تم إنتاجها منذ سنوات الستين من القرن الماضي إلى يومنا هذا! q المسرح الأمازيغي المكتوب بمنطقة الريف: يعرف المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف إشكالية ماهو معروض وماهو مطبوع ، فالمسرح الأمازيغي الريفي بقي لفترة طويلة غير منشور في الصحف والكتب لأسباب ذاتية وموضوعية، وأسباب مادية ومعنوية . بيد أنه مع سنوات الألفية الثالثة ، وفي فترة متأخرة، وذلك مقارنة بالمسرح الأمازيغي السوسي، سيدخل مجال الطبع والنشر بشكل مقل ومحتشم إلى حد الآن. أ- المسرح الأمازيغي المعروض بمنطقة الريف: يعلم الكل أن المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف بدأ بشكل ارتجالي منذ السبعينيات من القرن الماضي، لينتقل إلى نصوص مسرحية فردية معروضة لم تدون وغير موثقة توثيقا ورقيا أو رقميا. وبالتالي، لم تجمع في كتب مستقلة أو مؤلفات مشتركة إلى حد الآن. وبعد أن كان التأليف جماعيا مع مسرحية ( ءيرحاكد ءاميثناغ/ وصل ابننا) سنة 1978م، شارك فيها مجموعة من الممثلين كفخر الدين العمراني، ومصطفى بنعلال ، وفاروق أزنابط، ومحمد لحميدي، والعربي عبد العظيم، ورشيد العبدي. وينطبق هذا الحكم أيضا على مسرحية( ءيهواد أوكامباوي ءاثاندينت غارباسابورتي/ ذهاب البدوي إلى المدينة لتسلم جواز سفره) التي تم تأليفها بشكل جماعي سنة 1979م. وقد شارك في إعدادها وتأليفها كل من: محمد بوزرو، وعبد الإله اليزيدي، ومحمد العبدلاوي. ومن أهم الكتاب المسرحيين الأمازيغيين الذين ساهموا في كتابة مجموعة من المسرحيات المعروضة بمنطقة الريف: فؤاد أزروال، وأحمد الزياني، ومحمد الطلحاوي، ومحمد العوفي، وعبد الخالق كرابيلة، ورشيد الشيخ، وعمر بومزوغ، والطاهر الصالحي، وفاروق أزنابط، ومصطفى القضاوي، وبنعيسى المستيري، وأحمد زاهد، ومحمد بوزكو، وسعيد المرسي… ، بيد أن هذه المسرحيات كما قلنا سابقا لم تطبع أو تنشر في مطبوعات أو كتب مستقلة أو جماعية. ب- المسرح الأمازيغي المطبوع بمنطقة الريف: إذا كان أول نص أمازيغي مطبوع بالمغرب هو نص مسرحي بلغة سوس تحت عنوان(أوسان صميدنين/ الأيام الباردة) لعلي مومن الصافي سنة 1983م8، فإن أول نص مسرحي مطبوع بمنطقة الريف لم يظهر إلا بعد عقدين من الزمن ، وهو نص لبشير القمري تحت عنوان( إيكليدن/ الملوك)، وقد ظهر في سنة 2002م9. وبعده، سيظهر نص مسرحي آخر مطبوع لسعيد أبرنوس( إيدير أمكسا/ Idir Amakssa / إدير الراعي) سنة 2007م، وهو مكتوب بالخط اللاتيني، وقد أثبت حرفيا في كتاب(ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل) لمحمد حمداوي10. وبعد ذلك، نشر جميل حمداوي مسرحية أمازيغية مكتوبة باللغة العربية على غرار مسرحية ( إكليدن/ الملوك) لبشير القمري، وتحمل هذه المسرحية عنوانا تاريخيا رمزيا دالا( نحن أحفاد ماسينيسا)11 ، ويتبعه أحمد زاهد بمسرحية (إمزران/ النزوات) سنة2008م12 التي تعد أول نص مسرحي أمازيغي مطبوع بمنطقة الريف، وقد كتبت بالخطين اللاتيني و الأمازيغي(تيفيناغ)، وقد كتب محمد بوزكو مسرحية(واف/ الفزاعة) سنة 2009م13، ويعد ثاني نص مسرحي أمازيغي مكتوب بالخطين اللاتيني وخط تيفيناغ. وقد نشر بشير القمري سنة 2010م مسرحيته المكتوبة باللغة العربية( أحيدوس)14. في حين، أصدر سعيد أبرنوص مسرحيته (تاسليت ن- ءوزرو/ عروس الحجر) سنة 2010م بالخطين اللاتيني والأمازيغي (تيفيناغ)15. كما أصدر فؤاد أزروال عن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط مسرحيته الأمازيغية( أنازور دميدان/ الفنان والآخرون) سنة 2011م بالخطين اللاتيني والأمازيغي16. وأصدر الحسن المساوي كذلك مسرحيته(الله يهانيك ءاباري/وداعا يا باريس) سنة 2012م بالخط العربي17. ويتضح لنا- مما سبق- أن ثمة تسعة نصوص مسرحية أمازيغية مكتوبة ومنشورة في شكل أعمال درامية مفردة، أو في شكل أعمال مسرحية مشتركة، كما هو حال نص ( إيدير أمكسا/ Idir Amakssa / إدير الراعي ) لسعيد أبرنوس. ونلاحظ أيضا أن هناك تنوعا في الخطوط ، فهناك من يستعمل الخط العربي، مثل: بشير القمري، وجميل حمداوي، والحسن المساوي. وهناك من يزاوج بين الخطين اللاتيني والأمازيغي (تيفيناغ)، مثل: أحمد زاهد، وأحمد بوزكو، و سعيد أبرنوس، وفؤاد أزروال. وإليكم – الآن- مجمل محتويات هذه المسرحيات الأمازيغية وخصائصها الفنية والجمالية والفكرية: u مسرحية( إيكليدن/ الملوك) لبشير القمري: تعد مسرحية( إكليدن/ الملوك) لبشير القمري أول نص مسرحي درامي تم طبعه في كتاب مستقل سنة 2002م، وقد اعتمد الكاتب في كتابته على مجموعة من المراجع التاريخية القيمة المرتبطة بالفترة الرومانية القرطاجنية، ككتاب ( حرب يوغرطة) للمؤرخ الروماني سالوست، وكتاب ( تاريخ شمال أفريقيا ) لأندري جوليان، وكتاب( التاريخ القديم لأفريقيا الشمالية ) لألبير عياش، وكتاب( تاريخ أفريقيا) للمؤرخين الروسيين: سافلييف وفاسيلييف، وكتاب( يوغرطة أو الرفض) لجميلة لحلو، وكتاب(تاريخ أفريقيا العام) من تأليف جماعي، وكتاب( يوغرطة من ملوك شمال أفريقيا وأبطالها) لمحمد فنطر… ولم يقف بشير القمري في مسرحيته إلى حدود التأريخ والتوثيق الحرفي، بل مارس التخييل الأدبي والتاريخي عن طريق خلق مجموعة من الاحتمالات والافتراضات الممكنة. ويعني هذا أن ذات المبدع كانت حاضرة، والدليل على ذلك أن الكاتب كان يدخل أمازيغية الريف في إدارة الحوارات، والتنسيق بين الشخصيات من حين إلى آخر. وعليه، فمسرحية ( إكليدن) عبارة عن ملحمة تاريخية ، أمازيغية الطرح، مكتوبة باللغة العربية، تصور الصراع الأمازيغي الروماني. وتنقل لنا صراع الملوك الأمازيغ فيما بينهم حول سلطة الحكم. وهكذا، تنقل لنا المسرحية أجواء الصراع بين صيفاقس وماسينيسا، فالأول يدافع عن قرطاجنة ، والثاني يدافع عن سلطة روما في شمال أفريقيا. و كان الرومان يستفيدون من الصراع المرير بين الإخوة الأمازيغ ، فيثيرون الفرقة الشائنة بين ملوكهم أيما إثارة، بغية إضعافهم ، وتمزيقهم شذر مذر، والاستعداد للسيطرة الكاملة على بلاد تامزغا. وهذا ما تحقق فعلا في الميدان، فقد دخل الرومان شمال أفريقيا ، فأذلوا أهلها تركيعا وتجويعا واستغلالا وإهانة وازدراء . بيد أن مجموعة من الثوار الأمازيغ لم يبقوا مكتوفي الأيدي، بل صعدوا الحرب ضد الرومان. ومن هؤلاء: يوغرطة الذي دخل في صراع مع ابن عمه مسيبسا حول أحقيته في تسيير دواليب حكم نوميديا . ومن هنا، دخل يوغرطة في حروب مريرة ضد الرومان. لكن الأمازيغ خانوه وباعوه للعدو لاسيما صهره باخوس أو بوكوس مقابل توسيع سلطته ، والحصول على هبات مادية، والاطمئنان إلى رضا شيوخ روما. وهكذا، يتبين لنا أن هذه المسرحية التاريخية الملحمية مبنية على ثنائية المقاومة والخيانة، وثنائية الانتصار والهزيمة، وترصد لنا التطاحن الكبير بين ملوك الأمازيغ حول السلطة والمرأة والمال. وتشير المسرحية كذلك إلى أن الخيانة كانت من الشيم السلبية التي يتصف بها الإنسان الأمازيغي القديم، وهي العلة الأولى التي جعلتهم إلى حد الآن لم يصبحوا بعد أمازيغيين وأحرارا حقيقيين. وعليه، فمسرحية( إكليدن) لبشير القمري تشغل مجموعة من السجلات اللغوية كالعربية الفصحى، والدارجة المغربية، واللغة الأمازيغية الريفية لأهل الناظور بغية خلق بوليفونية درامية متناغمة ومتصارعة. كما يستعين الكاتب بالراوي le chœur على غرار المسرح اليوناني الذي كان يقدم الفرجة الدرامية في كل أبعادها التشخيصية وتفاصيلها المشهدية. بيد أن ما يلاحظ على هذه المسرحية أنها سقطت كثيرا في البعد التاريخي والتوثيقي على حساب البعد الفني والجمالي والتخييلي. كما أن الحوارات المشهدية طويلة جدا من الصعب استثمارها على المستوى الركحي والميزانسيني . وأتفق مع الكاتب على مستوى التجنيس بأن هذه المسرحية ملحمة تراجيدية ؛ لأن هذه المسرحية فعلا ملحمة تاريخية على مستوى التأطير الفني ، ويتمثل ذلك في إيراد مجموعة من المعارك الملحمية والمقاومات الباسلة التي تنتهي جميعها بموت الملوك، وتوالي الفجائع والمآسي والهزائم والانكسارات التراجيدية الحزينة. v مسرحية ( إيدير أمكسا/ Idir Amakssa ) لسعيد أبرنوس: تنتمي هذه المسرحية التي كتبها سعيد أبرنوس إلى أدب الأطفال، وقد كتبت هذه المسرحية الناطقة باللغة الريفية بالخط اللاتيني في خمسة عشرة صفحة من الحجم الكبير(A4)، وقد نشرت سنة 2007م ضمن الكتاب الذي أعده محمد حمداوي تحت عنوان(ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل). هذا، وقد قدمت المسرحية من قبل فرقة ثفسوين للمسرح الأمازيغي بالحسيمة في المهرجان الربيعي الثاني عشر لمسرح الأطفال بالناظورسنة 2006م ، ذلك المهرجان الذي تنظمه حركة الطفولة الشعبية بالناظور سنويا إبان فصل الربيع. ولقد أخرج هذه المسرحية الأمازيغية الطفلية أحمد سمار. وتنقلنا المسرحية إلى أجواء بادية الريف، حيث يوجد إدير الراعي المثقف بين قطيعه متشبثا بأرضه وماشيته، يعيش حياة متواضعة قائمة على حب الطبيعة والحياة والعمل. وقد حصل إيدير على جائزة نوبل في الآداب على روايته' الطريق إلى الشمس)، فأصبح معروفا مشهورا ذائع الصيت في كل بقاع العالم. وعلى الرغم من هذه المكانة العالية، لم يغتر و يتعال أنفة وتكبرا، بل كان قريبا من الناس والمجتمع والأطفال . ومرة، سيلتقي إدير بطفلين صغيرين: علي وأخته نادية، وكان يبحثان جادين عن الكنز قرب مكان يسمى تاسكلوت، وفي أيديهما خريطة تحمل في طياتها إشارات وعلامات توصلهم حيال صندوق الكنز . وكانا يعتقدان فعلا أنه مليء بالشيء الكثير من الذهب والفضة. وقد ساعدهما إيدير على فتح الصندوق، ولما نقب الطفلان في أعماقه، لم يجدا في داخله سوى كتب ثراثية قيمة حول المعرفة والفن والتاريخ والآداب والأشعار. فلم يجدا في الحقيقة إلا كتبا هامة تتحدث عن أعلام الثقافة الأمازيغية، مثل: ماسينيسا، ويوغرطة، ويوسف بن تاشفين، والمهدي بن تومرت، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي… وآنذاك، تعرف الطفلان حقيقة الكنز الموروث، وتأكدا فعلا أن الكنز الحقيقي للإنسان الأمازيغي هو العلم والتثقيف والاكتشاف، والاطلاع على حضارة أجداده التليدة، ومعرفة تاريخهم النير، وسبر معارفهم الحقيقية، وتمثلها عبرة وعملا وسلوكا. ومن هنا، فهذه المسرحية الطفلية الأمازيغية تربوية المبتغى، وتعليمية المنحى، ذات طابع المغامرة والاكتشاف، تحمل في جوهرها أبعادا رمزية هادفة، وتزخر برسائل ضمنية على المستوى الذهني والوجداني والحركي. w مسرحية( إمزران) لأحمد زاهد: نشر أحمد زاهد مسرحيته( إمزران/ الأماني) في طبعتها الأولى سنة 2008م بأنفوبرانت ، وقد قدمتها فرقة ثيفاوين للمسرح الأمازيغي بالحسيمة، وقد أخرجها سعيد ظريف. ومن المعلوم أن هذه المسرحية قد نالت عدة جوائز قيمة في المهرجان الأمازيغي الأول للشباب المنعقد بالمركب الثقافي بالناظور الذي نظمته جمعية أزغنغان في يناير من سنة 2009م. ومن بين هذه الجوائز المسرحية: جائزة التشخيص لمحمد بن سعيد، وجائزة الإخراج لسعيد ضريف،وجائزة المهرجان. وعلى أي، فالمسرحية تتحدث عن مجموعة من الرغبات والأماني والإرادات المتصارعة شعوريا ولاشعوريا فيما بينها تصادما وتناقضا. وهكذا، يتجمع أربعة أشخاص في مكان مقفر لم يبق منه سوى جدار واحد يكاد يتهاوى ، يخفي وراءه حقائق رمزية كثيرة إيحاء وتناصا وتلميحا وتعريضا وتلويحا. و تعبر هذه الشخوص عن رغبات فلسفية واجتماعية ووجودية متناقضة، بل تحاول كل رغبة أن تقصي الرغبة الأخرى، و تفرض وجودها بمفردها على حساب الرغبات والإرادات الأخرى. فالشخصية الأولى تسمى ( إيثري) التي تعبر عن رغبة الضوء، تريد أن تعيش دائما في حياة النور لتستمتع بأشعة الحقيقة النورانية والجمال النوراني ، وتتمنى أن يزيدها الضوء نورا على نور، ليكشف( إثري) الحقيقة البينة دون رتوش زائفة . بينما يعبر ( أكو) عن إرادة الظلمة، ويريد أن يتحول إلى ظلام دامس ليخفي تشوهاته، ويستر عيوب الآخرين الذين فرطوا في مقومات حضارتهم الأصيلة، فأغفلوا ثقافتهم الأمازيغية. ثم ، تناسوا هويتهم وكينونتهم التليدة. ويحاول ( أكو) أن يغرق ( إثري) في الظلام لكي لا يظهر ضوؤه النير، فيكشف حقائق الوجود العابسة والكينونة الضائعة. أما ( ابن تومرت) الشخصية الثالثة في المسرحية ، فيستغرق في الضحك العارم وهستيريا الهذيان والجنون منتقدا بشكل صارخ وحاد الذين أقبروا هويتهم الأمازيغية، وعاشوا حياة جديدة بمقاس حياة الشعوب الأخرى، فأصبحوا أناسا مزيفين ومشوهين متنكرين لتاريخهم وحضارتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم الموروثة. في حين، نجد (أمشوم) يلتجئ إلى البكاء ليفزع الآخرين، ويعاكس ( ابن تومرت) ورغبته في الضحك. وبالتالي، ف(أمشوم ) يبكي ضياع الهوية والكينونة، ويصرخ في وجه الذين أصبحوا مجرد أقنعة زائفة وواهمة ، وقد تحولوا إلى كراكيز مخدوعة ومستلبة. وهكذا، نجد فوق الركح المسرحي أربع إرادات متناقضة ومتصارعة شعوريا ولاشعوريا( النور، والظلمة، والضحك، والبكاء). كل رغبة متصادمة مع الأخرى، تريد أن تستفرد بأمانيها وطموحاتها ومتمنياتها الدفينة والظاهرة على حساب الرغبات الأخرى. بيد أن هذه الرغبات المتصارعة ستتوحد لانتخاب شخصية خامسة هي شخصية (أمزيبي) اللعينة. وهكذا، يدخل (أمزايبي) في اللعبة الانتخابية الخسيسة، فيعد الأربعة بتحقيق رغباتهم وتمنياتهم الشخصية، بشرط أن ينتخبوه على ذلك بغية خدمتهم ، وإشباع رغباتهم الجلية والمضمرة. لكن بمجرد الظفر ببطاقة الفوز، تغير ( أمزايبي)، فأصبح شخصا شرها يشبع رغباته الشخصية التي تتمثل في الحصول على السلطة والمال، وإذلال الآخرين، والتحكم في رقابهم إذلالا وإهانة وازدراء. ومن هنا، ينتظر الأشخاص الأربعة من سينقذهم من تلك الورطة الموجعة، فلم يجدوا سوى رجل في منظر متصوف راهب يظهر الخشوع والجلال والعرفان. بيد أنهم سيكتشفون، بعد أن أزالوا عنه القناع، أنه هو نفس الشخص المحتال (أمزايبي) نفسه. لكن ملاك الحرية سينصحهم في الأخير بالاعتماد على الذات، وعدم التواكل على الآخرين، والابتعاد عن الفرقة والتمزق والتطاحن حول أتفه الأسباب، وتعويض ذلك بالعمل الجاد المفيد والمثمر، واستثمار الذات أحسن استثمار في بناء الكينونة، والحفاظ على الهوية، ونشدان الحرية والجمال والفضيلة والسعادة الدنيوية والأخروية. وعليه، تتحدث المسرحية في الحقيقة عن تناقضات المجتمع المغربي على جميع النواحي والأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتركز بالخصوص على الجانب السياسي، وتصور شخصية (أمزايبي) تصويرا مقرفا عن طريق تشغيل خطاب السخرية والفكاهة والنقد والكوميديا الصارخة. ويعني هذا أن أحمد زاهد يستعمل الكوميك الصادم لانتقاد الأوضاع السياسية المهترئة بالمغرب. وهكذا، يسلط أحمد زاهد أضواءه النيرة والساطعة على رصد (أمزايبي) الذي يتقدم للانتخابات السياسية الزائفة، ويحاول تقديم برنامجه السياسي الواهم، عبر تقديم مجموعة من الوعود الحالمة والأماني الخادعة لدغدغة عواطف الجماهير، واستغلال ثقتهم بجميع الوسائل، سواء أكانت شرعية أم غير شرعية. كما يدين الرغبات الشخصية الدنيئة والمتصارعة من أجل تحقيق المصالح الدنيا على حساب المصالح الشريفة والفضائل الجليلة والمقاصد الكبرى. مسرحية( نحن أحفاد ماسينيسا) لجميل حمداوي: أصدر جميل حمداوي مسرحيته( نحن أحفاد ماسينيسا) سنة 2009م، وهي مسرحية تاريخية ملحمية ناطقة باللغة العربية، وتتضمن ثلاثة فصول تتحدث عن تاريخ أبطال المقاومة الأمازيغية قديما وحديثا ضمن لوحات مشهدية بطولية متنوعة. ففي الفصل الأول، يتحدث الكاتب عن ثلاث شخصيات أمازيغية تقاوم الرومان هي ماسينيسا، ويوغرطة، وتاكفاريناس. ويتناول الكاتب في الفصل الثاني شخصيتين أمازيغييتن مقاومتين للوجود العربي هما: الكاهنة (ديهيا) وكسيلة( أكسيل). أما الفصل الثالث ، فقد خصصه الكاتب بمقاومة محمد الشريف أمزيان ومحمد عبد الكريم الخطابي في صراعهما ضد التواجد الاستعماري الإسباني. وما يلاحظ على هذه المسرحية أنها ذات طابع ملحمي تاريخي، لكنها لا تحمل رؤية تراجيدية كمسرحية( أكليدن/ الملوك) لبشير القمري. ولم تقف المسرحية عند خط التأريخ والتوثيق، بل مارس الكاتب التخييل الإبداعي عن طريق البحث في الاحتمالات والافتراضات الممكنة. ويلاحظ على الكاتب أيضا أنه كتب فرجة مسرحية يغلب عليها ديكور القصور والمشاهد الداخلية المغلقة. ويعني هذا أن لوحات المسرحية خاضعة للتصوير الداخلي أكثر مما هي خاضعة للتصوير الخارجي على مستوى الإخراج والسينوغرافيا والميزانسين. ويطغى على المسرحية كذلك الطرح الإسلامي في معالجة قضيتي( كسيلة ) و( ديهيا). مسرحية( واف/ Waf) لمحمد بوزكو: تعد مسرحية( واف/ الفزاعة) لمحمد بوزكو أول نص مسرحي أمازيغي مطبوع لغة وروحا وخطا، وقد كتب بالخط اللاتيني وخط تيفيناغ. وقد صدرت هذه المسرحية الناطقة بأمازيغية الريف سنة 2009م عن مطابع الأنوار المغربية بوجدة. وتتكون هذه المسرحية القصيرة من ثلاثة فصول. وهي مسرحية رمزية ووجودية تناقش بعض الثنائيات الشائكة ، مثل: الحياة والموت، والحب والكراهية، والوجود واللاوجود، واليأس والأمل، والنور والظلمة، والفرح والحزن… كما تتحدث عن الحقيقة الضائعة في هذا العالم الزائف والواهم. وهكذا، يشخص الفصل الأول من المسرحية رجلا جالسا فوق حجرة الكيلومترات على قارعة الطريق ساخرا من الناس الذين يتسابقون مزدحمين في هذه الحياة العابثة. وقد كان هذا الرجل اليائس ينتظر سيارة لتودي بحياته العابثة المختنقة. وقد سئم العيش في هذه الحياة المتناقضة الزاخرة بالمشاكل المستعصية إلى درجة الملل والكراهية والتشاؤم . وبالتالي، لم يقو على الاستمرار في هذه الحياة الوجودية القاتلة ، وتمنى من كل قلبه لو لم ينجبه والداه، بدلا من هذا العذاب السيزيفي القاسي الذي يعيشه في هذه الحياة السوداء المنحطة المقرفة التي غابت فيها كل القيم الأصيلة الفاضلة، وغاب فيها الحب الرومانسي الحقيقي، بعد أن افتقد عشيقته مازيليا التي تزوجت رجلا آخر لا تحبه. بيد أن رجلا ثانيا سيفاجئه هو الرجل الفزاعة الذي يراقب الآخرين، ويعد أنفاسهم، ويثير الخوف والفزع فيهم، فيدخل في حوار فلسفي جدلي مع الرجل الأول ، مستفسرا عن هويته وحياته وحقيقته الشخصية، محاولا معرفة الأسباب التي تدفعه للموت والانتحار ، والتخلص من حياته العابثة. لكن الرجل الفزاعة يمنعه من الموت ، لأن ليس كل من يرغب في الموت له الحق في أن يموت، فالموت له آجال ومواعيد محددة . ومن هنا، يقدم الكاتب محمد بوزكو فلسفة وجودية لمعالجة إشكالية الحياة والموت، لاسيما في المجتمعات التي تعاني الإقصاء والصمت والقمع والقهر والتهميش والازدراء ، تلك التي يعاني فيها المرء من التعليب الرأسمالي ترقيما وتشييئا، ويحس فيها الكائن البشري بالوحدة والاغتراب الذاتي والمكاني تقزيما واستغلالا ومهانة واستيلابا. ويبدو من خلال قرائتنا للمسرحية أن الرجل الأول سيموت في آخر الفصل الأول، بعد أن دهسته سيارة مسرعة لتضع حدا لحياته المتشائمة. ويسترجع الرجل الأول في الفصل الثاني حياته العاطفية المثالية ، فيستحضر تجربته الرومانسية مع حبيبته مازيليا التي خرجت من منزلها للتو قصد البحث عن ابنها المرضي لتلتقي أثناء ذلك مع عشيقها الأول. بيد أن هذه التجربة الغرامية تنتهي بالفشل الذريع، بعد أن زوجها أبوها لشخص آخر في سوق الحظ والمساومة، لا تكن له أي عطف أو حب. هذا، وتستمر الذكريات بين الاثنين باسترجاع الأيام الحلوة السعيدة، إلى أن يفاجئهما الرجل الفزاعة، فيعكر صفو هذه السعادة الرومانسية الرائعة، فيهربان منه إلى مكان هادئ بعيدا عن الناس للمناجاة الوجدانية الرقيقة، واستكمال تجربة الحب العفيف. لكن الرياح الهائجة والعاصفة الرعدية ستلقي بالرجل المعشوق ميتا في وسط الطريق بعد أن داسته السيارة المسرعة. أما في الفصل الثالث من المسرحية، فنجد أنفسنا مع كاتب يفلسف ثنائية النور والظلمة، وثنائية الحياة والموت، وثنائية اليأس والأمل. فينقلنا إلى فضاء المقبرة مع الرجل الفزاعة الذي كان يحرس الموتى محدثا إياهم عن تناقضات الحياة. إلا أن الرجل الأول سيباغته ، بعد أن خرج من قبره، ليتقمص قناعا ساخرا كاريكاتوريا يخيف به حارس القبور الذي يهرب مسرعا ليختفي وراء فزاعته الوهاجة، ثم يسمع الحوار الذي كان يدور بين هذا الرجل الميت المقنع والشاب ( أحوذري ) حول حقيقة الحياة وعمل الإنسان. فيتبين لنا أن واف، الرجل الثاني، كان يستغل الناس، ويعتدي عليهم، ويخيفهم أيما إخافة بفزاعته المتوهجة، فقد استولى على نصيب الفقيه، واغتصب أراضي الآخرين، وكان يتتبع حركاتهم، ويعد أنفاسهم نفسا تلو الآخر، ويثير خوفهم وفزعهم ترغيبا وترهيبا، ويقتل في نفوسهم حب الأمل و الحياة . ويعترف الرجل الأول للشاب ( أحوذري) باسمه الأول ( المرضي) الذي تسمى به في حياته الصاخبة، و قد خسر عشيقته مازيليا بسبب المال والناس، فتزوجت من رجل لا تريده، ولا تميل إليه. في حين، تعاتب مازيليا عشيقها الذي تركها وحيدة ليهرب إلى الموت للتخلص من مشاكل الحياة. ومن ثم، يعدد الشاب بكل حماس مجموعة من الأماني المستقبلية، بيد أن الرجل الميت كان يسخر من هذه المتمنيات الافتراضية البعيدة التي يصعب تحقيقها في أرض الواقع، وأن الحياة الإنسانية ماهي إلا مجرد وهم خادع وسراب زائف. لكن الشاب لم يستسلم للآراء المتشائمة التي كان يتفوه بها الرجل الأول، بل أعلن تفاؤله الكبير في التعامل مع الحياة، وإقباله عليها بجدية وحماس من أجل تغييرها نحو الممكن والأفضل. وسيعلن كل من الرجل الأول ومازيليا وابنها المرضي في آخر المسرحية قرارهم الجماعي الذي يتمثل في استبدال حياة الظلمة الدامسة بنور النهار المشعة، وتعويض الكراهية بالحب، وغسل قلوب المرارة بأمل الحياة، والثورة على واقع الظلم بإسقاط كل رموزه الشائنة. وبعد ذلك، يسقط الثلاثة الرجل الثاني(واف)، فيردوه قتيلا. ثم ، يضعون الفزاعة فوق رأسه. وبعد ذلك، يعود الرجل الأول إلى القبر، لتقتعد مازيليا مكانا إلى جانبه إلى أن يأتي إليها ابنها أحوذري، فيأخذها من يديها. ثم، يبتعدا عن القبر شيئا فشيئا. فتشتعل وراءهما الإضاءة الحمراء. وهكذا، فمسرحية ( واف) لمحمد بوزكو مسرحية وجودية قائمة على العبث والسأم والانتظار ، تصور شخصية إشكالية عبثية تعاني من القلق واليأس والخوف والظلمة. وفي المقابل، يستحضر الكاتب شخصية أخرى معاكسة تؤمن بالأمل والفعل والعمل ، وتعنى بتغيير الأوضاع المتردية عن طريق قتل الخوف والقمع والقهر والظلم في صورة الفزاعة المخيفة. ومن هنا، فمحمد بوزكو في هذه المسرحية قد وظف مجموعة من الرموز والأشكال الدرامية الاحتفالية، مثل: عروس القصب، والقناع، والبهلوان. كما شغل مجموعة من الأمثال والحكم والحكايات والخرافات والأشعار والأغاني الأمازيغية الريفية، فاستعان كذلك بالخطاب الفانطاستيكي القائم على التغريب والتعجيب، لينقل لنا عبر تخييل رمزي تجربة الألم والأمل التي طالما ما تناولها الأدب الأمازيغي بمنطقة الريف ، ولكن لكل مبدع مقاربات مختلفة ومتنوعة. وعلى العموم، فمحمد بوزكو قد أخرج المسرح الأمازيغي من طابعه الواقعي الاجتماعي الكلاسيكي إلى طابع حداثي قائم على التجريد والترميز وفلسفة العبث والوجود، متأثرا في ذلك بالمسرح الوجودي والمسرح السريالي ومسرح اللامعقول. z مسرحية( أحيدوس) لبشير القمري: يصيغ بشير القمري فرجته المسرحية( أحيدوس) في ثلاثة فصول متآلفة على غرار تركيبة الموشح أو رقصة أحيدوس: الاستهلال، والاستغراق، والخرجة. كما يقيم هذه الفرجة المسرحية على البوليفونية اللغوية: الفصحى، والدارجة، والفرنسية، والإسبانية، والريفية. وترد هذه المسرحية في قالب فردي مونولوجي أو مناجاة شعورية ولاشعورية قائمة على الهذيان والتردد والجنون ، وذلك على غرار مسرح اللامعقول أو المسرح السريالي أو المسرح العابث. هذا، وتقدم المسرحية إيقاعا باروديا بوليفونيا قائما على السخرية والفكاهة والتهجين والأسلبة من خلال انتقاد الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والثورة على الواقع الكائن السائد بوعييه الزائف والقائم، مع استشراف واقع أفضل وممكن . وهكذا، يسخر الكاتب من التناقضات السياسية التي يزخر بها مجتمعه المنحط على جميع المستويات والأصعدة، وينتقد الأحزاب السياسية البرجماتية التي لا هم لها سوى خدمة مصالحها الشخصية، وتحقيق أهدافها الأيديولوجية الواهمة. كما يشير الكاتب إلى الصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي، ويلمح إلى عمليات التعذيب والتفتيش، والإشارة إلى الاعتقال السياسي غير المشروع، ومصادرة حقوق الإنسان الخاصة والعامة. كما يزدري الكاتب الفرجات البرلمانية الزائفة ، ويتهكم من الرقصات السياسية الأحيدوسية، وينعى الإنسان والمثقف والمجتمع على حد سواء. ويعرض الكاتب أيضا بسياسة الإقصاء والتهميش والاستغلال، وينتقد الهرمية الاجتماعية المصطنعة التي يتقابل فيها الأسياد والعبيد، والأغنياء والفقراء. ومن ثم، يصبغ الكاتب على مجتمعه صفات مشينة، مثل: الكذب، والنفاق، والغش، والرشوة، والتزوير، والزيف، والفساد، والتدليس… إلى جانب حالات تراجيدية مفلسة كالبطالة، والفقر، والمرض، والجهل، والأمية، والتجويع، والقهر، والقمع… وعليه، فالمسرحية سياسية الطرح، يستخدم الكاتب فيها الدارجة المغربية الممزوجة بالسجلات اللغوية الأخرى المساعدة لتأليف سيمفونية تراجيدية تنعى المجتمع المغربي في شتى مجالات الحياة، وتعزف إيقاعا جنائزيا حزينا يضرب نقراته الموجعة قصد نسج صراع درامي إنساني متوتر ومتموج بالفجائع والمآسي والانكسارات الدامية. ونخلص من كل هذا إلى أن المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف مازال مسرحا غير منشور وغير مطبوع في كتب مفردة مستقلة أو كتب جماعية مشتركة ، بل يرتبط هذا المسرح أيما ارتباط بالخشبة الميزانسينية والعرض الركحي، ولم ينتقل بعد إلى رفوف المكتبات الورقية والرقمية أو الأقراص الممغنطة. ولم يدخل – بعد – حيز النشر والطبع. فلا نملك من المطبوع والمنشور سوى ستة نصوص مسرحية ليس إلا، وهذا عدد قليل وغير كاف للحديث عن نصوص مسرحية أمازيغية مطبوعة ومدونة يمكن الاعتماد عليها أو نجعلها متونا للدراسة والتحليل والتفكيك، سواء في الحقل النقدي أم في الحقل الثقافي أم الحقل التربوي والديداكتيكي. ويمكن الحديث في المستقبل القريب عن مسرحيات الأقراص، والمسرحيات الرقمية، ومسرحيات الكتب. بيد أن هناك مشاكل عويصة تتعلق بالمسرح الأمازيغي المكتوب بمنطقة الريف تتعلق بالكتابة واستعمال الخط. فهناك من يستعمل الخط العربي ، وهناك من يفضل الخط اللاتيني، وهناك من يعجبه خط تيفيناغ. وهنا أدعو كافة المبدعين الريفيين وكتاب المسرح الأمازيغي أن يستعملوا الخطوط الثلاثة جميعها لتسهيل عملية القراءة على المتقبل الراغب في الاطلاع على المسرح الأمازيغي الناطق بالريفية، وأيضا لإرضاء أذواق الجماهير من مختلف الفئات، سواء أكانت متعلمة أم غير متعلمة. فلقد لاحظت بأن الخط اللاتيني بقواعده الإملائية يثير صعوبة كبرى على مستوى متابعته سطرا فسطرا، وقراءة المسرحية في ضوئه بخصائصه اللسانية المعقدة. أما خط تيفيناغ، فمازال الناس لم يتمثلوا هذا الخط جيدا. لذا، أفضل أن نستعمل كل الخطوط الثلاثة المعروفة لكتابة مسرحنا الأمازيغي بمنطقة الريف. { (تاسليت ن ءوزرو/ عروس الحجر) لسعيد أبرنوص: ينطلق سعيد أبرنوص من المتخيل الأسطوري اليوناني والأمازيغي في تصوير شخصياته الدرامية، بالانتقال من الحاضر إلى الماضي. ويعتمد الكاتب على تقنية الراوي (بوتزيت) الذي يسرد قصة أفولاي الراعي الذي يجد نفسه في زمن غابر. وتدور أحداث المسرحية في قرية متخيلة بساحة أزاراك(Azzarag) التي يقصدها الراوي الجوال كل مرة.بيد أن هذه المرة قرر أن يكلف الشاب ماسين مهمة إعادة حكي قصة الراعي أفولاي على أهل القرية من خلال الرجوع بهم إلى الزمن الماضي. هذا، وقد وجد أفولاي نفسه بجانب أطلس ( إله الجبال) الذي أعطاه نصف ناي ليستكمل بحثه لإيجاد نصفه الآخر، ولن يجد ذلك إلا عند بنت رئيسه بالتبني بتموداس. ومن ثم، ينطلق أفولاي باحثا عن تلك الفتاة الجميلة التي أثارت لبه وعقله، ولن يجد الحقيقة إلا عند فلاسفة تموداس ، خاصة أكيل العراف الأعمى الذي عرف علاقة أطلس بحفيدته تيلا التي نشأت بتموداس ، وقد اختطفها الحاكم طمعا فيها وفي الناي العجيب الذي يمنح صاحبه العز والجاه والسؤدد. بيد أن الحاكم يرفض التخلي عن تيلا الحسناء كي تعود إلى موطنها الأصلي مع الراعي أفولاي. لذا، يحاول قتله كما خطط لذلك الراوي بوتزيت. لكن نهاية الحكاية سيترتب عليها حل مفاجىء آخر يتمثل في موت تيلا لكي تنقذ عشيقها أفولاي. وفي الأخير، تنكشف خطة الراوي بوتزيت الذي يريد قتل ماسين من خلال التنكيل بأفولاي ، وكل ذلك رغبة في التفرد بتازيري التي مثلت دور تيلا. ويلاحظ فنيا وجماليا أن سعيد أبرنوص يوظف مجموعة من التقنيات المسرحية التجريبية ، مثل: تشغيل المحكي الأسطوري، والاستعانة بالميتامسرح، وتمثل تقنية الراوي، والتوسل بالفانطاستيك والحكاية والخرافة، والانتقال بين الواقع والممكن، والاشتغال على المتخيل التاريخي، والتأرجح بين الأدبي والأسطوري. |(أنازور ذ ميدان/ الفنان والآخرون) لفؤاد أزروال: تتخذ مسرحية (أنازور ذميدان) طبيعة ميتاتياترية مادام يتناول فيها الكاتب إشكالية الفن والواقع، حيث تعبر المسرحية عن تآكل الفنان وجوديا، وذوبانه مأساويا في مجتمعه، وتجسيد صراعه الكينوني والإبداعي مع ذاته وواقعه الموضوعي المحبط. ومن ثم، فهي تجسد معاناة الفنان الأمازيغي في صراعه مع الذات والواقع والفن على حد سواء، و مقاومة متاريس واقعه المتردي من أجل إبداع أغنية واحدة لتكون لسان حاله المتصدع. وعلى العموم تدور أحداث المسرحية – حسب فؤاد أزروال- " حول فنان يسعى إلى تأليف معزوفة فريدة من نوعها تعكس عمق روحه وروح بلاده وتراثه. ويحاول أن يقبض على لحظة الإلهام الأولى التي تفتح له الطريق نحو العمق والصدق. لكن ظروفا عديدة من حوله وقريبة منه تبدد محاولاته، وتشتت مجهوداته، مما يحتم عليه أن يدخل في صراع دائم ومستميت مع الأشياء والناس من حوله لأجل تحقيق أمنيته.18″ وعليه، تعد تيمة الفن من أهم التيمات التي تناولها المسرح الأمازيغي ، وقد رفعت من قيمة نصوصه الدرامية لتدرج ضمن مسرح التجريب أو مسرح الارتجال أو ضمن الميتامسرح. } (الله ءيهانيك ءاباري) للحسن المساوي: تتضمن مسرحية الحسن المساوي(الله ياهنيك ءاباري/ وداعا يا باريس) حوالي خمسين مشهدا دراميا. ويبدو أنها مسرحية اجتماعية ذات طابع كوميدي وتراجيدي في آن معا؛ لأنها ترصد لنا معاناة المهاجرين في أرض الغربة في قالب فكاهي سخري، وخاصة في بلد أوروبي كفرنسا. إذ تبدأ كل شخصية درامية مشهدها المسرحي بسرد مشاكلها التي واجهتها أثناء قدومها إلى باريس، ومالقيت من مصاعب جمة أثناء التكيف مع الواقع الجديد، وماعانته من آلام وإحباطات وعراقيل شتى من أجل البحث عن العمل الشريف. هذا، وتتحدث المسرحية عن قصص وحيوات لكل من حميد، وعمار، ومارزوق، وعماروش، وسعيد…هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم أمام متاريس الواقع الصلدة، فلم يستطيعوا التأقلم مع واقع الغربة، فأحسوا بالاغتراب الذاتي والمكاني، ثم تلذذوا بالوحدة ، واليأس، والتشاؤم، والضياع، ثم سقطوا في مهاوي الرذيلة من خمر، وجنس، وعربدة، ومجون…إلا أن البعض منهم قد كون أسرا وعائلات. وبعد ذلك، وجد هؤلاء المغتربون أنفسهم أمام مشكل عويص ومقلق، يتعلق بتربية الأولاد الذين انسلخوا عن دينهم، ولغتهم، وهويتهم، وثقافتهم، وحضارتهم، واندمجوا في المجتمع الغربي، فانقلبت الموازين ، ثم تغيرت القيم ، حيث برزت القيم المادية والكمية على حساب القيم الكيفية والاستعمالية. ومن هنا، فالمسرحية تسجيل حقيقي وصادق لمشاكل المغتربين الأشقياء، وتصوير لمعاناتهم المأساوية أمام غطرسة الأولاد وتجبرهم، وتمرد الزوجات ونشوزهن؛ مما أفقد الزوج أو الأب هيبته وسلطته وقوته ونفوذه باسم الحرية ، والعدالة، والمساواة، والأخوة، واحترام حقوق الإنسان التي تتغنى بها المجتمعات الغربية صباحا ومساء. وبالتالي، فالمسرحية تعبر في الحقيقة عن ضياع الهوية الأمازيغية وفقدانها مع بداية مسلسل الهجرة والاغتراب. لكن المسرحية تنتهي بطرح حل لهذه المشاكل كلها، ويتمثل في ضرورة العودة إلى الريف عاجلا أو آجلا، أو العودة الحتمية إلى الأصل أو الجذور الأولى. أما من حيث الكتابة الفنية والجمالية، فقد وظف الكاتب لهجة الريف أداة للتعبير، ووسيلة للتشخيص والتصوير، واستنطاق الشخصيات، كما استخدم في ذلك لغة درامية واضحة معبرة تحمل في طياتها دلالات اجتماعية وإنسانية ضمن رؤية تراجيدية ساخرة. ويعني هذا أن هذه المسرحية الاجتماعية تراجيكوميدية تزخر بالتناقضات الجدلية، وتطفح بالسخرية والاستهزاء والتلويح. ويلاحظ كذلك أن المسرحية تدور في فضاءات مغلقة إما عبر المكالمة الهاتفية وإما عبر سرد قصص الشخصيات داخل فضاء المقهى. ومن ثم، يشغل الكاتب جماليا تقنية الفلاش باك (استرجاع الأحداث)، والمنولوج (الحوار الداخلي) بكثرة؛ مما أخضع الحوار المسرحي لمجموعة من المبادىء، مثل: الانسياب، والاسترسال، وتشغيل التداعي الحر، والتطويل، واستعمال المناجاة الداخلية. ونلاحظ كذلك كثرة المشاهد المسرحية، إلآ أن هذه المشاهد لم توزع بشكل دقيق ومتكافىء، بل ثمة مشاهد طويلة ومشاهد قصيرة، وهذا – بطبيعة الحال- سيؤثر سلبا على مستوى الإخراج المسرحي. كما أن الحوارات الداخلية طويلة جدا؛ مما يصعب حفظها وتردادها فوق خشبة المسرح. زد على ذلك، أن الكاتب لم يكتب مسرحيته في ضوء مبادىء الإخراج، بل ترك هذه المهمة للمخرج والحواري والسينوغراف ليتصرف في هذا النص جملة وتفصيلا لكي يوائم قواعد اللعبة المسرحية، وينسجم مع شروط الفرجة الدرامية. وأهم ما في هذه المسرحية أنها اغتنت بالأغاني الأمازيغية ذات الطابع الشاعري الملحن والمنغم والمموسق. وبهذا، يكون الحسن المساوي قد خدم المسرح الأمازيغي المطبوع بمنطقة الريف حينما جرب الكتابة في فن صعب المراس كفن المسرح، وقد استطاع أيضا أن يقترب من الإنسان الريفي عندما طرح مشكل الهجرة والاغتراب في أبعاده الاجتماعية والتاريخية والإنسانية والحقوقية، وما يترتب عليه من نتائج وخيمة على مستوى الذات والموضوع، وماينتج عنه كذلك من ويلات مأساوية، من الصعب حلها بشكل ناجع في الظروف المتأزمة الراهنة. ونخلص من كل هذا إلى أن المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف مازال مسرحا غير منشور ولا مطبوع في كتب مفردة مستقلة أو كتب جماعية مشتركة، بل ارتبط هذا المسرح أيما ارتباط بالخشبة الميزانسينية والعرض الركحي، ولم ينتقل بعد إلى رفوف المكتبات الورقية والرقمية أو الأقراص الممغنطة. ولم يدخل بعد حيز النشر والطبع. فلا نملك من المطبوع والمنشور سوى تسعة نصوص مسرحية ليس إلا، وهذا عدد قليل وغير كاف للحديث عن نصوص مسرحية أمازيغية مطبوعة ومدونة، يمكن الاعتماد عليها أو نجعلها متونا للدراسة والتحليل والتفكيك، سواء في الحقل النقدي أم الحقل الثقافي أم الحقل التربوي والديداكتيكي. ومن جهة أخرى، يمكن الحديث في المستقبل القريب عن مسرحيات الأقراص، والمسرحيات الرقمية، ومسرحيات الكتب. بيد أن هناك مشاكل عويصة تتعلق بالمسرح الأمازيغي المكتوب بمنطقة الريف تتعلق بالكتابة واستعمال الخط. فهناك من يستعمل الخط العربي، وهناك من يفضل الخط اللاتيني، وهناك من يعجبه خط تيفيناغ. وهنا، أدعو كافة المبدعين الريفيين وكتاب المسرح الأمازيغي أن يستعملوا الخطوط الثلاثة جميعها لتسهيل عملية القراءة على المتقبل الراغب في الاطلاع على المسرح الأمازيغي الناطق بالريفية، وأيضا لإرضاء أذواق الجماهير من مختلف الفئات، سواء أكانت متعلمة أم غير متعلمة. فلقد لاحظت بأن الخط اللاتيني بقواعده الإملائية يثير صعوبة كبرى على مستوى متابعته سطرا فسطرا، وقراءة المسرحية في ضوئه بخصائصه اللسانية المعقدة. أما خط تيفيناغ، فمازال الناس لم يتمثلوا هذا الخط جيدا. لذا، أفضل أن نستعمل كل الخطوط الثلاثة المعروفة لكتابة مسرحنا الأمازيغي بمنطقة الريف. 1 – د. عبد الله عاصم: كدية أومليل، القرية الصوفية العالمة، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرابط، الطبعة الأولى سنة 2008م، ص:498؛ 2 – البشير القمري: رجعة ليلى العامرية/ التنين: مطبعة المتقي برينتر، الرباط، الطبعة الأولى سنة 1991م. 3 – عبد السلام بوحجر: ملحمة القمر الأزرق(الصخرة السوداء)، مطبعة دار قرطبة، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى سنة 1993م. 4 – محمد شكري: السعادة، الشركة المغربية للطباعة والنشر، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1994م. 5 – البشير القمري: يا قاضي القضاة، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2002م. 6 – خالد قدومي: الموت بالتقسيط، مطبعة ووراقة المقدم بالناظور، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م. 7 – - جميل حمداوي: نصوص مسرحية للصغار والكبار، مطبعة الجسور، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م. 8 – علي مومن الصافي: أوسان صميدنين، مطبعة الأندلس ، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى سنة 1983م. 9 – البشير القمري: إيكليدن، دار البوكيلي، القنيطرة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2002م. 10 – انظر محمد حمداوي: ذاكرة المهرجان الربيعي لمسرح الطفل، منشورات حركة الطفولة الشعبية بالناظور، الطبعة الأولى سنة 2007م، مطبعة بنعزوز، ص:377-391. 11 – جميل حمداوي: (نحن أحفاد ماسينيسا)، نصوص مسرحية للصغار والكبار، مطبعة الجسور، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م. 12 – Ahmed Zahid:Imzran.Infoprint, 2008.64pages. 13 – محمد بوزكو: واف، شكة مطابع الأنوار المغربية، وجدة، الطبعة الأولى سنة 2009م. 14 – بشير القمري: أحيدوس، دار التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2010م؛ 15 -Said Abaenus : Taslit N Wzru ; AL Anouar Almagheibia, Oujda, Maroc, 1011. 16 – Azroual Fouad: Anazur D middn, IRCAM, Rabat, Maroc; 1911. 17 – الحسن المساوي: الله ءيهانيك ءاباري، شركة الأنوار المغاربية، وجدة، المغرب/ الطبعة الأولى سنة 2012م. 18 – فؤاد أزروال: أناروز ذ ميدان، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2011م، الغلاف الخارجي.