حميد المهدويكثيرا ما تردد على مسامعنا تفوق اليد العاملة الأجنبية على اليد العاملة المغربية على مستوى المهارات والكفاءات المهنية، دون أن يفتح المجال لسؤال وجودي هل هذا التفوق مرتبط بشروط ذاتيةبيولوجية تتعلق بمؤهلات طبيعية تختزنها المادة الوراثية "ADN" للفرد الأوربي، أم أن الأمر يرتبط بشروط موضوعية تتجلى في طبيعة النظام التعليمي والسياسي والإقتصادي ..الذي ينشأ داخله ذلك الفرد الأوربي؟ المتأمل للتاريخ الأوربي سيكتشف بسرعة أن الأمر مرتبط بشروط موضوعية وليست ذاتية، حيث كان الفرد الأوربي قبل دخول بلاده مرحلة الحداثة وعصر الأنوار؛ أي خلال "المجتمع الكنيسي" الذي يجهض المبادرات الفردية عديم العطاء متواضع المهارات والكفاءات، لكن ما أن تحررت الإرادة الفردية بعد أن تبلورت مبادئ الحداثة الأربع متمثلة في قيم: "الفردانية" و"الحركية" و"السببية" و"المصلحة" ، حتى أصبح الفرد الأوربي أكثر نشاطا وإبداعا مما ساعد على التطور الكبير الذي عرفه المجتمع الأوربي. في المغرب وإن حاول الواقع أن يوحي بتحرر الإرادة الفردية فإن الحقيقة عكس ذلك بكثير، حيث لازال الإنسان أسير إرادة خارجة عن إرادته وهي التي تتبلور في المناهج التعليمية المستوحاة من ثقافة إتكالية تذكي الخمول والكسل في المتعلم أكثر من أن تزرع فيه روه النشاط والإبداع. إن العقل، كما قال ديكارت، هو أعدل قسمة بين البشر، حيث يتمتع بنعمته جميع البشر، ويبقى الفرق فقط في طرق إستعماله وكيفية توظيفه مما يبدد الأوهام حول تفوق طبيعي للجنس الأوربي أو الغربي على الجنس العربي أو المغربي. هناك مغاربة أثبتوا تفوقهم في عدد من المجالات والميادين رغم إمكاناتهم المتواضعة ويكفي أن نذكر ما حققه بادو الزاكي مع المنتخب المغربي لكرة القدم سنة سنة 2004، بتونس عندما قاد المنتخب المغربي للنهائي رغم أنه كان يتقاضى أجرا هزيلا جدا مقارنة مع المدرب غيريتس الذي يتلقى أجرا ربما يفوق أجر بنكيران وحكومته، ومع ذلك مرغ كبريائنا في التراب، كما برع المغاربة في مجالات أخرى نذكر المفكر المهدي المنجرة، العالم المستقبلي الذائع الصيت، والذي تنبأ بالربيع العربي وبحرب الخليج، إضافة إلى عدد من الأطر المغربية المتألقة في الخارج، وهي التي تلقت تكوينا بالمدارس الأجنبية مما يؤكد ان المسألة هي مسألة تربية وشروط سياسية مرتبطة بتحرير الإرادة المغربية بالدرجة الأولى وليست مسألة قدرية أو مرتبطة بأمور ذاتية طبيعية.