سعيد العمراني: كاتب و صحفي مغربي مقيم ببلجيكا منذ بدايات الثورات في بلدان شمال إفريقيا و الشرق الأوسط، و أوروبا تبدو حائرة في أمرها، و متذبذبة في مواقفها، و مترددة في خطواتها، إذ ساندت الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي إلى آخر دقيقة من عمر حكمه، ترددت كثيرا فيما يخص حالة مصر، و تدخلت عسكريا و بلا هوادة في ليبيا، ضد الزعيم الليبي معمر القدافي و قواته، وصمتت على ما وقع في البحرين، و بقيت متفرجة إلى حدود اليوم حول ما يجري من مجازر في كل من اليمن و سوريا، و دارت ظهرها لحركة 20 فبراير في المغرب، و انحازت كليا لأطروحة المخزن للإصلاح السياسي. ومن جهة أخرى فأوروبا تحاول تدبير أزمتها الاقتصادية و المالية العميقة خشية من انتقال عدوى الثورات الشعبية إليها، و خاصة بعد اندلاع احتجاجات و مواجهات عنيفة في كل من اليونان و اسبانيا و بريطانيا. بين هذا و ذاك، تعددت الاجتماعات و المشاورات على أعلى مستوى بين مسئولي دول الاتحاد الأوروبي، كما تبنت خططا علانية منها و السرية لتمكين حل مشاكلها و الحفاظ على توهجها و قوتها و سيطرتها على العالم رفقة الولاياتالمتحدةالأمريكية. أوروبا اليوم منذ الحرب العالمية الثانية، دخلت أوروبا في إعادة بناء نفسها في إطار ما سمي آنذاك بمشروع مرشال، بعد أن دمرت نفسها بنفسها عبر حروب نازية و فاشية طاحنة أدت إلى إحراق الأخضر و اليابس. لكن بالرغم كل ما وقع استطاعت إعادة بناء نفسها و دوت جراحاتها بالحوار، و بدعم أمريكي منقطع النضير، نضرا للتخوف آنذاك من الزحف الشيوعي الصاعد في روسيا و عموم دول أوروبا الشرقية. سادت تلك المرحلة حربا باردة بين أروبيتين شرقية و غربية، بل معسكرين شرقي و غربي إلى أن سقط جدار برلين و سقطت معها التجربة الاشتراكية السوفياتية كلها، بعد أكثر من64 عاما تقريبا من قيامها (من 1917 إلى بداية التسعينات). و في خضم هذا الصراع كانت أوروبا تمهد لوحدتها الاقتصادية، إذ استمر مسلسل التوحيد نصف قرن تقريبا حتى توصلت إلى توحيد مؤسساتها و كلمتها و عملتها و العديد من قوانينها، بالرغم من الاختلافات التي لازالت تطفوا على السطح من حين لآخر. و بذلك تمكن الاتحاد الأوروبي من التوسع شمالا و جنوبا، من البحر الأبيض المتوسط جنوبا إلى الحدود المتاخمة لروسيا شمالا، حتى وصل عدد الدول المنضوية في الاتحاد إلى 27 دولة مجتمعة في منظومة واحدة، بعد أن كانت لا تضم إلا ثلاثة دول فقط (دول البينيلوكس). و جاء هذا التوسع نحو الشمال على حساب دول الجوار جنوب البحر الأبيض المتوسط، إذ فشلت كل المشاريع، فيما فيها ما سمي بالاتحاد المتوسطي و قبله معاهدة برشلونة، الذي كانت تعدنا بجعل بحيرة البحر الأبيض المتوسط بحيرة سلام و امن و ازدهار، و يرجع احد أهم أسباب فشلها إلى عجز أوروبا و العالم اجمع إيجاد حل عادل و منصف للقضية الفلسطينية، و انحيازها التام و الأعمى لصالح أطروحة إسرائيل، إضافة إلى انشغالها بهمومها الاقتصادية و السياسية و كذا إعطاء الأولوية إلى دول أوروبا الشرقية ذات الهشاشة الاقتصادية و السياسية. هل وصلت أوروبا سقف تطورها؟ أضحت أوروبا في السنوات الأخيرة محط انتقادات بكل ما يصاحبها من أسئلة مقلقة حول مستقبل وحدتها و تطورها الاقتصادي و السياسي، و خاصة بعد عجزها لمواجهة الأزمة الاقتصادية و المالية التي أصابتها، مما ادخلها في دوامة من الأزمات، لم يتوقف نزيفها بعد، نظرا لعجزها لإيجاد مشاكل مزمنة لدول مهمة و إستراتيجية في الاتحاد الأوروبي و التي شكلت دوما حزاما امنيا وآمنا لحدودها الجنوبية و خاصة منها اسبانيا و اليونان و ايطاليا. إذ أدت هذه الأزمة إلى إجهاض التطور الاقتصادي للدول المشار إليها أعلاه بالإضافة إلى دولة البرتغال، مما أسفر على خلق تناقضات حادة بين دول الاتحاد و خاصة بين ألمانيا مدعومة بدول أوروبا الشرقية السابقة و باقي الدول الاتحاد، إذ رفضت ألمانيا مثلا أكثر من مرة ركوب مغامرة انقاد اقتصاد اليونان على حساب مصالح شعبها و وضعها الاستراتيجي القريب من دول أوروبا الشرقية سابقا. هذا التصادم في المواقف أدى إلى تهديد للمؤسسات الأوروبية، إذ تطرح اليوم بقوة مواضيع و لأول مرة مثل إعادة النظر في العملة الموحدة " الاورو"، و مسالة الالتزام بمواثيق الانتماء للاتحاد، كما تم تعليق العمل بمعاهدة "شينغل" مؤخرا، خاصة بعد رسوا أعدادا هائلة من المهاجرين السريين على الشواطئ الايطالية بسبب ما تشهده اليوم كل من تونس و ليبيا. هذه الوضعية الناتجة عن الركود الاقتصادي و عن غياب إرادة حقيقية لإيجاد حلول جذرية لبعض الأزمات، أضحت بلا نهاية. فبلجيكا، مثلا، لم تتمكن بعد عام و شهرين من تشكيل حكومتها الفدرالية، و تبدو غارقة في نزاعات فرضتها أجندة بعض الأحزاب الفلامانية اليمينية و اليمينية المتطرفة. فوضعية بلجيكا هده، لا يعكس في الحقيقة إلا صورة مصغرة لازمة لأوروبا اليوم، التي أصبحت تتجه كليا نحو اليمين بما فيه اليمين المتطرف، بكل ما يحمله من عودة الكراهية و العداء و التمييز و العنف ضد الأجانب، و تصاعد الاسلاموفوبيا كما حدث مؤخرا بدولة الدانمرك، بالإضافة إلى تصفية مهاجرين مغاربة بدم بارد باسبانيا. فحتى الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، ذات البرامج بأبعاد اجتماعية، بدأت تنسحب تدريجيا و هي مرغمة من سدة الحكم، إذ لم تعد تحكم اليوم إلا في جهة والونيا ببلجيكا و كذا مؤقتا في كل من اسبانيا و اليونان، أي البلدان التي تعيش وضعا اقتصاديا صعبا. بما يعني أن حكمها سينتهي في أول انتخابات تشريعية و رئاسية ستشهدها هذه البلدان. هذا ناهيك إلى ما أصاب أوروبا من عقم و جمود فكري و أدبي و فلسفي. فأوروبا اليوم لم تعد تنتج لا كارل ماركس، و لا هيجل و لا مونتسكيو و لا كانت و لا جو جاك روسو ولا غاليلي و لا بيكتورهيغو ولا غيرهم من المفكرين و العلماء الكبار الذي انتجتهم أوروبا المعاصرة و خاصة إبان عصر الأنوار. أوروبا و الهجرة في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية إن أول ضحايا الأزمة الاقتصادية و المالية التي مست الدول الغنية في السنوات الأخيرة، و التي ألقت بضلالها على باقي دول العالم، ا لا و هي الهجرة. و ابرز مظاهرها هو ما تشهده اليوم كل من اسبانيا و ايطاليا، حيث انسدت كل الأبواب أمام المهاجرين لإيجاد شغل يضمن لهم و لعائلاتهم نوعا من الاستقرار المادي و النفسي. فاليد العاملة المغربية مثلا في هذين البلدين كانت تشكل الجالية رقم واحد، من حيث الحضور أو من حيث تحويل الأموال إلى المغرب، لكن الأزمة الاقتصادية، خلقت وضعا صعبا و خطيرا، يتسم بتصاعد موجة من العداء و الكراهية للمهاجرين، باعتبارهم الحلقة الأضعف من حلقات أزمة النظام الرأسمالي. فإن نضرنا إلى كل البلدان الأوروبية، فنجدها تتجه عموما نحول اليمين، بل نحو اليمين المتطرف، بكل ما يشكله من تهديد و عداء للمهاجرين بشكل عام. و هذا ما يكرس سياسات الإقصاء و التهميش المتعمد أحيانا للولوج إلى مناصب الشغل و السكن اللائق و التعليم و التكوين... الخ. إذا كانت سياسة الدول الأوروبية تجاه الهجرة تأخذ منحي الرفض الذي يلبس لبوسا أمنيا، فان برامج كل الأحزاب الأوروبية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، لا تخلو اليوم من موضوع الهجرة. فإذا كانت برامج اليمين المتطرف تدعو إلى تطهير المجتمعات الأوروبية من المهاجرين، و مواقف اليمين "المعتدل" تتراوح بين القبول بمبدأ "الهجرة المختارة" تلبية لاحتياجات الاقتصاد الأوروبي، ونهج سياسة الطرد و التمييز والإقصاء من جهة ثانية، فان أحزاب اليسار، كثيرا ما تتعامل مع الهجرة كورقة رابحة في الانتخابات، حاملة لبعض مطالبها، مقدمة نفسها كمدافعة عن مطالب المهاجرين في المساواة و الحق في المواطنة. أوروبا و دول جنوب البحر الابيض المتوسط تفاجئت دول الاتحاد الأوروبي كما تفاجئ كل المتتبعين بالثروات المتسارعة و المتزامنة التي تشهدها العديد من بلدان جنوب بحر الأبيض المتوسط. و ازدادت ارتباكا و ترددا بين دعم التغيير في المنطقة و بين مساندة الأنظمة الديناسورية التي حكمت المنطقة بقبضة من حديد منذ عقود، إن لم نقل منذ قرون من الزمن، و هي في مجملها أنظمة فاسدة و ظالمة وغير ديمقراطية و تابعة للغرب. فدبلوماسية الاتحاد اختلفت حول التعامل مع إرادة التغيير اللا متناهية لشعوب المنطقة، إذ تراوحت بين الصرامة و الانتظار و التواطؤ، دون أن ننسى بأنها و الولاياتالمتحدةالأمريكية تعملان على ربح الوقت من اجل فهم خبايا الصراع في المنطقة و التحكم أكثر في الوضع، و توجيهه وفق هواها، لتستقر هذه الثورات في آخر المطاف في خدمة مصالحها الإستراتيجية من جديد، لكن هذه المرة بطرق مختلفة و باليات جديدة. فالإسلاميون لم يعودوا "بعبعا" بالنسبة للغرب، إن ضمنوا مصالحه و استراتيجياته المبنية على النهب و الاستغلال، و التحكم في مصير شعوب المنطقة. فالولاياتالمتحدة و أوروبا يحاوران اليوم بشكل مباشر الحركات الإسلامية ذات النفوذ الجماهيري، إذ تتحدث وسائل الإعلام عن عدة لقاءات بين الإخوان المسلمين بمصر و مسئولين عن السفارة الأمريكية في القاهرة، كما أن السفارة الأمريكية في الرباط استقبلت وفدا من العدل و الإحسان لاكتشاف نواياها على حد تعبير الصحافة المغربية. و هذا الخبر لم تنفيه جماعة العدل و الإحسان. من خلال هذا التعامل الذكي، يمهد من خلاله الغرب، إعادة السيطرة على المنطقة. فالإسلاميون لم يعودوا يشكلون تهديدا للغرب كما كان يتصور، أو عندما كان يخوف بهم شعوبه. و تشكل التجربة التركية التي يديرها اليوم حزب العدالة و التنمية الإسلامي، مرجعية مهمة بالنسبة للغرب. فحزب العدالة و التنمية التركي حافظ على استقرار تركيا، دون المس بمصالح الغرب. فتركيا لازالت عضوا نشيطا في الحلف الأطلسي، وتحمي اكبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، و تتمتع بعلاقات ممتازة مع الغرب. فحتى حادثة أسطول الحرية التي عكرت مؤقتا صفو علاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل، فتركيا لا تطالب أكثر من تقديم إسرائيل لاعتذار رسمي، عن ما حدث لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها. إلى أي حد تهدد الثورات في دول جنوب و شرق المتوسط الغرب؟ إذا استثنينا تصدير مظاهر التظاهر و الاعتصامات إلى بعض الدول الأوروبية، كاليونان و اسبانيا و بريطانيا، بالإضافة إلى رسوا أعدادا هائلة من المهاجرين السريين على شواطئ ايطاليا، فالي حدود اليوم، ليست هناك بوادر، أو أي مظهر من مظاهر العداء للغرب أو لمصالحة في جميع الدول التي تشهد الثورات و على رأسيها تونس و مصر. فالنفط و الغاز لازال يتدفق بكميات وافرة على الأسواق الدول الغربية. و ثورة مصر اختفت فيها الشعارات المعادية لإسرائيل، و علاقة البلديين لازالت على ما يرام. كما أن تونس الثورة حافظت على توهج علاقاتها مع باريس، بالرغم أن ساركوزي ساند رئيسها المخلوع إلى آخر دقيقة من حكمه. لذلك فالغرب لم ينزعج في أي شيء من التغيرات الجارية في المنطقة، بل أصبح فاعلا أساسيا فيها، و خاصة بعد أن منح له القدافي فرصة ذهبية للتدخل عسكريا و امنيا، عندما تمادى في قمع شعبه بشكل وحشي، إذ بذلك وفر غطاءا للغرب للتدخل العسكري لتدمير كل البنيات التحتية لليبيا. ليبيا الغار و البترول، لإعادتها إلى عصور ما قبل التاريخ، و إلحاقها بالصومال، تماما كما فعل الغرب مع العراق و أفغانستان. أما على مستوى المضامين، فان كل الشعارات و المطالب المعلنة للثورات في المنطقة تدعو في عموميتها إلى تطبيق النموذج الغربي للديمقراطية: التعددية، المواطنة، المساواة، العدالة و الكرامة، و الملكية البرلمانية، و احترام حقوق الإنسان، إضافة إلى مطالب الشغل و التعليم و السكن. كل هذه المطالب يتقاسمها الغرب بل سبق لشعوبه أن ناضلت من اجل تحقيقها، منذ عقود إن لم نقل قرونا من الزمن. ما يمكن ربحه أو ما يمكن أن يهدد الغرب فعلا هو مبدأ الشفافية و مبدأ المحاسبة، و عدم الإفلات من العقاب، و خاصة تلك المتعلقة بشفافية الصفقات في حالة ما انتصرت الديمقراطية في آخر المطاف، بحيث لا يمكن آنذاك لبنهيمة بيع 30 في المائة من الخطوط الجوية الملكية إلى شركات فرنسية دون أي مسائلة، و أن يعرف مصير الأرباح الهائلة لهذه الشركة باعتبار أن تذاكرها تعد الأغلى في العالم. كما أن الشعب بإمكانه أن يعرف كيف تم بيع مؤسسات القطاع العام بابخس الاثمنة، و كيف يتم تفويت الأراضي باثمنة رمزية لصالح المستثمرين و أصحاب النفوذ، و أين تذهب أموال الصيد في أعالي البحار، و أين تذهب موارد الفوسفاط و تحويلات المهاجرين، و ان كيف تهدر أموال الشعب بدون رقيب أو حسيب.. الخ. أوروبا تسارع الزمن لم تكتفي أوروبا بالتدخل عسكريا في ليبيا، و سياسيا في المغرب، لتوجيه مسار التغير. فأي تغيير هذا بعد نشر الحقد م القتل و الدمار في ليبيا، و أي إصلاح عندما تدعم أوروبا بشكل أعمى النظام المغربي و توجهاته التي تحافظ على كل السلطات في يد واحدة ضدا على المطالب المشروعة و السلمية لحركة 20 فبراير. ففي خضم هذه الثورات الغير المحسومة بعد، اصدر الاتحاد الأوروبي بلاغا بتاريخ 11 غشت الجاري، يعلن فيه عن دعمه للإصلاحات في المنطقة، و شكل صندوقا للدعم، سماه ب "السند" و خصص له غلافا ماليا قدره 30 مليون اورو، ساهمت فيه ألمانيا وحدها ب 80 بالمائة، و باقي دول الاتحاد ب 20 في المائة. و جاء ذلك في إطار ما يسميه البلاغ ب " دعم اقتصاديات العالم العربي الهش". و وعد الاتحاد الأوروبي في نفس البلاغ، بان هذه الخطوة ستليه خطوات مماثلة في غضون هذه السنة، و ذلك لدعم مشاريع خاصة و شبه خاصة. كما شدد البلاغ بان "هذا الصندوق سيمكن الشركات الصغرى و المتوسطة من ديون" هذا الصندوق. وذكر البيان بالاسم الدول التي ستستفيد من هذا الصندوق و هي كالتالي: مصر، الأردن، لبنان، تونس، المغرب و الأراضي الفلسطينية، حسب لغة البيان. و وزى هذا البلاغ، إعلانا ثانيا يعلن فيه الاتحاد دعمه للإصلاحات الجارية في المغرب، إذ أعلن عن توفير دعم مالي مهم، قدر بمليار و 572 مليون درهم. و هذه الخطة سماها البلاغ بخطة "مواكبة الإصلاحات بالمغرب". و في سابقة أعلن بلاغ الاتحاد أولوياته من خلال هذا الدعم، بحيث يقول البلاغ بان برنامج العمل السنوي الخاص بالتعاون صادق على تخصيص غلاف مالي يقدر ب 396 مليون درهم للتربية و دعم المساواة بين المرأة و الرجل. و 981 مليون درهم لدعم برنامج إنجاح الوضع المتقدم الممنوح للمغرب منذ سنتين خلت. و 215 مليون لدعم تنمية أقاليم الشمال. و الواضح أن هذا الدعم لم يخفي في شيء انشغالات و أولويات الغرب، ولم يغير في استراتيجياته تجاه دول الجنوب أي شيئ. فتنمية أقاليم الشمال و التذكير بالاسم إقليمالحسيمة، تهدف أساسا محاربة زراعة الكيف، و الحد من الهجرة، باعتبار أن الأغلبية المطلقة من المهاجرين المقيمين بأوروبا هم من أبناء الشمال المغربي. و هذه الهجرة، كما يعلم الجميع لها أسبابها و دواعيها، أبرزها التهميش المتعمد الذي تعرضت له هذه المنطقة منذ الاستقلال الشكلي إلى يومنا هذا. أما دعم برنامج إنجاح الوضع المتقدم الذي يتمتع به المغرب، فالمقصود منه، تحديث الأجهزة الأمنية و المؤسساتية لرفع مستوى أداء المغرب لالتزاماته، و المتمثلة أساسا لعب دور الشرطي في المنطقة وحماية الحدود الاسبانية، عبر تمكنه من آليات فعالة لدعم استقراره الأمني و السياسي و لو على حساب الإصلاح السياسي العميق الذي يفضي حقا إلى بناء دولة المؤسسات. وفي تاريخ 19 غشت، أطلعتنا الجريدة الالكترونية المغربية "هيسبريس" بخبر - لم نتأكد من صحته- مفاده أن المفوضية الأوروبية قدمت دعما ماليا ثالثا قدر بحوالي 380 اورو "في صورة مساعدات للتنمية لخمسة دول تضررت من الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالديمقراطية، و ان المغرب سيحصل على 139 مليون، وهو المبلغ الأكبر من بين المساعدات، فيما ستحصل مصر على 100 مليون أورو، وستحصل الأردن على 71 مليون أورو، و الجزائر على 34,5 مليون أورو. فإذا كان هذا الدعم يستحسن، و متمنين له أن يصل إلى كل من يستحقه من المواطنين، إلا أن السؤال يبقى لماذا هذا الدعم الأوروبي في هذا الوقت بالضبط؟ تلك الأوروبا التي عجزت حتى على إنقاذ اقتصاد بعض دولها من الانهيار؟ و هل هذا الدعم يصل فعلا إلى المعنيين بالأمر؟ فحسب إحدى الدراسات التي قامت بها إحدى المنظمات الغير الحكومية الايطالية، فانه لا يصل إلا واحد في المائة من الميزانيات المخصصة إلى مشاريع التعاون و التنمية المحددة من طرف الغرب لدعم مشاريع التنمية في دول الجنوب، أما 99 في المائة منها فتصرف على اللوجيستيك و اجر الموظفين و تجهيز المكاتب هنا و هناك و مصاريف الهواتف و الحواسيب ، وكراء المقرات...الخ. بمعنى آخر أن أوروبا، بهذه المشاريع تعمل على خلق مناصب شغل لمواطنيها و تذر الرماد في عيون شعوب الجنوب. ناهيك إذا تحدثنا على مسالة الفساد و تهريب الأموال بدول الجنوب. فحسب نفس الدراسة، فان أموال المخصصة للتعاون و التمنية، كثيرا ما تعمل " دومي تور". أي بدل تنمية المناطق المستهدفة، يقوم ضعاف النفوس بتحويلها إلى ابناك سويسرا.