بعد مرور شهور على دخول ملف الصحراء إلى مرحلة جمود إثر إعلان هورست كوهلر استقالته من منصبه كمبعوث أممي للصحراء يوم 22 ماي الماضي لدواع صحية، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرا يتضمن تصريحات لمسؤولين أمريكيين يؤكدون أن الاستقلال ليس خيارا بالنسبة للولايات المتحدة لتسوية النزاع حول الصحراء المغربية. هذا التقرير، الذي تزامن مع شروع الدول الدائمة العضوية في التداول بشأن تعيين المبعوث الأممي الجديد للصحراء وسط تقارير تؤكد ضغوطا أمريكية لتعيين دبلوماسي أمريكي، قرأها بعض المتابعين كإشارات على أن الملف أصبح أقرب للحل من أي وقت مضى. غير أن الخبير في العلاقات الدولية ورئيس تحرير موقع Morocco World News، الدكتور سمير بنيس يعتبر بأنه سيكون من الصعب على الولاياتالمتحدةالأمريكية فرض حل لنزاع الصحراء يتماشى مع الموقف المغربي، في الوقت الراهن. ووصف تقرير الوال ستريت جورنال ب "غير المفاجئ" وبأنه تحصيل حاصل. دعم أمريكا للوحدة الترابية للمغرب.. موقف غير مفاجئ وقال بنيس إن تقرير الوال ستريت جورنال جاء "ليعيد هذا الملف من جديد إلى الواجهة الدولية بعد ثلاث أشهر من تبني مجلس الأمن للقرار 2468، وهي فترة تميزت شيءً ما بالجمود في العملية السياسية، خاصة بعد أن قدم المبعوث الشخصي للأمين العام إلى الصحراء، هورست كولر، استقالته من منصبه. ولعل أهم نقطة حملها التقرير بين السطور هي رفض الإدارة الأمريكية لإنشاء دولة مستقلة في جنوب المغرب. فعلى الرغم من أن كاتب التقرير لم يشر بشكل واضح إلى الجهة الأمريكية التي أكدت رفض الولاياتالمتحدة إنشاء كيان جديد في الصحراء، إلا أن ما قاله يترجم التوجه العائم السائد في واشنطن ويبدد التخوفات التي انتابت المغرب منذ تعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي للرئيس الأمريكي." فبحكم مواقف بولتون المعروفة بخصوص قضية الصحراء المغربية وبدعمه لحل النزاع حول الصحراء عن طريق تقرير المصير وبالدور الذي لعبه في صياغة اتفاق التسوية الذي تم بموجبه وقف إطلاق النار وفي صياغة مقترحي المبعوث الشخصي للأمين العام، جيمس بيكر، عامي 2001 و2003، يقول سمير بنيس، "فقد كان هناك تخوف لدى المراقبين في المغرب من أن تشهد العملية السياسية التي ترعاها الأممالمتحدة تحولاً غير مسبوق يلعب لصالح الجزائر والبوليساريو. " إلا أن مجريات الأحداث خلال ما يقرب من 18 شهراً بعد تعيين جون بولتون في الإدارة الأمريكية أكدت، حسب الخبير في العلاقات الدولية، "أنه مهما كانت قوة الشخصية التي يتمتع أي مسؤول أمريكي ومواقفه من أي قضية ما، إلا أنه لا يمكنه فرض مواقفه الشخصية أو اتخاذ مواقف تتعارض مع المصالح الأمريكية أو على حساب علاقاتها الاستراتيجية مع شركائها أو بمعزل عن التشاور مع باقي مكونات الإدارة الأمريكية، بما في ذلك وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والكونغرس وأن عملية اتخاذ قرارات السياسة الخارجية جد معقدة داخل الإدارة الأمريكية وتخضع للعديد من التوازنات وللعديد من الضوابط على رأسها تماشي أي قرار مع التوجهات العامة للسياسة الخارجية الأمريكية ومع مصالحها العليا." وأشار بنيس إلى أن مجيء بولتن لم يؤثر بشكل سلبي على مصالح المغرب وموقفه الثابت بخصوص قضية الصحراء، لأن "البيت الأبيض ليس هو الجهة الوحيدة التي تتدخل في عملية اتخاذ القرار، وأن هذه العملية تخضع لتداول ونقاشات داخلية مطولة بين مختلف الجهات في الإدارة الأمريكية، بما في ذلك البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع، دون أن ننسى الدور المؤثر الذي يلعبه الكونغرس. وفي حالة المغرب وبالنظر للعلاقات القوية التي يتمتع بها المغرب مع الولاياتالمتحدة وللدور الذي يلعبه في الحفاظ على استقرار منطقة شمال افريقيا والساحل وفي مكافحة الإرهاب والتطرف، فمن المستبعد أن تتخذ الولاياتالمتحدة قرارا قد ينسف بموقف المغرب بخصوص الصحراء. فالانطباع السائد الذي العديد من المحللين والخبراء الأمريكيين هو أن إنشاء دويلة في جنوب المغرب قد يعصف باستقرار المنطقة ويجعها عرضة لخطر الإرهاب، مما قد يعصف بالمصالح الأمريكية في شمال افريقيا والساحل وافريقيتا جنوب الصحراء." وأضاف الخبير في العلاقات الدولية أن مجريات الأحداث في مجلس الأمن خلال الثمانية عشرة أشهر الأخيرة أظهرت أن المغرب لم يستطع فقط الحيلولة دون وقوع أي تطور يتعارض مع موقفه الثابت، بل "إنه استطاع تحقيق مكتسبات جديدة أهمها ذكر الجزائر في القرارين الأخيرين لمجلس الأمن 2440 و2468 واعتبارها بشكل تدريجي طرفاً رئيسيا في النزاع. كما أن المغرب حافظ على الدعم الذي يحظى به داخل مجلس النواب الأمريكي على الرغم من وجوده تحت سيطرة الحزب الديمقراطي عقب الانتخابات التي عقدت في شهر نوفمبر الماضي." بالنظر إلى الموقف الذي تبنته الإدارات الأمريكية المتعاقبة بخصوص الصحراء، بما في ذلك إدارة بيل كلينتون وجورج بوش الأبن وباراك أوباما ودونالد ترامب، يقول سمير بنيس، "فلا يمكن اعتبار ما تضمنه التقرير الذي نشرته صحيفة الوال ستريت جورنال بالمفاجئ، بل يمكن اعتباره بتحصيل حاصل. ففي حوار أجراه الرئيس الموريتاني السابق محمد عبد العزيز مع الصحفي الفلسطيني الشهير عبد الباري عطوان في شهر أبريل الماضي، أكد له أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا لا تؤيدان فكرة إنشاء دولة بين المغرب وموريتانيا وأن كواليس المفاوضات بخصوص النزاع تصب في صالح المغرب." وذكر بنيس أن وثيقة من وزارة الخارجية الأمريكية تم رفع السرية عنها في الأشهر القليلة الماضية أظهرت أن الولاياتالمتحدة كانت وراء قرار إقبار خيار التوصل لحل للنزاع حول الصحراء عن طريق استفتاء تقرير المصير وأنها طلبت من المغرب منذ عام 1999 صياغة اقتراح لتمتيع الصحراء بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. . وقد تجلى الطلب الأمريكي للسلطات المغربية، وفق بنيس، من خلال التسريبات التي نشرها موقع ويكيليكس حول العلاقات بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية والدور الذي لعبته واشنطن في تشجيع المغرب على تقديم المقترح الذاتي. وفي الصدد، يوضح سمير بنيس، "تُظهر مراسلة دبلوماسية صادرة عن السفارة الأمريكية في الرباط بتاريخ 2 مارس 2006 كيف أن ويليام جوردان، مدير مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك عبر خلال اجتماعات أجراها مع مسؤولين في وزارتي الخارجية والداخلية المغربية في شهر فبراير 2006 أن الولاياتالمتحدة كانت تنتظر باهتمام كبير أن يقوم المغرب بإماطة اللثام عن مقترح الحكم الذاتي وتقديمه لمجلس الأمن. وخلال نفس الاجتماعات، أوضح المسؤول الأمريكي أن واشنطن تشاطر موقف العديد من الدول القائل بأن إنشاء دولة مستقلة في الصحراء تعتبر فرضية غير قابلة للحياة وأن الحل الأكثر واقعية هو تمكين الصحراويين من الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. كما أوضح المسؤول الأمريكي أنه بعد تقديم المبعوث الأممي السابق، جيمس بيكر، استقالته، فقد دخلت العملية السياسية للأمم المتحدة حول النزاع مرحلة جديدة وأن الإدارة الأمريكية تنتظر تقديم المغرب لمقترحه للحكم الذاتي لتحويل مجرى المفاوضات وجعلها ترتكز على المقترح المغربي." "وقد كان ذلك هو الأساس الذي بني عليه المغرب لتقديم مقترح الحكم الذاتي لمجلس الأمن في شهر أبريل 2007. ومنذ ذلك الحين، فقد عبرت الولاياتالمتحدة في أكثر من مناسبة عن دعمها للمقترح المغربي باعتباره "جديا وواقعيا" ويهيئ الأرضية لتمتيع الصحراويين المغاربة بالحكم الذاتي. ولم يخرج الموقف الأمريكي عن هذا الإطار حتى في أصعب الفترات التي مرت بها العلاقات بين المغرب والولاياتالمتحدة خلال الولاية الثانية للرئيس السابق باراك أوباما،" يضيف نفس المتحدث. روسيا.. حجر عثرة أمام الضغوط الأمريكية لإيجاد حل لكن، هل بإمكان الإدارة الأمريكية فرض موقفها وجعل مقترح الحكم الذاتي هو الإطار الأساسي للعملية السياسية الأممية؟ يجيب سمير بنيس عن هذا السؤال قائلا إنه بالنظر للتجارب السابقة، "فيمكن القول إن هذا الهدف سيكون صعب المنال، خاصةً وأنه ليس بإمكانها فرض تصورها على باقي الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن." وأشار بنيس إلى أن مجلس الأمن كان قد عاش نفس السيناريو عامي 2007 و2008 حينما حاولت إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن جعل مقترح الحكم الذاتي أساس العملية السياسية، غير أن الجهود التي قامت بها وزير الخارجية الأمريكية آنذاك، كوندوليزا رايس، قبيل اعتماد القرار 1754 في شهر أبريل 2007 والقرار 1783 في شهر أكتوبر 2007 لجعل المقترح المغربي هو أساس العملية السياسية للأمم المتحدة لاقت معارضة كل من روسيا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى إسبانيا باعتبارها عضو في فريق أصدقاء الصحراء. وكان مآل الجهود التي قامت بها رايس في شهر أبريل 2008 لفرض المقترح المغربي هو نفس مآل الجهود التي قامت بها عام 2007. وفي حال حاولت الإدارة الأمريكية الحالية فرض المترح المغربي، يوضح سمير بنيس، " فمن المنتظر أن تواجه نفس الصعوبات. فلو سلمنا أن فرنسا ستدعم أي قرار أمريكي يسير في صالح المغرب، فمن المستبعد جداً أن يحظى هذا الموقف بالدعم الروسي، وذلك لاعتبارين مهمين: الأول هو العلاقات القوية التي تجمع بين روسياوالجزائر. فعلى الرغم من كل الجهود التي قام بها المغرب خلال السنوات القليلة الماضية من أجل التقرب من روسيا على رأسها الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس لروسيا في مارس 2016 والتي توجت بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات الهامة، إلا أن العلاقات بين الرباط وموسكو تظل دون مستوى العلاقات بين هذه الأخيرة والجزائر. فعلى سبيل المثال، وحسب مركز ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، كانت الجزائر هي ثالت مستورد للأسلحة الروسية في العالم خلال الفترة ما بين 2007 و2016، كما أنها أول مستورد للأسلحة الروسية في افريقيا." أما العامل الثاني، يضيف الخبير بنيس، وهو العامل الذي سيدفع روسيا لمعارضة أي إرادة أمريكية لفرض حل لنزاع الصحراء يتماشى مع موقف المغرب فيتمثل في "حرص روسيا على إحياء نفس الندية الذي سادت بي البلدين في حقبة الاتحاد السوفياتي. ومن هذا المنطلق، فإن روسيا ستعمل على إفشال أي مخطط أمريكي يهدف إلى فرض الأجندة الأمريكية في المناطق التي تعتبر خاضعة للنفوذ الروسي أو التي تسعى روسيا للعب دور رئيسي فيها." وأشار نفس المتحدث إلى أن حرص روسيا على معارضة أي توجه أمريكي داعم للمغرب قد ظهر من خلال تأخيرها لموعد التصويت على القرار 2414 في شهر أبريل 2018، الذي كان في نسخته الأولى في صالح المغرب ويحمل البوليساريو مسؤولية تأجيج التوتر في منطقة الكركرات والمنطقة العازلة. وحاولت روسيا من خلال تأخير موعد التصويت على مشروع القرار تحميل المغرب نصيب من المسؤولية في ذلك التوتر. كما ظهر الموقف الروسي، وفق الخبير في العلاقات الدولية، من خلال الامتناع عن التصويت عن ذلك القرار، الذي تضمن للمرة الأولى لغة تدعو أطراف النزاع إلى التوصل إلى حل “حل سياسي واقعي وعملي ودائم"، بالإضافة إلى القرارين 2440 و2468، واللذان تضمنا لأول مرة ذكر الجزائر ودعاها للعب الدور المنوط بها في العملية السياسية. وخلص سمير بنيس إلى أنه وبسبب التجاذبات التي يعرفها مجلس الأمن وتعارض المصالح الاستراتيجية للدول الخمس الدائمة العضوية وحرصها على الدفاع عن مصالح حلفائها، "فلا أتصور أنه سيكون بإمكان الأممالمتحدة تحقيق أي تقدم ملموس في العملية السياسية من شأنه أن يعبد الطريق بشكل نهائي نحول التوصل لحل سياسي يرضي جميع الأطراف." وختم الخبير في العلاقات الدولية والمستشار الأممي السابق قائلا "لدي قناعة أن التوصل لحل لهذا النزاع هو بين يدي الجزائر والمغرب، ومادام ليست هناك إرادة سياسية لدى القادة الجزائريين بضرورة طي هذه الصفحة ووضع اللبنات الأساسية لبناء اتحاد مغاربي قوي يلبي طموحات شعوب المنطقة ويتيح لها فرص الاندماج الاقتصادي والتنمية المستدامة، فلن يكون هناك حل واقعي لهذا النزاع."